أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مجدي عزالدين حسن - الثورة وثقافة الديمقراطية في الفقه السياسي الإسلامي: جدلية التعاطي والممانعة (3)















المزيد.....

الثورة وثقافة الديمقراطية في الفقه السياسي الإسلامي: جدلية التعاطي والممانعة (3)


مجدي عزالدين حسن

الحوار المتمدن-العدد: 3592 - 2011 / 12 / 30 - 11:26
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ثانياً: فقه الثورة والخروج: من فقه الاستضعاف إلى فقه الاستنهاض
هل ثمة فقه للثورة في مقابل فقه السلطة؟ وبالتالي فقهاء الثورة في مقابل فقهاء السلطان؟ فقه الخروج في مقابل فقه الطاعة؟ ما المصادر التقليدية التي تستمد الثورة منها مشروعيتها في الفقه السياسي الإسلامي؟ وهل فرض المد الثوري العربي الآن التغيير في تلك المصادر؟ ما الأسس الشرعية التي يُبنى عليها الخروج على الحاكم؟ وهل هناك حاكم لا يجوز الخروج عليه؟ متى تجب طاعة الحاكم؟ ومتى تخلع هذه الطاعة؟ ما الموقف من أولي الأمر إذا جاروا: الطاعة لهم أم الخروج عليهم؟ ألا يجب أن يدخل مفهوم طلب الحرية في مفهوم الجهاد؟ الثورة هل هي (فتنة) كما يروج إلى ذلك فقه السلطان؟
1/ نقد الفقه السلطاني: تغييب المضمون التحرري للدين لصالح فقه الطاعة والخضوع
استمد حكام المسلمين على مر التاريخ الإسلامي شرعيتهم من الفقه الذي صاغه فقهاء السلطان، حيث وظف الفقه السلطاني الدين الإسلامي توظيفاً سياسياً كانت غايته العليا إضفاء الشرعية على سلطة الحاكم الجائر والظالم. هنا الفقه في خدمة السلطان، الدين في خدمة السياسة: وخير دليل على ما ذهبنا إليه كتاب الإمام الغزالي(ت505هـ): (فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية)، الذي يقول في مقدمته ما نصه: " أما بعد فإني لم أزل مدة المقام بمدينة السلام متشوفاً إلى أن (أخدم) المواقف المقدسة النبوية الأمامية المستظهرية• ضاعف الله جلالها ومد على طبقات الخلق ظلالها بتصنيف كتاب في علم الدين (أقضي) به شكر النعمة و(أقيم) به رسم الخدمة و(اجتني) بما أتعاطاه من الكلفة ثمار القبول والزلفة. لكني جنحت إلى التواني للتحري في تعيين العلم الذي أقصده بالتصنيف وتخصيص الفن الذي يقع موقع الرضا من الرأي النبوي الشريف، فكانت هذه الحيرة تغبر في وجه المراد وتمنع القريحة عن الإذعان والانقياد حتى (خرجت) الأوامر الشريفة المقدسة النبوية المستظهرية (بالإشارة) إلى (الخادم) في تصنيف كتاب في الرد على الباطنية مشتمل على الكشف عن بدعهم وضلالاتهم وفنون مكرهم واحتيالهم ووجه استدراجهم عوام الخلق وجهالهم وإيضاح غوائلهم في تلبيسهم وخداعهم وانسلالهم عن ربقة الإسلام وانسلاخهم وانخلاعهم وإبراز فضائحهم وقبائحهم بما يفضي إلى هتك أستارهم وكشف أغوارهم"
