أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين سلمان - الوصية السياسية أفكار بليخانوف الأخيرة 2-2















المزيد.....



الوصية السياسية أفكار بليخانوف الأخيرة 2-2


عبد الحسين سلمان
باحث

(Abdul Hussein Salman Ati)


الحوار المتمدن-العدد: 3585 - 2011 / 12 / 23 - 16:44
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أعداد : جاسم الزيرجاوي
مهندس أستشاري


الجزء الثاني و الاخير


6-حول لينين والقادة الآخرين الملتوين
أعترف بأنني كنت أشك في إمكانية الكتابة عن لينين، إذ إن كل واحد من أنصاره يمكنه أن يرى في أول سطر سلبي "انتقام من العالم الآخر". ولكن لينين – تلميذي الذي لم يتعلم مني أي شيء سوى أن يكون خصمي الذي ستكتب عنه المجلدات في المستقبل. ولذا كان من الممكن أن يبدو الأمر من ناحيتي مجرد جبن أو تخاذل إذا ما صمت عن الحديث في هذا الموضوع. ومن الصعب في مثل تلك الحالات أن يكون الإنسان موضوعياً. ومع ذلك من الممكن أن أعتبر أنني قد خنت نفسي لو تراجعت الآن عن الحقيقة.
لينين – بلا شك شخصية بارزة وعظيمة والكتابة عنه أمر صعب: فهو متعدد الأوجه، ومثل الحرباء يغير لونه وقت الضرورة. هو مع الإنتلجنسيا – مثقف، ومع العمال، "عامل"، ومع الفلاحين – فلاح. هو قانوني وصدفوي، منطقي وغير منطقي، بسيط ومعقد، ثابت على مبادئه ومنحرف عنها، "ماركسي" وشبه ماركسي... إلخ وسوف يكون هناك ثمة انحراف من جانبي لو اتهمته بعدم معرفة الماركسية، وسيكون هناك كذلك خطأ لو قلت إنه دوجمائي. لا، فلينين ليس دوجمائياً. إنه يعرف الماركسية. ولكنه، مع الأسف، "يطورها" بإصرار يستحيل على الفهم في اتجاه أحادي – في اتجاه التزييف وبهدف واحد – بهدف إثبات صحة استنتاجاته الخاطئة ففي الماركسية لا يلائمه فقط أنه من الضروري الانتظار إلى أن تنضج الظروف الموضوعية من أجل الثورة الاشتراكية.
لينين – نصف الديالكتيكي الذي على قناعة تامة من أن الرأسمالية سوف تقوى وتتطور في اتجاه إبراز عيوبها ومثالبها وأخطائها. ولكن ذلك خطأ كبير. ففي إطار عملية تطور قوى الإنتاج ظهرت ليونة نظام الرق، وخفت حدة الإقطاع، وبدأت الرأسمالية تلين أيضاً. ويمكن إرجاع ذلك إلى الصراع الطبقي والنمو المتواصل للثقافة ووعي كل طبقات المجتمع بذاتها.
لينين المغرض الذي يرى هدفه ويسعى نحوه بثبات خارق دون أن يتوقف أمام أي عقبات. هو ذكي بشكل غير عادي، ونشيط، ولديه قدرة غير عادية على العمل، وليس متعجرفاً وليس مقتصداً (ميركانتاليا)، ولكنه مفرط الأنانية بشكل مرضي، وليس لديه أية قدرة على تحمل النقد. "كل ما لا يتوافق مع ما يراه لينين – مصيره اللعنة!"- هكذا أفصح ذات مرة مكسيم جوركي(33) . كل من لا يتفق معه في شيء ما بالنسبة له – عدو محتمل لا يستحق التعامل بأبسط قواعد اللياقة والأدب.
