أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فرانسوا سابادو - الاشتراكية الآن ! : ملاحظات تحضيرية لنقاش اللجنة العالمية للأممية الرابعة















المزيد.....


الاشتراكية الآن ! : ملاحظات تحضيرية لنقاش اللجنة العالمية للأممية الرابعة


فرانسوا سابادو

الحوار المتمدن-العدد: 3598 - 2012 / 1 / 5 - 08:40
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    




"غالبا ما ينتج عن أزمة مديدة و عامة توضيح خارطة العالم" - فرنان بروديل

1. بلغت الأزمة أربع سنوات و ستستمر. إنها أزمة عامة و شاملة، اقتصادية و مالية و اجتماعية و بيئية، لكن ذات خصوصية متمثلة في اقترانها مع ترجح للعالم.

2. أول ما يجب هو قياس هذا الانقلاب. فهو ليس تغيرا أو تحولا ظرفيا مع عودة إلى الحالة العادية بعد الأزمة... يمكن، بقصد قياس حجم التغير الحاصل، المقارنة بحالات الترجح التي تبدل فيها مركز ثقل الاقتصاد العالمي، مثل حقبة 1760-1780 ، حيث انتقل من هولندا إلى انجلترا، أو حقبة ما بين الحربين لما تغير من انجلترا إلى الولايات المتحدة الأمريكية... ما عدا أن الحالة الراهنة ليست تغيرا على صعيد قاري بل تغيرا للعالم بالمعنى الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي و الثقافي... انه تغير ُيفقد الغرب – أوربا و الولايات المتحدة الأمريكية- المهيمن على العالم منذ اكتشاف أمريكا، سيطرته لصالح قوى جديدة بازغة أو قوى قديمة استعادت قوتها بعد أربع أو خمس قرون...

3. في ظل هذه العلاقات العالمية الجديد، تضعف قوة أوربا، وتفقد الولايات المتحدة الأمريكية هيمنتها الاقتصادية دون أن تفقد بعدُ هيمنتها السياسية- العسكرية. و يتوقف الكثير على تطورات الأزمة بالولايات المتحدة الأمريكية. لكن حصة بلدان مجموعة السبعة الكبار من الناتج الإجمالي العالمي، التي كانت بنسبة 56 % في مطلع سنوات 1980 ، لم تعد سوى زهاء 40% في العام 2010. وتشير التوقعات إلى أن منحنيات تطور مجموعة السبعة الكبار السابقة و بلدان مجموعة BRIC[ البرازيل –روسيا- الهند- الصين] ستتقاطع في العقود المقبلة، و كذا فيما يخص متوسط الدخل الفردي.

وقد يحدث هذا في سنوات 2030-2040. كما تدل مؤشرات النمو في السنوات العشر أو الخمس عشرة الأخيرة – البالغة حوالي 8 إلى 12% في الصين و الهند، مقابل 1 إلى 2% في أوربا أو 2 إلى 3 %في الولايات المتحدة الأمريكية- أو فيما يخص المخزونات العالمية، على تغيرات عميقة.

4. و قد تتأكد هذه النسب بتعمق الأزمة في الولايات المتحدة الأمريكية و أوربا. ولم تعد الاستدانة قادرة، في الولايات المتحدة الأمريكية، على تعويض انخفاض الأجور. ويتغذى من بعضهما كل من نقص الاستهلاك و فيض الإنتاج. و تتأكد الميول إلى فيض الإنتاج بعدد من القطاعات، ليس في العقار وحسب، بل بمجمل قطاع الصناعة. و تستقر البطالة أو تزداد. ولم تنجح خطط استثمار الرئيس أوباما في إعادة إطلاق الآلة الاقتصادية. و خلافا لتصريحات عديدة، هنا وهناك، لم يحصل انعطاف كينزي، بسبب انعدام ميزان قوى مع حركة عمالية قادرة على فرض مساومات اجتماعية على الرأسماليين. لكن بوجه خاص، يجب ألا ننسى أن الحرب، و ليس الوصفات الكينزية، هي ما أعاد إطلاق الآلة الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية و أوربا بعد أزمة سنوات 1929-1935.