ولو تمعنت في مقدمة كتاب الغزالي هذه ـ وخاصة ما قمنا بوضعه بين قوسين وما أبرزناه بتسويد خطه ـ لظهر لك بشكل واضح وجلي لا لبس فيه ولا غموض تبعية ما هو فقهي لما هو سياسوي، وبالتالي تبيان الكيفية التي تم بها تسخير الفقه في خدمة أغراض السلطان، وعلى ذلك يصبح الفقه مجرد (تابع وخادم) يدور في فلك السياسة والسلطان، فالهم (الأيديولوجي) للغزالي من كتابه هذا إنما نستشفه ونفهمه في الجهود الجبارة التي بذلها الإمام الغزالي في سعيه لإضفاء الشرعية على الخليفة العباسي آنذاك، وهو الهدف الذي يكون أوضح ما يكون في الباب التاسع من كتابه والذي جعل عنوانه: " في إقامة البرهان الفقهي الشرعي على أن الإمام الحق في عصرنا هذا هو الإمام المستظهر بالله حرس الله ظلاله" وفي ظني أن هذا الباب هو الغرض الأساسي والهدف المنشود من تأليف هذا الكتاب، وهو ما يؤكده الغزالي نفسه ـ في الباب الأول الذي أعرب فيه عن منهجه الذي استنهجه في هذا الكتاب ـ بقوله: " ثم نختم الكتاب بما هو السر واللباب، وهو إقامة البراهين الشرعية على صحة الإمامة للمواقف القدسية النبوية المستظهرية، بموجب الأدلة العقلية والفقهية، على ما أفصح في مضمونه ترجمة الأبواب" ويؤكد نفس المعنى في فاتحة الباب التاسع بقوله: " والمقصود من هذا الباب: بيان إمامته على وفق الشرع، وأنه يجب على كافة علماء الدهر الفتوى، على البت والقطع، بوجوب طاعته على الخلق ونفوذ أقضيته بمنهج الحق، وصحة توليته للولاة وتقليده للقضاء، وبراءة ذمة المكلفين عند صرف حقوق الله تعالى إليه، وأنه خليفة الله على الخلق، وأن طاعته على كافة الخلق فرض" وفي سبيل تحقيق هذا الهدف (الأيديولوجي) كان لا بد من تسخير الفقه كأداة وتوظيفه في ضرب خصوم السلطان ومعارضيه ومن يدعون إلى الخروج عليه ( الباطنية)، وهي المهمة التي أداءها الإمام الغزالي على أكمل وجه وأتم صورة في هذا الكتاب، حيث خصص الباب السابع في إبطال استدلالهم بالنص على نصب الإمام المعصوم. بل إن الإمام الغزالي يذهب أبعد من ذلك بتكفيرهم والفتوى بسفك دمهم، وهو ما نقرأه بشكل لا لبس فيه من عنوان الباب الثامن " في مقتضى فتوى الشرع في حقهم من التكفير والتخطئة وسفك الدم"
وما هو جدير بالملاحظة إنما يتمثل في التناقض الذي وقع فيه الغزالي: ففي الوقت الذي يسعى فيه الغزالي إلى تبيان فساد معتقد الروافض والباطنية( المعارضة السياسية للخلافة العباسية آنذاك) عن الإمامة المتمثل في قولهم " أن الإمام يساوي النبي في العصمة والإطلاع على حقائق الحق في كل الأمور، إلا أنه لا ينزل عليه الوحي، وإنما يتلقى ذلك من النبي فإنه خليفته وبإزاء منزلته" نقول أنه في نفس الوقت الذي يبين فيه الغزالي فساد معتقد معارضي السلطان وقولهم بعصمة أئمتهم، نجده يصدر من نفس المنظور الذي ينتقده، صابغاً على الخليفة العباسي نفس العصمة التي ينتقدها في مذهب الخصوم، حيث يصفه ب " المواقف المقدسة النبوية الإمامية المستظهرية"، و" الرأي النبوي الشريف"، و" الأوامر الشريفة المقدسة النبوية"..الخ.
