أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد السلام بومصر - الكسوف الديموقراطي والحداثي بدول شمال أفريقيا الثائرة















المزيد.....

الكسوف الديموقراطي والحداثي بدول شمال أفريقيا الثائرة


عبد السلام بومصر

الحوار المتمدن-العدد: 3590 - 2011 / 12 / 28 - 17:26
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


عندما اندلعت الثورات من أجل الديموقراطية والحرية في بلدان شمال افريقيا شعر الكثير من الناس بالغبطة. وشعر الكثير منهم بأن التغيير المنشود ات لا محالة. وعندما سالت دماء الشهداء من أجل محاربة الفساد و الطغيان تأثروا بالغ الأثر وبلغ منهم الحزن مبلغه. فما أصعب أن يمنح شباب في عمر الزهور أرواحهم فداء للديموقراطية والكرامة.و كانت الفرحة عارمة رغم الجروح الغائرة التي خلفها فقدان تلك الأرواح الثائرة الطاهرة. فرأينا بأم أعيننا كيف تهاوت ولا زالت أقسى الديكتاتوريات بالمنطقة،فمن ذا الذي كان يستطيع أن يفكر بأن يتهاوى نظام حسني مبارك والقذافي بهذا الشكل؟ ومن كان يأمل في سير النظام الشوفيني السوري نحو الانبطاح والموت وهو الذي كان يلهب الحماس القومي لدى القوميين العرب المتطرفين؟ ولكن تسارع الأحداث وتراكم شتى الماقف أخذ في تغيير الكثير من المشاهد السياسية والإيديولوجية التي أصبحت تعرف انتعاشة قوية بعدما كان الركود سيد الموقف لعقود من الإستبداد والفساد المستشري. بل اتضح أن الكثير من الآمال التي أنبتتها هذه الثورات من أجل الديموقراطية، تتخذ منحنيات غريبة لم تكن أبدا في الحسبان. ونستطيع أن نجمل العثرات الثورية ببلدان شمال افريفيا فيما يلي:

