أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - بابكر عباس الأمين - هل تُوجد أحزاب سودانية؟















المزيد.....

هل تُوجد أحزاب سودانية؟


بابكر عباس الأمين

الحوار المتمدن-العدد: 3590 - 2011 / 12 / 28 - 10:33
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    




تؤكد التطورات السياسية التي دارت مؤخراً - وتدور - في السودان علي حالة عجز الأحزاب السياسية عن الفعل، وانفصامها عن نبض الشارع، وتطلعات الجماهير. حدث ذلك، ويحدث، في ظرف يعان فيه نظام التتار من أوهن حالاته جرَّاء الحروب الداخلية، والعزلة الخارجية، وتيار الثورات العربية، واستشراء الفساد الذي أضحي ديدناً وشريعة، وتضاعف القهر السياسي والاقتصادي والنفسي علي المواطن، بما ينوء عن حمله أولي القوة. ليس أدل علي حالة العجز من فشل الأحزاب في أخذ زمام المبادرة وقيادة الجماهير، وقد بلغ حالها التراجيدي ما يُعتبر مقارنة مع معاناة شعوب تونس ومصر وليبيا - قبيل تهاوي أنظمتها - قطرة من قمطير. أو في مقارنة ثانية، أن تلك الأنظمة كانت تمتلك من أدوات البطش والجبروت ما يجعل وسائل قهر نظام التتار نُزهة. ليس أدل علي علي العجز، أيضاً، من أن شعبنا لديه إرث زاخر في إزالة الطغاة، كما حدث في أكتوبر 1964 وأبريل 1985.

ربما كان جذر أزمة الأحزاب السودانية هو تمحور الحزب حول رئيسه، وما يتبع ذلك من انسياب الفعل السياسي من أعلي لأسفل، فيما يشبه تقاليد المؤسسة العسكرية، كقرار محمد عثمان الميرغني المشاركة في النظام. ولا ريب أن هذه الظاهرة تتنافي مع المبادئ التي ترتكز عليها الأحزاب السياسية، وأهمها توسيع دائرة المشاركة في اتخاذ القرار، ووجود قنوات ينساب عبرها الفعل السياسي رأسياً من أسفل لأعلي. مثلما يستوجب وجود قنوات أفقية تعمل علي إيجاد مضاعف مشترك في القرار بين المكونات الطبقية المتباينة التي يتكون منها الحزب كتجمع مصلحي، وغالباً ما تتراوح ميولها بين اليمين والوسط واليسار. نضيف لذلك أن منصب رئيس الحزب في السودان هو منصب مدي الحياة - كشيخ القبيلة - إذ يخلو قاموس الأحزاب من مفردتي تقاعد واستقالة. قادة الأحزاب الحاليين تناهز أعمارهم الثمانين ولم يعودا مقنعين لجيل ما بعد الحداثة وثورة المعلومات الذي تتراوح أعماره بين العشرينيات والثلاثينيات، أي في عمر أحفادهم.

أيضاً، تتسم الممارسة السياسية للأحزاب السودانية بالموسمية، وعدم الاكتراث للجماهير إلا في فترة الانتخابات، وهي ظاهرة تتجسد بصورة بشعة في الأقاليم. هذه المسألة اختزلها أديبنا العظيم، الطيب صالح، في تعبير بسيط مشبَّع بالدلالات، في رائعته الخالدة "موسم الهجرة إلي الشمال." في حوار عبدالمنان، عم الراوي، يقول العم لابن أخيه: "كل الذي يفلحون فيه يجيئون إلينا مرة كل عامين، أو ثلاثة بجماهيرهم ولواريهم ولافتاتهم...يعيش فلان ويسقط علان. كنا مرتاحين أيام الإنجليز من هذه الدوشة." لذا، فقد كان منطقياً وحتمياً أن تؤدي موسمية الممارسة السياسية، وتمركز الحزب في الخرطوم، ليأس وإحباط جماهير الأرياف؛ وبالتالي لميلاد الحركات الإقليمية في أطراف القطر منذ ستينيات القرن المنصرم: جبهة دارفور، اتحاد جبال النوبة، ومؤتمر البجا. وبما أن النظام الحالي أردأ من أنظمة الأحزاب فقد استمرت هذه الظاهرة في تفريخ المزيد من الحركات الإقليمية، لدرجة يكاد المرء أن يعجز عن حصرها: حركة تحرير كوش ...إلخ. ويصادف ذلك أن التركيبة الاجتماعية لأقاليم السودان تتكون من قبائل متباينة، بما يعني أن قطرنا يسير للخلف. فبعد أكثر من نصف قرن من استقلالنا، لم ننجز حتي الآن مُهمة بناء الأمة أو الدولة القومية أو الوطنية؛ وهو أمر انجزته الهند قبل عقود، علماً بأن تباين أقاليم السودان لا يساوي مثقال ذرة مع ولايات الهند.

