أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - حسن الهويدي - تدمر في الذاكرة(4) طبابة متميزة















المزيد.....

تدمر في الذاكرة(4) طبابة متميزة


حسن الهويدي

الحوار المتمدن-العدد: 1062 - 2004 / 12 / 29 - 06:55
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


أحيانا، وجسد السجين متعب ومتألم دائماً، وعندما يكبر الألم فما عليك سوى أن تستجيب له أو تتخلص من مسبباته، والعيادات ‏الخارجية في تدمر تكلف السجين الكثير من الدماء وغالباً ما تكلفه حياتة التي هي رهينة للموت، وألم الأسنان التي تصيب السجناء في ‏سجن تدمر تتعبهم كثيراً وخاصة الألم الناتج عن اللكم والرفس على الوجه والفكيين من قبل عناصر الشرطة وأعوانهم (البلدية*) ‏وأغلبهم يرتدون أبواط عسكرية تحمل في مقدمتها (نضوة) وهيقطعة معدنية على شكل هلال ويحملون في أيدهم قضبانا معدنية، ‏وعندما يتعرض ا لسجين للضرب بها تحدث تهشم في الأسنان وكسور في الوجه والفكيين وأحيانا تحدث جروح عميقة ينتج عنها ‏انسلاخ اللحم عن العظام، مرة من كل عام تتكرم إدارة السجن بالخروج للسجناء لمراجعة العيادة السنية، صاح أحدهم بنا من الخارج ‏بمراجعة العيادة السنية يكون مستعدا وطلب من رئيس المهجع عددهم وكنا خمسة سجناء نستعد للخروج بالرغم من نصائح البعض ‏بعدم الخروج لأننا لن نستفيد شيئاً سوى العذاب، خرجنا كما هي العادة المتبعة في تدمر أعيننا مطمشة وتقودنا البلدية يرتل أحادي ‏مرورا بمهاجع أخرى إلى أن وصل عددنا/ 25/ سجينا وطلب أحدهم من البلدية بأخذنا إلى باحة الطعام جمعونا هناك إلى إن وصل ‏عددنا بحدود /60/سجين وطلبوا منا الركوع على الأرض باتجاه الحائط وعدم النظر اليهم ركعنا وركع كل شيء من حولنا .‏
بدأ احدهم برفسنا من الخلف ويطلق بنا من الألفاظ كل ما حفظه في حياتة البذاءات والألفاظ الدنيئة مرة ينعتنا بالخونة ومرة أخرى ‏بالزناة والصراصير وهذا كان من ألطف الألفاظ التي سمعتها في سجن تدمر، من سوء حظي الطميشة التي وضعوها على عيني كانت ‏مثقوبة من العين اليمنى بقدر/4مم/ بحيث استطعت أن أشاهد بعض الأشياء( الطميشة هي عبارة عن قطعة من البلاستك الأسود ‏المطاطي مصنوعة من أطار عجلات السيارات يضعها السجين على عينيه طوال فترة وجوده في السجن وخاصة أثناء النوم ليلا وهذه ‏تجعل السجين في حالة متوترة بشكل دائم وهي من الاساسيات بالنسبة للسجين والسجان و شيء مقدس لايمكن الاستغناء عنه أبداً حيث ‏أصبحت جزءا من حياة السجين وعندما تضعها تنقلك ألى عالم الظلمات وتعزلك عن كل شيء صامت ومتحرك من حولك، ومحاولة ‏إزالتها أو تحريكها تكلف السجين الكثيرمن الدماء ولأيام طويلة وفقد العددين أعينهم نتيجة تبلي عناصر الشرطة بتحريكها) أمرنا ‏أحدهم بالوقوف والاصطفاف رتلاً احاديا ومن المضحك المبكي ان يكون السجين معصوب العنين أن يصطف بر تل أحادي وكيف ‏يستطيع أن يميزالجهات الأربعة أو يدرك ما يدور من حوله البعض منا ذهب يساراً وآخرون يميناً والى الوراء والأمام؛ أشتد غضبهم ‏علينا وغضبت السياط والعصي معهم، ومن سوء حظي أيضا بما أنني أرى بعض الأشياء التي تحدث انتابني خوفٌ مزدوج إذ كيف ‏لي ان أتصدى لأحدهم وهو قادم إلي ويرفع سوطه إلى الأعلى .‏
‏ طلبوا منا الجلوس أرضاً كلٌ في مكانه دون حركة، طلب احدهم من البلدية بأن يساعد على اصطفافنا في رتل الموت، نظرت من ‏ذلك الثقب اللعين فشاهدت أحدهم يرتدي ثياباً أنيقة يجلس على كرسي وأمامه طاولة خشبية يضع فوقها حقيبة سوداء ونادى به أحدهم ‏الكل جاهز يا دكتور، هذا هو الطبيب وقف وهو يضع يديه حول خاصرة وقال كلكم يا أولاد القحبة مصابين بألم الأسنان، صاح ‏بالممرض فذهب إليه وسلمه ملقط معدني. وقال له ابدأ من أول الصف، بدأ والصراخ ملأ المكان حاولت أن استرق النظر قدر ‏المستطاع وأن اجس بعص الاشياء بالرغم من حالة التوتر التي أعيشها فشاهدت السجين الاول من الصف مقيد من قبل عناصر البلدية ‏والممرض يدس ملقطه المعدني داخل فم السجين بطريقة متوحشة وعندما ينتهي من قلع ضرسه تجره البلدية الى الجدار المقابل ‏وتأمره بالجلوس وعدم الحركة ويأتي دور من بعده ، وأنا أنتظر ولاأعرف كيف سأعيش تلك الحالة وكيفية التعامل معها فوجدت ‏الممرض قريباً مني بقيت بالانتظار إلى إن وصل إلي وطلب مني فتح فمي إلى أقصى حد فعلت ذلك وأنا أرتجف من الخوف، وخوفي ‏أن يدس ملقطه في عنقي، ونادى بالبلدية فبصق بفمي وقال هذا هو المخدر ومسك بذراعي بشدة من الخلف وأن أرفع رأسي إلى ‏الأعلى وهذه هي المرة الأولى التي ارفع بها رأسي في سجن تدمر ثم جاء آخر وأطفئ سيجارة على رقبتي وقال لي هذا سحب ‏العصب ولن تؤلمك أسنانك بعد اليوم ياابن الزانية ، أحسست بآلة معدنية تتحرك بداخل فمي يصدر منها أصوات الطقطقة ، أحسست ‏بألم شديد جداً بحيث أجبرت للقيام ببعض الحركات الممنوعة