هكذا نفهم الدور الخطير الذي لعبه الفقه الإسلامي السني الغزالي في توطيد دعائم أركان السلطة من خلال توظيف وتسخير الفقه كأداة فعالة في إضفاء الشرعية على السلطة الحاكمة والتنكيل بمعارضيها وتكفيرهم والفتوى بإحلال سفك دمهم، ففي ظل الفقه السلطاني يتحول المعارض السياسي والثائر المسلم إلى كافر يتوجب جهاده، وفي ذلك يقول الغزالي: " ولو نبغت نابغة في طرف من أطراف الأرض على معادة هذه الدولة الزاهرة ـ يقصد الدولة المستظهريةـ لم يكن فيهم أحد إلا ويرى النضال دون حوزتها جهاداً في سبيل الله نازلاً منزلة جهاد الكفار"
وفي أدبيات الفقه السلطاني نرى السلطان نداً لله: خطب الخليفة المنصور العباسي في الناس فقال: " أيها الناس، إنما أنا سلطان الله في أرضه، أسوسكم بتوفيقه ورشده، وخازنه على ماله، أقسمه بإرادته وأعطيه بإذنه، وقد جعلني عليه قفلاً إن شاء فتحني وإن شاء أغلقني" ويورد ابن تيمية في معرض حديثه عن ضرورة الإمارة: " ولهذا روي ( إن السلطان ظل الله في الأرض)، ويقال: ( ستون سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان) وكما يجب طاعة الله كذلك يجب طاعة السلاطين، وألا ننزع يداً من طاعتهم. ولا يجب أن ندعو عليهم وإن جاروا علينا بل على العكس يجب أن ندعو لهم بالصلاح والمعافاة. وكما يجب الصبر على القدر الإلهي كذلك يجب الصبر على جور الأئمة، وكما يُحرم عصيان الله كذلك يُحرم الخروج على الحاكم. تجدر الإشارة هنا إلى أن مبدأ وجوب الطاعة للإمام إنما ينصرف إلى الإمام العادل الذي تم عقد البيعة له من عامة المسلمين عن رضا وطواعية. أما في حالة جوره على الرعية وظلمه لهم ولم يرعوي عن ظلمه ولم يرجع عنه وجب عزله ولو بشهر السلاح وإقامة الحروب. ويتساءل باحث إسلامي معاصر: " كيف بدأ الإسلام ديناً يدعو إلى تحرير الإنسان من العبودية والخضوع لغير الله عز وجل إلى دين يوجب على أتباعه الخضوع للرؤساء والعلماء مهما انحرفوا وبدلوا، بدعوى طاعة أولي الأمر؟.....كيف ندعو شعوب العالم الحر ـ الذي تساوى فيه الحاكم والمحكوم حيث الشعب يحاسب رؤساءه، وينتقدهم علانية ويعزلهم بطرح الثقة بهم، ولا يستطيع الحاكم سجن أحد أو مصادرة حريته أو تعذيبه، إذ الحاكم وكيل عن المحكوم الذي يحق له عزله ـ إلى دين يدعو أتباعه اليوم إلى الخضوع للحاكم وعدم نقده علانية، وعدم التصدي لجوره، والصبر على ذلك مهما بلغ فساده وظلمه، إذ طاعته من طاعة الله ورسوله؟! كما يحرم على هذه الشعوب الحرة أن تقيم الأحزاب السياسية أو تتداول السلطة فيما بينها لو دخلت في الدين الجديد؟!"
