أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج حداد - الدور -العثماني الجديد- للطورانية الاسلامية الكاذبة!!!















المزيد.....



الدور -العثماني الجديد- للطورانية الاسلامية الكاذبة!!!


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 3590 - 2011 / 12 / 28 - 11:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تكشف الوقائع يوما بعد يوم ان الهجمة العسكرية الشرسة التي شنتها الادارة الاميركية، تحت الشعار الطنان حول "مكافحة الارهاب"، والتي تبدت حتى الآن في الحرب على افغانستان والعراق، واحتلالهما، كان يجري التحضير لها منذ ما قبل احداث 11 ايلول 2001. وقد تكشفت اهداف هذه الحملة في الحرب الاسرائيلية الوحشية التي شُـنت ضد لبنان في تموز 2006، بالحجة السخيفة حول تحرير جنديين اسرائيليين اسرتهما المقاومة الوطنية اللبنانية بقيادة حزب الله. كما تكشفت في حرب الابادة اليومية التي تعرض ويتعرض لها الشعب الفلسطيني المظلوم، خصوصا بعد الانتصار الانتخابي لخيار استمرار المقاومة بقيادة حماس في الانتخابات التشريعية التي جرت في الارض المحتلة في 2007، والتي اراد الرئيس محمود عباس (حفيد عباس افندي الذي كان يبيع الاراضي الفلسطينية لليهود في العهد التركي) إلغاءها، لصالح خياراته "السلمية" مع اسرائيل. وذهبت بعض التحليلات الى حد التشكيك في ان احداث 11 ايلول 2001 ذاتها كانت مفتعلة، بغرض اعطاء الادارة الاميركية الذرائع الكافية، امام الرأي العام العالمي، والاميركي خاصة، لتبرير شن الهجمة العسكرية على الشعوب العربية والاسلامية. وسواء كان هذا التشكيك محقا أم لا، فقد اصبح من المتوافق عليه، من قبل محللين من جميع الاتجاهات، ان الهدف الحقيقي الرئيسي لهذه الهجمة الاميركية ـ الصهيونية هو الهيمنة الدولية، وأن شعارات "مكافحة الارهاب" و"منع انتشار اسلحة الدمار الشامل" و"نشر الدمقراطية" لا تخرج عن دائرة الذرائعية والتضليل السياسي و"التمويه" الستراتيجي.
ما الذي دفع الادارة الاميركية، ومعها الصهيونية والطبقة الاميركية المتسلطة بأسرها، الى هذه المغامرة بقواها العسكرية، وبرصيدها وسمعتها السياسيين، مما وضعها في مواجهة خطرة مع الشعول العربية والاسلامية ومع شعوب العالم بأسره؟
الجواب نجده في الوقائع ذاتها، التي تدفع الادارة الاميركية دفعا الى سلوك هذا الطريق الوعر، من ضمن منطق الهيمنة الدولية الذي اصبحت تتمحور حوله كل سياستها الداخلية والخارجية:
فبعد سقوط "الحاجز" الذي كان يمثله المعسكر السوفياتي السابق، بزعامة روسيا، فتحت الطريق على مصراعيها امام تحقيق ثلاث عمليات جيوستراتيجية كبرى:
الاولى ـ كسر الحواجز الايديولوجية المصطنعة بين روسيا والشعوب الاوروبية والاسيوية المحيطة بها، وفتح الطريق امام التطو القومي الشعبي الحر لروسيا، واقامة علاقات تعاون ندية مفتوحة بينها وبين الشعوب الاوروبية والاسيوية.
الثانية ـ الاتجاه نحو تحقيق شعار "الولايات المتحدة الاوروبية"، الذي طرح عشية الحرب العالمية الاولى، كرد على خط النزاع الاوروبي ـ الاوروبي الذي كانت تغذيه الصهيونية العالمية وتستغله من وراء الستار "الولايات المتحدة الاميركية"؛ ومن ثم توحيد اوروبا بشكل جديد (بما في ذلك روسيا، على قاعدة: ان اوروبا + روسيا تساوي كل شيء، اما اوروبا بدون روسيا فلا تساوي شيئا)، كشرط لتحقيق عصر نهضة جديد في اوروبا والعالم.
الثالثة ـ اتجاه الطي النهائي لصفحة المنحى العدائي في "العلاقات الضرورية" بين الضفتين الشرقية والغربية للبحر الابيض المتوسط، صفحة الغزوات والفتوحات والحروب والاستعمار؛ وفتح صفحة جديدة لتلك "العلاقات الضرورية" تقوم على الحرية والاحترام المتبادل والحوار الحضاري والتفاعل والتعاون والمزاحمة المشروعة بين شعوب هذه المنطقة، وتحويل حوض المتوسط الى بوتقة حضارية تؤسس لعصر انساني جديد ولـ"نظام عالمي جديد" حقيقي!
ومن الواضح تماما ان احتمال نجاح هذه العمليات المترابطة سيترتب عليه حتما تعطيل الدور الطفيلي للصهيونية العالمية، وعلى الاخص نزع دور الزعامة الدولية من اميركا، وخلق نمط علاقات دولية جديدة، بعيد عن الاستقطابات العدائية او الهيمنة الدولية الآحادية.
وأتت الهجمة الاميركية ـ الصهيونية بمثابة هجوم وقائي، او استباقي، حيال الاحتمالات التاريخية سالفة الذكر، اولا لتأكيد مركز الزعامة الدولية الاحادية لاميركا، وثانيا لقطع الطريق على النهضة الاوروبية الجديدة، وثالثا لمنع التقارب البنـّاء الروسي ـ الاسيوي، والروسي ـ الاوروبي، والاوروبي ـ العربي خاصة والمتوسطي عامة، ورابعا لفرض الهيمنة الدولية الشاملة للامبريالية الاميركية على العالم بأسره، بالارتباط الوثيق مع الصهيونية العالمية الطفيلية.
"مفتاح" الهيمنة على العالم
وتتكشف الاهداف البعيدة المدى للهجمة الاميركية ـ الصهيونية من طبيعة المنطقة التي استهدفتها هذه الهجمة. فإذا تجردنا عن الذرائع والاسباب والتداعيات السياسية ايا كانت، وبصرف النظر عن صحة او بطلان بعضها، نجد ان الهجمة الاميركية ـ الصهيونية استهدفت بالدرجة الاولى السيطرة على "مثلث الثروات الشرقي" الذي يمتد بين: منطقة الشرق الاوسط (التي تضم بشكل خاص البلدان العربية)، حوض بحر قزوين، وآسيا الوسطى (اللذين يضمان افغانستان وايران والقوقاز والجمهوريات الاسلامية السوفياتية السابقة).
فهذا المثلث، ولاسباب جيولوجية خارجة عن "الارادة البشرية"، وبالتالي عن الارادة السياسية لأي طرف كان، هو الوعاء الأكبر، في الكوكب الارضي، الذي يحتضن المخزون العالمي الرئيسي من احتياطات الثروات الطبيعية والطاقة والمعادن والخامات، ولا سيما النفط والغاز الطبيعي. وهذا ما يعطي هذا المثلث، من الوجهة الاقتصادية ـ السياسية، اهمية استرايتيجية استثنائية (بالاضافة الى اهميته الستراتيجية السياسية ـ العسكرية الفريدة، الناجمة عن خصائصه الجيوـ ديموغرافية). إذ لا وجود للاقتصاد العالمي، صناعة وزراعة وسياحة واكتشافات واختبارات علمية وصناعة حربية، ولا سيما في المستقبل المنظور، بدون هذا المخزون. ومن ثم من السهولة بمكان الاستنتاج ان من يسيطر على مثلث الثروات الشرقي هذا، يستطيع السيطرة على العالم بأسره، بدون الحاجة للجوء الى الحرب.
وبكلمات اخرى: ان الشرط الاول والاساسي للسيطرة العالمية، هو السيطرة على مثلث الثروات الشرقي. وإن كل فحوى السياسة الاميركية برمتها اخذت، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، تتمحور حول تحقيق هذا الهدف بالذات.
حالة الحرب الاميركية
من هنا نجد انه ليس فقط "الخطاب العسكري"، بل وكذلك بالاخص مجمل "الحراك العسكري والسياسي" الاميركي اصبح يتركز في هذا المثلث، وحوله، وباتجاهه.
فحتى التسعينات من القرن الماضي، مثلا، كانت غالبية القوات الاميركية تتمركز في اوروبا الغربية، لمواجهة خطر "الشبح" السوفياتي المرعب. اما الان فإن غالبية الاسلحة والحشود الاميركية أصبحت اما متمركزة في المثلث الشرقي، او موجهة نحوه. بل واكثر من ذلك: في السابق، كانت القوات الاميركية "موجودة" في اوروبا الغربية، تحسبا للطوارئ، ولكنها كانت موجودة في "حالة سلم" واقعي، ولم توضع في حالة الاستنفار الفعلي الا ما ندر، في ظروف الازمات الطارئة، كأزمة المجر في 1956، وازمة بناء جدار برلين في 1961. اما الان، في الهجمة لاجل السيطرة على مثلث الثروات الشرقي، فهي ـ أي القوات الاميركية ـ ليست في حالة استنفار قصوى وحسب، كما هي الحال في مجمل قواعدها في جميع انحاء العالم، بل كانت ايضا في حالة حرب حقيقية، لا يستطيع احد التنبؤ بمضاعفاتها وتداعياتها القادمة، كما هو الوضع في العراق وافغانستان. وطبعا، ينبغي ان نضيف الى "حالة الحرب" الاميركية الخاصة "حالة الحرب" الاخرى التي تلتزم بها اميركا التزاما ستراتيجيا عضويا، هي "حالة الحرب" التي توجد فيها اسرائيل ايضا، التي ترتكب المجازر اليومية ضد الشعب الفلسطيني المظلوم، والتي هي "الحليف الستراتيجي الاول" لاميركا وجزء لا يتجزأ من "حالة الحرب الاميركية" في المنطقة. فبدون اميركا، ودعمها السياسي والاقتصادي والمالي والامني والعسكري، لا تستطيع اسرائيل ان تصمد وان تستمر في الوجود يوما واحدا. وبالتالي فإن الحرب الاسرائيلية المتواصلة على الفلسطينيين والعرب هي اولا واخيرا حرب اميركية بامتياز.
"الحرب الباردة" الجديدة
ولكن مع كل ما يظهر من العدوانية والعنجهية العسكرية الاميركية ـ الاسرائيلية، ومع كل الضجيج الذي اثاره ولا يزال يثيره الاحتلال الاميركي والاسرائيلي، والسياسة العدوانية الاميركية والاسرائيلية، ضد الشعوب العربية خاصة وشعوب المنطقة عامة، فمن الخطأ الاعتقاد ان الخيار العسكري هو الخيار الستراتيجي الوحيد امام اميركا. ونكتفي بأن نورد هنا سببين، يدفعان الادارة الاميركية للتفتيش عن خيار ستراتيجي آخر لتحقيق اهدافها الكبرى، غير الخيار العسكري المباشر:
السبب الاول ـ ان الادارة الاميركية، ومعها الطغمة الصهيونية العليا، "تقرآن" تاريخ المنطقة وبلدانها وشعوبها، بأفضل مما يقرأه غالبية "قادة" هذه البلدان والشعوب. ومن خلال "تجربة" الاستعمار الغربي للشرق، بما في ذلك "التجربة" المريرة لاسرائيل (التي، بالرغم من كل جبروتها وانتصاراتها العسكرية "الباهرة"، فهي لا تزال منذ اكثر من نصف قرن تصارع من اجل الاعتراف، مجرد الاعتراف، بوجودها)، فإن الادارة الاميركية والصهيونية تدركان تماما ان الخيار العسكري ليس هو الخيار الانجع لتحقيق اهداف الهيمنة على المنطقة، كمفتاح للهيمنة على العالم. فالخيار العسكري يمكن ان يكون "مدخلا مؤقتا" و"عاملا مساعدا" ليس الا في تحقيق الاهداف الاميركية والصهيونية.