لأتخلص من الذي أنا فيه ولكن شعرت بضربة قوية على رأسي من ‏الخلف ولم اعد أحس بأي ألم ولا أسمع شيئاً من قوة الضربة التي تلقيتها وبعذلك وجدت نفسي جالساً بين البعض من السجناء مقابل ‏جدران أحد المهاجع حركت لساني داخل فمي للتأكد من الضرس الذي ألمني، ولكن اكتشفت أن هناك مساحة كبيرة من الفك السفلي ‏خالية من الأضراس تم قلعها، وبعدما استعدت جزء بسيط من وعي أدركت بأنه قد تم قلع أضراس الذين من قبلي بالملقط ذاته بدون ‏تخدير للمنطقة المصابة وهذه كارثة لأن أغلب السجناء مصابين بداْ السل الرئوي والتهاب الكبد المعدي، همس أحد الذين يجلس بجانبي ‏يسألني من أي مهجع أنا فلم أرد عليه تصورت أنه من عناصر الشرطة أو البلدية يجلس معنا ليتجسس علينا ، فرد قائلاً لطمأنني أنا ‏من الباحة السادسة البارحة كان عندنا في الباحة تنفيذ أحكام هل خرج أحد من مهجعكم رددت عليه بهمس شديد لا، و حول حديثة ‏للذي بجانبه وبدأ يتجاذب معه أطراف الحديث وبصوت أحياناً مسموع وبدا لي يسأله عن البعض هل يعرفهم ومن ثم أنتقل إلى الآخر ‏وتبين لي أنه قادم للتعارف والتقاط الأخبار وليس كما ظنتتة لمرة الأولى، وهاهو يضحي بحياتية من أجل خبرٍ أو معلومة قد تفيده ‏وفهمت أيضاً انه سجين قديم منذ عام /1981/ وفجأة وبشجاعة مني سألته ماذا يعني تنفيذ الأحكام فرد من أين انت قلت له من الباحة ‏الثانية فقال هل مجيئك إلى السجن حديث قلت له نعم ، فقال تنفيذ الأحكام ، قد أعدم البارحة شنقاً حوالي خمسة سجناء كلهم من الأخوة ‏و الحمد لله الجنة لهم خالدين فيها بإذن الله وأن يطعمنا الشهادة جميعاً وبدا لي مسروراً جداُ عندما يلفظ كلمة الشهادة وانتقل بكلامه الى ‏الذي أمامنا وبدأيطرح عليه بعض الاسئلة وقد ارتفع صوته بعض الشيء مما جعل أحدهم يتنصت عليه وطلب منه الخروج من ‏الصف وسلمه إلى الرقيب وأعلمه أنه كان يتبادل الحديث مع الذي بجانبه بطحوه ارضاً وتجمعوا من حوله والعصي الغليظة والقضبان ‏المعدنية بدأت تعزف له لحنها التدمري وهوصامت لم يصرخ أو يتوسل بهم مما جعلهم يستشيطون غيضا اذ شعروا بأنه يتحداهم ‏بصمته ووضعوه ضمن دائرة هم يشكلون محيطها بحيث يتنابون على ضربه إلى فقد وعيه وهم مايزالون ينهالون عليه ضربا وطلبوا ‏من البلدية عن يأتوا ببطانية وحملوه لاندري الى اين!‏
‏ لحظة صمت، الخوف أبعدني عن اللحظة التي كنت أناجي فيها الخلاص علّها تبعدني عن هذا المكان الذي لم يشهد له التاريخ مثيلا ‏وقد لا نجد في تاريخنا الحديث مثالا لتدمر، وقد لا نجد قصة أكثر وحشية وبربرية من قصصها
‏ ها قد انتهى الجميع من "المعالجة"؛ واقفاً صاح احدهم الباحة الأولى إلى هنا الثانية ...الثالثة.... والى الخ، كنت بأول الرتل ماشياً ‏وصاحب البيجامة الزرقاء يقودني ماسكا ًبي من عنقي الذي لف حوله السوط ليجرني كما يُجَّر الكلب المريض ويرتدي بقدمه بوط ‏عسكري مليء بالشحار الأسود وتفوح منه رائحة المازوت ويطلق عليّ من الألفاظ ما ربّاه عليه "الجيش العقائدي" إلى إن وصلنا إلى ‏باحة المهجع وصاح رئيس المهجع يا أبن العرصة يا أبن الشلكة ألم تسمع كم عرصى خرج من عندك فرد رئيس المهجع المسكين ‏قائلاً خمسة حضرة الرقيب أول عدهم يا إبن...إبن.....العدد كامل حضرة الرقيب عدنا رئيس المهجع ومازلنا خارج المهجع وكأنه فخ ‏نصب لرئيس المهجع على خروجنا، كامل يا ابن القوادة تعال إلى، هنا فتح الباب ،دخلنا وخرج رئيس المهجع وبدأو بضربه على ‏جسده المنهك وكان ضربهم له رفساً بأرجلهم وثم رطمه بجدار المهجع وهم يحذرونه من عدم تكرار ذلك اوابلاغهم عن أي مريض ‏كان، ادخلوه صريعاً بين الحياة والموت ، الموت في تدمر أمنية في كثير من الأحيان كما أنه قريب منك جداً ولكن عندما تشتهيه ‏يبتعد وعندما يغادر أحدهم نحزن ونفرح وكلما سمعنا صوت أبو غضب وأبو كاسر في الباحة نحسب في حساباتنا قد يرحل واحد منا ‏وهم يستخدمون أرجلهم للضرب ، وضربه واحدة بقدم أحدهم كافية لتجعلك في عداد الأموات.‏
‏ ويأتي يوم جديد تدمى فيه الجراح وتثقل الثواني ويصبح عدها مستحيلا حيث لا حساب للزمن عندما تتحرك السياط وصوت الجلاد ‏يصطدم مع صوت الحريه، وأجسادنا الفقيرة الدامية ستظل ملكهم المشاع وغبار القوافل مايزال يمربنا دون أن يذكرنا احد سوى الأحبة ‏حيث الابواب موصدة، وحريتنا الوحيدة أن نوسّع مكان نومنا وليس لنا أمل بالخروج من تلك الأبواب المتراكمة وكلما حل بنا ‏الدورلمواجهتهم تتشكل من حولنا دوائر ضيقة ننظر من خلا لها الى بئر محفور لاندري الى أي عمق ويهبط العالم على صدورنا ‏والدموع تحاول ألا تذرف .‏
هنا نعيش جميعا ًفي ذعر وخوف وليس جبن، الا من سولت له نفسه وسلمها رخيصة ليحقق مكاسب ضيقة على حساب دماء الآخرين ‏هم في أغلب الأحيان يعيشون كنعامة الصحراء ...‏
‏---------------------‏
• راجع مقالنا الأول حول تعريف البلدية
سجين سابق