2/ موقف المسلمين الأوائل من الثورة:
يثبت أبو الحسن الأشعري الحقيقة التالية بقوله: " أول ما حدث من الاختلاف بين المسلمين ـ بعد نبيهم (ص)ـ اختلافهم في الإمامة" وهو الأمر الذي يثبت أن النبي (ص) لم يُوصي بالخلافة لأحد من المسلمين من بعده، ولم يرشح أحداً أو يعهد لأحد، وإنما ترك الأمر كله للمسلمين لكي يختارواـ بكل رضا وطواعيةـ من بينهم من يرونه يصلح لولاية أمرهم. وهو الشيء الذي يجعلنا نستنبط المبدأ التالي: الأمة هي صاحبة الحق الأصيل في عقد البيعة للإمام. وبالتالي فإن واحدة من النتائج المترتبة على هذا المبدأ تتمثل في بطلان خلافة كل من ينالها بالقوة والغصب، وبالتالي عدم ثبوت البيعة بالقوة والغلبة والقهر. وهو المبدأ الذي أستند عليه الإمام مالك بن أنس في فتواه لأهل المدينة حينما استفتوه في الخروج مع ذي النفس الزكية فأفتاهم مالك بالجواز، لأن بيعتهم لأبي جعفر المنصور كانت تحت الإكراه، ولا بيعة لمكره. فلما أفتاهم مال الناس مع محمد ذي النفس الزكية وبايعوه، وقاتلوا معه. وقد عُذب مالك لهذا السبب. وهو الأمر الذي يوضح بطلان خلافة من تصدى للإمامة واغتصبها بطريق القهر والقوة وقهر الناس بشوكته وجنوده، وإن كان جامعاً لشرائطها، ففي ذلك استيلاء على حق الأمة بالقوة. " لقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على أن الإمامة إنما تكون بعقد البيعة بعد الشورى والرضا من الأمة، كما أجازوا الاستخلاف بشرط الشورى ورضا الأمة بمن اختاره الإمام، وعقد الأمة البيعة له بعد وفاة من اختاره دون إكراه. كما أجمعوا على أنه لا يسوغ فيها التوارث ولا الأخذ لها بالقوة والقهر، وأن ذلك من الظلم المحرم شرعاً"
وإذا نظرنا إلى الكيفية والطريقة التي بواسطتها وبناءً عليها ذهب فقهاء أهل السنة والجماعة إلى القول بتجويز انعقاد الخلافة بعهد التولية ـ حيث جوزوا أن يعهد الخليفة لابنه من بعده أو أخيه، أو يعهد لأكثر من واحد من أبنائه بعد ترتيب الخلافة بينهم ـ لوجدنا أن آليتهم في ذلك إنما تتمثل في قيامهم باستنباط ذلك من الطرائق التي بواسطتها تم اختيار الخلفاء الراشدين، وجعلوها حسب زعمهم قواعد للكيفية التي يتم بها تنصيب الخليفة وهي: الاختيار، والعهد، ومتأخراً أضافوا القهر والقوة كطريق ثالث لانعقاد الخلافة. إلا أن نتائج ما توصلوا إليه بواسطة آلية قياسهم واستنباطهم إنما كانت نتائج خاطئة ومشوهة لأنها بنيت على مقدمات فاسدة وخاطئة من الأساس. فلو رجعنا مثلاً إلى خلافة الخليفة الراشد الثاني التي استنبطوا على أساسها قولهم: تنعقد الخلافة بالعهد، لاحظنا أنهم سكتوا عن رأي الأمة وموافقتها على هذا العهد. فالعهد كما نفهمه إنما هو مجرد ترشيح ليس إلا، ولا تنعقد به الخلافة إلا إذا بايع المسلمين، فإن حدث واعترض المسلمين فلا يصح انعقاد الخلافة. ونذكر في هذا الخصوص، أنه " لما أراد معاوية أن يبايع الناس ابنه يزيد سنة 56هـ، ويعهد إليه من بعده، اعترض عليه كبار الصحابة وفقهاؤهم في تلك الفترة، وهم عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، وعبد الرحمن بن أبي بكر، والحسين بن علي. وقد كان أشدهم عليه عبد الرحمن بن أبي بكر، فقد قطع على معاوية خطبته وقال له: إنك والله لوددت أنا وكلناك في أمر ابنك إلى الله، وإنا والله لا نفعل، والله لتردن هذا الأمر شورى بين المسلمين، أو لنعيدنها عليك جذعةـ أي الحرب ـ ثم خرج" وهو ما حدث، فبعد موت معاوية وتولية ابنه يزيد، خرج عليه الحسين بن علي ومن ورائه أهل العراق، فأرسل إليهم يزيد جيشاً فقاتلهم وقتل الحسين بن علي سنة 61هـ. ونقض أهل المدينة بيعته وخرجوا عليه. وخرج عليه أهل مكة وعلى رأسهم عبد الله بن الزبير، فقاتلهم جيش يزيد. وما نريد التنبيه عليه هنا أن صحابة رسول الله كانوا على رأس الخارجين على يزيد، وقد كان مطلبهم الأساسي هو أن يعود هذا الأمر شورى بين المسلمين. أن الذين خرجوا دفاعاً عن مبدأ الشورى كانوا فقهاء الصحابة وأفضلهم في ذاك الزمان ورعاً وعلماً وتقوى، وحاربوا من أجل ذلك وقتلوا. وهم بذلك جوزوا الخروج على الحاكم المغتصب للسلطة، ودعوته إلى خلع نفسه وإلا وجب قتاله حتى يعود مبدأ الشورى في أمر حكم المسلمين، وأنه لا بيعة ولا طاعة لإمام اغتصب حق الأمة في اختيار من يدبر شؤونها.