السبب الثاني ـ انه من الخطأ الفادح الاعتقاد ان الادارة الاميركية لا تمتلك خيارات اخرى، غير الخيار العسكري المباشر. فاذا عدنا قليلا الى الوراء، نجد ان الدبلوماسية الاميركية خاصة والغربية عامة كانت قد راكمت، في "الحرب الباردة" بين المعسكرين الشرقي والغربي، "تجربة" غنية، قادتها الى "مراقبة" انهيار المنظومة السوفياتية، ومن ثم الاتحاد السوفياتي ذاته، بدون الاضطرار للجوء الى استخدام القوة العسكرية الاميركية والغربية بشكل مباشر. واستنادا الى هذه "التجربة"، فإن الادارة الاميركية والصهيونية العالمية هما مؤهلتان، ومدفوعتان بالضرورة، لدراسة اوضاع المنطقة وتاريخها، توصلا لايجاد الخيارات البديلة للسيطرة عليها، من ضمن معطياتها الاقليمية ذاتها.
واليوم، للتوصل الى هدف السيطرة على المثلث الشرقي، وعبره للهيمنة الاقتصادية والعسكرية والسياسية على العالم، فإن الادارة الاميركية لا تكتفي بالهجمة العسكرية، بل هي ـ بموازاة هذه الهجمة الساخنة، وبالتنسيق الكامل معها ـ تشن أيضا "حربا باردة" جديدة، تعتمد بالدرجة الاولى على الدبلوماسية السرية والسياسة الاقتصادية والاساليب والمؤامرات المخابراتية، الاعلامية والسياسية والمافياوية وما اشبه.
"المربع التركي"
وليس من الصدفة ان الساحة المباشرة حاليا لهذه "الحرب الباردة" الاميركية الجديدة هي المربع الستراتيجي الذي يمتد بين البلدان التالية: جيورجيا، في الشرق؛ وقبرص في الغرب؛ بلغاريا، في الشمال؛ وكردستان العراق، في الجنوب (ونسمح لانفسنا بتسمية كردستان العراق "بلدا"، حيث ان الستراتيجية الاميركية تتعامل معه على هذا الاساس، كجزء منفصل عن العراق، وهذا هو المغزى الحقيقي لطرح شعار "الفيدرالية" حاليا من قبل جماعة اميركا في العراق، سواء أعلنت "دولة كردية ـ عراقية" وربما "سورية ايضا!" منفصلة ام لا).
وفي قلب هذا المربع تقع تركيا ـ الدولة. كما ان العنصر التركي هو في حالة تداخل مع الاوضاع الداخلية لكل من بلغاريا وجيورجيا وكردستان العراق وقبرص ـ الزوايا الاربع لهذا المربع، وكذلك لكل البلدان الاخرى التي تقع ضمن المربع. ولهذا سنسميه مؤقتا، جدلا ومجازا، "المربع التركي".


المفارقة الستراتيجية
وأنه لمما يثير التساؤل حقا المقارنة بين الستراتيجية الاميركية المتبعة في كل من المنطقتين التاليتين:
ـ الخط الممتد من فلسطين المحتلة حتى افغانستان، مرورا بالعراق وايران، حيث تعتمد اميركا وشريكتها الستراتيجية اسرائيل خطة "القبضة الحديدية" المتمثلة في الحشد والتصعيد العسكريين.
ـ وعلى العكس من ذلك تماما، فإن الستراتيجية الاميركية في "المربع التركي"، هي خطة "القفاز المخملي" التهدوية والسياسية بالدرجة الاولى. وقد ظهر ذلك بقرائن عديدة، منها مساعدة تركيا، بالاساليب المخابراتية والسياسية (التي كان ابرزها "خطف" عبدالله اوجلان بعد "ابعاده" من سوريا)، على إخماد النزاع الداخلي مع اكراد"ها"، وتجنيب تركيا التورط العسكري في الاتون العراقي، والتدخل لحل النزاع التركي ـ اليوناني في قبرص وغير قبرص، واخيرا لا اخر استنفار وتجنيد كل الاحتياطي السياسي والمخابراتي الاميركي لمساعدة تركيا على الدخول في الاتحاد الاوروبي، للاضطلاع مستقبلا بدور "حصان طروادة الاميركي" داخل "الاتحاد".
وبطبيعة الحال ينبغي التساؤل عن اسباب هذا التناقض في الستراتيجية الاميركية المطبقة في هاتين المنطقتين ضمن "مثلث الثروات الشرقي". وبشكل اكثر دقة ينبغي التساؤل عن الاهداف التي ترمي اليها الادارة الاميركية من وراء خطة العمل "الهادئ" في هذا "المربع التركي".
قبل كل شيء ينبغي التأكيد ان الخط العسكري المتشدد الذي تنتهجه اميركا واسرائيل في المنطقة الاولى لا يتعارض الا بالشكل مع الخط السياسي المرن والتآمري الذي تتبعه في المربع التركي. ولكن اهداف "الحرب الباردة" في "المربع التركي" هي اخطر وابعد مدى من اهداف الهجمة العسكرية الاميركية المباشرة. وفي محاولة استكشاف هذه الاهداف ينبغي علينا القاء نظرة مزدوجة:
اولا: نظرة تاريخية على العنصرية الطورانية (التي قامت على اساسها الامبراطورية العثمانية المتسترة زورا بـ"الاسلام!")، وعلاقتها العضوية، التاريخية، بالامبريالية الاميركية واليهودية (ومن ثم الصهيونية) العالمية.
وثانيا: نظرة جيوسياسية على موقع "المربع التركي" وتركيبته.
Iـ العلاقة "التاريخية" الثلاثية: العثمانية ـ الاميركية ـ اليهودية
للاسف، انه لا يزال يوجد حتى الان انطباع خاطئ لدى الكثير من المفكرين والنشطاء السياسيين العرب، بأن العلاقة الاميركية ـ الصهيونية (بما فيها الاسرائيلية) مع تركيا هي علاقة طارئة او مستجدة، تعود ـ في ابعد حساب ـ الى ايام حركة "تركيا الفتاة" ومن ثم "التغريبية" الاتاتوركية. ويذهب بعض هؤلاء المفكرين والسياسيين الى ابداء شيء من "التعاطف الضمني" مع "اسلامية!" الامبراطورية العثمانية وحتى "وطنية" السلطان الجزار "السلطان الاحمر" عبدالحميد، الذي تأنف احط الوحوش المفترسة من ان يحسب عليها، بحجة انه "رفض بيع فلسطين" لليهود بناء للعرض المقدم من وايزمن وبن غوريون. وهذا ما يضعنا امام "طبعة قديمة" من الخيار المصطنع: "مع صدام حسين والدكتاتورية، ام مع الحرب والاحتلال الاميركي للعراق؟"، اي: "مع عبدالحميد و"الاسلام العثماني!"، ام مع "الاتراك الفتيان" والصهيونية والاستعمار"؟ ولكن من الطبيعي، او غير الطبيعي، ان اصحاب هذا المنطق الشكلي والخشبي لم ولا يرون العلاقة التاريخية العضوية بين العثمانية، من جهة، والاستعمار الغربي واليهودية، من جهة ثانية، اللذين ساهما في قيام الامبراطورية العثمانية واستغلاها حتى الرمق الاخير، ثم "انقلبا عليها" او الاصح "قلباها" وسارا في دفنها وربحا "جنازتها" و"جدداها"، حينما استنفدا كل اغراضهما منها. (وهو ما يصح، في الخطوط العريضة، على نظام صدام و"علاقته" مع الامبريالية الاميركية وكل جماعة الاميركان العرب).
وفي رأينا المتواضع انه توجد ضرورة قصوى لاعادة قراءة تاريخ نشوء و"صعود" الامبراطورية العثمانية، وعصبها النزعة الطورانية، على ضوء علاقتها العضوية بالطغمة المالية اليهودية والاستعمار الغربي، والعداء المشترك لهذه الاطراف الثلاثة ضد الامة العربية وما يمكن ان نسميه "الاسلام العربي" وحليفه التاريخي "الاسلام الايراني"، من جهة، وضد الروس واليونانيين والارمن والسلافيين والمسيحيين الشرقيين عموما، من جهة ثانية. وهذه مهمة تقع بالدرجة الاولى على عاتق المؤرخين العرب والمسلمين والمسيحيين والاوروبيين الشرقيين، المتنورين والصادقين.
ونعرض فيما يلي بعض "المفاتيح" او "النقاط المفصلية" التاريخية، المتعلقة بهذه المسألة المركبة:
1 ـ عشية ظهور الامبراطورية العثمانية، كان قد تم "حدث صغير" (بالقياس الى الاحداث التاريخية الكبرى) لم يحظ ولا يحظى الى الان بالاهتمام العربي والاسلامي والعالمي الكافي، ولكن تداعياته اللاحقة كان لها اثر كبير جدا على المجرى التاريخي العالمي، ولا تزال تفعل فعلها الى اليوم. وهذا الحدث هو انه في نهاية القرن العاشر قضى الروس على مملكة اليهود الخزر ـ ذوي الاصل الطوراني، التي كانت قائمة على بحر قزوين، وكانت، بالتعاون مع يهود الاندلس، تتولى التجارة بين بلدان اوروبا الشرقية واسيا الوسطى وما وراء القوقاز، ممن جهة، والخلافة العربية الاسلامية، من جهة ثانية. وبعد ان منعهم الروس من الاقامة في محيط بحر قزوين، انتشر اليهود الخزر (الاشكناز/الطورانيين، الآريين) في روسيا واوكرانيا وبولونيا وغيرها من البلدان الاوروبية الشرقية، فالوسطى، فالغربية، قبل حوالى 500 سنة من سقوط الاندلس وانتشار قسم من اليهود الاندلسيين العبرانيين (السفارديم = الساميين) وخاصة الاغنياء منهم في اوروبا، والتقاؤهم بابناء "دينهم" اليهود الخزر (الآريين) الذين كانوا قد انتشروا قبلهم.
2 ـ في اواسط القرن الحادي عشر وقع الانشقاق في الكنيسة المسيحية، وانقسمت الى شرقية (تضم بشكل رئيسي اليونانيين وشعوب شبه جزيرة البلقان والروس والاوكرانيين والارمن والشرق الادنى) وغربية (وتضم بشكل رئيسي اوروبا الغربية، ولاحقا اميركا الشمالية والجنوبية). وبمعزل عن الجانب الديني ـ اللاهوتي الذي نحترمه ولكن لا شأن لنا به هنا، فإن الكنيسة الشرقية كانت تمتاز بميزتين:
الاولى ـ انها، كمؤسسة، ليست كنيسة مركزية كوسموبوليتيا (دوليا)، بل كنيسة محلية ـ اقليمية ـ وطنية في كل بلد او وحدة كيانية سياسية.
والثانية ـ انها كانت اقرب الى انتهاج خط اقامة العلاقات الايجابية، غير القائمة على العداء، مع الشعوب الشرقية غير المسيحية وخاصة المسلمين العرب.
في حين ان الكنيسة الغربية (الكاثوليكية، ومن ثم البروتستانتية) فكانت، من جهة، مؤسسة مركزية كوسموبوليتيا (دوليا) يترأسها البابا، الذي كان في وقت من الاوقات هو الذي يعين الملوك والقياصرة والاباطرة انفسهم في مختلف البلدان المسيحية الغربية.
ومن جهة ثانية، كانت اقرب الى استمرار خط العداء للعرب والمسلمين.
