أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - هل تهدد حكومة الإسلاميين المكاسب الديمقراطية للمغاربة؟















المزيد.....

هل تهدد حكومة الإسلاميين المكاسب الديمقراطية للمغاربة؟


أحمد عصيد

الحوار المتمدن-العدد: 3590 - 2011 / 12 / 28 - 14:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الخوف من تجاوزات الإسلاميين الذين استطاعوا الوصول إلى كراسي الحكومة بفضل التطور النسبي للتجربة الديمقراطية بالمغرب، ومن انتهاكهم لحريات وحقوق غيرهم أثار نقاشا طبيعيا كان منتظرا، لكن أهمية هذا النقاش تتوقف على مدى تجاوزه للعموميات وبته في التفاصيل الفكرية والقانونية والسلوكية ذات الصلة بإشكالية الدين والدولة والإسلاميين والحكم، وهي تفاصيل من شأنها أن تكشف بوضوح عن المخاطر الموجودة وعن كيفيات تفاديها من أجل الحفاظ على مكاسب المغاربة التي راكموها في مجال الحقوق والحريات الفردية والجماعية.
فإذا نحن استبعدنا أن يرتكب حزب العدالة والتنمية أخطاء مباشرة وظاهرة في عمله الحكومي في موضوع المسّ بالحريات، بسبب حساسية الموضوع والمرحلة من جهة، وبسبب التزامات المغرب الوطنية والدولية من جهة ثانية، دون أن ننسى ارتباط الحزب الإسلامي بأحزاب أخرى تتوقف على وجودها الأغلبية الحكومية، وهي أحزاب ليست كلها إسلامية الإيديولوجيا والتوجه، كما أنها ليست كلها محافظة ومرتبطة بثقل التراث الديني والإجتماعي، فإنه لا يمكن استبعاد أن يلجأ الحزب الأغلبي إلى أساليب غير مباشرة من أجل تأزيم الوضع اجتماعيا بتوظيف ذراعه الدعوية وأتباعه وحلفائه من التيارات الإسلامية الأخرى من أجل إثارة القلاقل في المجتمع، والدفع نحو تراجعات على المستوى القيمي، خاصة إذا لم تتعبأ القوى الديمقراطية لمواجهة هذه الوضعية.
وقد ظهر من خلال مواقف وتصريحات ونقاشات الفاعلين الإسلاميين في الأسابيع الأخيرة، تناقضات تؤكد وجود المشكل وخطورته، فمن جهة نجد القياديين الذين توعدوا بشكل مباشر بالتحكم في الفضاء العام عبر إدراجه تحت الوصاية الدينية والأخلاقية للإسلاميين ووفق قناعاتهم، وذلك مثل تصريح نجيب بوليف الذي توعد بعدم إمكان السماح بما سمّاه بـ"التعري" وهو يقصد مشاهد فنية في المسرح والسينما، ومثل تصريح مصطفى الرميد الذي توعد بدوره بعدم إمكان إعطاء "رخص جديدة" لبيع المواد الكحولية.
إذا نحن قمنا بقراءة في الموقفين من الناحية الإيديولوجية والقانونية، فسنجد بأن هذه التصريحات تنطوي على عدم استيعاب واضح لتعقد الإشكال الذي يخوضان فيه، فهما ينطلقان من عملية تبسيط سطحية للموضوع على الشكل التالي: "بما أن مرجعيتنا نحن الإسلاميين هي الدين الإسلامي وبما أننا في دولة إسلامية فسنسعى إلى منع أي مظهر من المظاهر التي تتعارض مع ما نعتبره صحيحا من الدين بالضرورة". وهي رؤية تبسيطية لأنها تتعامل مع المغرب الحديث كما لو أنه مجرد "حالة انحراف"، والحال أن الأمر يتعلق بأزيد من مائة عام من التطور البطيء، جعل البلد في النهاية في طلاق شبه يومي مع ثوابت التقليد الخالص، الذي كان يبحث لكل سلوك عن تسويغ كامل في الدين (وحده) باعتباره مرجعية (وحيدة) وحاسمة في الدولة والمجتمع، وهو أمر لم يعد ينطبق منذ زمن غير يسير على المغرب الذي قطع أشواطا في تحديث علاقاته السوسيوثقافية، وفي الإنخراط في منظومة حقوق الإنسان العالمية، رغم بعض مظاهر المحافظة التي ما زالت تسُود فيه، ونستطيع أن نعطي على ذلك عشرات الأمثلة الدالة والمعبّرة من واقعنا اليومي.
فالسيد بوليف لم يخبرنا إن كان سيمنع ما سماه "العري" في الفن كما لو أنه عُري يقع في الشارع العام، أي خارج أي إطار فني، وما إذا كان سيجد لذلك تسويغا قانونيا ومنطقيا مقبولا، كما أنه لم يفكر ربما بما يكفي من العمق في أن الدول التي تمارس رقابة أخلاقية أو دينية متشددة على الفن والأدب تصنف كلها ضمن الدول الإستبدادية القمعية، ولا يوجد نموذج واحد من ذلك في العالم الديمقراطي على الإطلاق، كما لسنا ندري إن كان الرجل قد فكر بالفعل في 55 سنة من الإستقلال التي حقق فيها المغاربة مكاسب كبيرة في التحرّر من إسار التقليد الديني والأخلاقي للمجتمع المغربي القديم ( أي ما قبل سنة 1912)، وما إذا كانت العودة إلى الوراء ممكنة سنة 2012، السنة التي تعول فيها الشعوب المقهورة على قطف ثمار تحرّرها من الإستبداد السياسي والعسكري والديني والفردي والعائلي. كما أن من حقنا أن نطرح السؤال حول ما إذا كان السيد بوليف يعرف حقا معنى الفن والإبداع الجمالي باعتبارهما تحرّر من كل وصاية، مهما كان مصدر هذه الوصاية، دينيا أو سياسيا أو أخلاقيا أو اجتماعيا، فالإبداع فضاء حُرّ لا ينتظر الضوء الأخضر من المسجد أو من الزاوية أو ثكنة العسكر.