بفعل ذلك، ورغم كل الخطابات حول تخليق الرأسمالية، مازال إضفاء الطابع المالي financiarisation يواصل هيمنته، كرد رأسمالي على انخفاض معدل الربح في الصناعة. النتيجة أن سيرورة تفكيك الصناعة متواصلة. ويصمد اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية اليوم بفضل قوة الدولار، و دور البنك الفيدرالي الذي يواصل ضخ السيولة النقدية، و بفضل مواصلة العملة الأمريكية دور المرجع في شراء سندات الخزينة و السندات من قبل الصناديق السيادية للصين و اليابان و بلدان الخليج. و أخيرا، تحافظ الولايات المتحدة الأمريكية على الهيمنة السياسية-العسكرية لكن مع تراجع قياسا بسنوات 2000- فشل بالعراق و أفغانستان، و قدرة أقل على التدخل بوجه الثورات العربية. و يتمثل هدفها حاليا في الاستعداد لتعزيز حضورها كقوة سلمية!

5. لكن، قد تتخذ الأزمة بأوربا أشكال أزمة انهيار. وجوهر ذلك مواقع ضعف في التنافس العالمي. و تظل ألمانيا إحدى البلدان المصدرة الرئيسة – 47% من الناتج الداخلي الإجمالي، فيما يبلغ في اليابان 17% ، و15 % في الصين- لكنها متضررة أيضا من تقلص السوق العالمية. لذا تسعى الطبقات السائدة الأوربية، بغية الرد على المنافسة العالمية، إلى تصفية ما تبقى من " النموذج الاجتماعي الأوربي". فبنظرها ما زال ثمة كثير من المكاسب الاجتماعية، ويجب تفكيكها. هذا ما يفسر الهجوم المضارباتي على الأسواق الأوربية. فالأسواق، وهي وقائع مادية، و رجال البنوك، وقادة صناديق المعاشات، ومسيري الشركات متعددة الجنسية، يطالبون برفع معدل فائض القيمة بخفض الأجور و تصفية الحماية الاجتماعية و زيادة وقت العمل. ومن ثمة قسوة سياسات التقشف – التكيف مع السوق العالمية لقوة العمل المجرورة بالعلاقات الاجتماعية للقوى البازغة- ما يستتبع انخفاض القدرة الشرائية 10 إلى 15 نقطة في السنوات المقبلة.

لكن ثمة فضلا عن ذلك، وهو ما يضفي طابعا حادا وتفجريا على الأزمة و قد يفضي إلى الانهيار، نمط البناء السياسي الذي شهدت أوربا ، مع مسارات اقتصادية متباعدة بين مختلف أقطاب الاتحاد الأوربي: ألمانيا وحلقة ألمانيا هولندا و النمسا و أوربا الشمالية و محيط جنوب أوربا- و البرتغال و ايطاليا و اليونان و اسبانيا مع ايرلندا- وفرنسا في المركز. و تعبر العلاقات الألمانية الفرنسية عن الواقع الاقتصادي و السياسي و المؤسسي لأوربا لكن دون دولة ودون قيادة ، ودون خطة تنمية و لا مقاومة للأزمة.