وقد تجلى هذا الانقسام في الكنيسة المسيحية بشكل صارخ في فترة الحروب الصليبية، حيث ان الكنيسة الغربية كانت هي المبادرة الى شن تلك الحروب وتنظيمها، بالاشتراك مع ملوك اوروبا الغربية. في حين ان شعوب اوروبا الشرقية واليونان وروسيا والارمن وغيرهم من المسيحيين الشرقيين، ومنهم العرب، لم يشاركوا في تلك الحروب بل وقفوا ضدها. ويذكر ان الحملة الصليبية الرابعة قد وجهت بالتحديد ضد الامبراطورية البيزنطية (المسيحية الشرقية) حيث تم القضاء عليها من قبل الصليبيين، واقيمت في القسطنطينية مملكة لاتينية لمدة ستين سنة، الى ان استعادها الاغريق البيزنطيون من جديد.
3 ـ في نهاية القرن الحادي عشر بدأت الحروب الصليبية واستمرت اكثر من قرنين. وقد ادت الى النتائج التالية:
أ ـ انهاك البلاد العربية.
ب ـ انهاك اليونان وشعوب شبه جزيرة البلقان، المسيحية الشرقية.
ج ـ ترسيخ التعاطف ونزعة التقارب لدى هذه الشعوب مع العرب والمسلمين، الضحية الرئيسية للحروب الصليبية.
د ـ انتهت تلك الحروب بهزيمة الصليبيين، الا انها لم تضع حدا للنزعة الاستعمارية الغربية، بل قوتها. وانطلاقا من هذه النزعة، عشية الثورة الصناعية والقفزة الجديدة للرأسمالية بالاتجاه الاستعماري، قويت نزعة العداء الغربية للعرب، العقبة الرئيسية امام استعمار الشرق.
4 ـ عشية الحروب الصليبية واثناءها، كان يجري في الدولة العربية ـ الاسلامية نزاع على السلطة بين الولاة والحكام من اصل تركي (السلاجقة والزنكيين) وبين غيرهم من الحكام من اصل عربي وكردي وفارسي. وقد انتهى هذا الصراع بزوال عهد الحكام الاتراك، وسيطرة الفرس في مناطقهم، وسيطرة الايوبيين الاكراد في المناطق العربية (والكردية). والسلاطين الايوبيون، وفي الفترة الاخيرة: السلاطين المماليك، هم الذين قادوا الحروب ضد الصليبيين (والتتار). وفي هذا النزاع فإن العرب، وبصفة عامة، رجـّحوا كفة الحكام المسلمين غير الاتراك ضد الحكام الاتراك، الى ان عاد الاتراك، في عهد العثمانيين، فانتصروا على الاكراد والعرب. ولكن العثمانيين لم "يحكموا" في بلاد العرب والاكراد، كما كان الامر في السابق، على قاعدة "الحكم الاسلامي" الذي لم يكن يفرق بين قوميات الدولة، بل انهم فرضوا حكما استعماريا تركيا، يستخدم زورا الدين الاسلامي، فكانوا اشبه شيء بـ"صليبيين اسلاميين!".
5 ـ ان اليهود الخزر كان يجمعهم مع العثمانيين، اصلهم الطوراني المشترك، وقد استغلوا تماما هذه العلاقة، وخصوصا في مرحلة المملكة اليهودية الخزرية، حيث كان الزر والعثمانيون يتعاونون في الغزو على بلغار الفولغا والروس ويسبوننساءهم ويبيعوهن كرقيق ابيض لليهود العبرانيين الذين يبيعوهن بدورهم الى القادة في الدولة العربية ـ الاسلامية. وبالمقابل، فإن العثمانيين استفادوا بشكل استثنائي من هذه القرابة العنصرية مع اليهود الخزر، وبالاستناد الى ذلك، وسعيا وراء اهدافهم الخاصة، والاهداف المشتركة للطرفين، فقد ساعد اليهود الخزر العثمانيين منذ البداية على الصعود كقوة سياسية ـ عسكرية جديدة، مناهضة للروس ولشعوب اوروبا الشرقية، من جهة، ومناهضة للمسلمين العرب، خاصة، من جهة ثانية. ومن ثم فان اليهود الخزر، باموالهم وعلاقاتهم "الدولية"، ساعدوا على ولادة الامبراطورية العثمانية.
6 ـ لقد تلاقى حقد اليهود الخزر ضد الروس والمسيحية الشرقية مع عداء العثمانيين للعرب والمسلمين غير الاتراك، من جهة، ومع عداء المسيحية الغربية (الصليبية) ضد الاسلام والمسيحية الشرقية معا، من جهة ثانية. وادى ذلك لنشوء "جبهة ثلاثية": يهودية خزرية ـ عثمانية ـ "صليبية" غربية، ضد الروس والمسيحية الشرقية والعرب خصوصا والمسلمين غير الاتراك عموما. والاساس، او الحلقة المركزية الجامعة في هذه "الجبهة" كان اليهود الخزر. وكان قيام وتوسع الامبراطورية العثمانية ابرز نتاجات هذه "الجبهة"، التي عملت اولا على مساعدة العثمانيين من وراء الستار وامامه لضرب "الحلقة الاضعف" اي شعوب اوروبا الشرقية وشبه جزيرة البلقان، التي قدمتها اوروبا الغربية لقمة سائغة للامبراطورية العثمانية. وبعد ان اشتد ساعد هذه الامبراطورية الغاشمة بعد فتح القسطنطينية، عملت "الجبهة الثلاثية" على دفعها ضد الاكراد والفرس (معركة جالديران 1514) ومن ثم ضد الهدف الرئيسي: الشرق العربي (معركة مرج دابق 1516)، الذي تم اخضاعه للاستعمار التركي، ابشع انواع الاستعمار واكثره تخلفا. ومن ثم، بعد ان توطدت اركان السلطنة العثمانية، عملت "الجبهة الثلاثية" على دفع العثمانيين ضد الروس.
7 ـ ان اليهود الخزر قد راقبوا الحروب الصليبية، وراقبوا احوال وتنظيم وفعاليات الكنيسة الغربية التي شنت تلك الحروب. ومما يدل عليه مسلكهم اللاحق، فإنهم ـ اي اليهود الخزر، وفي الصراع من اجل استعادة مملكتهم ـ قد توصلوا الى الاستنتاجات التالية:
أ ـ ضرورة تحويل اليهودية الى مؤسسة مركزية كوسموبوليتية (على غرار مؤسسة الكنيسة الغربية)، مع فارق جوهري هو ان "كوسموبوليتية" الكنيسة الغربية لا تنسلخ انسلاخا مسبقا عن "وطنية" كل بلد يدين بها، بل تسير بموازاتها، ذلك انه، في التركيبة المسيحية الغربية، فإن الالتزام بالقيادة البابوية "الاجنبية" كان يتماهى مع الارادة "الوطنية" للشعب المعني الملتزم بتلك القيادة من خلال التزامه بعقيدة الكنيسة الغربية. ولهذا فإن المؤسسة الكنيسية الغربية لم تكن مؤسسة سرية على شعبها، او شعوبها، بل بالعكس. ولكن هذا "التماهي" بين "كوسموبوليتية" و"وطنية" الكنيسة الغربية كان ولا يزال يحتمل الاهتزاز، في حال وجود تعارض قومي "واسع الشعبية" بين اتجاهين سياسيين لدى شعبين او بلدين متعاديين هما في الوقت نفسه "مسيحيين غربيين" (وقد رأينا صورة عن هذا الاهتزاز، بعد الحرب العالمية الاولى، في الموقف المترجرج للكنيسة الكاثوليكية من النازية والفاشية، التي كانت تستقطب غالبية شعبية في المانيا وايطاليا واسبانيا، على خلاف فرنسا وغيرها من البلدان "الكاثوليكية" الاخرى). اما اليهودية (هنا الخزرية)، وباعتبار انها ليست دين اكثرية الشعب الذي تقيم بين ظهرانيه، بل دين اقلية اتنية ـ طبقية، فإن مؤسستها "الكوسموبوليتية" اليهودية كانت في قطيعة وتضاد مسبقين، اوليين او مبدئيين، مع "وطنية" كل بلد توجد او تمتد فيه. فاليهودي كان من المحتم ان يكون اما "وطنيا" معاديا للكوسموبوليتية اليهودية (الصهيونية، لاحقا)، واما كوسموبوليتيا يهوديا (صهيونيا، لاحقا)، معاديا للبلد الذي ينتمي اليه اسميا ويعاديه فعليا. ولم يكن من صالح الكوسموبوليتية اليهودية (لاحقا: الصهيونية) ان تكشف عن وجهها تماما على هذا الصعيد، ولهذا اتسمت المنظمة الكوسموبوليتية اليهودية بطابع سري للغاية، حتى على اليهود العاديين انفسهم.
ب ـ ان المؤمنين اليهود كانوا يعيـّدون بعضهم بعضا، ومنذ السبي القديم، بعبارة "في السنة القادمة في القدس". ومع الزمن، اكتسبت هذ العبارة معنى دينيا غير سياسي، مثلما يعيـّد المسلمون بعضهم بعضا بعبارة "ان شاء الله السنة القادمة في مكة" او ما اشبه. ولكن بعد الاحداث التاريخية، ونتائجها، التي سلف وذكرناها، فمن المؤكد، وهذا ما تدل عليه الاحداث اللاحقة، ان اليهود الخزر (الذين كانوا متجهين نحو تنظيم "كوسموبوليتهم" الخاصة على غرار "الكوسموبوليتية" الكنيسية الغربية) قد تساءلوا: ولماذا لا تكون لهم هم ايضا "صليبيتهم" اليهودية الخاصة؟ ومثلما ان الصليبية، في نزعتها الاستعمارية للاستيلاء على الشرق، استعارت القاموس الديني ورفعت شعار "تخليص قبر السيد المسيح والاراضي المقدسة من "الكفار" المسلمين"، فإن اليهود الخزر بدأوا يعطون لعبارة "في العام القادم في القدس" معنى آخر، اي معنى قوميا، سياسيا ـ عسكريا، مغلفا بغلاف ديني، هدفه الظاهر الاقرب "تخليص اورشليم" و"ارض الميعاد" و"اعادة بناء هيكل سليمان"، وهدفه الحقيقي الابعد: الاستيلاء على الشرق واستعماره، كمقدمة شرطية للاستيلاء على الكرة الارضية واستعمارها، بقوة الرأسمال الاحتكاري الدولي الذي يتحكم به الرأسمال اليهودي. لكن، وبحكم ادراك "الكوسموبوليتية" اليهودية لأقلويتها، فإن نزعتها، ومن ثم تنظيمها، الاستعماري ـ التسلطي "الصليبي اليهودي"، كان اكثر خبثا ومكيافيلية من الصليبية المسيحية. فالصليبية المسيحية، نظرا لكبر جمهورها "المسيحي"، كانت تقاتل اساسا بجمهورها ذاته. اما "الصليبية اليهودية"، فأتجهت اكثر فأكثر للعب على التناقضات الدولية، والقتال ضد اعدائها بجماهير اعدائها انفسهم، اي بجمهور هو اساسا غير الجمهور اليهودي، في كل مرحلة من المراحل.
8 ـ ان اي تحليل لاحداث تلك المرحلة يكشف لنا ان الامبراطورية العثمانية قد وُجهت بشكل مدروس لابتلاع اسيا الصغرى وشبه جزيرة البلقان واوروبا الشرقية، ومن ثم البلاد العربية، وكذلك لشن الحروب على روسيا. وهو ما يلتقي تماما مع مصلحة واهداف اليهود الخزر، ومع مصلحة واهداف اوروبا الغربية "الصليبية". وبذلك حققت اوروبا الغربية: التخلص من المسيحية الشرقية الرابضة على حدودها (مع الاحتفاظ باياديها "بريئة" من دم هذه الشعوب المسيحية، اذ ان العثمانيين هم الذين قاموا بهذه المهمة القذرة التي انتهت خلال الحرب العالمية الاولى وفي اعقابها مباشرة بالمجازر ضد الارمن وبقايا اليونانيين في القسطنطينية).