ليس معنى هذا أن التعرّي أحد قواعد الفن في السينما أو المسرح، أو ضرورة فنية لا غنى عنها، إذ هو حالات نادرة حتى في الدول الغربية نفسها، مما يجعل الموضوع لا يستحق هذا الصخب أصلا، لكن المقصود هو أن الفن لا يقبل الخطوط الحمراء ولا أن يُبدَع تحت الطلب أو وفق قواعد مملاة من خارج العمل الفني. فنظرة الفنان غير قابلة للإستعارة من أي كان، إنها لا تتحقق إلا من الفرادة الذاتية، وهذا ما يفسر لماذا لا يمكن ترويض المبدع على قواعد إيديولوجية أو سياسية أو أخلاقية دينية مسبقة.
أما السيد الرميد فلا نعتقد أنه فكر مليا في فيما يعنيه بـ"منع الرخص"، لأن الرخص في القانون المغربي تعطى للذين ينشئون فنادق سياحية أو ملاهي ليلية أو بارات، تحت زعم قانوني منافق يقول إنهم سيتعاملون مع "أجانب" يستهلكون المواد الكحولية، ثم يتضح فيما بعد بأن المغاربة هم زبناء هذه المحلات، دون أن تتدخل السلطة لتطبيق "القانون" ورذعهم عن ذلك بالقوة، مما يجعلنا نطرح على السيد الرميد السؤال التالي: هل منع الرخص سيكون بهدف منع المغاربة من استهلاك الكحول ؟ سيكون هذا أمرا غير ذي جدوى ما دام هناك محلات أخرى موجودة سلفا وأماكن تصلح لذلك، أنشئت على مدى المائة عام المنصرمة. ما هو المبدأ إذا الذي ينطلق منه السيد الرميد ليقول إنهم في حزبه لن يعملوا على مصادرة بيع الخمور ولكنهم لن يسلموا رخصا جديدة، أليس في هذا مجرد تبرئة للذمة لا تقنع حتى الأطفال بله الكبار؟ لم تسعف الشجاعة السيد الرميد لكي يدعو مباشرة إلى إنهاء التناقض والنفاق الموجود الذي عمقته سياسات الدولة المرتبكة بين التقليد والحداثة، بين الأصالة والمعاصرة، والقائم على الترخيص ببيع الخمور ووضع قانون يعاقب المغاربة من حيث المبدإ على استهلاكها، لكن مع التغاضي في نفس الوقت عن تطبيق القانون رأفة بالناس واحتراما لحرياتهم الفردية في المأكل والمشرب كما هو منصوص عليه في مبادئ حقوق الإنسان، تريد السلطة أن تكون دينية نصاً وخطاباً، ومدنية حداثية واقعاً وسلوكاً، فالمغرب دولة أشبه بـ"الجوطية" تجد فيها كل شيء، الحق ونقيضه، والحرية وعكسها، والمبدأ وخلافه، الغائب في الموضوع هو الإنسجام المنطقي الذي يفرض إما العودة إلى دولة ما قبل 1912، أي دولة المخزن التقليدي التي كانت الخمور تستهلك فيها بدون رخص من أي كان، أو المضي بدون تردد أو نفاق نحو الحداثة الفكرية والسياسية والأخلاقية، واختيار الديمقراطية بديلا لثقافة الإستبداد اختيارا نهائيا.
الغائب في تصريح السيد الرميد هو احترام المغاربة الذين يختلفون عنه، أي الوعي الديمقراطي الحق الذي ينطلق من أن المأكل والمشرب ـ مثل حرية المعتقد وحرية التعبير وحرية اللباس وحرية الإبداع الفني والأدبي ـ تدخل في إطار الحريات الفردية التي ليس لطرف بعينه أن يقننها حسب هواه أو عقيدته أو ميوله، فالفضاء العام لا يمكن أن يكون حكرا على المتدينين والمحافظين لأن الشعب كله دافع ضرائب، والمبدأ الديمقراطي الصميم هو اقتسام الفضاء العام بين الجميع وتنظيمه بشكل يخلق التعايش السلمي بين الناس في احترام متبادل، فالمسرح والسينما يمكن أن يكونا للجميع حسب العروض المقدّمة، أكانت محافظة أو حداثية، لأن الذهاب إليهما مبني على الإختيار الشخصي والفردي الحرّ، فكما أن المقاهي والمنتزهات للجميع ممن يقصدها، فإن البارات والملاهي الليلية لمن يقصدها أيضا ممن له في ذلك حاجة تخصّه وحده ولا تلزم غيره.
وهذا معناه أن المؤمن المحافظ هو الذي عليه أن يدرك الفارق بين المجال العام والخاص، فالإحترام للآخر واجب في الفضاء العام، مع إمكان تجنب اختياره في الحياة الخاصة، هكذا استطاعت الديمقراطيات العريقة أن تقضي على مشاعر الكراهية والإحتقار بين مواطنيها في المجال العام وتوقف الحروب والإقتتال داخل مجتمعاتها، وهي الحروب التي كانت تندلع أساسا بسبب شيوع الأحكام الدينية وثقافة محاكم التفتيش التي تقوم على مبدإ الحق في محاكمة الآخرين ومصادرة حقهم في الوجود بسبب اختلافهم في العقيدة أو الفكر أو السلوك والذوق، لقد تمّ الحسم اعتمادا على مبدإ الحرية وليس وازع القمع والترهيب.
إنّ ما عبر عنه بوليف والرميد هو من قبيل التطرف الديني الذي لن يخدم المغرب في شيء، ولست أدري ماذا سيكون موقف المتشدّدين في الدين إذا كان الرجلان من "المعتدلين" .
من حسنات هذا النقاش الذي قد يتطور ويتشعب، أن يحسم في حقيقة يتجاهلها الإسلاميون وهي: أنّ حريات المغاربة وحقوقهم الأساسية غير قابلة للتفاوض أو المساومة، لأنها جاءت نتيجة تضحيات جسيمة، فالحصول على بعض الأصوات في الإنتخابات لا يسمح لأحد بتحويل البلد إلى سجن كبير.