مرة أخرى، يُبين الوضع الراهن عجز البرجوازيات الأوربية التاريخي عن توحيد أوربا. و إن التفكك ممكن، لكن بدأ منذ الآن النظر في فكرة ادوارد بالادور Balladur القديمة، قوامها أوربا بدوائر ذات مركز مشترك: ألمانيا و البلدان الغنية، و الجنوب و بعض بلدان أوربا الشرقية أو بالجنوب الشرقي. المشكل هو فرنسا و ايطاليا، لأنه إذا انقصفت ايطاليا انقصفت أوربا. إنهم يريدون رص هاذين البلدين إلى ألمانيا، الأمر الذي يتطلب خطط تقشف بالغة القسوة. .. لكن هذا الوضع ينذر بتوحل في الأزمة، مع نمو تقارب نسبته 1% . و سيدوم هذا، لكن مع مخاطر انفجارات اجتماعية و أوضاع قبل ثورية مثلما في اليونان. لا سيما أنه، على صعيد سياسي، يترافق الطابع غير الديمقراطي للاتحاد الأوربي مع تطور ميول استبدادية مرتبطة عضويا بتدخل الأسواق المالية. و يمثل رؤساء الحكومة المفروضين من الاتحاد الأوربي في ايطاليا و اليونان أمارة على ذلك. ويعبر تعزز قوى اليمين و أقصى اليمين عن هذا السير نحو حلول استبدادية. ولم يعد ممكنا استبعاد تحالفات بين أحزاب اليمين الليبرالي أو قطاعات منها مع أقصى اليمين. و أكثر من أي وقت مضى ليس السوق مرادفا للديمقراطية بل نقيضا لها.

هنا أتناول مشكل توجه بصدد السياسة إزاء الاتحاد الأوربي. ويجب في هذا السياق جمع سياسة قطع مع الاتحاد الأوربي مع تمرد على الاتفاقات و ليس إصلاح الاتحاد الأوربي: ثمة طريقان: نزع العولمة و النزعة الحمائية الوطنية أو الأوربية و التخلي عن اليورو، أو القطع مرفقا بعملية تأسيسية و سياسة أممية جديدة اجتماعية وديمقراطية لخدمة العمال، أي استعادة منظور الولايات المتحدة الأوربية الاشتراكية.

لكن هذا الموقف العام لا يحل المشكل. مثلا في اليونان: تفجر اليونان ووحشية هجمات الاتحاد الأوربي يفضيان إلى تحليل هذا البلد الطرفي بما هو مستعمرة جديدة ومن ثمة يفضي غياب التضامن الأوربي مع اليونانيين علاوة على التقاليد التاريخية الوطنية لليسار اليوناني إلى واقع مطالبة اليسار اليوناني – يسار سيريزا Syrisa (تحالف يسار جذري قوته الرئيسة اصلاحية) و انتارسيا Antarsya ( تحالف يسار جذري ثوري)- بالخروج من اليورو مدمجا في برنامج مناهض للرأسمالية.

6- هل يمكن، في هذا الاقتصاد العالمي المندمج، أن تنقذ الصين الاقتصاد العالمي؟ هل ثمة فك تقارن النمو الصيني بالاقتصاد العالمي؟

ستتقاطع توقعات نمو الناتج الداخلي الإجمالي الصيني، بين 2020 و 2030، مع نظيرها لدى الولايات المتحدة الأمريكية. هذا ضخم. كانت الصين ثاني اقتصاد على صعيد عالمي قبل اليابان، أصبحت الصين أول قوة في المنتجات الصناعية قبل الولايات المتحدة الأمريكية ( بلغ إنتاجها الصناعي نسبة 19,8 % من الإنتاج العالمي مقابل 19.4% للولايات المتحدة الأمريكية). أما الناتج الداخلي الإجمالي الفردي، فيجب تمييز مختلف مناطق الصين. المناطق الساحلية بلغت مستوى ناتج داخلي إجمالي فردي بين 5000 و 1000 دولار (للمقارنة، يبلغ هذا الناتج في البرازيل 10000 دولار)، و يصل في بيكين وشانغهاي 10000 دولار للفرد، وبوسط البلد يبلغ اقل من 5000 دولار للفرد. ويبلغ الناتج الداخلي الإجمالي للصين 6000 مليار دولار. لكن الصين قوة امبريالية في طور التشكل، على صعيد عسكري، وعلى صعيد تصدير الرساميل، وبخصوص التبادل اللامتكافئ مع بلدان أفريقيا أو أمريكا اللاتينية، لا سيما شراء ملايين هكتارات الأراضي الزراعية.