9 ـ ان الامة العربية تمثل تاريخيا العصب الرئيسي للاسلام، كبوتقة انسانية، سياسية ـ اجتماعية ـ حضارية. وفي العصور الوسطى، وبنتيجة تسلط الحكام "المسلمين!" غير العرب، والحروب الصليبية والتتارية، اصاب الضعف المجتمع العربي. وكمحصلة "منطقية" لذلك ظهرت، من الهوامش الطفيلية للبوتقة الاسلامية، قوة "ثالثة" ("اسلامية" غير عربية) لم يكن يحسب لها حساب، استطاعت، بدعم وتواطؤ اليهود الخزر و"الصليبية" الغربية، استغلال الضعف العربي لتأسيس امبراطورية "اسلامية!"، منطلقها الاساسي العداء للعرب، هي الامبراطورية العثمانية. وقد انطلقت تلك القوة من بعض القبائل الطورانية الهمجية المقاتلة، التي كانت تعتاش في البدء على الغزو والسلب والنهب وقطع الطرقات، ثم عمدت قياداتها العشائرية، ذات الطابع الاقطاعي ـ العسكري، الى إدخالها في وقت متأخر في الاسلام السلطوي، وتحديدا في الخدمات العسكرية للامبراطورية العربية ـ الاسلامية، وذلك لا جهادا في سبيل الرسالة الاسلامية، بل فقط وفقط سعيا وراء المغانم، التي كانت تتحصل عليها تلك القبائل بنتيجة موضعتها على الحدود بين الدولة البيزنطية والدولة العربية ـ الاسلامية. ولكن حينما عزّت تلك المغانم، واخذت تقل بفعل التلاشي التدريجي للعداء، ومن ثم بداية التقارب، بين البيزنطيين وبين العرب والمسلمين، وخاصة خلال الحروب الصليبية وبعدها، انكفأت تلك القبائل العثمانية نحو "الداخل الاسلامي"، وأخذت تعتاش على التناقضات داخل الامبراطورية العربية ـ الاسلامية ذاتها، وتستغل نقاط ضعفها، الى ان تسنى لها تمزيقها اربا وافتراسها والسيطرة عليها.
10 ـ لقد ادى سقوط القسطنطينية في ايدي العثمانيين، الى نتيجتين سلبيتين كبيرتين بالنسبة للعرب:
الاولى ـ تحفيز مصطنع لموجة صليبية غربية جديدة، ضد العرب، ولكن بحجة خطر "اسلامية!" العثمانيين!. حيث انه بدلا من ان توجه هذه الموجة ضد العثمانيين في ما سمي الاستانة، وُجهت ضد العرب وقضت على منارتهم الحضارية في الاندلس. اي ان الهمجية العثمانية (ومن ورائها اليهود الخزر والصليبية الغربية) قضت على المنارة الحضارية التي كانتها القسطنطينية (المسيحية الشرقية)، وبحجة الخطر "الاسلامي!!!" (عمليا العثماني) فإن الصليبية الغرية نهضت من جديد وقضت على المنارة الحضارية (العربية) التي كانتها الاندلس.
والثانية ـ اشتداد ساعد العثمانيين، العدو القادم، المرشح لان يقضي على كل التقدم الحضاري للدولة العربية ـ الاسلامية، ويقوض دورها العالمي، ويعيد العرب الى ما قبل الاسلام، ويحولهم من جديد الى شراذم وحطام شعوب ممزقة، منهوبة، مـُذَلـّة، فقيرة ومتخلفة يرثى لها.
11 ـ لقد سار اليهود الخزر في ركاب "ابناء عمومتهم" العثمانيين، وكانوا في اساس اقامة "الباب العالي" في القسطنطينية السابقة. وبعد سقوط الاندلس وفرار اليهود منها، الى جانب كل العرب، وعودة غالبية اليهود الاندلسيين العاديين الى المغرب العربي، عمل اليهود الخزر على استقطاب قسم كبير من اليهود الاندلسيين، ولا سيما الاغنياء ورجال الدين والمثقفين، الى الامبراطورية العثمانية، التي تحولت الى مركز دولي للطغمة اليهودية العليا، بديلا عن الاندلس، حيث شهد اليهود ما يسميه تاريخهم "عصرهم الذهبي".
وقد اضطلع اليهود بالذات، الخزر ـ الطورانيون/"الاشكناز"/الآريون، والعبرانيون ـ الساميون ـ "الاسبانيون"/"السفارديم"، ـ اضطلعوا بدور "الخـَزَنـَة" و"العقول المدبرة"، وفي المحصلة دور "المفاتيح" الفعلية، السرية وغير السرية، المالية والادارية والسياسية، لـ"الباب العالي" للسلطنة العثمانية، منذ ولادتها وحتى آخر يوم في حياتها. وقد اوجدوا، انطلاقا من الاستانة، شبكة مالية ـ تجارية يهودية مختلطة، خزرية (اشكناز) ـ عبرية (اندلسية/ سفارديم)، انتشرت في مختلف البلدان الاوروبية الشرقية والغربية وما يسمى اليوم، بالقاموس الاميركي، الشرق الاوسط، والقوقاز وآسيا الصغرى وما وراءها، وذلك استنادا الى: النفوذ اليهودي في السلطنة العثمانية، علاقة اليهود العبرانيين بالعرب والشعوب الاسلامية، علاقة اليهود الخزر بالشعوب ذات الاصل الطوراني وانتشارهم السابق في اوروبا الشرقية وجزئيا الغربية. وهذه الشبكة هي التي وقفت خلف قيام السلاطين العثمانيين بمنح الاوروبيين ما يسمى اتفاقات "الامتيازات الاجنبية"، بدءا من سنة 1536، اي بعد عشرين سنة فقط من احتلال البلاد العربية.
12 ـ ادى الاحتلال العثماني للجيب السلافي ـ الارثوذكسي في شبه جزيرة البلقان، الى دوس و"تحييد" هذا الجيب بما كان يمثله من تقارب مع العرب، ومن اختلاف وجفاء مع "المسيحية" الغربية الصليبية ـ الاستعمارية، ومن امتداد ومدى حيوي مباشر للنفوذ الروسي. وبنتيجة الاحتلال العثماني للقسطنطينية، تم القضاء النهائي على الامبراطورية البيزنطية "المسيحية الشرقية"، والسيطرة على مقر البطريركية المسكونية الارثوذكسية، وقطع الطريق على ما كان يقوم من تفاعل حضاري بين القسطنطينية والاندلس العربية، ومن تعايش ايجابي وتفاعل بين الشعوب المسيحية الشرق اوروبية وبين الشرق العربي ـ الاسلامي، ولا سيما عبر المسيحيين العرب. وكان من نتيجة ذلك بطبيعة الحال إزاحة خصم (مسيحي) تاريخي، غير مرغوب فيه من قبل "الغرب المسيحي" الاستعماري، هو الشعب اليوناني، وريث الحضارة الاغريقية العريقة والعظيمة، الذي تم احتلال بلاده الاصلية واذلاله وتحجيمه وتعطيل دوره الحضاري العالمي، وتحويله الى شعب صغير مغلوب على امره، يصارع من اجل البقاء الفيزيولوجي وحسب.
13 ـ بعد ترسيخ اقدامهم في اوروبا الشرقية، عمد العثمانيون الى تشكيل ما يسمى "الجيش الجديد" (يني تشير = الانكشارية)، المؤلف بالدرجة الاولى من الاولاد الصغار المسيحيين، الذين كانوا يؤخذون من احضان اهاليهم، في المناطق المحتلة في اوروبا الشرقية، بموجب بدعة "ضريبة الدم"، حيث كان يفرض على كل عائلة وقرية ومجموعة سكانية تقديم عدد محدد من الاولاد "طوعا"، والا أخذوا بالقوة. وهؤلاء الاولاد كانوا "يؤسلمون" كرها (في تضاد كامل مع تعاليم الدين الاسلامي) ويدربون ويسلحون كي يُفلتوا فيما بعد كالوحوش الكاسرة ضد "اعداء الله" و"اعداء امير المؤمنين"!. وقد مكنت "الانكشارية" السلطنة العثمانية من تحقيق غايتين:
الاولى ـ ايجاد قوة قمعية، لا جذور قومية واجتماعية لها، وبالتالي شديدة الولاء للسلطان، "اسلامية" الاسم ولكنها بالفعل لا تمت بأية صلة لأي شعب مسلم، مما يجعلها "متحررة" مسبقا من اي تأثير "جانبي" غير الولاء للسلطنة، في اي مواجهة للسلطة مع اي انتفاضة في اي بلد اسلامي محتل.
والثانية ـ توجيه "الانكشارية" لقمع الشعوب المسيحية الاوروبية الشرقية ذاتها، وتقويض الروح المعنوية لهذه الشعوب، حينما ترى "ابناءها المؤسلمين" يفتكون بـ"اهاليهم" بالذات.
والطغمة المالية اليهودية العليا هي صاحبة "فكرة" تشكيل الجيش الانكشاري، الذي يتلاءم تماما مع "الفكرة" الكوسموبوليتية، وهي التي امنت له التمويل الاولي الضروري.
14 ـ لقد شن العثمانيون حروبا متواصلة ضد روسيا، الامبراطورية "المسيحية الشرقية" الثانية، الصاعدة حينذاك، بما كانت تمثله من حليف قوي محتمل للعرب. وكانت الامبراطورية الروسية تطمح للاندماج مع الامبراطورية البيزنطية، او الحلول محلها، ضد رغبة ومصالح "الغرب المسيحي" الاستعماري. وكانت النتيجة المنطقية لتلك الحروب اضعاف الامبراطورية الروسية وإلهاءها، والحد من امكانيات توسيع نفوذها في اوروبا واسيا، وتحجيم دورها العالمي عموما، والاوروبي خصوصا. وانه لمن السخرية السوداء للقدر ان الامبراطورية العثمانية كانت تفرغ المناطق العربية من الطاقات البشرية الشابة الخلاقة، بتجنيدها الشباب العربي في جيوشها وزجهم كوقود في حروبها المتواصلة ضد روسيا.
15 ـ بعد سقوط توأمي الحضارة العالمية في القرون الوسطى، القسطنطينية والاندلس، توجه العثمانيون لاحتلال البلاد العربية، وإفقار وتمزيق وإذلال العرب، وفرض الجهل والتخلف عليهم، والقضاء على دورهم الحضاري العالمي انطلاقا من دورهم الطليعي في البوتقة الحضارية العربية ـ الاسلامية الجامعة. ومنذ تلك الحقبة السوداء الى اليوم، اثبت التاريخ ان لا بديل للدور الطليعي العربي في تلك البوتقة. وبانتصار العثمانيين على العرب، اتخذ "الاسلام السلطوي"، ولمئات السنين، وجها وحيد الجانب هو الوجه البشع، وجه "الاسلام المزيف"، "اسلام!" الظلم والعربدة وشرب الدماء، والانجذاب المـَرَضي نحو الغدر والقتل والبطش من اجل الاستيلاء على السلطة، وتكديس الخصيان والغلمان والحريم، والتمتع بالملذات وحشو البطون، واللواط والرقص الماجن وفض الفروج، وهو ما كانته "مآثر" "اسلام!" الطغاة العثمانيين، الذين كانت هذه "حضارتهم!" بالضبط وفقط، وهي "الحضارة!" التي ألصقوها زورا بالاسلام، والذين عجزوا عن الاضطلاع بأي دور حضاري حقيقي، الا انهم استطاعوا تعطيل الدور الطليعي الحضاري العربي، حاصلين بالمقابل بامتياز على "جائزة" السلطة الاستبدادية ومكاسبها ومخازيها.
