|
الحظ الآخر وأنا
أحمد أوحني
الحوار المتمدن-العدد: 3589 - 2011 / 12 / 27 - 22:06
المحور:
سيرة ذاتية
قالوا لي إنني بكيت كثيراً عند ولادتي ، أبلمت طويلاً فأجبتهم : " كيف لا يبكي من ولد في أيام الصيف السَّموم ، على حصير الدوم ولُـفَّ في خرقة صوف خشنة ؟ ". آنذاك كان القماش القطني الناعم قليلاً . قيل لي أيضاً إن أمي وضعتني لوحدها في غياب أبي إلى السوق الأسبوعي ، وإخوتي لقضاء المآرب الخاصة بالأسرة كالرعي والعمل بالحقول ، حتى أن الحبل السري قطعته البيئسة بسكين حديدية صدئة . أحاول في كل مرة أن أضع سيناريوهاً للحدث وما أجده إلا كولادة حمَـل أو عجل أو جحش أو ما شابه . وعند عودة والدي من السوق ، أفرحه المولود الذكر الجديد كثيراً ، زيادة على الآخرين لتطول اللائحة ، كأنه بذلك يُعدّ عُدة من الجيش للإغارة أوالدخول في حرب مع أهل البلد . ومع توالي السنون ، شببنا وكبرنا جميعنا على تغذية ما يمكن القول عنها هو إنها حافظت فقط على أرواحنا من الموت . خبز أسود وشاي أصفر في كل الوجبات وقليل من الزيت في بعضها ، أما أكل اللحم والخضر فكان ضرباً من شبه المستحيل . أتذكر أنني ، عندما أمرض ، أبقي طريح الفراش ، عفواً طريح الحصير ، لأيام أئـن وأتوجع من الداء والحُمى . قد يحن علي أهل الدار في بعض الأحيان ويقومون باستدعاء إمام المسجد لقراءة القرءان وكتابة تميمة أو تعويذة مقابل دجاجة أو بعض البيض مقتنعاً أنه لن يشفيني مهما كتب أو تعوَّذ . في أحد الأيام أعاد الإمام أمر إصابتي إلى مس جني من نوع خاص ، تكلم وأرج كثيراً وهو كاذب لأنني ادعيت المرض للتغيب عن المدرسة مخافة عقاب معلمنا آنذاك .
لا أزال أتذكر النوم الجماعي لأفراد الأسرة ، تحت غطاء واحد محيوك من الصوف ، كأنها مقبرة جماعية . شدة رائحة الأستاه والتبول تقلب الفضاء ونستيقظ في الصباح منتفخي العيون . سُلت منا طفولتنا من طرف الكبار وصار لزاماً علينا العمل الشاق مبكراً لنتقدم ونسبق أعمارنا قبل أن تحين . الآن وقد عمَّـرني الله إلى هذا الوقت ، أدركت جيداً كيف كُتب لي أن أصير إنساناً نحساً ، فمنذ طفولتي الأولى أسمع عن التمني بالحظ السعيد ، كان أحد أساتذتنا يكتب دائماً على السبورة في نهاية الامتحان الكتابي داخل الفصل : حظ سعيد للجميع ، كأن هذه العبارة ستجلب النقط والعلامات المرتفعة . سألته يوماً عن معنى هذه الكلمة ، فأجابني إنه شيء من قبيل النصيب والرزق والبخت . أيقنت أن كتابتها زائدة مثلي تماماً .
هذا الحظ السعيد صادفته مرة واحدة في حياتي . وأنا لا أزال طفلاً صغيراً ، عثرت جانب الطريق على قطعة نقدية بيضاء من مائة فرنك وسلبها مني أحد الأطفال الصعاليك ، كان يكبرني سناً وكان يحمل أكواماً كبيرة من اللحم في جسده . الحظ الذي أعرفه ولا يفارقني طوال حياتي من نوع آخر . هو مقترن بسوء الطالع ، لايأتي أبداً بنفع حتى أنني لم أعد أنتظر الأشياء الجميلة . محياً كله عبارة عن شريط مليء بالأزمات المختلفة والمتوالية توالي الأيام . لا تكاد تنتهي واحدة حتى تبدأ بعدها أخرى . سبق لي أن بعثت برسائل مستعجلة إلى الله أشكوه فيها الحالة وأناجيه علَّه يلتفت إلي ويرفع عني هذه الضوائق . ولكن ، إلى حد الساعة ، يبدو أنه لا يسمعني ، أو لم تصله رسائلي ، أو هو منشغل بأمر غيري ، وهو من لا تأخذه غفلة ولا سِنـة . أحمـد أوحنـي – مراسل وكاتب صحافي - أفورار - المغرب
#أحمد_أوحني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أدواء ... ودواء من الشرق
-
دياجير الزمن
-
لمَّا العيدُ فات
-
أخيراً وجدتُ الكنز
-
عيد مباركٌ لاَ سعيدٌ
-
عندما عاد الصباح وأشياء أخرى
-
الطاغية والوديع
-
المخزن كاين ... المخزن ما كاين
-
?L’exemplarité : un choix ou une prescription
-
نجباء و لكن خنازير
-
الذي أبكى الملايين يبكي
-
عندما لا يُذكر الأموات بخير .
-
عندما يتضاءل الكبار
-
قصة قصيرة : مشاريع فاشلة في أزمان آفلة
-
بقايا رجل
-
قصة قصيرة : عند أمّ حازم
-
رجلٌ للبيع
-
أغبى رجل في العالم
-
قصة قصيرة جداً : البحث عن موجود
-
امرأةٌ ونصف رجل
المزيد.....
-
سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي
...
-
مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي
...
-
بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
-
النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
-
نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
-
الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار
...
-
ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
-
بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن
...
-
روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
-
أطعمة تضر المفاصل
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|