أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد صلاح الدين - الثورات العربية في ميزان الشريعة















المزيد.....

الثورات العربية في ميزان الشريعة


عماد صلاح الدين

الحوار المتمدن-العدد: 3588 - 2011 / 12 / 26 - 10:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



في سياق البحث الفقهي والفكري في الإسلام؛ في العقيدة والشريعة، والمقصود بالشريعة هنا هي الشريعة الإسلامية الرسالية العالمية التي جاءت على يد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مصداقا لقوله تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) الآية 107/الأنبياء، فان المفكر الإسلامي والفقيه الشرعي الموضوعي، لا يعثر من قريب أو بعيد على المسمى الشكلي والمؤدى الاصطلاحي لكلمة الثورة أو جمعها الثورات.
هذا بالمطلق لا نجده في القرآن الكريم ولا في السنة النبوية الشريفة، المصدرين الأساسيين للتشريع الإسلامي بنسخته الخاتمة؛ إذا إن العقيدة واحدة منذ ادم عليه السلام وحتى قيام الساعة.
مسألة الاستقامة والانضباط البشري الحق المنسجم والقريب في نسبية التماهي مع الحالة السُنوية للكون بأسره من الذرة فأدناها إلى المجرة فاعلاها، لا شك انه يحكمها جميعا منهج قويم يقوم على الوسطية لا إفراط فيه ولا تفريط. واضح ذلك في الصورة الهيكلية العامة له؛ بائن في العناصر المكونة لنموذج الحياة السليم في غير صعيد من صعد تنظيم مجالات العيش الدنيوي، وفي صعيد المبتغى الأساس للعيش في سعادة أبدية في دار الحيوان كذلك قال تعالى: ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين) الآية 77 القصص.
إذن، والحالة هذه بمنطق ما سلف، فان تحقيق النموذج الإنساني الفذ والمبدع، لابد له من العودة إلى النصوص التشريعية في القرآن الكريم والسنة النبوية، وأدوات التشريع الأخرى من قياس واجتهاد وإجماع لعلماء الأمة وفقهائها.
وهذا كله في خاتمة قيام المنهج الأصوب لرشد الإنسانية إلى سبل الفلاح، يطلق عليه في فكر الإسلام الدعوة إلى الله تعالى عقيدة وشريعة؛ لغاية تحقيق العودة الطبيعية للإنسان إلى منطلق خلقه وتكوينه القائم أساسا على الفطرة السليمة الموحدة لله عز وجل مصداقا لقوله تعالى: ( إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ ... عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا...) الآيتان8،7 الإسراء.

