أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالخالق حسين - هل يجوز الحياد بين الإرهاب وضحاياه؟















المزيد.....

هل يجوز الحياد بين الإرهاب وضحاياه؟


عبدالخالق حسين

الحوار المتمدن-العدد: 3588 - 2011 / 12 / 26 - 16:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يرى البعض أن على الباحث، أو الكاتب، أن يمسك العصا من وسطها وأن يكون محايداً فيما ينشر من مقالات وبحوث. هذا المبدأ صحيح فيما يتعلق بمنهج البحث العلمي في العلوم الطبيعية مثل الكيمياء، والفيزياء، وعلم الأحياء لأن العالِم في هذه الحالة يتعامل مع مواد غير واعية وكائنات غير عاقلة، وليس في هذا المجال ظالم ومظلوم. ولكن، في العلوم الاجتماعية، والسياسة خاصة، من الصعوبة أن يقف الباحث أو الكاتب محايداً مكتوف اليدين أمام المظالم، فمهمة الباحث هنا، وكما قال ماركس: ليس الاكتفاء بوصف العالم، بل والعمل على تغييره. كذلك يؤكد عالم الاجتماع البريطاني، لي هارفي (Lee Harvey)، أن الغرض من دراسة أوضاع مجموعة بشرية مضطهدة، هو إيجاد الوسائل لتغيير وضعهم، إذ يرى هارفي، أن الباحث لا يجوز أن يقف محايداً إزاء ما يحصل في المجتمع من مظالم، بل عليه أن يعمل على دراسته من أجل تغييره وذلك بخلق الوعي الصحيح لدى المجموعة المظلومة من أجل استنهاضهم، والعمل على تغيير وضعهم البائس. فمهمة الكاتب في هذه الحالة هي النضال من أجل العدالة، والمساواة بين البشر في الحقوق، والواجبات، وتكافؤ الفرص أمام القانون، وعدم التمييز بين مواطني الدولة الواحدة على أساس الدين، والمذهب، والعرق، والعشيرة، أو المنطقة أو الجندر (الاختلاف الجنسي).

مناسبة هذه المداخلة هي ما أستلمه من رسائل فيها عتاب من بعض القراء أني تخليت عن حياديتي، إذ نسي هؤلاء سامحهم الله، أن المجال الذي أكتب فيه هو السياسة والتي هي مثيرة للجدل، والاختلاف، والصراع. فالسياسة تبحث في المصلحة العامة، وإيجاد الحلول العادلة للمشاكل بين البشر. وبما إن مصالح الناس متضاربة، فما يرضي زيداً من الناس يغيض عمراً، ولهذا قيل ’أن رضاء الناس غاية لا تدرك‘.

يستطيع الكاتب أن يتجنب نقد وتهجم الآخرين واتهاماتهم له، ويكسب رضا الجميع بأن يكتب في مجالات غير مثيرة للجدل، كأن يكتب عن حقوق المرأة في العهد السومري مثلاً، ولكنه إذا تطرق إلى حقوق المرأة في عصرنا الحاضر، وطالب بمساواتها بالرجل، فلا بد في هذه الحالة أن يرضي المرأة وأنصارها، ولكنه يثير غضب وسخط الآخرين عليه من الذين يريدون إبقاء المجتمع راكداً ومتخلفاً.

فالمثقف، هو إنسان يهتم بمشاكل عصره، ويسعى لإزالة المظالم أياً كان مصدرها، و أياً كان ضحيتها. لا شك أن مشاكل العراق كثيرة ومعقدة وشائكة، خاصة إزاء هذه التعددية الكبيرة في مكونات الشعب، والقوى السياسية التي تمثلها. فإذا دافع الكاتب عن جماعة مضطهدة وصادف أن هذا الموقف ينسجم مع قوى سياسية معينة، فلا بد وأن تتهمك قوى أخرى بالتحيز لتلك الجهة.

قبل أيام، وبعد أن نشرت مقالي الموسوم (الشباطيون يعودون لانقلاب دموي جديد) هاتفني صديق مؤيداً لما جاء في المقال، ولكنه في نفس الوقت عاتبني على أني متحيز لجهة معينة، ومن الأفضل أن أحافظ على حياديتي!!. لا شك أن نصيحة الصديق نابعة عن حسن نية، ولكن هل من الصحيح تبني الحياد بين من يقود الإرهاب، وبين ضحاياه ومن يحاربه؟

كذلك استلمت قبل فترة رسائل من قراء يقول أحدهم، أن مقالاتي فقدت بريقها في الأشهر الأخيرة، وأني لم أعد ذلك الكاتب التقدمي الذي كنته في السابق، والسبب هو أني كتبت عن مظلومية الشيعة في العراق، وطالبت بتهدئة الوضع وعدم إرباك السلطة، لأن العراق مستهدف الآن من قبل دول الجوار ومنظمات الإرهاب، ومشاكله كثيرة لا يمكن حلها بعصا سحرية بين يوم وليلة أو عن طريق تأجيج الأوضاع وتعقيدها.