أمر ثالث، هو أن الائتلافات والإنشقاقات الحزبية لا تنطلق من مرتكزات أيدلوجية، أو فكرية، أو حول قضايا الوطن، بل تحدث حول توزيع الأسلاب، أو الطموحات الشخصية، ولا تراعي الأخيرة أدب الخلاف. كانقسام حزب الأمة الذي قاده الصادق المهدي عام 1966، ونكاية بمحمد أحمد محجوب، قام المهدي باسقاط حكومته بالائتلاف مع كلٍ من الوطني الاتحادي والإخوان المسلمين. أو انقسام الفئة الباغية التي اجتمعت علي ضلال وتفرقت علي باطل، مما أدي لظهور الحقائق وإذا اختلف اللصان ظهر المسروق؛ إذ يقول جناح أن الآخر يتبع للماسونية، بينما يقول الآخر أن زعيم الثلة الأخري وصف ممارسة الجانجويد للجنس بالقوة مع الفوراويات كشرف وليس اغتصاب. أما انشقاق مبارك الفاضل فقد ذكر أنه يود تجديد الحزب "التجديد والإصلاح"، وبعد كيل الاتهامات والتراشق بين الصادق المهدي ومبارك، عاد الطرفان كأن شيئاً لم يكن. وما كانت عودة مبارك لحزب الأمة لأن دماءً شابة قد ضُخت في الحزب، كما هو معلوم، بل لأن مبارك قد وجد نفسه في منصب تشريفي، ودخل في مشاجرة واشتباك مع عوض الجاز، حين سأله مبارك: "قروش البترول دي بتودوها وين انتو؟" فرد عليه الجاز: "بنشتري بيها أمثالك."

بالنسبة للأمة والاتحادي، فهما قد تحولا من حزبين يقودهما سياسيين إلي كيانين يرأسهما رجلا دين كهنوتيين، يوليان مصالح طائفتيهما رعاية أكثر من مصالح الوطن. بيد أن هذا الوطن المنكوب، منكود الحظ، لا يحتاج لرجال دين لحل أزماته التي تكاد أن تعصف به. يحتاج قطرنا لحل مشكلات الأمية والفقر والديون ولم شمل الأشلاء المتبقة منه، وهي شؤون الأجدر بعلاجها السياسيين وليس رجال الدين؛ ولا أعرف أمة أو دولة في هذا الكوكب نهضت لأن قادتها رجال دين. في هذه المسألة، يسير الحزبان للخلف لأن عبدالرحمن المهدي، وابنه الصديق، والسيد علي الميرغني، كانوا ينئون عن حشر أنوفهم في في كل صغيرة وكبيرة في السياسة. يأسف المرء كثيراً للموت السياسي الذي أصاب الاتحادي، حزب الحركة الوطنية، والذي كان مستودع الليبرالية وماعون الطبقة الوسطي والمستنيرة. فيما يتعلق بالوضع الذي آل إليه الاتحادي، لا ينحي المرء كثيراً من اللائمة علي الميرغني، بل علي التيارات الاتحادية، ليس لأن الأول علي حق، بل لأنها فشلت في إنشاء حزب وطني اتحادي عصري، وترك الميرغني ليرأس حزب الختمية أو الشعب الديمقراطي. يذهب المرء لهذا المنحي لأن سيرورة توريث رئاسة الحزب قد باتت جلية بتعيين نجل الميرغني مساعداً للرئيس، مما يعني استمرار كهنوتية قيادة الحزب مستقبلا.

خلاصة القول، بوسع المرء أن يخلص لعدم وجود أحزاب سياسية، وبداهة إن كان لها حضورا، لما استمر هذا النظام، الذي طغي في البلاد وأكثر فيها الفساد، لعقدين ونيف. كما يخلص إلي أن تغيير النظام الحالي سيتم بواسطة حركات الأطراف المسلحة، في زحف متزامن علي المركز. البشري السارة أن تلك الأحزاب لن تركب ركب التغيير القادم في لحظاته الأخيرة، كما حدث في إنتفاضة أبريل 1985. كما أنها لن تستبد بالحكم مرة أخري، لأن جماهير الأقاليم لن تنتخبها بأي حال من الأحوال. في صياغة أخري، الثورة القادمة ستكون ثورة ضد كل من النظام والأحزاب، وميلاد سودان علماني حيث لا قداسة في السياسة، وحيث يتساوي المواطنون. ولإدارة التنوع سينشأ نظام فيدرالي حقيقي، ورئاسة دورية تتبادل فيها الأقاليم رئاسة القطر.



#بابكر_عباس_الأمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحديات البشرية وهي تكمل 7 بليون
- كاسترو: أوباما غبي!
- السودان والعلاقة مع إسرائيل
- الإسلاميون: ردَّة الثورة المصرية
- السودان: اثنان وعشرون عاما عجافا
- ما هي اللغة؟
- الانهيار الصحي في السودان (3)
- الانهيار الصحي في السودان (2)
- الانهيار الصحي في السودان (1)
- واقع سياسي نتِن في السودان
- أمريكا قوة من الدرجة الثانية عام 2030
- لقد كان لكم في تونس ومصر قُدوة حسنة
- حضارات أرض الرافدين
- الصادق المهدي: تزوير التاريخ المعاصر والتهديد باعتزال السياس ...
- موسم تفجيرات دور العبادة وإضطهاد الأقليات الدينية في العالم ...
- النظام السوداني: حكومة رزق اليوم باليوم
- نسخ نظام الحكم المصري في السودان
- الاستهداف الصهيوغربي للعراق
- تناقض تصريحات نائب الرئيس السوداني في واشنطن
- نزع حكومة السودان لأراضي شرق النيل


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - بابكر عباس الأمين - هل تُوجد أحزاب سودانية؟