من جديد، هنالك منهج يقوم على الدعوة الاعتقادية، كما هي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، في دعوته عشيرته وأهله الأقربين في مكة (وأنذر عشيرتك الأقربين) الآية 214 الشعراء، ثم رحلة الدعوة إلى المدينة المنورة التي استمرت في المجمل ثلاثة عشر عاما عقيدية، وعشرة أعوام تشريعية تنظيمية، فكانت المرحلة مرحلتين؛ مكية ومدنية. إلى أن جاء فتح مكة الأعظم والأكرم، الذي توج البنية الأساس لدولة الإسلام الأولى في تاريخها الوليد(إنا فتحنا لك فتحا مبينا) الآية 1 الفتح.
بهذا فان في الإسلام للتدليل على الصلاح والفلاح وتحقيق الحرية للإنسان، والسموق والتقدم في مناحي الحياة جميعا، مفردة الدعوة الجامعة والمنهج القويم الذي لا يحيد عن الحق المبين كما في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ}! (آية 159 سورة الأنعام) وقوله: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ(30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ(31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)! (آية 30-32 سورة الروم). وهي هنا مسألة تقوم على الحسنى في الدعوة، والتدرجية في إصلاح أحوال الناس ومعاشهم، والفوز في النهاية بالسعادة الأبدية يوم القيامة {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين}. آية 125من سورة النحل.
إن الإسلام الفقهي والتشريعي يطلق بالمجمل دون تشخيص حالة ثورية بعينها عبر الأمصار والإعصار، على حالة الثورات بالمعنى الإنساني والتاريخي مصطلح أو مفهوم الفتنة أو الفوضى؛ فالكلمة من حيث الاستخدام اللفظي لخدمة المضمون منشؤها أوروبي، استجابة لحالات الثورات التي زخرت بها أوروبا الغربية والشرقية وأمريكا الشمالية في عقود القرون السابعة عشرة والثامنة عشرة والتاسعة عشرة؛ في فرنسا (الثورة الفرنسية) وفي أمريكا ( الحروب الأهلية في شقي الولايات المتحدة الأمريكية) وكذا الأمر بالنسبة لثورة الروس أيام الإمبراطورية الروسية في فاتحة القرن العشرين المنصرم ( الثورة البلشفية).
ما سلف، لا يعني من وجهة نظر إسلامية أن الثورات حالات سلبية من حيث الغاية ودواعي التحرك بها، بل هي تقع في نظر الإسلام من زاوية الدائرة الإنسانية على أنها مساع طيبة لأجل تنسم بعض من أجواء وممارسات حياة الحرية؛ فالحرية أساس الإبداع، والتاريخ والطبيعة تكره الفراغ كما يقول الفيلسوف والمفكر اليوناني القديم أرسطو طاليس قبل آلاف السنين من الميلاد المجيد.
لكن النظرة الأعمق من الإسلام الحق( في قلب الدائرة الإسلامية) لهذه الثورات بالمعنى الإنساني، انه يخالطها كثير من الفتن، والتعارك والتقاتل، ثم الانقلاب بعد عقود ليست بطويلة، من قبل نظم هذه الثورات إلى حالة من السوء ربما تفوق الحالة الكائنة لما قبل قيم الثورة ونجاحها وإقامة كيانها السياسي والمجتمعي الناظم لها. باختصار، وبالإضافة إلى ما سبق، فان الثورات ذوات الرؤى الإنسانية في العادة تأتي كردات فعل بسبب وقع الظلم والاضطهاد، وهي ينقصها بكل تأكيد المعين العقدي(الإيديولوجي) الصحيح، الذي يؤمن لها استمرارية دفق الالتزام لأجل عطاء إنساني متنوع مبدع تكون خلاله وشمائله الحرية والعدل والاستقامة لفترات من حياة الزمان ربما تستمر قرون.
وعلى أي حال، فان التدافع الإنساني عبر التاريخ مطلوب، قال الله تعالى :{ فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ }الآية 251 من سورة البقرة.
.
بل إن هناك رأيا في الفكر الإسلامي مستقى من الكتاب والسنة وجملة الفقه الإسلامي وتجربة الدعوة الإسلامية، يقول: إن الله عز وجل يهيئ عبر الادهار ميزان القوى بين الأمم ( ميزان القوى الاستراتيجي في العلاقات الدولية، حسب المفهوم العصري)؛ لكي ينتصر الحق على الباطل، ويكتب النجاح للدعوات الصادقة والمشرقة سواء على مستوى الدين أو الإنسانية التي لم تتلق نموذج التغيير والإصلاح الإلهي بعد.
ووفقا لما سبق فان الدعوة الإسلامية الخاتمة ما كان لها أن تنجح، لولا تلك الحروب والتدافعات التي حصلت بين إمبراطوريتي روما وفارس وحلفائهما قبل مئتي عام من مجيء الدعوة الإسلامية. على رغم أنها مؤيدة بالوحي السماوي؛ لان البشر تحكمهم واقعيات الملموس والمحسوس أكثر بما لا يقاس من السبح والشطح في عالم الورائيات والخيالات.
وان المتابع لما يجري في المنطقة العربية في تونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن وسوريا؛ في دفتي العالم العربي بمشرقه ومغربه، ليستشعر ويستشف حثيثا أن وراء الأكمة ما وراءها؛ من ناحية تهيئة وتأهيل الحالة الإستراتيجية المستقبلية للمنطقة العربية لتكون من جديد النموذج الحق للإسلام.
لان الناس ما قبل هذه الثورات، كانوا إلى حد ما مخدوعين بدعوات شرقية وغربية وحتى -ومن أسف -بمذهبية، خذ على ذلك مثالا: حالة النفاق المكشوف للمشروع المذهبي الشيعي المتمثل بإيران وحزب الله في الجنوب اللبناني؛ فهذا المشروع امتدح في البداية ثورة تونس ومصر وتاليا ثورة الليبيين، ثم رأيناه يرتكس وينكص إلى بعيد من موقفه المبدئي الأولي ليميز أخيرا بين مجرم ومجرم في إشارة لوقوفه إلى جانب النظام السوري ألبعثي.
فلعل هذه الثورات، وما يلحق بها من تدافعات في المنطقة العربية الإسلامية على شكل حروب بين أطراف بعينها تشمل إيران وحزب الله وإسرائيل وربما الوجود الأمريكي والغربي في منطقة الخليج تحديدا، يقود إلى إهلاك هذه المشاريع الاحلالية الاحتلالية الأمريكية والغربية والصهيونية والمذهبية الشيعية الإيرانية، ليخرج من بين كل هذا الركام الإسلام النموذج الذي يُراد لنوره وعدله أن يشمل البشرية جميعا على وجه هذه المعمورة.
وفي النتيجة: فان هاتيك الثورات رغم ما يعتريها من فتن ومناحرات وهرج ومرج... الخ، إلا أنها وفقا لكل ما سبق تعد وسيلة دفع إنسانية طيبة من ناحيتين: الأولى، هي وضع حد - ولو مؤقتا - لكل الطغاة والظلمة والمستبدين. الثانية، أنها تعتبر مقدمة موطّئة لأجل الإصلاح والعودة بالأمور إلى طبيعتها النسقية المفطورة في الإنسان، وان كانت تقع في الدائرة الإنسانية، رغم أفضلية النسق الإسلامي في دائرته الأعمق المطلوبة، والله أعلم.
كاتب فلسطيني