لينين – الزعيم النمطي الذي يقمع إرادة المحيطين به ويخمد فيها غريزتها على البقاء. هو جريء، وحاسم، ولا يفقد أبداً رباطة جأشه، وصلب، وحذر، ومرن في أساليبه التكتيكية. وهو في الوقت نفسه لا أخلاقي، وقاس، ولا مبدئي، ومغامر بطبيعته. بيد أنه من الضروري طبعاً الاعتراف بأن لا أخلاقية لينين وقسوته لا تنبع من لاأخلاقيته الشخصية وقسوته، وإنما من جراء قناعته بأنه على حق. إن لا أخلاقية لينين وقسوته – هما المخرج الخاص من شذوذه وتفرده عن طريق إخضاع الأخلاقيات والمبادئ الإنسانية للأهداف السياسية. فلينين قادر على إهلاك نصف الروس من أجل أن يسوق النصف الثاني إلى المستقبل الاشتراكي السعيد. وهو من أجل الوصول إلى أهدافه يمكنه أن يفعل أي شيء حتى التحالف مع الشيطان إذا كان ذلك ضروياً ولقد قال الراحل بيبل[f]: "سأتحالف ولو مع الشيطان، بل وحتى مع جدته"(34) ، ولكنه كان يضيف أن مثل هذه الصفقة ممكنة فقط في حالة إذا ما استطاع أن يسرج الشيطان أو جدته، وليس العكس. بيد أن تحالف لينين مع الشيطان سوف ينتهي بأن ينقض عليه الشيطان مثلما حدث في يوم ما عندما انقضت الساحرة على خوما(35) .
هناك رأي شائع بأن السياسة – أمر قذر. ولكن مع الأسف، فأعمال لينين وتصرفاته الآنية تؤكد ذلك بصورة لا تخطئها العين. فالسياسة من دون أخلاقيات – جريمة. والإنسان الذي يتولى السلطة أو السياسي صاحب النفوذ يجب أن يلتزم في تصرفاته وأعماله بالمبادئ الأخلاقية الإنسانية العاملة قبل أي شيء آخر، لأن القوانين اللامبدئية والنداءات اللاأخلاقية والشعارات يمكنها أن تعود بمأساة على الدولة والشعب. ولكن لينين لا يفهم ذلك، ولا يريد أن يفهم.
إن لينين يقوم بذكاء ومهارة بمعالجة اقتباسات ماركس وإنجلز معطياً إياها في كثير من الأحيان تفسيرات مغايرة تماماً. ولكن على ضوء مؤلفاتي حول الشخصية الفردية والجماهير في التاريخ، فلينين لم يستوعب إلا أمراً واحداً فقط فهو يمكنه كشخصية "استدعاها" التاريخ أن يفعل معه كل ما يريد. لينين مثال الشخص الذي حينما يعترف بحرية الإرادة، يرى تصرفاته مزينة تماماً في اللون الناصع للضرورة. فهو مثقف بشكل كاف بحيث لا يعتبر نفسه نابليون، أما أن "المصير قد اختاره"، فهو بلا شك ما يؤمن به لينين. ومن وجهة نظر قوانين التطور الاجتماعي والضرورة التاريخية، فقد كان لينين ضرورياً فقط حتى فبراير 1917م – هو في هذا الإطار كان يعتبر أمراً طبيعياً. وبعد ثورة فبراير التي تجاسرت على القيصرية وأزالت التناقضات بين قوى الإنتاج وعلاقات الإنتاج، سقطت الحاجة التاريخية إلى لينين. ولكن الكارثة تتلخص في أن الجماهير لم تكن تعرف ذلك، ولا تعرفه حتى الآن. فلقد حصلت الجماهير على حريات سياسية أكبر مما في أوروبا الغربية. إلا أن أنصاف الجوعى والفقراء، مع ذلك، مضطرون إلى مواصلة الحرب دون أن يلاحظوا هم أنفسهم ذلك. ولو كانت الحكومة المؤقتة قد أنهت الحرب في ربيع العام 1917م، وحلت قضية الأرض بلا إبطاء، لما ظلت لدى لينين أية فرصة للقيام بالثورة الاشتراكية، ولكان اسمه قد شطب تماماً من صفوف الذين يستدعيهم التاريخ. وهذا هو السبب في أن انقلاب أكتوبر ووجود لينين في الوقت الحاضر أمر غير شرعي، وإنما مصادفة قاتلة.