16 ـ لقد عملت الامبراطورية العثمانية على الاستنزاف الاقصى للطاقة الحيوية للمجتمع العربي، بكل المعاني الحضارية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، وتمزيقه الى ولايات وامارات وأقضية، وملل ونحل وشيع ومذاهب وطوائف وعشائر وعائلات، متناحرة متنازعة، الامر الذي كان بمثابة "تمهيد تاريخي" لاستعماره ونهبه واذلاله. وفي "جردة حساب تاريخية" نجد ان "المأثرة" الاعظم للامبراطورية العثمانية هي الاضطلاع بدور الممهد الفعلي للاستعمار الغربي للشرق العربي والاسلامي. فلولا هذه "المقدمة التاريخية"، وهذا الدور الهدام للعثمانيين في المجتمع العربي خاصة، والاسلامي عامة، لما كان بالامكان تحويل هذه المنطقة الغنية والزاهرة، التي ولدت فيها الحضارة العربية ـ الاسلامية الرائعة، اولا الى "قاع صفصف"، وثانيا الى "مدى حيوي" للضواري الاستعمارية، التي اصبح بامكانها تقاسمه مسبقا "على الخريطة" (كما تم في "اتفاقية سايكس ـ بيكو" و"وعد بلفور")، بدون أي اعتبار للشعوب المعنية، التي اوصلها العثمانيون الى الدرك الاسفل، والتي اصبح المستعمرون الغربيون ينظرون اليها كـ"كائنات" او "مخلوقات" شبه بشرية لا يقام لها أي اعتبار، ولا يحسب لها أي حساب (وهذا ما يعبر عنه تماما القول الصهيوني "المأثور" عن فلسطين بأنها "ارض بلا شعب، لشعب بلا ارض").
17 ـ بقيام الامبراطورية العثمانية على انقاض استقلال شعوب اوروبا الشرقية، والشعوب العربية، فإن النزعة الاستعمارية الاوروبية الغربية توفرت لها الشروط اللازمة للتفرغ بهدوء لاستعمار اميركا، التي تم اكتشافها بالصدفة، خلال البحث عن طرق التفافية (حول "الحاجز الطبيعي" العنيد الذي كان ولا يزال يمثله الشرق العربي) لاستعمار الشرق عامة بما فيه الهند والشرق الاقصى بثرواته الاسطورية. ويقول الرأسمالي الاميركي المعروف هنري فورد ان الذين مولوا رحلة كولومبوس هم بالتحديد يهود الانداس وليست ايزابيل الكاثوليكية كما يشاع. ومعروف ان عصابات القراصنة ـ المستكشفين الاستعماريين الاوائل (كولومبوس واضرابه)، حينما وصلوا الى ما سمي "اميركا!"، ظنوا انهم وصلوا الى الهند، التي كانوا يقصدونها، فسموا سكانها الاصليين "هنودا"، مع انهم لا علاقة لهم بالهند. وقد تم اغتصاب بلاد واراضي هؤلاء "الهنود"، كـ"بدل عن ضائع"، هو الهند ذاتها، الماثلة في مخيلة ومطامع الاستعماريين الاوروبيين من ايام الاسكندر المقدوني. ولما لم يكن بالامكان استعباد هذا الشعب الحر بالفطرة، الذي كانه سكان "اميركا!" الاصليين، الذين سموا "هنودا"، فقد جرى ابادة عشرات الملايين منهم، وطرد الباقي في مجاهل القارة المكتشفة.
18 ـ وبدأت بالمقابل عملية واسعة النطاق لصيد البشر في افريقيا البائسة، وارسال الملايين منهم الى "العالم الجديد" للعمل كعبيد. وقد مات من هؤلاء البؤساء، في عملية الصيد والشحن والاستعباد، عشرات الملايين ايضا. وقد جرى ذلك كله تحت سمع وبصر المجتمع "الحضاري" الغربي، الاوروبي القديم ومن ثم "الاميركي!" الجديد، من إعلام وجامعات وقضاء وحكومات وبرلمانات وهيئات المجتمع المدني، بما فيها او على رأسها الكنيسة الغربية الكاثوليكية (والبروتستانتية!)، صاحبة النفوذ الاوسع، التي كان كل همها "مباركة" فتح واستعمار الاراضي "الجديدة"، واستغلال بؤس "الهنود" الحمر والزنوج "العبيد"، للتبشير في صفوفهم بالدين المسيحي كما كانت تأوله الكنيسة، ودفعهم الى الاستكانة و"حمل صليب" الظلم والقتل والتعذيب والذل والعبودية في الحياة الارضية، رجاء "القيامة" في الحياة الآخرة.
وقد امكن ان ترتكب كل هذه الجرائم العظمى التي لا مثيل لها في تاريخ البشرية، في غياب شبه تام لليونانيين والروس والمسيحيين الشرقيين، الذين كانوا في مواجهة شبه دائمة مع العثمانيين، وفي غياب كامل تماما للعرب، الذين كانوا قد اصبحوا تحت رحمة سيوف وسياط واحذية الطغاة العثمانيين، طبعا باسم "الخلافة الاسلامية" التي اغتصبوها.
وهنا لا بد من التوقف عند نقطة تاريخية هامة وهي: انه ليس من الصدفة، بالمعنى التاريخي الانساني العام، ان هذا "العالم الجديد"، المسمى "اميركا!"، الذي "تعمد" منذ ولادته بدماء عشرات ملايين "الهنود" الحمر والزنوج "العبيد"، وبعرق ودموع ودماء (مجزرة "اول ايار" ضد العمال المضربين، حدثت في اميركا بالذات) عشرات ملايين الاوروبيين الفقراء، العاطلين عن العمل والفائضين عن الحاجة، إبان "الثورة الصناعية" و"النهضة" في اوروبا الاستعمارية، الذين سيقوا بسياط الجوع، كالكلاب الشاردة، الى "العالم الجديد"، ليبنوا ناطحات السحاب فوق جماجم اخوتهم في الانسانية "الهنود" الحمر و"العبيد"؛ ـ نقول: إنه ليس من الصدفة ان هذا "المولود الاستعماري الوحشي"، الذي سمي "الولايات المتحدة الاميركية" قد تحول اليوم الى "بؤرة الشر" الامبريالية الرئيسية في العالم، التي تمثل "نواتها" الرئيسية الطغمة المالية العليا المتوحشة: الانغلو/ساكسونية ـ الصهيونية، التي تطمح الى تحويل العالم بأسره الى مزرعة "عبيد" و"دواجن بشرية"، كما فعلوا بالهنود الحمر والزنوج، بما يجسد تماما النظرة التوراتية اليهودية الى "الاغيار"، او "الغوييم".
19 ـ احتلت الشبكة المالية والسياسية اليهودية مركزا مميزا في اوروبا الغربية، انطلاقا من القاعدة اليهودية في الامبراطورية العثمانية. وهذا ما اتاح للمتمولين والمغامرين اليهود (ولا سيما الخزر، الآريين ـ الطورانيين، آباء وأسلاف الصهيونية المعاصرة)، ان يلعبوا تاريخيا دور "النطفة الاولى" و"حبل السرة" الذي يربط العلاقة العضوية الثلاثية "الاميركية ـ اليهودية ـ العثمانية". فانطلاقا من طابعهم الكوسموبوليتي (حيث انهم اصبحوا "مقتلـَعي الجذور" سواء من مملكة الخزر او من الاندلس) غير مرتبطين قوميا ودينيا بأي من البلدان التي يعيشون ويعملون فيها، فقد كانوا في طليعة العاملين للانخراط في مغامرة فتح "العالم الجديد = اميركا"، ان لجهة تصدير و"هجرة" الرساميل، وان لجهة تنظيم هجرة قطاع الطرق والمجرمين وكافة المغامرين الاوائل، الذين قامت الدولة الجديدة على اكتافهم.
20 ـ واخيرا لا آخر فإن الطغمة اليهودية العليا، بمكيافيليتها المعهودة، اضطلعت بدور رئيسي في "وراثة" الامبراطورية العثمانية، من خلال دورها في "الثورة الدستورية" في 1908، وفي حركة "تركيا الفتاة"، و"الثورة" التغريبية الاتاتوركية. وهناك شكوك قوية بأن مصطفى كمال (أتاتورك) نفسه كان من طائفة اليهود الدونمه المتظاهرين بالاسلام، وهي طائفة لا تزال موجودة في تركيا، وقد كشف النقاب عنها مؤخرا فقط.
وهذا بعض ما يفسر "العلاقة المميزة" بين اسرائيل وبين تركيا "الاسلامية!". ولا عجب ان يقوم اليهود الصهاينة الذين لعبوا الدورين: "الموالي للاسلام" في عهد الامبراطورية العثمانية، و"المعادي للاسلام" في عهد الاتاتوركية، ان يقوموا اليوم بلعب دور ثالث، توليفي، بين الدورين السالفين. وهنا ننتقل الى النظر في النقطة التالية، وهي:

II ـ الدور "العثماني الجديد" للطورانية:
ان "دروس" هذه "التجربة" التاريخية قد تغيب عن بعض الحكام والسياسيين "الصغار" في "المربع التركي"، بمن فيهم الحكام والسياسيين الاتراك انفسهم، وكذلك عن بعض قادة الرأي العام الاميركيين، ولكنها لا تغيب عن دهاقنة الستراتيجية الامبريالية الاميركية، ولا سيما الصهاينة واشياعهم، امثال بريجنسكي وكيسنجر وغورباتشوف وغيرهم من "الادمغة".
بناء عليه، فإن هذا "التخصيص"، او الرعاية الخاصة، من قبل اميركا نحو تركيا ليس وليد ساعته، وهو ـ في الوقت الذي ينطلق فيه اولا من الوقائع والمعطيات الراهنة، الا انه يستند ايضا، كما سبق ورأينا، الى علاقة عضوية "تاريخية" بين ثلاث ظواهر هي:
ـ ولادة الامبراطورية العثمانية.
ـ النزعة الاستعمارية الغربية التي تمخضت عن "اكتشاف!" ما يسمى "اميركا!" وولادة الدولة الامبريالية الاميركية (منذ قطع رأس اول "هندي احمر" ووضعه كـ"حجر اساس" فيها) كتجسيد لتلك النزعة الاستعمارية.
ـ واخيرا ولادة النواة الاولى للصهيونية المعاصرة، التي تمخضت عن اسرائيل.
ونتوقف فيما يلي عند المعطيات الراهنة التي يستند اليها هذا "التخصيص":
ميزات "المربع التركي"
اولا ـ ان هذا المربع يقع في قلب العالم السلافي والمسيحي الشرقي، وبمواجهة روسيا بشكل خاص، التي هي الدولة السلافية والمسيحية الشرقية الاكبر. وهذا ما يمنح "المربع التركي" اهمية استراتيجية خاصة. ذلك انه، بالرغم من انهيار المنظومة السوفياتية والاتحاد السوفياتي ذاته، وبالرغم من الضعف الذي اصاب الدولة الروسية، فإن هذه الدولة بالذات لا تزال تشكل الهاجس الاكبر لاميركا، ولا تزال هي العدو الرئيسي المخيف، الذي يقض مضاجع أي ادارة اميركية. وليس بدون عبرة انه من اصل 3000 صاروخ ستراتيجي لدى اميركا، هناك اكثر من 2700 صاروخ لا تزال موجهة ضد "امبرطورية الشر" (حسب تعبير ريغان) السابقة (!). ولا تزال اميركا تستميت لتوسيع حلف الناتو الى الحدود الروسية، ولنشر قواعدها العسكرية في البلقان والبلطيق والقوقاز وآسيا الوسطى، وهي تهدف من وراء ذلك، بالاضافة لمحاصرة روسيا، الى دق اسفين بين روسيا، من جهة، وبين الصين والهند، من جهة اخرى.