#أحمد_عصيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مستقبل المسلمين بين أردوغان و القرضاوي
- ردود سريعة إلى رئيس الحكومة الجديد
- أمازيغ -الويكيليكس- بين أمريكا والإسلاميين
- نماذج وتجارب من -ديمقراطية الأغلبية العددية-
- الديمقراطية والمشاركة السياسية للإسلاميين
- معنى الديمقراطية بين اليساريين والإسلاميين
- المنتخبون والسلطة
- لماذا تنتهك السلطة دستورها الجديد ؟
- كيف يصبح الدين من عوامل الإستبداد ؟
- الدولة الإسلامية ليست دولة مدنية
- ترسيم الأمازيغية في الدستور المغربي المكاسب والمعيقات
- المغرب الخليجي هل يقايض التغيير بالمال ؟
- إلى الفاسي الفهري، الأوراغي، بن عمرو وآخرين
- الديمقراطية ليست دكتاتورية الأغلبية العددية
- همسة في أذن -العلماء-
- لماذا ترسيم الأمازيغية في الدستور المغربي
- مجزرة الجهوية بالمغرب
- ثوابت النظام وسقف المطالب الشعبية
- ما تخشاه السلطات المغربية
- موانع التغيير السبعة


المزيد.....




- -المقاومة الإسلامية في العراق- تعرض مشاهد من استهدافها لموقع ...
- فرنسا: بسبب التهديد الإرهابي والتوترات الدولية...الحكومة تنش ...
- المحكمة العليا الإسرائيلية تعلق الدعم لطلاب المدارس الدينية ...
- رئيسي: تقاعس قادة بعض الدول الإسلامية تجاه فلسطين مؤسف
- ماذا نعرف عن قوات الفجر الإسلامية في لبنان؟
- استمتع بأغاني رمضان.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ا ...
- -إصبع التوحيد رمز لوحدانية الله وتفرده-.. روديغر مدافع ريال ...
- لولو فاطرة في  رمضان.. نزل تردد قناة وناسة Wanasah TV واتفرج ...
- مصر.. الإفتاء تعلن موعد تحري هلال عيد الفطر
- أغلق باب بعد تحويل القبلة.. هكذا تطورت أبواب المسجد النبوي م ...


المزيد.....

- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد عصيد - هل تهدد حكومة الإسلاميين المكاسب الديمقراطية للمغاربة؟