لينين – منظر، ولكن أعماله بالنسبة للاشتراكي المثقف غير مثيرة للاهتمام: فهي ليست مدعومة بالأسلوب الرفيع، ولا بالمنطق، ولا بالفكر العميق، ولكنها بلا شك تترك انطباعاً قوياً لدى الإنسان قليل التعليم بتركيباتها البسيطة وجرأة الإقناع والثقة بصحتها وشعاراتها المثيرة والجذابة.
لينين – الخطيب الجديد والمجادل المتمكن الذي يستخدم جميع الوسائل من أجل إرباك منتقديه وخصومه وإجبارهم على الصمت، بل وحتى إهانتهم. ورغم سوء النطق لديه إلا أنه قادر على طرح أفكاره بوضوح، وعلى تملق الجمهور وإثارة اهتمامه، بل وحتى على تنويمه مغناطيسياً. وإلى جوار ذلك، فهو قادر بشكل مدهش وسريع على تكييف حديثه بحيث يتناسب مع مستوى المستمع متناسياً أن النضال من أجل قضية عادلة لا يعني تملق الجمهور والنزول إلى مستواه.
لينين – ذلك الإنسان الذي لا يعرف "الوسط الذهبي". "من ليس معنا – فهو ضدنا!" – هذه في عقيدته السياسية. إنه في سعيه للقضاء على خصمه ينزل إلى مستوى الإهانات الشخصية، ويصل إلى حد التجريح الخشن، ليس فقط في المناقشات وإنما أيضاً في صفحات الأعمال المطبوعة التي "يخبزها" بسرعة غير مسموح بها. ولقد كان العبقري بوشكين يعيد الكتابة على ورق أبيض بما في ذلك حتى الرسائل. وكان ليف تولستوي العظيم يقوم بتصحيح رواياته أكثر من مرة. أما لينين فلم يكن يتقيد إلا ببعض التعديلات الطفيفة.
لينين – الذي يرفض، أو يفسر بمفهوم سلبي، العديد من المفاهيم الإنسانية العامة التي يعترف بها كل إنسان متحضر. فالليبرالية، على سبيل المثال، بالنسبة لأي إنسان متعلم – هي منظومة إيجابية لوجهات النظر، ولكنها بالنسبة للينين – ما هي إلا مجرد "دناءة ليبرالية". الديمقراطية البرجوازية بالنسبة لأي إنسان متعلم – هي، وإن كانت ناقصة، فهي على كل حال ديمقراطية. ولكنها بالنسبة للينين – "نفاق"، بينما العنف الطبقي غير المحدود – هو "ديمقراطية بروليتارية" على الرغم من أن الديمقراطية – أي سلطة الشعب – من حيث المبدأ لا يمكن أبداً أن تكون برجوازية أو بروليتارية، لأننا إذا أخذنا البرجوازية والبروليتاريا كل على حدة – ستكون مجرد جزء صغير من الشعب.