#حسن_الهويدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تدمر في الذاكرة (4): الثمن الباهظ
- تدمر في الذاكرة3...حمامات الدم الساخن
- العيد في سجن تدمر
- الكرد والمغمورون في سوريا
- فوبيا المؤامرة


المزيد.....




- وسط تحذيرات من مجاعة.. الأونروا تحث إسرائيل على السماح بإدخا ...
- اعتقالات إسرائيلية جديدة بالضفة ترفع الحصيلة إلى 7870
- منظمات حقوقية توثق: تصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية
- الأمن الروسي يعلن إحباط اعتداء في الجنوب واعتقال ثلاثة أشخاص ...
- الخارجية السودانية تتهم قوات الدعم السريع باحتجاز مساعدات إن ...
- الأمم المتحدة تحذر من تبعات القيود المفروضة على دخول المساعد ...
- كيف تفاعل الفلسطينييون على قرار محكمة العدل الذي يأمر إسرائي ...
- ليبيا شَظَايَا نَوَايَا (2من5)
- اليابان تعتزم استئناف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسط ...
- الاحتلال يستهدف النازحين بنادي الشجاعية وإعلامه يتحدث عن حدث ...


المزيد.....

- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان
- نقش على جدران الزنازن / إدريس ولد القابلة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - حسن الهويدي - تدمر في الذاكرة(4) طبابة متميزة