1- تغيير اسم الثورة بشمال افريقيا من "الربيع الديموقراطي" إلى "الربيع العربي". فالجميع يعلم بأن الذين يقدمون أرواحهم لتحرقهم الثورة لا يقومون بذلك بدافع قومي أو إثني كما تحيل بذلك صفة "العربي". إن الثوار ثاروا من أجل رفع الظلم والاستبداد والفساد والهيمنة والقمع عن أوطانهم وأنظمتهم السياسية والإجتماعية والإقتصادية التي أنهكتها أنظمة العائلات المستبدة والفيودالية التي ظلت غاشمة على قلوبهم لعقود طويلة. فهم يعلمون علم اليقين بأن جميع هذه الديكتاتوريات التي أطاحوا ويطيحون بها تستلهم "قيم القومية العربية" الشوفينية وتدافع عنها في كثير من البقاع، وكانت الكثير من هذه الأنظمة الديكتاتورية تقوم بما يشبه الترويض في حق الجماهير المسحوقة حتى تصنع منها كائنات تتفتق بالعروبة الصداحة. فالسياسات التعليمية بأنظمة شمال افريقيا تتأسس وفق المنطق "العربي" الذي يؤسس لقومية متمركزة وإقصائية، ونستطيع أن نقول بأن الرغبة الملحة في التعريب الشامل لدول الشمال الإفريقي من طرف الأنظمة البائدة كانت مصدر ظلم عظيم في حق الأمازيغ على سبيل المثال و الذين تعرضوا لعنف مادي ورمزي قاسي في ظل الديكتاتوريات التي تسقط تباعا. كما تم ترويض المجتمعات المسحوقة على "الوحدة" المصطنعة والقسرية، فأصبح العقل السياسي والثقافي والفلسفي لسكان دول شمال افريقيا عبدا لهذه "القيمة" الجاكوبية غير الديموقراطية والتي دفع ثمنها كل من اللغات غير العربية والديانات غير الإسلامية والمذاهب الإسلامية غير السنية، أو الإختلاف وثقافته وفلسفته بشكل شمولي. والواضح أن العروبة والإسلام قد سيطرتا على روح الثورات الأخيرة، وصنع الحكام الجدد ديكتاتوريات جديدة تلتهم شهداء الحرية والديموقراطية وتكتب بدماء الذين قدموا أرواحهم في سبيل الحرية سمفونيات غير ديموقراطية، لقد سرقوا الثورة من أعناق حامليها "المختلفين" عنهم. وهذا هو الحاصل في ليبيا الآن حيث طفت على سطح الخطاب الجديد نفس الهرطقات القدافية العنصرية في حق الأمازيغ الذين قدموا أبناءهم قربانا للحرية ليجدوا أنفسهم ينعتون مرة أخرى بالعملاء وأصحاب الفتن والنعرات. وفي مصر وجد الأقباط والحداثيون الديموقراطيون أنفسهم يعيدون نفس أسطوانة العصور الغابرة وهم الذين كانوا يحلمون بوطن ديموقراطي يكفل حق العيش والكرامة للجميع بعيدا عن العنصرية الدينية للمسلمين المتطرفين التي عانوا منها طوال عقود من الزمن.
فما هو إذن سبب هذا الإلحاح على الطابع العربي للثورات الديموقراطية بدول المغرب الكبير؟ هل كان تغليب الطابع "العربي" القبلي الدموي الضيق وراء إشتعال هذه الثورات؟ ألم تكن هذه الثورات من أجل تسييد الصوت الديموقراطي ونبذ الإستبداد أيا كانت أشكاله وتجلياته وتحقيق المساواة والعدل؟ فما الذي حصل حتى تم استبدال صفة القوة والحرية "الديموقراطية" بصفة الوهن والانغلاق والاستبداد "العربية"؟
2- صعود الاسلاميين إلى الحكم في معظم الدول التي كانت مسرحا للثورة هو انتكاسة قوية للحداثة والديموقراطية بهذه البلدان. ويرجع سبب هذه الاٍنتكاسة اٍلى الاستبداد وانتقاء الرغبة الحقيقية في تسييد الصوت الديموقراطي القويم من طرف الأنظمة الاستبدادية التي أطيح بها و التي استطاعت أن تخلق التناقض كماركة مسجلة للفكر الإجتماعي بهذه البلدان. وكانت تواجه جميع الأصوات المعارضة بالقمع الشرس الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى الإعتداء على الحق في الحياة والعيش وفي غالب الأحيان تكون المجتمعات معرضة لنشوء نوع من الكمون الفكري المتطرف الذي تكون فيه مختلف الطبقات الإجتماعية- وخاصة المسحوقة- مركز استقطاب مثالي.
