أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - هل يصلح العطّار ..














المزيد.....

هل يصلح العطّار ..


خيري حمدان

الحوار المتمدن-العدد: 3598 - 2012 / 1 / 5 - 14:19
المحور: الادب والفن
    


عرف العديد من رجال الدولة قدرتي على شفاء المصابين بأمراض مستعصية، لا أنكر بأن لديّ قوّة غير عادية في انتزاع جذور المرض كما النبتة الفتية من التربة الخضراء الرطبة. فوجئت صباح أحد الأيام حين حضر أحد أعوان الزعيم مطالبًا بحضوري على الفور لغاية سامية عليا، لم أكن أملك القدرة على الرفض أو التردد. هكذا عقدت عزمي وانطلقت مع الرجل المعبس القويّ البنيان كجدار صنع من الخرصان. استقبلت بحفاوة عند المدخل وسرعان ما أمر سيادته باستدعائي إلى مجلسه. كان هناك العديد من الأطباء والعطّارين والخبراء، جميعهم متحلقون من حوله يتجاذبون أطراف الحديث. دعاني سموه للجلوس في مكان كان قد خصص لي. عندما رأيت وجهه أصبتُ بالدهشة، لكنّي تمكنت من كبت مشاعري ورسمت ابتسامة على تقاطيع وجهي.
- أنا بأمر سموّكم.
- كما ترى، فقد اسودّ وجهي على حين فجأة، وقد حاول الخبراء والعطّارين في مملكتي تقديم المساعدة، لكن دون فائدة. أخبروني بأنّك عطّار قدير وغالبًا ما تتمكن من التغلّب على الأمراض والأوبئة المستعصية.
بدوري كنت قد أدركت العلّة التي كان يعاني منها الزعيم، لكنّي وتحسبًا من غضبه وبطشه لم أسارع بتقديم الوعود. لم أشأ أن أقترب منه كثيرًا، لكنّي في نهاية المطاف قررت خوض هذه المغامرة.
- هل لنا أن نجلس على انفراد يا سيدي؟ ما أن اكملت هذه الجملة حتى رأيته ينظر آمرًا الآخرين بالانصراف من المكان. ألقوا بالطبع نظرات نارية عليّ لدى مغادرتهم المجلس الأثير. بعد أن خرج الجميع قال سيادته: والآن، أخبرني .. لم يعد في المكان أحد. هل باستطاعتك تقديم المساعدة؟
- نعم ولكن لديّ شرط واحد.
- لك ما تشاء من الأموال والنساء والخيرات يا عطّار العطارين. لكن، اشفيني فأنا غير قادر على مقابلة الملوك والأمراء والرؤساء. كما ترى وجهي أسود قاتم بعد أن كان أبيض في منتهى الإشراق.
- لا أريد مالاً يا سيدي، لكن لا يمكنني تقديم المساعدتة لسموّك سوى في مكان ما بعيدًا عن البشرية، وأقترح إحدى الجزر غير البعيدة عن الديار.
أصيب سيادته بالدهشة واستغرب طلبي كثيرًا. طلب حضور بعض الحرس الذين يثق بهم، وأضاف عابسًا: هل لديك مانع يا عطّار؟ هززت رأسي موافقًا وبدأ التحضير للرحلة بعيدًا عن الرعية والبشر. كان الرجل شديد البطش وقد أودى بحياة الكثيرين من المواطنين وكبار الدولة وقادة الجيش خوفًا من أن ينقلبوا عليه، ولأسباب تافهة لا تذكر أحيانًا، كابتسامة تظهر على ملامح أحدهم دون داعٍ في حضرته، وهذا ما كان يعتبره محاولة للسخرية منه. من جهة أخرى، لم يكن زعيمنا يثق بنفسه بتاتًا، لهذا سرعان ما كان يلجأ إلى استخدام حبل المشنقة والخوازيق بحقّ كلّ من يشكّك في ولائه وطاعته.
ابتعدنا كثيرًا عن العاصمة، لأول مرة وجد الزعيم نفسه على بعد مئات من الكيلومترات عن العاصمة التي تدين له بالطاعة العمياء خوفًا من التنكيل والقتل. لم يخبر سيادته أحدًا بأمر سفره ولا حتى زوجته وأولاده، وكان يأمل بأن يعود قبل أن يدركوا أمر غيابه، خوفًا من الانقلاب على عرشه، لكنه كان مجبرًا على تنفيذ ما طلبت منه ليتخلص من حالة القبح السوداء المفاجئة التي ألمّت به.
وصلنا جزيرة تطلّ على المملكة، وقف الحرس ليس بعيدًا عنّا، بل حاصروني إذا أردنا توخّي الدقّة في سرد هذه الحكاية. كانت عيناه تخترقني بقوّة لا يقدر عليها سوى متجبّر ظالم. كان يحثّني على تنفيذ ما حضرنا من أجله.
- سيدي، أرجو أن تطلب من حرسك الخاص عدم التدخل طِوال عملية العلاج وهي لن تطول كثيرًا على أيّة حال.
- لك ذلك. دعنا نبدأ يا عطّار النحس!
غمز بحرسه طالبًا منهم الابتعاد، وما أن ابتعدوا حتى مددت يدي بجرأة لم أتوقعها أنا نفسي إلى صدره وقبضت عليه بكلّ ما أملك من قوّة، ثمّ سحبت يدي وسط صرخاته التي أخذت ترتفع مع كلّ حركة أقوم بها. حاول الحرس التدخل لإبعادي عنه لكنه لوّح بيده آمرًا إياهم بالابتعاد. بعد لحظات أبعدت قبصة يدي عن صدره فوقع على الأرض مرهقًا. تقدّمت ببطء نحو البحر وما أن وصلتُ بالقرب من المياه حتى رميت بالكتلة السوداء في زرقته. عندها سمعت صوت الأسماك تئن، ثمّ انقلبت الآلاف من أصناف السمك المختلفة على الظهر ميّتة. اقترب منّي الزعيم وأشار بيده نحو الأسماك الصغيرة والحيتان الكبيرة الفانية.
- ماذا حدث للأسماك يا عطّار؟ كلّ هذا بسبب سوداويتي!
- بل وأكثر. لقد ذاق السمك بعض ما أذقت شعبك يا سيدي.
عندها جلس على ركبتيه باكيًا وموجهًا أنظاره نحو مملكته طالبًا المغفرة، كان الصفاء في تلك اللحظة قد أخذ بالعودة إلى تقاطيع وجهه.



#خيري_حمدان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القصيدة العارية
- ظلّ النورس
- أورهان باموق يتحدث عن الحياة والأدب
- حفل تشريح جثة مثقف عربي قتل متلبسًا بالحياة
- بلا أجنحة
- من قتل الرقيب
- تقاويمي المغدورة
- حتى السنابل تتمرد
- على شفا هاوية
- قصور وأعراس -2- مسرحية في حلقات
- قصور وأعراس
- نساء مترو الأنفاق
- الطريق نحو الماضي
- وحدها ابتسامتك تهزمني
- توازن - قصص قصيرة
- انفرط العمر يا وردة
- سقوط القلم
- البيت العتيق
- قهوة العصر وامرأة
- الفاشلون


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خيري حمدان - هل يصلح العطّار ..