من جهة أخرى، كان المطلب الرئيسي للثوار الذين ثاروا على الخليفة الراشد الثالث يتمثل في أن يتنازل الأخير عن الخلافة، ويُرجع الأمر إلى الأمة لكي تختار من تراه مناسباً. " دعا عثمان رضي الله عنه الأشتر النخعي ـ وهو أحد قادة الثوارـ فقال له عثمان: يا أشتر، ما يريد الناس مني؟ فقال: ثلاث ليس لك من إحداهن بُدّ؟ قال عثمان: ما هن؟ قال: يخيرونك بين أن تخلع لهم أمرهم، فتقول هذا أمركم فاختاروا له من شئتم. وبين أن تقص من نفسك، فإن أبيت فإن القوم قاتلوك. قال عثمان: أما من إحداهن بُد؟ قال: لا، ما من إحداهن بُد. قال عثمان: أما أن أخلع لهم أمرهم فما كنت لأخلع سربالاً سربلنيه الله" وبعد مقتل الخليفة الثالث سيدنا عثمان بن عفان، بايع المسلمون علي بن أبى طالب إلا بعض الصحابة المنادين بتطبيق القصاص في قتلة عثمان. وكانت واقعة الجمل التي انتصر فيها سيدنا علي على طلحة والزبير، وبعدها جاءت واقعة صفين والتي حارب فيها علي معاوية بن أبى سفيان وعمرو بن العاص، وكاد أن ينتصر عليهما لولا خدعة التحكيم حيث رفع جيش معاوية المصاحف فوق أسنة الرماح طلباً للتحكيم، حيث اختار أصحاب علي أبى موسى الأشعري واختار معاوية عمرو بن العاص، واتفق عمرو مع أبى موسى على خلع علياً ومعاوية، فتقدم أبى موسى فخلع علياً وتقدم ابن العاص وأقر معاوية. وبعد واقعة التحكيم خرج على سيدنا علي طائفة سموا ب(الخوارج) لقبوله بتحكيم الرجال ورأوا أن الحكم لله، وأن الخلافة يجب أن تكون بانتخاب حر بين عامة المسلمين. ورأوا أن الخليفة إذا جار وظلم يجب عزله وخلعه بل والخروج عليه وقتله إذا أبى أن يتنازل عن عرش الخلافة.
وها هو سيدنا عمر بن الخطاب حينما ألت الخلافة له، وبعد أن بايعه عامة المسلمين، يقول في أول خطبه: " ... وأن رأيتم فيّ اعوجاجاً فقوموني..." فوقف أحد عامة المسلمين ورد عليه بالقول: " والله لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناه بحد سيوفنا" وكان رد عمر بليغاً، إذ قال: " الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يقوم اعوجاج عمر بسيفه" وفي ذات السياق يرد حديث رسول الله (ص): " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" وقوله صلى الله عليه وسلم: " سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله"
3/ الثورة هل هي فتنة كما يروج إلى ذلك فقه السلطان؟!