لكن قوة الصين هذه غير كافية لإعادة إطلاق الاقتصاد العالمي أو الأمريكي بإنتاج كثيف و استهلاك كثيف حول هذا أو ذاك من قطاعات الإنتاج. و يظل اقتصاد الصين مختل التوازن جدا بمعدل استهلاك بالغ الانخفاض قياسا بالناتج الداخلي الإجمالي [ 35% من الناتج الداخلي الإجمالي، فيما يبلغ بالولايات المتحدة الأمريكية 70% و بالهند 60 %، و 60 % كمتوسط عالمي]، ومعدل استثمار بنسبة 45% (15 % بالولايات المتحدة الأمريكية و 22 % كمعدل عالمي).

من جراء ذلك، تظل الصين تابعة للسوق العالمية و للتصدير، وتتمثل أولويتها في تشكيل سوقها الداخلية، مع ضرورة رفع الأجور، وحد أدنى من الحماية الاجتماعية. ومن ثمة بداية سيرورة نضالات من أجل الأجور، ومن أجل الدفاع عن شروط سكن أفضل في الصين.

فيما يخص مسألة فك الاقتران بالاقتصاد العالمي، يلزم الحذر هنا أيضا، بالنظر إلى ترابط الاقتصادات الوطنية في ظل العولمة. لكن هنا أيضا يمكن للأزمة بالغرب أن تبطئ أو تخفض بنقطة إلى ثلاث نقط معدل النمو، بيد أنها لن تنال من الميل الوازن إلى النمو.

ملاحظتان خلاصتان

ليس بعدُ بوسع الاقتصاد الصيني تعويض أوربا و الولايات المتحدة الأمريكية، فهو يظل مختل التوازن إلى حد بعيد.

لكن الميل الوازن هو استمرار النمو مقاربا لمعدل 10 نقط ، ما يوسع فرق النمو مع القارات الأخرى.

7- في ظل هذه الأزمة ترتسم من جديد خريطة العالم. لا يمكن تفسير الأزمة الأوربية دون ترجح العالم هذا. إنهم يريدون تكييف سوق العمل الأوربية مع السوق العالمية. و تبزغ علاقات دولية جديدة. تحدثنا عن العلاقات بين الصين و الولايات المتحدة الأمريكية، لكن أمريكا اللاتينية مطبوعة اليوم بالقوة البرازيلية ثم الأرجنتينية. و تعبر العودة إلى مفهوم الامبريالية الفرعية عن صعود البرازيل هذا. يمثل هذا البلد اليوم قطب اقتصاد أمريكا اللاتينية بشركاته متعددة الجنسية، بتروبراس و جيردو، وبمشاريعه الهيدروكهربائية، وقواه المالية. وقد سجلت البرازيل في علاقاتها المتشابكة لكن المتناقضة مع الولايات المتحدة الأمريكية عددا من النقط. وفي العلاقات بين السبل الثلاث أو أنماط النظام الثلاث( اليمين الرجعي مثل كولومبيا و المكسيك، و الطريق الوطني المناهض للامبريالية ( فنزويلا، ايكوادور، بوليفيا) و نموذج لولا و كيشنر)، يظل هذا الأخير هو السائد إلى حد بعيد. وهذا أمر لم يمكن قوله قبل سبع أو ثماني سنوات.

8- ما هو، في هذا السياق، وضع الحركة العمالية و اليسار؟ ليس ثمة في هذا الطور، بعد أربع سنوات من الأزمة، تصد في مستوى الهجمات الرأسمالية.