#عماد_صلاح_الدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخطة الاحادية الاسرائيلية للانسحاب من الضفة الغربية
- المصالحة الفلسطينية والتنسيق الامني
- تهيئة الميزان الاستراتيجي في المنطقة
- البعد الاستراتيجي في صفقة شاليط
- كي وعي المجتمع الصهيوني بصفقة شاليط
- ايها الشباب.... هذا هو ضغط التاريخ.
- الضرر القانوني في استحقاق أيلول على الشعب الفلسطيني
- لدى القضاء يحبس الذي يدافع عن القضاء!
- لماذا لم تكن الثورات العربية اسلامية؟
- ما الجديد في حتمية منطق النهوض؟
- ذبح المشروعية القانونية في اراضي السلطة الوطنية
- ميلاد جديد لقيادي فلسطيني تحرر من السجون السورية
- صراع مطلوب قبالة الادعاء بضرورة المصالحة الفلسطينية
- مطلوب حراك انتفاضي في الضفة الغربية المحتلة
- حضارة الشيء في قلب تدمير المناخ
- شعب مقاوم وقلة تساوم
- بين جدار الضفة وجدار غزة
- معنى الانتصار او الانكسار لحلف المقاومة والممانعة في المنطقة ...
- هل انتخابات 2006 آخر انتخابات للسلطة الفلسطينية؟
- هل الحرب في الربيع؟


المزيد.....




- أندر إوز بالعالم وُجد بفناء منزل في كاليفورنيا.. كم عددها وك ...
- بعدما وضعتها تايلور سويفت في كوتشيلا.. شاهد الإقبال الكبير ع ...
- طائرتان كادتا تصطدمان في حادث وشيك أثناء الإقلاع.. شاهد رد ف ...
- بعد استخدامها -الفيتو-.. محمود عباس: سنعيد النظر في العلاقات ...
- لبنان.. القبض على رجل قتل زوجته وقطع جسدها بمنشار كهربائي ود ...
- هل ستجر إسرائيل الولايات المتحدة إلى حرب مدمرة في الشرق الأو ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن قتل 10 فلسطنيين في مخيم نور شمس شمالي ...
- الصين.. عودة كاسحتي الجليد إلى شنغهاي بعد انتهاء بعثة استكشا ...
- احباط عملية تهريب مخدرات بقيمة 8.5 مليون دولار متوجهة من إير ...
- -كتائب القسام- تعرض مشاهد من استهدافها جرافة عسكرية إسرائيلي ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عماد صلاح الدين - الثورات العربية في ميزان الشريعة