ولم أسلم حتى من تهمة الطائفية، إذ لاحظت أني عندما أنشر مقالاً أدافع فيه عن حقوق الأقليات الدينية، والأثنية في العراق، أو عن المسيحيين الأقباط في مصر، أو الأمازيغ في شمال أفريقيا، أو عن أية أثنية أو طائفية دينية في أي مكان آخر في العالم، تصلني رسائل الثناء والإطراء، ولكن ما أن أنشر مقالاً عن مظلومية الشيعة عبر التاريخ في العراق، والبحرين، والسعودية، وما يتعرض له أبناء هذه الطائفة من حرب الإبادة من قبل الإرهاب البعثي- القاعدي في العراق، حتى وتنهال عليَّ رسائل التجريح واتهامامي بالطائفية والانحياز للشيعة، وكأن الشيعة ليسوا بشراً، ولا يجوز الدفاع عنهم في حالة تعرضهم للظلم والإبادة. والغريب أن بعض مرسلي هذه الاتهامات هم من الكتاب الشيعة، وهذا ناتج عن شعورهم بعقدة النقص والشعور بالدونية، إذ يرون تعرض الشيعة إلى الاضطهاد عبر التاريخ أمراً اعتيادياً مسلَّماً به كالقدر المكتوب، لا يدعو لإثارته والتخلص منه، ففي عرفهم أن أية إثارة لمشكلة التمييز الطائفي ضد الشيعة، خاصة من قبل كاتب صادف أن يكون من خلفية شيعية، فلا بد وأن تلصق به تهمة الطائفية والعمل على ترويجها.

فالشيعي في العراق، أو في أي بلد عربي، معرض لإلصاق تهمة الطائفية به ما لم يشارك في اضطهاد أبناء طائفته والمشاركة بنعتهم بأبشع النعوت، إذ لا يجوز للشيعي أن يحتل أي منصب سياسي، وحتى لو جاء عن طريق الديمقراطية وصناديق الاقتراع، ففي هذه الحالة تتحول الديمقراطية إلى نكتة بائسة، والانتخابات مزيفة. كما وتلصق بالشيعي أبشع الألقاب، ولم يسلم منها حتى الأكاديميين منهم في الجامعات العراقية من حاملي أعلى الشهادات العلمية ومن أرقى البلدان الغربية. إذ حدثني صديق كان أستاذاً في كلية طب بغداد، أنه صادف في السبعينات من القرن الماضي أن جميع أساتذة علم الفسلجة كانوا شيعة، فأطلقوا على القسم اسم "حسينية". وهذا ما يحصل الآن، فأية وزارة، أو سفارة مسؤولها شيعي فيسمونها حسينية!!

لقد عانيتُ كثيراً من هذه المشكلة بعد صدور كتابي الأخير الموسوم (الطائفية السياسية ومشكلة الحكم في العراق). ولكن لحسن الحظ أني أستلم أيضاً رسائل تشجيع ودعم من كتاب وقراء، سنة وشيعة.

بعد الاعترافات التي أدلى بها عدد من ضباط حماية السيد طارق الهاشمي، نائب رئيس الجمهورية، بارتكابهم أعمال إرهابية، وبأوامر صادرة مباشرة من "السيد النائب"، و مطالبة رئيس الوزراء السيد نوري المالكي بإلقاء القبض على الهاشمي، وإصدار المحكمة العليا أمراً بإلقاء القبض عليه وفق المادة 4/إرهاب، أدعى الهاشمي، ومعه عدد من الكتاب أن هذه الاعترافات مفبركة وأن ما قام به المالكي هو عمل دكتاتوري يريد حصر السلطات بيده، وعزل ممثلي السنة من السلطة وتهميشهم.
كما وصرح قياديو قائمة "العراقية" عقب التفجيرات يوم الخميس الدامي 22/12/2011، أن الحكومة هي وراءها، ولأن الأجهزة الأمنية مشغولة بملاحقة القوى الوطنية بدلاً من ملاحقة الإرهابيين (كذا).