تؤدي الأزمة إلى ردود فعل و مقاومات و نضالات و اضرابات، و حتى إلى أوضاع قبل ثورية مثل الجاري في اليونان. و ثمة حركات جديدة كحركة المستائين، غير أن ثمة تفاوت بين تفجرية الوضع و التعبير السياسي العضوي عن هذه الحركات، حيث لا تتقوى النقابات، و الأحزاب الإصلاحية و اليسار الجذري و اليسار الثوري أو تيارات اليسار داخل المنظمات، و لا تنشا منظمات جديدة. ثمة أشكال تنظيم جديدة، لكنها، لحد الآن، غير قارة على نحو كبير. و أكثر من ذلك ، لم يحدث قط ، منذ بداية الأزمات الرأسمالية، تزامن أزمة نظام رأسمالي بهذا العمق و حركة عمالية بهذا الضعف بوجه هذا النمط من الأزمة، باستثناء ظروف تمت فيها تصفية الحركة العمالية ماديا من قبل الفاشية او الديكتاتوريات العسكرية. هناك عوامل عديدة تضغط على الحركة العمالية:

أ‌) أدت الإصلاحات الليبرالية المضادة، منذ متم سنوات 1970، على الصعيد العالمي، إلى عملية إعادة هيكلة قوة العمل، وإضفاء طابع فردي عليها، و تهشيشها، وتراجع الحقوق الجماعية، و إضعاف المنظمات النقابية. و صفى تفكيك الصناعة عشرات التركزات العمالية. ناهيك عن القطاع المسمى "لاشكليا". ويمثل العمال و المستخدمون أكثر من 60% من السكان النشيطين، لكن في بنية اجتماعية مغايرة. و يؤدي التصنيع، في الصين أو بلدان أسيوية أخرى، إلى توسع غير مسبوق للبروليتاريا، لكننا لسنا سوى في بداية تنظيم حركة أجراء مستقلة. و هنا أيضا، ليس ثمة تزامن النقابات أو المنظمات أو الأحزاب في أوربا و الولايات المتحدة الأمريكية و آسيا. ثمة تراجع بالغرب و بدايات هشة في آسيا.

ب‌) حصيلة القرن الماضي، لا سيما حصيلة الستالينية، حيث يماثل ملايين الناس الستالينية و الشيوعية. و انتهى القرن العشرين بالعولمة الرأسمالية النيوليبرالية. وهذا يضغط على مشاكل تشكل وعي اشتراكي ثوري.

ج) تطور الأحزاب و المنظمات الاشتراكية الديمقراطية التي تشهد تحولا ليبراليا اجتماعيا، و تحافظ على صلات تاريخية مع الاشتراكية الديمقراطية. إنها قوى تناوب حكومي، ومن ثمة ضرورة تميزها عن أحزاب اليمين، حسب الخصوصيات الوطنية، لكنها مندمجة كليا في تدبير الأزمة. لا فرق بين هولاند و باباندريو و ثاباتيرو و سقراطيس، وقادة اليمين الأوربي. و تسير سيرورة التشابه مع الحزب الديمقراطي الأمريكي في الاتجاه ذاته.إنها أحزاب يتناقص طابعها العمالي و يتزايد طابعها البرجوازي. أما الأحزاب بعد الستالينية، فلا تتعدى السير وراء الاشتراكيين-الديمقراطيين أو المقاومة مع محاولة نهج سياسة تسمى "مناهضة لليبرالية" لكنها سياسة تسيير للاقتصاد و المؤسسات الرأسمالية. لكن درجة انزياح الحزب الاشتراكي يمينا يترك مساحة لهذه التشكيلات التي قد تقوم بدور طالما لم تضطر للذهاب مباشرة إلى الحكومة: انظر نتائج اليسار الموحد في اسبانيا، وغدا نتائج الحزب الشيوعي اليوناني و سيريزا او الحزب الشيوعي البرتغالي أو جبهة اليسار في فرنسا.