ورغم أن هذه الأنظمة كانت تحمل شعارات الحداثة والتحديث والعصرنة إلا أنها كانت تأكل من جميع الأطباق الإيديولوجية حتى أنتجت مجتمعات غريبة عن هوياتها يعيش فيها مواطنات ومواطنون يرزحون تحت قسوة الظروف المعيشية وطغيان لوبيات الفساد على مجموع الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية. وكان تأبيد النظام والحفاظ عليه مدعاة إلى تجميع السلط والثروات والقيم مهما تنافرت وتناقضت في ايدي الحكام. وهذا السياق المحموم والموبوء هو الذي جعل الطبقات المسحوقة التي عانت من التفقير والتهميش تعتقد في نجاعة نموذج الدولة الدينية وإمكانية نقل أحوال الناس إلى الأحسن سواء في الدنيا أو في الآخرة على حد سواء. ويمكن القول بأن الشعارات الدينية الرنانة التي تستهلكها هذه المجتمعات بواسطة الكتب الدينية الرخيصة والقنوات الفضائية المخيفة هي التي كانت وراء إنتاج فكررجوعي مشترك يتقاسم هم الرجوع إلى منهج السلف البائد من أجل تحقيق الطفرة الحضارية المنشودة أو "المفقودة" كما يروج عتاة الملتحين عن زمن "الخلافة الراشدة" والتبشير بالرفاه والتقدم الذي يمكن أن تضمنه الدولة الدينية كحل لا محيد عنه للرجوع إلى الوراء، أي إلى مجتمع يكون صورة طبق الأصل للمجتمع العربي الإسلامي في الجزيرة العربية.
- إن صعود الاسلاميين إلى الحكم في بلدان شمال افريقيا الثائرةهو انتكاسة للقيم الديموقراطية والحداثة، كما سلف الذكر، ليس لأن المشاريع المجتمعية التي يبشر بها هؤلاء تحتفي بقتل الجمال والحياة والحرية وتكرهها وتحاربها بكل ما اتت من قوة فقط، ولكن لأن مجتمعات هذه البلدان قد بينت بأنها ما زالت تؤمن بقدرة الدولة الدينية في الرقي بالأمم. ونعتبر ذلك موطن خلل عظيم صنعته أنظمة الإستبداد الطاغية إثر انقضاضها على وسائل انفتاح الفكر وتفتق الحداثة بكل أبعادها وتجلياتها. فرغم تظاهر جل هذه الأنظمة البائدة بالانفتاح على القيم الكونية والديموقراطية إلا أنها كانت تخفي وجوها بشعة مشوهة بمساحيق غريبة يختلط فيها الظلام بالنور والموت بالحياة. وهذا هو السبب الرئيسي الذي منع من تكوين مجتمعات يؤمن فيها المواطنات والمواطنون بكون إنسانيتهم مقياسا جليلا للعظمة والشموخ والإبداع الخلاق الذي لا ينضب حتى يكون في استطاعتها اللحاق بالركب الحداثي والديموقراطي العالمي على غرار المجتمعات الإنسانية الأخرى.
إن إيمان جزء من الجماهير الشعبية بقدرة الدولة الدينية في التجاوز السحري والسريع لأوضاعهم المزرية وفق مستحضرات ذات طابع رباني علوي خارق في الوقت الراهن، دليل واضح على فشل الكثير من النخب العلمانية والحداثية الديموقراطية في تأطير هذه الجماهير وتنويرها لتجاوز حالة الإستمناء الجماعي التي تعيشها: لأن شعارات الإسلاميين المبشرة بالدولة الإسلامية الطوباوية التي توزع فيها الأموال في الأسواق كنتيجة لرفاه الدولة الإسلامية في "العصر الذهبي" أو "دولة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب" قد خلقت الفراديس الأرضية ودغدغت طموحات الجماهيرعلى مدى عقود طويلة متشبعة بثرات ديني شديد التنوع والتناقض دام قرونا من الزمن، فكأن المجتمعات تعيش –والحالة هذه- تلك الحالة النفسية التي يعيشها المستمني، فهو يصنع عالما شبقا مثاليا في ذهنه من أجل الإستمتاع باللحظة، وعندما يقضي وطره يجد نفسه وحيدا ومصدوما بواقع مزري ليس بينه وبين العالم الذي يصنعه في ذهنه إلا الطموح اللحظي الذي صدر عن حرمان مؤلم.

إن المنهج الديموقراطي القويم لا يمكن أن يستقيم من دون استلهام روح الإيمان بحتمية الإختلاف وكذلك ضرورة النظر إليه من وجهة نظر حقوقية واقعة. وأن العمل بمنطق علوي يصدر عن مرجعيات ما ورائية لا ينفذ إليها الباطل، هو تشويه للحقيقة الأرضية التي وجب التعامل معها كذلك. ولا شك في أن السعي نحوإعادة إرساء دعائم نظام ديني شمولي علوي وماورائي بائد، هو وقوف جاهل في وجه السيل الحداثي والديموقراطي الإنسي، قدر الاٍنسانية ومستقبلها المشرق، وتأخير للموعد مع التقدم المنشود.



#عبد_السلام_بومصر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد السلام بومصر - الكسوف الديموقراطي والحداثي بدول شمال أفريقيا الثائرة