إن تولستوي صاحب المبادئ الإنسانية الأعظم والذي كان يرى أن العظمة الحقيقية غير ممكنة من دون الحب والخير والبساطة، لما اعترف أبداً بعظمة لينين. فهل هو على حق؟ إن نابليون أيضاً لم يكن يتميز لا بالحب ولا بالخير ولا بالبساطة، ولكنه بلا شك كان محارباً عظيماً. ولقد عرف التاريخ شعراء عظماء، وموسيقيين عظماء، وعرف أيضاً مجرمين عظماء. إذن فمن هو لينين؟ لينين – هو روبسبير القرن العشرين. ولكن إذا كان الأخير قد قطع رؤوس عدة مئات من الأبرياء، فلينين قطع رؤوس الملايين. في هذا الإطار يحضرني واحد من اللقاءات الأولى مع لينين والذي تم، على ما أعتقد في صيف العام 1895م في مقهى لاندولت Landolt، وكان الحديث يدور حول أسباب سقوط ديكتاتورية اليعقوبيين. فقلت مازحاً إنها انهارت لأن المقصلة كثيراً ما قطعت رؤوساً أكثر من اللازم. رفع لينين حاجبيه قال في جدية تامة: "لقد سقطت الجمهورية اليعقوبية لأن المقصلة نادراً ما قطعت رؤوساً أكثر من اللازم. إن الثورة يجب أن تكون قادرة على حماية نفسها!" عندئذ ابتسمنا فقط (حضر هذا اللقاء ب.لافارج(36) ، وجول جيد، وعلى ما أعتقد أيضاً ش. لونجيه(37) لتطرف السيد أوليانوف. بيد أن المستقبل أثبت أن ذلك لم يكن مظهراً من مظاهر الشباب والحماسة، وإنما كان انعكاساً لوجهات نظره التكتيكية التي كان قد صاغها بدقة إلى هذا الوقت. إن مصير روبسبير معروف جيداً، ولن يكون مصير لينين أفضل منه: فالثورة التي قام بها سوف تكون أشرس من ثور مينوس[g]، وستأكل ليس فقط أبناءها، وإنما أيضاً آباءها. ومع ذلك فأنا لا أتمنى له مصير روبسبير. فليحيا فلاديمير إيلتش إلى ذلك الوقت الذي سيفهم فيه بوضوح عدم صحة تكتيكاته.
الشخصية الثانية بعد لينين، من حيث القدرات والترتيب في حزب البلاشفة، هو تروتسكي: "يهوذا"، أدنأ وصولي ,وأخس نفعي وانشقاقي"، "الخبيث النذل، الأسوأ من كل الانشقاقيين الآخرين" – هكذا وصفه لينين، وكان فعلاً على حق. فقد كتب لينين في أحد أعماله: "هناك لمعان شديد وضجيج كثير في عبارات تروتسكي، ولكنها لا تنطوي على أي مضمون" – وفي هذا التقويم يكون لينين أيضاً على حق. فأسلوب تروتسكي – أسلوب الصحافي النشط ذي اللسان الزلق – أكثر بساطة وسطحية من أن يكون عميقاً معبراً. تروتسكي شخص متعجرف للغاية، وأناني، ولا مبدئي، ودوجمائي حتى أظافره. وقد كان تروتسكي "منشفي" و"خارج الانشقاق"، ولكنه الآن – صار "بلشفياً". وفي الواقع، فقد كان، وسيظل "في قرارة نفسه اشتراكياً ديمقراطياً". إنه على الدوام موجود حيث يوجد المتقدمون والرابحون. ولكنه مع ذلك لا يتراجع أبداً عن محاولاته في أن يصبح الشخصية الأولى. تروتسكي – خطيب رائع، ولكن أساليبه نمطية ومتشابهة، مجرد قوالب. ولذلك فمن الممتع الاستماع إليه مرة واحدة فقط. إنه يمتلك طابعاً متفجراً، وفي حالة النجاح يمكنه أن يفعل الكثير في وقت قصير. ولكن في حالة الفشل يمكنه أن يصاب باللامبالاة، بل وحتى بالارتباك والحيرة والتردد. وإذا اتضح أن الثورة اللينينية محكوم عليها بالفشل، فسوف يكون أول من يغادر صفوف البلاشفة. ولكن إذا اتضح أنها ستنجح، فسوف يفعل كل ما بوسعه من أجل إزاحة لينين. ولينين نفسه يعرف هذا، ومع ذلك فهما معاً في معسكر واحد، لأن لينين بحاجة إلى ديماجوجية تروتسكي وأفكاره حول الثورة المستمرة. بالإضافة إلى أنه أستاذ ماهر بقدرته على تجميع كل من يرغب تحت رايته. إن لينين – زعيم البلاشفة – لم يكن أبداً ليوافق على أن يكون زعيم أية مجموعة أخرى. أما بالنسبة لتروتسكي فأهم شيء لديه هو أن يكون زعيماً، ولا يهم زعيم أي حزب. ولعل هذا الأمر سيكون السبب في حتمية الصدام بين لينين وتروتسكي في المستقبل(38) .