د) إضعاف الحركة العمالية بوجه ما يفوق ثلاث عقود من الهجمات النيوليبرالية، و سياسات قيادات اليسار، يمنحان هوامش مناورة للبرجوازية العالمية لــ"تسيير الأزمة" بزيادة مواقع الأسواق المالية و تعميق الهجمات ضد الطبقات الشعبية و حتى بتحسين الوضع المادي لملايين الناس في بلدان مجموعة البرازيل- رسيا –الهند- الصين. لا يمكن مثلا فهم تطور قوة البرازيل دون اعتبار التحول الكيفي لحزب الشغيلة إلى حزب اشتراكي ليبرالي مع لولا. و بالمقابل، لا تفسير لإمساك حزب الشغيلة بمقاليد الحكم دون بزوغ قوة البرازيل. ثمة دوما لدى الرأسمال مخرج من الأزمة ما لم ُتطبق حلول عمالية. يكمن المشكل في الكلفة الاجتماعية و البيئية و البشرية المرعبة أكثر فأكثر.

هـ) في هذا الإطار أيضا، أود العودة إلى السيرورات الثورية بالعالم العربي. إنها أولا، ثورات، بمعنى " تدخل الجماهير في الساحة الاجتماعية و السياسية"، ثورات ديمقراطية و اجتماعية. لكن هنا أيضا، تفاوت بين السيرورة الثورية و تعبيرها السياسي " الديمقراطي و الاجتماعي". اندفاعة الجماهير قائمة، و ستستمر. لكن اقتران دمار عقود من الديكتاتورية، و هزائم الحركة القومية العربية أو ذات الميول الاشتراكية، ونتائج الإصلاحات النيوليبرالية، وتراكم قوى الحركات الإسلامية، كل هذا يفضي، في هذا الطور، إلى فوز انتخابي للإسلاميين، مع عطف أو دعم القوى الامبريالية و التدخل النشيط لبلدان الخليج، مثل قطر. وتشهد الحركات الإسلامية هي ايضا سيرورات تمايز بين أنصار نموذج حزب العدالة و التنمية التركي و السلفيين، ثمة مروحة كاملة من التيارات الرجعية.

لكن الاندفاعة الديمقراطية قائمة. و ستواصل عملها في العالم العربي. و تؤدي إلى ظهور منظمات نقابية مستقلة جديدة مثل ما يجري في مصر، أو إلى تجدد قوة اليسار. لكن هذا يزن بدرجة أقل كثيرا في ميزان القوى مما تفعل الحركات الإسلامية.

و) لكن أليست أشكال " التفاوت" و "اللاتزامن" هذه، بين المقاومة الاجتماعية وضعف قوى اليسار الجذري، معطى مميزا للوضع الجديد الذي نعيش. إذا طرحنا المشاكل بما هي مشاكل ترجح العالم إلى مرحلة تاريخية جديدة بعد قرون من سيطرة أوربا و الولايات المتحدة الأمريكية، و إن كانت ثمة تغيرات هيكلية للرأسمال على صعيد عالمي، وموقع جديد للأمم- الدول في العولمة، و أزمة هيكلية للديمقراطية البرلمانية، وميلا إلى دمج النقابات – وقد أثار تروتسكي هذا الميل في 1940- و سير نحو أنظمة استبدادية.

ألن يكون لهذا كله عواقب على واقع الحركة العمالية، ومكانة الأحزاب؟ أليس ثمة نهاية دورة تاريخية للحركة العمالية الأوربية كما تشكلت في نهاية القرن التاسع عشر و خلال القرن العشرين؟ ألا تنسف العولمة و أزمة الدولة- الأمة قاعدة الأحزاب و النقابات كما تشكلت خلال عقود؟ إننا لا زلنا، و بدرجة غير مسبوقة، في زمن الرأسمال، زمن الرأسمال الذي يغذي صراع الطبقات، و مقاوماته، ومنظماته، لكن الأرجح هو ظهور منظمات ستكون لها طبعا صلات مع القديم لكنها ستكون جديدة أساسا، و ستكون بوجه خاص مكونة من أجيال جديدة.