بالنسبة للعبارة القائلة ـ والتي روج لها الفقه السلطاني ـ أن العيش في ظلم ولي الأمر خير من الخروج عليه خاصة إذا كان يؤدي إلى إحداث فتنة. هذا القول يُقال عندما يتقاتل الناس ولا يعرف فيهم المحق من المبطل. والمشهور من مذهب أهل السنة والجماعة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كانوا ظلمة وفجرة، وحجتهم في ذلك: أن الفساد في القتال والفتنة أعظم من فساد الحاكم الجائر الحاصل بدون قتال ولا فتنة. وعلى ذلك فإن منطق مذهب أهل السنة والجماعة هنا يتمثل في أنه لا يجوز إزالة الضرر بضرر أكبر منه، ومن شروط تغيير المنكر ألا يؤدي إلى منكر أكبر منه. يترتب على هذا القول نتيجة فحواها أن الخروج على الحاكم الجائر فتنة. وهي نفس الحجة التي تذرع بها فرعون في تصديه لموسى عليه السلام الذي خرج (ثائراً) عليه، زاعماً أنه يخاف أن يفتنهم موسى عن دينهم وينسف استقرارهم ووحدتهم: ( وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد) غافر:26 وفي قوله تعالى: ( وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض) الأعراف:127 وفي ظل هذا السياق يُطرح التساؤل التالي: هل صحيح أن الثورة فتنة؟!
ويمكن تلمس الإجابة على التساؤل السابق بمجموعة أخرى من التساؤلات التي تتضمن إجاباتها: هل يمثل الخروج على الحاكم الجائر بقصد إزالة فساده وظلمه فتنة؟! ألا يؤدي الصبر على جور الحكام والسكوت على سياساتهم الظالمة في الواقع إلى فساد أعظم وشر أكبر؟! أليس الجور والظلم شر وفتنة أعظم من فتنة الخروج عليه؟! وماذا عن الثورات الشعبية السلمية، هل تمثل هي الأخرى فتنة؟
ونتساءل: ألا يدخل مقاومة الطغيان ومحاربة الاستبداد السياسي تحت مظلة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وهل هناك فتنة ومنكر أعظم من فتنة الجور السياسي والفساد المالي والإداري؟
إذن، تحت مظلة (الخوف من الفتنة) قدم الفقه السياسي الإسلامي (شرعية الثورة، وسيادة الأمة) كبش فداء لحساب وحدة مزعومة للمسلمين تتأسس على القهر والطغيان، مأسساً بذلك شرعية اللا شرعي أصلاً، ومانحاً حقوق الطاعة والنصح والنصرة لسلطة غير شرعية، ومشرعاً للسلطة الغاصبة والمستبدة ومبرراً لظلمها وجورها. والحق أنه لا فتنة أكبر من الاستبداد والجور والطغيان، وهو الأمر الذي تلخصه كلمات الثائر الحسين بن علي رضي الله عنهما إلى معاوية بن أبى سفيان، التي يقول فيها الحسين: " وما أظن لي عند الله عذراً في ترك جهادك، ولا أعلم فتنة أعظم من ولايتك أمر هذه الأمة"



#مجدي_عزالدين_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة وثقافة الديمقراطية في الفقه السياسي الإسلامي: جدلية ا ...
- الثورة وثقافة الديمقراطية في الفقه السياسي الإسلامي: جدلية ا ...
- الفلسفة وسؤال النهضة والحرية والتنوير الغائب في العالم العرب ...


المزيد.....




- ماذا قال الجيش الأمريكي والتحالف الدولي عن -الانفجار- في قاع ...
- هل يؤيد الإسرائيليون الرد على هجوم إيران الأسبوع الماضي؟
- كوريا الشمالية تختبر -رأسا حربيا كبيرا جدا-
- مصدر إسرائيلي يعلق لـCNN على -الانفجار- في قاعدة عسكرية عراق ...
- بيان من هيئة الحشد الشعبي بعد انفجار ضخم استهدف مقرا لها بقا ...
- الحكومة المصرية توضح موقف التغيير الوزاري وحركة المحافظين
- -وفا-: إسرائيل تفجر مخزنا وسط مخيم نور شمس شرق مدينة طولكرم ...
- بوريل يدين عنف المستوطنين المتطرفين في إسرائيل ويدعو إلى محا ...
- عبد اللهيان: ما حدث الليلة الماضية لم يكن هجوما.. ونحن لن نر ...
- خبير عسكري مصري: اقتحام إسرائيل لرفح بات أمرا حتميا


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مجدي عزالدين حسن - الثورة وثقافة الديمقراطية في الفقه السياسي الإسلامي: جدلية التعاطي والممانعة (3)