ثانيا ـ انه يقع في وسط مثلث الثروات الشرقي، الذي ـ اي المثلث ـ يحيط كالسوار بـ"المربع التركي". وبالتالي فهو يقع في مواجهة مباشرة مع الامة العربية، العدو التاريخي للغرب الاستعماري، والتي تمتلك رصيدا معنويا وحضاريا كبيرا، يمنحها قدرة لا يزاحمها فيها احد على التأثير على الشعوب الاسلامية، مما يهدد مخطط الهيمنة الدولية لاميركا بأسره.
ثالثا ـ انه يمثل جسرا اوراسيا آخر، بين اوروبا ككل وآسيا وافريقيا ككل، بموازاة الجسر الاوراسي الاول، أي الجسر الروسي.
هذا من حيث الموقع الستراتيجي الجغرافي، بأبعاده "الخارجية"، العسكرية والاقتصادية والمواصلاتية الخ.
رابعا ـ اما من حيث تركيبته "الداخلية"، فإن هذا "المربع التركي" بالذات، وفي ارتباطاته بالدول والبلدان والشعوب المجاورة له، يكاد يختزل ويختزن غالبية القضايا والمشاكل والعلاقات الدينية والاتنية والقومية في العالم القديم ـ الجديد: المسيحية (الشرقية والغربية) والاسلام، الاتراك، الاكراد، السلافيين، اليونان، شعوب واتنيات البلقان والقوقاز، واخيرا لا آخر الامتين الكبيرتين: الروسية والعربية. وفي اطار هذا "المربع" بالذات تدخل المشكلة التركية ـ اليونانية، ومشاكل شعوب البلقان وما وراء القوقاز والشيشان الخ، كما انه على ارتباط عضوي مباشر مع المشكلة الفلسطينية ـ الاسرائيلية.
من هنا اننا اعتبرنا ان هذا المربع هو المربع الستراتيجي الاهم او الاخطر في العالم، لا سيما في الظروف الدولية المعاصرة.
كل هذه المعطيات تدفع السياسة الاميركية للعمل بشكل مكثف للسيطرة على هذا المربع على خطين:
سياسة "الاحتواء المتعدد":
الاول ـ العمل لاحتواء البلدان الاربعة التي سبق الاشارة اليها: بلغاريا، جورجيا، قبرص وكردستان العراق، بأقصى ما يمكن من الهدوء، وبدون اللجوء الى القوة المسلحة، كما هو الحال في افغانستان وباقي اجزاء العراق وفلسطين. وبدون التهديد باستعمال القوة والحصار الاقتصادي الخ، كما هو الحال بالنسبة لسوريا ولبنان وايران، و(سابقا) ليبيا والسودان. ولهذه الغاية، تقوم الاجهزة الاميركية المختصة والمعنية بالتعامل على قدم المساواة مع جميع الاطراف السياسية والاتنية في البلدان المعنية: السلطة والمعارضة، بمختلف فئاتها، والجماعات الاتنية على اختلافها. بحيث يبدو ان اميركا لا "تنحاز" الى أي من هذه القوى والفئات، بل هي تحرص على اتخاذ طابع "الصديق" للجميع، و"الناصح" للجميع، والراغب في "المساواة" و"المصالحة" و"الاصلاح" و"الدمقراطية" بالنسبة للجميع. ولا تستثني اميركا من هذه السياسة المرنة حتى اعداءها التقليديين، بمن فيهم الشيوعيون السابقون وورثتهم السياسيون. والهدف المباشر القريب الذي تضعه الدبلوماسية الاميركية نصب عينيها هو "حلحلة" المشاكل المباشرة لهذه البلدان، وكسر عزلتها السابقة، وتحويلها الى "مناطق نفوذ" اميركية آمنة، قادرة على التعامل بشكل "فعال" مع المحيط الذي هي جزء منه، طبعا برعاية اميركا ووصايتها.
الثاني ـ التتريك السياسي الجديد: ان كل من هذه البلدان هو على علاقة، بهذا الشكل او ذاك، بـتركيا و"العنصر التركي" و"العامل التركي". وتهدف الستراتيجية الاميركية في المرحلة الراهنة الى تحويل هذه البلدان، بالاخص، الى ما يشبه "طوق صحي" حول تركيا، يقيم معها علاقات جيدة، تتجاوز النزاعات السابقة او المحتملة بين كل من هذه البلدان وبين تركيا. والهدف الابعد، الموازي لاقامة هذا "الطوق الصحي"، هو احتواء تركيا بالذات، بعد ان تخلخلت فيها المعادلة السياسية التاريخية السابقة، اي الاتاتوركية ـ العسكريتارية، التي كانت تحكمها، وذلك بفعل ظهور التيار الاسلامي التركي، تحت تأثير التطورات العامة في العالمين العربي والاسلامي. والستراتيجية الاميركية في الوقت الراهن تعمل، بأقصى ما يمكن، على تجنيب تركيا النزاعات الخارجية والداخلية، كي يتاح لها الوقت الكافي لتدجين التيار الاسلامي التركي و"أمركته" بالتدريج، جنبا الى جنب تدجين قلعة الاتاتوركية، أي الجيش التركي، والسير به الى منتصف الطريق لـ"مصالحته" مع التيار الاسلامي التركي، ومن ثم تدجين واحتواء كافة القوى السياسية الاخرى في تركيا، وتأهيلها لتقبـّل وممارسة الستراتيجية الاميركية الجديدة بالنسبة لتركيا، اولا، والمربع التركي، ثانيا، والمثلث الشرقي، ثالثا.
وحتى الان حققت السياسة الاميركية تقدما ملحوظا على هذين الخطين. وهو ما يجب على كل محلل موضوعي تتبعه عن كثب، من اجل استشراف مجريات الاحداث في العالم، وفي منطقة المثلث الشرقي خاصة. فإذا ما استطاعت السياسة الاميركية تحقيق اهدافها القريبة المرسومة في هذا المربع، فإنها ستنتقل الى الهدف الابعد الذي تخطط له بهدوء منذ الان، الا وهو: إعطاء تركيا خاصة، و"العامل التركي" عامة، دورا عالميا خاصا، بمواجهة روسيا والعالم السلافي، من جهة، وبمواجهة البلدان العربية والعالم الاسلامي، من جهة ثانية، وبمواجهة اوروبا باسرها واوروبا الغربية خاصة، من جهة ثالثة.
العثمانية الجديدة
لقد كانت الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية تمتلكان ثلاث ركائز اقليمية في المنطقة هي: اسرائيل، ايران الشاه، وتركيا "الاتاتوريكية".
بالنسبة لاسرائيل فهي بالكاد تكاد تنتزع الاعتراف بوجودها، وقد تحولت الى عامل ضعف في عملية تمرير وقبول الوصاية الاميركية على المنطقة. وهنا لا بد من التذكير بـ"التجربة" السلبية تماما لاسرائيل، في التعامل مع "العامل الاسلامي" ـ السني والشيعي على السواء ـ في فلسطين، واستطرادا في لبنان والعالم العربي والاسلامي بأسره. فإسرائيل، دينيا و"قوميا"، هي غير اسلامية، ولكن اليهودية، التي تتاجر بها اسرائيل، هي "صاحبة" الدين "التوحيدي" الاول حسب التسلسل التاريخي المتعارف عليه. وهذا ما كان، نظريا على الاقل، يوفر لاسرائيل "فرصة" للعب على "العامل الاسلامي". الا انها فشلت تاريخيا في استخدام عباءة "نبي الله" ابرهيم لـ"لم شمل" اليهود والمسيحيين العرب والمسلمين تحت المظلة الاميركية، بل جرى العكس تماما. حيث ان اسرائيل عمقت العداء العربي والاسلامي للصهيونية، ومن ورائها لاميركا. وبلغ الفشل الاسرائيلي على هذا الصعيد حدا مثيرا للسخرية والقرف، في العملية الفاشلة لإلباس العرب (الذين هم ساميون، بل هم سدى ولحمة السامية) لباسا اوروبيا بامتياز هو لباس "اللاسامية". ولا تفوق سخافة اتهام الفلسطينيين والعرب باللاسامية، سوى سخافة انتحال "السامية" من قبل اليهود الاوروبيين الاشكناز/الخزر، الذين هم طورانيون ـ آريون غير ساميين.
اما بالنسبة للقاعدة الاستعمارية الاخرى في المنطقة، التي كانها نظام الشاه، فإن الثورة الاسلامية في ايران قد اطاحت بتلك القاعدة.
وبقيت "ثالثة الاثافي": تركيا. وكل الدلائل الآنية تشير ان هناك خطة مرسومة، بخطوطها العريضة، تطبق الآن على ارض الواقع في "المربع التركي"، المربع الستراتيجي الاخطر في عالم اليوم. والهدف الأبعد لهذه الخطة هو: بعث الدور العثماني بطريقة جديدة، تتلاءم مع معطيات العصر، وتحت الاشراف الكامل للدوائر الامبريالية الاميركية، وبالتنسيق التام معها ومع الصهيونية العالمية. وقد سبق لرئيس الوزراء التركي الاسبق الراحل، توركوت اوزال، الذي كان احد دهاقنة تركيا المعاصرة، ان كشف بشكل ما "عنوان" هذه الخطة. فبهدف تأليب الشعبية حول حزبه المعارض للاتاتوركية الخشبية قال اوزال: "ان القرن الواحد والعشرين سيكون قرن بعث السلطنة العثمانية، من البحر الادرياتيكي الى سور الصين العظيم". وطبعا ان توركوت أوزال، رجل الدولة البارز والدبلوماسي المحنك، لم يكن يقصد ان يرفس بقدمه الشرعية الدولية و"سيادة" الدول المستقلة في المنطقة التي حددها، وبالتالي لم يكن يقصد بعث "نظام السلطنة الاسلامي" ذاته حرفيا، ولا توسيع حدود الدولة التركية الى مدى "الدولة العثمانية" السابقة، على انقاض تلك الدول، بل الارجح انه كان يقصد بعث "العلاقة" الطورانية ـ الاسلامية، وتحويل تركيا الدولة الى ـ على الاقل ـ "مركز عثماني جديد" يضطلع بدور محور ومحرك فعال لهذه "العلاقة".
وهنا بيت القصيد في الخطة المرسومة، الاميركية ـ الصهيونية ـ التركية، والآخذة طريقها للتطبيق الهادئ والمثابر، في "المربع التركي". فهذه الخطة تنطلق من عاملين تعتمد عليهما وهما:
الاول ـ الطابع الطوراني للدولة التركية، الذي يجمعها موضوعيا مع قسم كبير من سكان شبه جزيرة البلقان، وما وراء القوقاز، ذوي الاصل الطوراني، ويجمعها بالاخص، وهذا هو الاهم، مع القسم الاكبر من شعوب بلدان آسيا الوسطى ـ الجمهوريات الاسلامية السوفياتية السابقة، كما مع جزء من الاقليات الاتنية في الصين ذاتها. وهذا ما يؤهل الدولة التركية للقيام بدور خاص ليس فقط لدى هذه الشعوب والاقليات والاتنيات، بل ولدى الدول التي تعيش فيها، اذا اتقنت القيادة التركية كيفية الاضطلاع المرن بهذا الدور.
الثاني ـ الانتماء الاسلامي للشعب التركي، الذي يتيح للدولة التركية ان تلعب ايضا دورا "اسلاميا" عالميا، "ايجابيا" و"فعالا"، لمصلحة الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية اللتين هما في أشد الحاجة لمثل هذا الدور.