إلى جانب تروتسكي يمكن وضع كامينيف ثم زينوفيف وبوخارين. كامينيف يعرف الماركسية، ولكنه ليس منظراً. وهو من حيث أفكاره ومعتقداته – منشفي متردد بين المناشفة والبلاشفة، ولا يمتلك الإرادة الضرورية لأداء دور الشخصية السياسية المؤثرة. لهذا السبب تحديداً يسير وراء البلاشفة على الرغم من أنه لا يتفق معهم في الكثير من الأمور. أما زينوفيف – فهو بلشفي من دون اقتناع نهائي أو قاطع. وعلى الرغم من شكه الدائم فسوف يظل في صفوف البلاشفة ما لم تتوافر الإمكانية على الانتقال إلى معسكر آخر بامتيازات. زينوفيف، مثل كامينيف، لا يمتلك الشخصية القوية، ولكنه من أجل أن يقوي وضعه الشخصي، قادر على تنفيذ أي أمر للينين. بوخارين – بلشفي مبدئي وراسخ العقيدة، وليس مفتقداً للمنطق والرأي الخاص وإمكانات المنظر. لم يتفق في كثير من الأحيان مع آراء لينين بشأن الكثير من القضايا. ومن الممكن أن يصبح بوخارين بالذات – في حالة وفاة لينين – هو الشخصية القيادية لديكتاتورية البروليتارية. ولكن ليس من المستبعد، وفي أثناء حياة لينين أيضاً، أن تقوم القافلة الثانية من البلاشفة بالتخلص من بوخارين والشخصيات الأخرى المذكورة مثلما فعل الجيرونديون في زمنهم وهذا هو الأمر الذي لن يعترض عليه لينين أبداً.
7-حول الدولة والاشتراكية ومستقبل روسيا
إنني أتفق مع فانديرفيلد[h] في أن كلمة "الدولة" يمكن تفسيرها بمفهوم ضيق وواسع. وأتفق أيضاً في أن ماركس وإنجلز قد أسهما في تفسير هذه الكلمة في إطار المفهوم الضيق عندما تحدثا عن تلاشي الدولة. ولكن من غير الممكن أن ندينهما في هذا الأمر: فالحديث عن الدولة بالمعنى الواسع للكلمة كان من الأمور السابقة لأوانها في زمنهما. ولكن الدولة مازالت إلى وقتنا الحاضر هي أداة سيطرة طبقة على أخرى. ووظيفة الدولة كمعبر عن المصالح المدنية العامة، وكمنظم عام، لم ترتسم ملامحها بشكل واضح إلا في السنوات العشر الأخيرة فقط. أما الدولة كنتيجة لعداء التناقضات الطبقية، وكجهاز للهيبة السياسية، وكأداة لقهر طبقة لأخرى، سوف يبطل مفعولها. وسيأتي زمن تتلاشى فيه الطبقات وتنمحي الحدود. ولكن الدولة كشكل من أشكال تنظيم الشعب – مواطنو الكرة الأرضية في المستقبل – سوف تبقى. زد على ذلك أن دورها سوف يتنامى باستمرار كنتيجة لتنامي القضايا والمشاكل العالمية أو الكونية: التضخم السكاني على الأرض، استنزاف الموارد الأرضية، ندرة الطاقة، الحفاظ على الغابات والأراضي المزروعة، تلوث الكرة الأرضية والمياه والجو، الصراع مع الكوارث الطبيعية... إلخ.
