أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نزيه كوثراني - طفولة في.. ذاكرة الجسد لاحلام مستغانمي















المزيد.....

طفولة في.. ذاكرة الجسد لاحلام مستغانمي


نزيه كوثراني

الحوار المتمدن-العدد: 3596 - 2012 / 1 / 3 - 21:54
المحور: الادب والفن
    


- أذكر وأنا طفلة ..هل صحيح كنت طفلة؟ هل عشت طفولتي كباقي الأطفال أم كان علي أن أكون صورة طبق الأصل للشهيد المزعوم السي طاهر الذي ترك أسرة في العراء وسط وحوش الغابة؟ منذ صغري حرموني من طفولتي وكان علي أن اخضع لقوانين الصورة النموذج الذي أراده الأب لطفلته " عيب أن تفعل ابنة المجاهد كذا وكذا ..عيب أن تبكي كالأطفال وهي طفلة ..غير معقول أن تلعب أكثر من اللازم ..غير لائق أن تتشبه في كل ما تفعله بالبنات الصغيرات ..يجب أن تكون متعلمة وذكية ..قوية وشجاعة..."
كان علي أن أغادر طفولتي وأن أكون جسدا للذاكرة ومسرحا لتناقضات التاريخ وصراع الطموحات والمصالح ..أن أكون كل هذا وأكثر وأنا لا أقوى على أن أكون طفلة بذاتها ولذاتها . فكيف لي وأنا على صغر سني أن احمل ثقل نفاق التاريخ وحيل الذاكرة الموبوءة.. ابنة المجاهد الأكبر ..ابنة شهيد الاستقلال ..ابنة البطل الشجاع... دون أن اسمع ولو مرة واحدة اسمي بالتمام والكمال . لا اسم ما قبل تاريخي ولا اسم السجل المدني كما سجلته بنفسك تنفيذا لوصية القائد المجاهد. كان من الصعب علي أن أنسجم مع الأطفال ..أن أكون واحدة من البنات وهن يتحدثن بفخر واعتزاز عن هدايا الآباء في الأعياد والمناسبات ..عن تلك الأيدي الدافئة التي تضم كل بنت عندما تعود إلى بيتها .هل استوقفك ولو مرة منظر أب يحمل طفلته على كتفيه وهما يجوبان شوارع المدينة؟ لو قال لك الدكتور اليوغوسلافي الذي طلب منك أن ترسم اقرب شيء إلى قلبك لما ترددت في رسم طفلة على أكتاف أبيها وهي تنظر بعيدا في الأفق بثقة عالية في قوة وصلابة خطوات أبيها ..لاشيء يهددها بالسقوط..هل تافهة حقا مثل هذه اللوحة؟
ولا أعرف لماذا كانوا يضربونني بشتى أنواع الألفاظ وأنا أجرب رسم هذه اللوحة منذ صغري" عليك أن تهتمي بدروسك عوض الرسم الفارغ " هكذا يرددون بصرامة وهم يفاجئونني وأنا أحاول رسم صورة لأب ضيع نفسه في معركة فاشلة ..في موت مجاني لم يكن إلا إحدى حيل التاريخ الماجنة . كنت استغرب رؤيتك الفنية التي تشدها الحبال أإلى هذا الحد كنت مبتورا حتى من خيالك؟ لم يسعفك خيالك بعد أن بتروا ذراعك فماذا تقول عن طفلة بتروا كل شيء في حياتها؟ أب تحاول نسج صورته من خلال خطب الأعياد والمناسبات وذكرى الماضي " المجيد " . أحاول جمع وإعادة ترتيب الألفاظ فلا أجد في الخطب غير الألفاظ . أستنجد بالراوي أو راوي الرواة فلا أجد في فمه غير قصص الأطفال " كان يا ما كان في قديم الزمان رجل اسمه السي الطاهر نذر نفسه لمعركة الاستقلال ..الشجاع البطل الذي يحسب له عسكر الاستعمار ألف حساب وحساب ..." قصة مملة إلى حد الغثيان .هل تعرف الآن لماذا أبحث في الرجال عن الرجال ولا أجد فيهم ولا رجلا واحدا يشبه الرجال؟ أعود من المدرسة لأجد أمي ملفوفة في حزنها الأبدي ..تغزل الصوف والمرارة .. جدتي انقلبت عيناها إلى الداخل فلا تنظر إلا إلى أعمق أعماق نفسيتها كأن الاستقلال أعمى بصيرتها .. لم تعد تنظر إلى الناس والأشياء ..كل شيء توقف حتى الزمن ..لا تمل من استحضار الماضي ..بيت مسكون بالأشباح والأحزان ..بالبطولات والأساطير . ما كان يؤلمني أكثر أنني لم أكن اعرف سر الحزن اللعين الذي قطع الأنفاس والفرحة والأفراح ..حزن لا كالأحزان ..حزن جثم على الصدور وشد اللسان في الحلق غصة لا ترحم ..أجساد لعيون مطفأة تغالب الكلام وكأنها تودع الأسرار ولا تقول غير الأحزان . أمي تلك المرأة التي علموها منذ ولادتها أن تحاذر لمس العيون ..فدثروها بألف حجاب وحجاب . ألم تصرح في كتابك أنك لم تر غير تلابيب فستانها وهي تهرب من الألفاظ : رجل؟ لو عشت رعب الألفاظ والكلمات لما اخترت الرسم طريقا للعلاج وليس للإبداع .فكيف لأمي وهي امرأة أن تخرج في الأسواق؟ وأنت تعرف غمز الرجال وشر الأجساد التي ربيت على أن تكون أجسادا ولو من تحت الأثواب.. لعلك تعرف اللعبة البذيئة التي يمارسها الرجال في مقاهي البطالة والجهاد ألا تشم فيها نوعا من المزاد السري للحوم؟ فمن أين لزوجة – حرمة – السي الطاهر بالأمان وهي الذاكرة والجسد والشيطان؟