وكي تستطيع تركيا الاضطلاع بدورها المزدوج الطوراني ـ الاسلامي، وهو ما نسميه الدور "العثماني الجديد"، ينبغي اولا ان يتم"الاصلاح" و"التجديد" في تركيا ذاتها، ومن ثم "الاصلاح" و"التجديد" في نمط علاقاتها مع الشعوب الطورانية والاقليات الاتنية الاسلامية في المثلث الشرقي، والبلدان التي توجد فيها تلك الشعوب والاتنيات، واخيرا "الاصلاح" و"التجديد" في علاقات تركيا "الاسلامية الجديدة!" مع العالم الاسلامي الكبير، ومن ورائه العالم بأسره. وهذا ما يعكف الان على تطبيقه دهاقنة الستراتيجية الاميركية ـ الصهيونية، ولا سيما اجهزة المخابرات والدوائر المختصة. ويخطئ كل من يظن ان هذه الاجهزة والدوائر تنتهج فقط خطة عدوانية مكشوفة، كما جرى ويجري في يوغوسلافيا السابقة، وفلسطين، ولبنان، وافغانستان والعراق. بل بالعكس تماما، فإنها مثلما تدرس "ايجابيات" و"نجاحات" الخطة العدوانية، من وجهة نظر مصالحها، فإنها تدرس ايضا جوانب الضعف والعجز والفشل في تلك الخطة. واجهزة المخابرات والدوائر الامبريالية والصهيونية العالمية، التي لها "تجربة" غنية في التعامل مع "العامل الاسلامي"، في مواجهة الروس مثلا، في افغانستان سابقا، وفي الشيشان وغيرها حاليا، وفي مواجهة الصربيين والكروات والمكدونيين في يوغوسلافيا السابقة، كما في مواجهة الفلسطينيين واللبنانيين والعرب، فإنها لا شك معنية في الصميم بأن تدرس كل تجربة التعامل مع "العامل الاسلامي"، بجناحيه الموالي والمعادي لها، واستعماله حينما وكيفما يمكن ذلك، حتى على طريقة "عدو عدوك صديقك".
ان تركيا هي ذات شعب مسلم كبير. ومع ذلك، وبسبب التشويه الذي سببه العثمانيون للاسلام في الماضي، قامت ثورة "التغريب" و"التحديث" الاتاتوركية بمواجهة الاسلام بشكل عام. والان فقد امتد التيار الاسلامي الى داخل تركيا ايضا. واصبح من المستحيل الوقوف بوجهه، بالقوة العسكرية، او بقوة "الورقة الانتخابية".
ولكنه ليس بدون عبرة انه، حتى بعد ان جاء التيار الاسلامي الى السلطة في تركيا، فإنه، بخلاف التيار الاسلامي الايراني، لم ينجح في الخروج من دائرة النفوذ الاميركي، ودائرة "الصداقة" الستراتيجية مع اسرائيل. وهذا هو "المفتاح" الذي تمسك به الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية الان.
وهنا بالضبط يأتي الدور التركي، "العثماني الجديد"، المميز.
فهل تستطيع الدولة التركية، بالتعاون الكامل مع الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية، ان "تصلح" مع "افسدته" اسرائيل، وما عجزت عنه ايران الشاهنشاهية، بأن تحتوي التيار الاسلامي داخل وخارج حدودها، وتلم شمل الشعوب والاتنيات التركية، والطورانية، والاسلامية، تحت المظلة الامبريالية الاميركية؟ هذا هو الدور الجديد لـ"العثمانية الجديدة" الطورانية ـ الاسلامية!
ان احتمال الوصول الى هذا الهدف الستراتيجي الضخم، من شأنه ادخال تغيير ستراتيجي رئيسي في الوضع الدولي كله. ونذكر هنا انه ابان الصراع ضد السوفيات في افغانستان، لم يكن الاميركيون على ثقة كبيرة بقدرتهم على النصر، ولذلك "اختبأوا" خلف "العامل الاسلامي". وقد سأل مرة احد القادة العرب الداهية الصهيوني هنري كيسنجر "من يمكن ان ينتصر في افغانستان، انتم ام السوفيات؟"، فأجابه كيسنجر "ينتصر الطرف الذي تقفون "انتم" معه!". وبالفعل، لولا "العامل الاسلامي" لما انهزم السوفيات في افغانستان سابقا. ولكن الاميركيين، والاسرائيليين بالاخص، لم يستطيعوا دائما ان يجدوا "لغة مشتركة" مع التيار الاسلامي، فانقلب عليهم حتى هؤلاء "الأنتم" أي حلفاؤهم السابقون في افغانستان ذاتها، كتنظيم الشيخ بن لادن وحركة طالبان "الاسلامية!".
فهل تستطيع تركيا ان تقوم بهذا الدور؟
هذا ما سيجيب عليه التاريخ. ولكن اذا أنعم المراقب المحايد النظر في ما يجري على الارض يجد:
اولا ـ انه يجري العمل بحزم على تفصيل وتحديد "الطوق الصحي" حول تركيا، في ما سميناه "المربع التركي"، والعمل على فض "الاشتباكات" التركية الكثيرة مع الشعوب والدول والبلدان الواقعة ضمن هذا المربع وحوله، لتهيئة المناخات الضرورية للتغيير المطلوب اولا داخل تركيا بالذات.
ثانيا ـ العمل على "لـَبـْرَرَة" المجتمع والدولة التركيين، لاجل "الاحتواء المزدوج" اولا، ومن ثم "المصالحة" فـ"المزاوجة"، بين "الاتاتوركية" و"التيار الاسلامي" التركي، بهدف ايجاد "كيان تركي" جديد مميز، "طوراني" الجسم والقبضة، "اسلامي" الوجه واللسان، "عصري" المنطق، "غربي" الهوى والمصالح والارتباطات والاهداف. وهذه هي بالتحديد خصائص "العثمانية الجديدة".
ثالثا ـ عملية تحويل تدريجي لتركيا، الدولة و"التيار الاسلامي" ومؤسسات المجتمع المدني فيها، الى "مركز ـ أم" للطورانية، "ثقافيا" و"اجتماعيا" و"اقتصاديا" و"انسانيا"، ومن ثم "سياسيا"، بالاشكال المرنة المؤاتية، كي تصبح "لاعبا اقليميا" كبيرا، له وزنه و"كلمته الاولى" في الاعلام والحياة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، اولا في البلدان التي تضم بقدر كبير اصولا طورانية، وثانيا في جميع البلدان الاخرى التي تعيش فيها اقليات اتنية تركية وطورانية. وتتسع اهمية هذا المنحى، في السعي لاضفاء الطابع التركي والطوراني على جميع المسلمين غير الاتراك وغير الطورانيين في تلك البلدان، على غرار الالبان وقسم كبير من المسلمين الصربيين والبوسنيين والبلغار والروس والصينيين وغيرهم، الذين سبق ان دخل اجدادهم في الاسلام وهم ذوو اصول عرقية غير تركية وغير طورانية ومن سكان البلاد الاصليين. وهذا يقتضي اعتماد اسلوب "التهدئة" و"الاعتدال" و"التسامح" و"المساواة" و"التسويات" في التعامل مع المسألة القومية والاتنية والدينية في "المربع التركي" وفي شبه جزيرة البلقان والقوقاز وآسيا الوسطى والجمهورية الاتحادية الروسية وصولا الى الصين الشعبية. وفي هذه الحالة تصبح تركيا قوة اقليمية، لا يمكن تجاوزها، تقف موضوعيا ومباشرة، بمواجهة روسيا والعرب بالاخص.
رابعا ـ ان لبررة تركيا، بما في ذلك بالاخص لبررة التيار الاسلامي فيها، وتحسين علاقاتها الدولية، وتكبير دورها الاقليمي في "المربع التركي" و"المثلث الشرقي"، ستساعد في العمل على تكبير دورها الاسلامي العام، في ثلاثة اتجاهات:
1 ـ السعي لتحويلها الى مركز رئيسي للحركات الاسلامية الشعبية. وعن هذا الطريق تكبير الدور التركي على مستوى "الاسلام الشعبي".
2 ـ تكثيف وتطوير علاقاتها الثنائية مع جميع الدول الاسلامية بلا استثناء، ولا سيما مضاعفة تدخلها "الايجابي" لحل النزاعات والمشاكل التي يعاني منها العديد من الدول الاسلامية، بما فيها المشاكل والصعوبات الداخلية، والعمل لتقديم "المساعدات" لتلك البلدان. ومن ضمن هذا الخط يأتي اعطاء دور متزايد لتركيا في السعي لـ"حل" النزاع الفلسطيني/العربي ـ الاسرائيلي، لصالح "تمرير" وتثبيت الكيان الصهيوني، وتعظيم الرصيد العربي والاسلامي لتركيا. وعن هذا الطريق يتم تكبير الدور التركي على مستوى "الاسلام الرسمي".
3 ـ وكمحصلة لذلك كله: تقليص دور "الاسلام العربي" و"الاسلام الايراني" على المستويين "الشعبي" و"الرسمي".
ومع تحقيق هذه الاهداف تصبح تركيا عضوا اكبر من حجمه بكثير في "منظمة مؤتمر الدول الاسلامية"، التي تخطط الدوائر الامبريالية الاميركية والصهيونية لتدجينها، خصوصا بواسطة تركيا "العثمانية الجديدة"، وللسيطرة عليها وتحويلها الى منظمة اقليمية موالية للامبريالية، على غرار ما كان "حلف بغداد" ومشروع "الحلف الاسلامي" في الخمسينات والستينات.
تلك هي الخطوط العريضة، التي يمكن تلمسها من الوقائع على الارض، للخطة الستراتيجية "السلمية"، للامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية، الموازية لخطتهما الستراتيجية "الحربية".
فاتورة الحرب الباردة الجديدة
والامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية لن تكتفيا بدور "المستشار" فقط، وتتركان لتركيا وحدها تنفيذ هذه الخطة، بل هما ستكونان الموجه الاول والشريك والممول الرئيسي. وهنا نذكر ان الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية انفقتا مئات بل ألوف مليارات الدولارات على اسرائيل، وعلى الحروب التي لما تزل دائرة في فلسطين وافغانستان والعراق، ناهيك عن مئات ألوف اطنان حديد الاسلحة والذخائر ومئات الوف الجنود، المكدسة في "المثلث الشرقي"، والتي تكلف مئات وألوف مليارات الدولارات الاخرى. والشيء الرئيسي الذي "أثمرته" هذه الالوف المليارات هو المزيد من الخراب والدمار والمآسي والتضحيات للعرب والمسلمين، والمزيد من التوابيت والكراهية والحقد الاسود ضد الاميركيين والاسرائيليين. وطالما ان الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية وجدتا نفسيهما مضطرتين لانتهاج خط آخر، غير خط الحرب، وهو خط "السلام" و"الحرب الباردة" الجديدة، فإنهما حتما ستؤمنان دفع الفاتورة المطلوبة. ومثلما كانت ولا تزال "المساعدات"، بمختلف اشكالها، تتدفق كالسيل على اسرائيل، وتمكنها من الصمود "العجائبي" حتى الان، فإن مثل هذه المساعدات، بل واكثر منها، ستبدأ بالتدفق على تركيا بـ"طورانييها الجدد" و"اسلامييها الجدد"، او اختصارا "عثمانييها الجدد". وستبدأ هذه المساعدات تجد "ترجمتها" الواقعية في السيطرة على الاعلام، وشراء الضمائر، و"استمالة" القيادات، و"خلق" المنظمات، والرشوات والفساد والخيانات والمؤامرات، وكل الاساليب القذرة للمخابرات والعصابات والمافيات، في جميع البلدان المعنية، وأولها البلدان العربية والاسلامية.
وبطبيعة الحال ان الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية لن تتحولا الى "جمعية خيرية" وتدفعا "المساعدات" المطلوبة من "جيوبهما" الخاصة. بل العكس هو الصحيح، فهما ستدفعان، بالدرجة الاولى، على حساب شعوب المنطقة بالذات، من خلال التحكم بمقدراتها الاقتصادية العامة، ومن ثم بالمقدرات الاقتصادية والسياسية للعالم بأسره. وهذا ما يتبين في الكثير من المخططات التي تعمل السياسة الاميركية على تحقيقها ومنها:
1 ـ ان احتياطات النفط المكتشفة في منطقة حوض قزوين تقدر بمائة (100) مليار برميل. واميركا والصهيونية العالمية تضعان نصب اعينهما السيطرة على هذه الاحتياطات، بمساعدة "الخط التركي" بالدرجة الاولى.