ز‌) وهناك أيضا مسؤولية تاريخية للثوريين، لا سيما التروتسكيين: لقد حافظنا على خط مقاومة، خطة جبهة موحدة ضد الأزمة و التقشف، ومراجع برنامج ثوري. لكننا ممزقون بين العودة إلى اليسار الثوري الكلاسيكي – أقصى يسار سنوات 1960 أو الحفاظ على حركات متحدرة من سنوات 1930- و ضغط منظمات أو تيارات إصلاحية يسارية.

سبق أن ناقشنا الضرورة التاريخية للخروج من وضع نعتبر فيه أنفسنا "معارضة يسارية للستالينية". الستالينية انهارت، لكن لا تزال ثمة أحزاب بعد ستالينية رغم ضعفها الكبير. لم نتمكن من التخلص من تصورات مطبوعة بذلك الوضع ، وضع معارضة يسارية. و نجد صعوبة في استيعاب كل ُبعد إعادة تنظيم إجمالية للحركة العمالية و الاجتماعية. نلقى صعوبات في إعادة تعريف مشروع مستقل يتيح لنا في الآن ذاته ممارسة السياسة. نجد صعوبة في صياغة مشروع مستقل على الأمد الطويل.

يحيل هذا أيضا إلى إعادة التفكير في برنامج للقرن الواحد و العشرين: بدأت الأممية الرابعة التفكير في ضرورة برنامج اشتراكي بيئي جديد. نحن في البداية . و نرى مضاعفات هكذا منهجية في موضوع استعمال الطاقة النووية، مثلا. وما المستتبعات على صعيد إعادة صياغة برنامج انتقالي؟

العودة إلى النقاش حول الديمقراطية، و العلاقات بين الديمقراطية المباشرة و الديمقراطية التمثيلية، بين ديمقراطية المصانع و ديمقراطية الكمونات، و حول المحاور الإستراتيجية للاستيلاء عمالي على السلطة، أي باختصار الخطوط العريضة لمشروع تحرري، و في المركز منه نشاط العمال الذاتي؟

إن ما كان لدينا من تماسك برنامجي في القرن الأخير، أو اعتقدنا امتلاكه، وكان مكمن قوة التروتسكيين، كل تيار على نحو خاص به، لا يمكن أن يستجيب لتحديات القرن 21. إننا نواجه ضربا من فقد الجوهر البرنامجي و السياسي و الاستراتيجي. أي كل العناصر الأساسية لبناء تشكيلة سياسية و التي يبلبلها التاريخ اليوم بالنسبة للثوريين.

أوردنا من الأسئلة أكثر من الأجوبة

فرانسوا سابادو

تعريب المناضل-ة



#فرانسوا_سابادو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة والديمقراطية
- اللجنة العالمية للأممية الرابعة: تقرير حول الوضع العالمي
- فرنسا: من أجل حزب جديد معاد للرأسمالية
- الوضع العالمي ومهام الثوريين
- تجمع اليسار الموحد و منظمة الفضاء البديل تعقدان مؤتمريهما


المزيد.....




- الهجمة الإسرائيلية المؤجلة على إيران
- بلاغ صحفي حول اجتماع المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية ...
- أصولها عربية.. من هي رئيسة جامعة كولومبيا بنيويورك التي وشت ...
- مصدر التهديد بحرب شاملة: سياسة إسرائيل الإجرامية وإفلاتها من ...
- الشرطة الفرنسية تستدعي نائبة يسارية على خلفية تحقيق بشأن -تم ...
- السيناتور ساندرز يحاول حجب مليارات عن إسرائيل بعد لقائه بايد ...
- إعادة افتتاح متحف كانط في الذكرى الـ300 لميلاد الفيلسوف في ك ...
- محكمة بجاية (الجزائر): النيابة العامة تطالب بخمسة عشر شهرا ح ...
- تركيا تعلن تحييد 19 عنصرا من حزب العمال الكردستاني ووحدات حم ...
- طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز ...


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - فرانسوا سابادو - الاشتراكية الآن ! : ملاحظات تحضيرية لنقاش اللجنة العالمية للأممية الرابعة