وهنا نود أن نسأل، ما فائدة رئيس الحكومة أن تقوم أجهزته الأمنية بقتل أبناء الشعب، خاصة من أبناء طائفته، فمعظم الضحايا هم من الشيعة، أي طائفة رئيس الوزراء؟ وما فائدة هذا الرئيس بأن يوجه تهمة الإرهاب لزعماء قائمة هم شركاء معه في السلطة، ويعرف أن خروجهم من السلطة يسبب له مشاكل كبيرة وعدم الاستقرار؟ أليس من مصلحة هذا الرئيس أن يكون كل المشاركين في حكومته على انسجام ووئام معه؟

الحقيقة هي، أن منذ سقوط حكم البعث الفاشي، وأعضاء قائمة "العراقية" يعملون باستمرار على دعم الإرهاب، وزعزعة الأمن والاستقرار، وشعارهم هو نفس شعار البعث الصدامي، إما أن يحكموا العراق لوحدهم، أو بقيادتهم، أو يحرقوه عن آخره. فمواقف الهاشمي، والمطلك، وعلاوي، وظافر العاني باتت معروفة من البعث والإرهاب، إذ جميعهم كانوا بعثيين سابقين، ومتعاطفين الآن مع فلول البعث، حيث وقفوا ضد قانون اجتثاث البعث، ويطالبون دائماً بإطلاق سراح جميع المعتقلين بتهمة الإرهاب، وما أن تحصل عملية إرهابية حتى ويسارعون بإلقاء التهمة على الحكومة، والمقصود بالحكومة هنا شخص رئيس الوزراء وحده، فرغم ما تتمتع به قائمة ’العراقية‘ من حصة الأسد في الرئاسات الثلاثة، ومجلس الوزراء، إلا إنهم مع ذلك يعتبرون أنفسهم في المعارضة، لأنهم يختزلون الحكومة في شخص رئيسها فقط.
إن تفجيرات الخميس الدامي لدليل قاطع على أن قائمة "العراقية"، أو على الأقل بعض الأجنحة فيها، لها ارتباط بالإرهابيين. فما أن تحصل أزمة بين هذه كتلة ورئيس الحكومة، حتى ويهدد قياديو الكتلة بأن العراق مقبل على حرب أهلية، وسيشهد تصاعد موجة جديدة من الإرهاب. وفعلاً بعد أيام من تهديداتهم تتحقق "تنبؤاتهم". في الحقيقة، هذه ليست تنبؤات ورجماً بعلم الغيب، بل عمليات إرهابية هم يخططون لها مسبقاً، وينفذونها بعد أن يصرحوا بها، وهذا ما يطلق عليه بـ(self-fulfilling prophecy) لغرض ابتزاز الشعب والسلطة.

فلو كان الهاشمي بريئاً حقاً، لجاء إلى بغداد ومثل أمام المحكمة ودافع عن نفسه ليثبت براءته، وهذا ما طالب به رئيس الوزراء وفق قرار المحكمة العليا.

ملاحظة أخرى جديرة بالذكر، وهي حينما تصدر المحكمة قراراً لا ينسجم مع سياسة قادة "العراقية"، تتعالى الصيحات من قبلهم، ومعهم كتاب هذه القائمة ضد المحكمة العليا واتهامها بتسييس القضاء، ولكن ما أن تصدر هذه المحكمة حكماً في صالح "العراقية" حتى ويشيدوا بعدالة ونزاهة القضاء كما حصل عندما أيدت المحكمة نتائج الانتخابات ضد شكوى المالكي.

العراق الآن في مفترق الطرق، فإما أن يتفق قادته السياسيون على الحلول الوسط لإنقاذه، والسير به إلى الاستقرار والرفاه، أو التقسيم إلى ثلاث دويلات وما يتبعها من كوارث لا تبقي ولا تذر.
ــــــــــــــــــــــــ
العنوان الإلكتروني: [email protected]
الموقع الشخصي: http://www.abdulkhaliqhussein.nl/



#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشباطيون يعودون لانقلاب دموي جديد
- محاولة لفهم العلمانية
- العراق وأمريكا، نحو علاقات متكافئة وقوية
- بشار الأسد في نقطة اللاعودة
- فوز الإسلاميين، نعمة أَمْ نقمة؟
- حول هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التونسية
- فيدرالية المحافظات وكوارثها المرتقبة
- مخاطر حقيقية تهدد وجود الشعب العراقي
- لماذا المطالبة بفدرالية المحافظات الآن؟
- أيتام صدام يبكون على القذافي
- قراءة في كتاب الأستاذ الدكتور فرحان باقر
- من المسؤول عن المحاصصة (رد على حميد الخاقاني)
- هل كان إسقاط البعث يستحق كل هذه التضحيات؟
- هل النظام العراقي ديمقراطي؟
- هل حقاً العراق دولة فاشلة؟
- الديمقراطية والفساد ثانية!
- حول حكومة المحاصصة مرة أخرى
- من المسؤول عن الاقتتال الطائفي في العراق؟
- لماذا تم حل الجيش العراقي القديم؟
- لماذا انهارت الدولة العراقية؟


المزيد.....




- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالخالق حسين - هل يجوز الحياد بين الإرهاب وضحاياه؟