وأنا أستعيد هذا الماضي اللعين اشعر بتوتر ممزوج برغبة التدمير .. تدمير جميع رموز هذا الماضي المشؤوم لطفلة كبرت بين حقد الجدة على الحاضر والمستقبل والصمت المخيف لام سكنها الحزن والعذاب ..نعم كيف لطفلة مثلي أن تتحمل هذا المقدار الهائل من العذاب والألم ..والجنون؟ غالبا ما احسد تلك النبتة البرية عند سفح الجبل أو بين رمال الصحراء أجدها أكثر فرحا و صلابة ..أكثر حبا وحياة مني . قد تكون عرضة لكوارث الطبيعة . يمكن أن تمزقها أقدام قاسية لبدوي عنيف أو تدفنها رمال الصحراء الملتهبة .. رغم هذا وذاك فهي تقف شامخة مزهوة .. تعتز بجذورها التي تمنحها الحياة وتحدي إثبات الوجود . ما أصعب أن ينمو الطفل وسط المفارقات والتناقضات . تتوالد الأسئلة والأحزان . أجد صعوبة نفسية في فك أسرار هذا العذاب الذي كان ظلا لي . لماذا هذه الصورة المتناقضة للسي الطاهر ( الأب ) فهي صورة جميلة منمقة بأجمل العبارات والألفاظ في الشارع والمدرسة ..في الحي والسوق . تدثرني هذه الصورة الجذابة كقوس قزح .. أطارده لألمس الألوان المغرية والساحرة فأظل ألهث كمن يجري وراء السراب وحين تصل بي قدماي وسط الدار أجدني قد أدركت قوس النار .. صورة أخرى لرجل واحد هو السي الطاهر ( أبي كما يقولون ) ها أنت ترى كم من لوحة عميقة الجذور في خلايا جسمي . كنت ساحة للرسم وكان الجميع بدون استثناء يمارسون لعبتهم الخبيثة فوق جسدي الهش . الواقع المؤلم كما يقول السذج كان يكدس رسوماته على ثنايا جسدي ..ذاك الجسد الذي هز رجولتك وهزم كبريائك ..عطل إنسانيتك وأيقظ حيوانيتك . لو كنت فنانا حقيقيا لرأيت الشقوق والفجوات ..الحفر والجراح ..وحتى الدم الطري . لكنك كنت أعمى كباقي الرجال الذين ينظرون إلى سيقان المرأة لا إلى عيونها .أظنك تفهم الآن أن لوحاتي جزء من ذاتي أتحمل رغما عني حملها كمعرض متنقل بدل تلك الجسور التي تخنقها في الفضاء . أنت تعرف أن الجسور التي تشدها الحبال تظل معرضة للخطر ..أنت تعرف أن اليد الواحدة لا تصفق فلماذا فضلت لعبة الأرجوحة بعد أن بتروا ذراعك.. أنا لا اسخر منك ليس ذلك من شيمي أبا عن جد كما تعرف فأنت وراث سر أبي أليس كذلك؟
أنا بين صورتين فأيهما اختار قوس قزح أم قوس النار تلك صورة بالألفاظ والخيالات الأسطورية وهذه صورة أعيشها مع الأيام بين القلب ( الجدة ) والنبض ( الأم )...



#نزيه_كوثراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تونس لم تعد في تونس...
- ابن رشد ومشكلة النسبية
- الموت يحتضر...الجزء الاول
- عندما يضحك الوطن...
- تونس تمهل..ولاتهمل
- الاحذية
- الحفاة والكنغر
- يوميات عاشق =1) الامل الشاق
- لعبة الاواني
- اسئلة التمدن في السؤال الفلسطيني 2
- اغتيال
- اسئلة التمدن في السؤال الفلسطيني
- الكينونة والعدم
- مثقف المعارضة العربية


المزيد.....




- السجن 18 شهراً لمسؤولة الأسلحة في فيلم -راست-
- رقص ميريام فارس بفستان جريء في حفل فني يثير جدلا كبيرا (فيدي ...
- -عالماشي- فيلم للاستهلاك مرة واحدة
- أوركسترا قطر الفلهارمونية تحتفي بالذكرى الـ15 عاما على انطلا ...
- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نزيه كوثراني - طفولة في.. ذاكرة الجسد لاحلام مستغانمي