2 ـ ان روسيا المستضعفة، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تقف امام ثلاثة "خيارات" هي: اما ان تقوي التحالف مع الصين ضد اميركا. واما ان تدعم علاقاتها مع الاتحاد الاوروبي (وخاصة فرنسا والمانيا). ولكن هناك "خيار" ثالث ايضا وهو: ان تخضع لاميركا وتنضم هي نفسها لحلف الناتو، وتصبح مدى حيويا لاميركا والصهيونية وشركاتهما العملاقة التي يسيل لعابها للسيطرة على الثروات الطبيعية الهائلة والسوق الاقتصادية الكبيرة لروسيا.
3 ـ ان الذي سيقرر مصير روسيا نفسها هو النتائج التي ستتمخض عنها "اللعبة الكبرى" في منطقة آسيا الوسطى، التي تشارك فيها عدة اطراف اهمها اميركا وروسيا. فروسيا تحاول استعادة نفوذها واعادة تمتين علاقاتها مع الجمهوريات السوفياتية السابقة. اما اميركا فتحاول منع ذلك، وتوسيع نفوذها، تمهيدا للهيمنة على المنطقة. والى جانب اميركا تقف: تركيا، باكستان واوكرانيا.
4 ـ ان "اللعبة الكبرى" تتمحور حول : أي منطقة ستكون هي الجسر الرئيسي بين اوروبا وافراسيا ، ومن يسيطر على هذا الجسر. روسيا تركز على ان تكون هي هذا الجسر، بالتفاهم والتعاون مع دول الجوار. واميركا تركز على ان تكون تركيا هي هذا الجسر.
5 ـ ان تركيا هي مؤهلة جغرافيا كي تكون معبرا رئيسيا للنفط والغاز بين اسيا واوروبا. ولهذا فإن الضغط على تركيا من قبل الاتحاد الاوروبي سيشتد. كما سيتفاقم التصادم بين اميركا والاتحاد الاوروبي حول تركيا.
6 ـ ان اميركا، بدعم وثيق من الصهيونية العالمية وامتدادات نفوذها في اوروبا، تطرح وتعمل على تنفيذ مشاريع اقتصادية استراتيجية مثل الخطوط العملاقة لانابيب النفط والغاز، من حوض بحر قزوين، عبر تركيا، الى اوروبا والعالم.
وحتى الان يعمل في حوض قزوين خطان لانابيب النفط هما:
الاول: خط باكو ـ سوبسا (جيورجيا) على البحر الاسود، وهو بطاقة 6 ـ 10 ملايين طن سنويا.
والثاني: خط باكو ـ نوفوروسييسك (روسيا) على البحر الاسود ايضا، وهو بطول 1147 كلم، وبطاقة 7 ـ 16 مليون طن سنويا (ويمكن زيادة طاقته الى 18 مليون طن سنويا).
وقد طرح الاميركيون بناء خط جديد، وضغطوا باتجاه تنفيذه، ومن شأنه ادخال تعديلات جذرية ليس فقط على الخريطة الاقتصادية العالمية، بل بالمحصلة وعلى الخريطة السياسية والعسكرية ايضا. وهذا الخط هو "خط باكو ـ جيهان" في تركيا، الذي يمر عبر جيورجيا. وهو المزاحم الاكبر، اقتصاديا وسياسيا، لخط باكو ـ نوفوروسييسك.
وخط انابيب باكو ـ تفليس ـ جيهان، طوله 1760 كلم. وسيكلف 4,3 مليار دولار. وقد صادق البنك الاوروبي للاعمار والتنمية على صرف 250 مليون دولار للمساهمة في مد الخط. كما اقر البنك الدولي اعتمادا بقيمة 500 مليون دولار للغاية نفسها. وكان يتوقع ان يتم انجازه خلال 3 سنوات. وهي مدة كان من الصعب التقيد بها، لان الخط يمر عبر الكثير من الانهار، ويصل ارتفاعه في بعض المناطق التي سيمر بها الى 2700 متر فوق سطح البحر.
ونشير هنا ان ايران تعارض انشاء هذا الخط، وتؤيد نقل النفط من حوض قزوين، عبر الاراضي الروسية. وهي بالمقابل تريد ان ينقل جزء من نفط قزوين الى "الخليج العربي ـ الفارسي"، وليس عبر تركيا الى البحر الابيض المتوسط.
7 ـ ان مشاريع نقل النفط والغاز من حوض قزوين، عبر تركيا، من شأنه فتح الطريق لتحقيق الاهداف الاقتصادية ـ السياسية الكبرى التالية لاميركا:
أ ـ عزل بلدان اسيا الوسطى والقوقاز (الجمهوريات السوفياتية السابقة) عن روسيا.
ب ـ اضعاف الموقف الروسي في اوروبا، وقطع الطريق على التحالف الروسي ـ الاوروبي الغربي، ولا سيما مع المانيا وفرنسا.
ج ـ عرقلة التقارب الاقتصادي والسياسي، الروسي ـ الايراني.
د ـ المحاصرة النفطية للدول النفطية العربية ذاتها، ولا سيما السعودية والعراق ودول مجلس التعاون الخليجي، وتعزيز الدور التركي على حسابها في منظمة مؤتمر الدول الاسلامية وغيرها.
هـ ـ ان إعطاء تركيا هذا الدور النفطي المميز، سيعزز الى درجة كبرى دورها الاقتصادي بشكل عام، مما لا مثيل له في السابق، ويجعلها قبلة للتوظيفات الرأسمالية من كل الجهات، ولطرح وتنفيذ مختلف المشاريع والاتفاقات الاقتصادية مع مختلف الاطراف والدول.
و ـ بمثل هذ التعزيز للدور التركي الاقتصادي، وبالتالي السياسي، ليس من المستبعد ان يطرح في المستقبل المعقول، موضوع تشكيل "جامعة" او "اتحاد" الدول الطورانية، او الدول الناطقة باللغة التركية (على اختلاف لهجاتها)، على غرار "الاتحاد الاوروبي" او "جامعة الدول العربية" او "منظمة الدول الفرنكوفونية". وهذا ما يزيد في عزل هذه الدول عن النفوذ الروسي، من جهة، والنفوذ العربي والايراني، من جهة ثانية.
ز ـ في نفس هذا الاتجاه، ليس من المستبعد ان يطرح موضوع انتماء تركيا كعضو مراقب في "جامعة الدول العربية" ذاتها، مما يصب في اتجاه تحقيق مفهوم "الشرقأوسطية" الذي يشمل اسرائيل وتركيا، وتدعمه اميركا، على حساب اضعاف الروابط القومية للعرب.
ح ـ وبمثل هذا التعزيز للدور الاقتصادي والسياسي لتركيا، بالارتباط الوثيق مع اميركا واسرائيل، وعزل روسيا، وعزل الدول العربية وايران، توضع اوروبا بأسرها تحت رحمة اميركا والصهيونية العالمية، اكثر بكثير مما هو متاح لهما الان.
ط ـ واخيرا لا آخر، ان مثل هذه السيطرة الاميركية ـ الصهيونية على "المربع التركي"، ومن ثم على مثلث الثروات الشرقي، بالتعاون الوثيق مع تركيا، تطرح امكانية تشكيل "حلف ناتو جديد" تكون ركائزه الرئيسية: اميركا، بريطانيا، تركيا واسرائيل، بحيث يصبح "حلف الناتو" الحالي مجرد "ملحق" له، ويتم التهميش شبه التام لالمانيا وفرنسا والدول الاوروبية الاخرى، غير الانغلو ـ ساكسونية، ذات النزعة الاستقلالية.
XXX
لقد مضى اكثر من ثلاثة ارباع القرن على سقوط الامبراطورية العثمانية. وقبل ان تخرج من مستنقع الذل والانحطاط، الذي ألقاها فيه العثمانيون، بدأت الأمة العربية، منذ اكثر من نصف قرن، تواجه الهجمة الامبريالية ـ الصهيونية الشرسة، التي تعمل تقطيعا في اوصالها. وها هي "العثمانية الجديدة" تستعد، بأشكال جديدة، نابعة من الطبيعة المعولمة لما يسمى "النظام العالمي الجديد"، للانقضاض على الامة العربية من جديد، واستكمال مهمة العثمانيين القدامى في القضاء التام على الشخصية الحضارية العربية، وإزاحتها نهائيا من مسرح التاريخ.
كيف سيواجه العرب الموجة "العثمانية الجديدة"؟
وهل ستتمكن الامة العربية، بالتعاون اولا مع الشعوب الاسلامية، وثانيا مع روسيا والشعوب الاوروبية الشرقية الاخرى، وثالثا مع الشعوب الاوروبية غير الانغلوـ ساكسونية، من مواجهة الاعصار المركـّب القادم، الاميركي ـ الصهيوني ـ "العثماني الجديد"؟
تلك هي اليوم المسألة التي يتوقف عليها لا مصير الامة العربية والشعوب الاسلامية وحسب، بل ومصير العالم بأسره!
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ازمة المديونية تهدد العالم الرأسمالي الغربي
- تقرير بيلاطس البنطي عن قضية صلب السيد المسيح
- التعاون التكنولوجي العسكري بين ايران وروسيا يرعب اميركا
- الحرب السرية الاسرائيلية ضد ايران وحزب الله
- فلاديمير بوتين الفائز الاول في الانتخابات الروسية
- الصين ترفض الوجود الاميركي في آسيا
- اوروبا تترنح امام الازمة الاقتصادية
- السياسة الاميركية في مواجهة الاحتجاجات في الداخل والخارج
- سوريا امام فرصة تاريخية
- اميركا: رجل العالم المريض
- الاتحاد الاوروبي يعمل لحل الازمة على حساب الشغيلة
- الاقتصاد الروسي ينهض من الازمة والغرب يفشل على الصعيد الاجتم ...
- قادة الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان يتبادلون الاتهام بتسليم ف ...
- اميركا تترنح واوباما والكونغرس يتابعان البهلوانيات فوق هاوية ...
- ارباب -الاموال الوظيفية- يطبعون العملة ويراكمون الديون والمو ...
- الامبريالية والصهيونية في إشكالية -الثورات؟!؟!- العربية
- هل ستعترف صربيا باستقلال كوسوفو؟!
- اميركا المفلسة تسرق العالم كله عن طريق طباعة الدولار الرخيص
- الحرية للمفكر الاسلامي الثوري المصري مصطفى حامد المعتقل في ا ...
- القفزة الجديدة لصناعة التسلح الروسية


المزيد.....




- بعيدا عن الكاميرا.. بايدن يتحدث عن السعودية والدول العربية و ...
- دراسة تحذر من خطر صحي ينجم عن تناول الإيبوبروفين بكثرة
- منعطفٌ إلى الأبد
- خبير عسكري: لندن وواشنطن تجندان إرهاببين عبر قناة -صوت خراسا ...
- -متحرش بالنساء-.. شاهدات عيان يكشفن معلومات جديدة عن أحد إره ...
- تتشاركان برأسين وقلبين.. زواج أشهر توأم ملتصق في العالم (صور ...
- حريق ضخم يلتهم مبنى شاهقا في البرازيل (فيديو)
- الدفاعات الروسية تسقط 15 صاروخا أوكرانيا استهدفت بيلغورود
- اغتيال زعيم يكره القهوة برصاصة صدئة!
- زاخاروفا: صمت مجلس أوروبا على هجوم -كروكوس- الإرهابي وصمة عا ...


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جورج حداد - الدور -العثماني الجديد- للطورانية الاسلامية الكاذبة!!!