بالقدر الذي ستتلاشى به الدولة بالمفهوم الضيق، سوف يلعب العلماء الدور الأكبر في توجيه هذه الدولة وإدارتها. أي أن البناء السياسي الفوقي سوف يتحول تدريجياً إلى بناء فوقي "للنفوذ العلمي". ولكن كل ذلك سيكون في المستقبل. أما الآن فمن الضروري السعي في اتجاه أن يعكس البناء السياسي الفوقي مصالح الشغيلة وهو ما لا يمكن تحقيقه بالكامل إلا في ظل الاشتراكية. وبالتالي فالثورة الاشتراكية بهذا المفهوم هي الهدف الذي تسعى إليه البروليتاريا. وينبغي أن نتذكر في أثناء ذلك عدم وجود ولو ثورة واحدة قادت في نهاية المطاف إلى تغيرات راسخة ومتطورة على شكل طفرات في العلاقات الاجتماعية والإنتاجية، وكل ما في الأمر أنها سرّعت من تطورها. في هذا الإطار تعتبر مقدمة إنجلز لطبعة "المانيفستو" باللغة الإنجليزية العام 1888م في غاية الأهمية، حيث شدد على الدور المميز لعمليات التدرج الطبيعي للتطور الاجتماعي. المهم أيضاً هو أن هذه الطبعة التي تمت ترجمتها من اللغة الألمانية إلى الإنجليزية تحت إشراف إنجلز المباشر، انتهت بشعار "يا شغيلة العالم، اتحدوا!" وهو الشعار الذي يتساوى أبداً مع شعار "يا عمال العالم، اتحدوا"(39) .
إن الثورة الاشتراكية المنوط بها القضاء على الاستغلال والطبقية، لن تفعل لا هذا ولا ذاك في المرحلة الأولى. زد على ذلك أن الثورة الاشتراكية السابقة لأوانها تنطوي على آثار سلبية خطيرة. إن أي شخص يعرف قوانين نفي النفي يمكنه بسهولة استنتاج أن دور البناء السياسي الفوقي يتغير بصورة دورية ومن شكل إلى شكل، فأحياناً يقوى، وأحياناً أخرى يضعف. والجميع يعترف أن دور البناء السياسي الفوقي في ظل الاشتراكية يجب أن يتزايد نظراً لأن الدولة ستأخذ على عاتقها وظائف تنظيمية إضافية: التخطيط والرقابة والتوزيع... إلخ، وبهذا المفهوم يكون اليناء السياسي الفوقي في ظل الاشتراكية، والذي ينفي البناء السياسي الفوقي الرأسمالي، أكثر قرباً إلى البناء الفوقي للإقطاع الاستبدادي منه إلى البناء الفوقي للرأسمالية. هذا الأمر يهدد بالخطر في ظل عدم وجود الديمقراطية – وهي لن تكون موجودة كما أشرنا في ظل الاشتراكية اللينينية – ويمكن أن تتحول الدولة إلى إقطاعي أكثر شراسة وفظاعة من الحاكم الأوحد المستبد، نظراً لأن الأخير – سواء كان إنساناً أم دولة – هو آلة قاسية وبلا شخصية. إنني على يقين من أن الدولة الاشتراكية اللينينية سوف تكون بالضبط ذلك الإقطاعي، وخاصة في السنوات العشر الأولى، هذا طبعاً إذا استطاع البلاشفة التغلب على الأزمات الثلاث الأولى التي تحدثت عنها أعلاه.
بعد قمع مقاومة البرجوازية، وهو الأمر الذي يمكن أن يتحقق بسهولة ومن دون عنف إذا كانت البروليتاريا تشكل أغلبية السكان، يجب على ديكتاتورية البروليتاريا مساواة جميع الطبقات في الحقوق، والوصول إلى سيادة القانون والعدالة وتحقيقها. أما تلاشي الطبقات – فهذا أمر يتعلق بالمستقبل البعيد. ولذلك يجب على الدولة الاشتراكية قبل كل شيء تأمين السلام الطبقي والدفاع عن مصالح الشغيلة. ولكن في روسيا المتخلفة التي لم تعرف أبداً الديمقراطية، والتي يسود فيها الفقر والجهل والأمية، لن يتمكن البلاشفة من تأمين لا هذا ولا ذاك.
إن التغييرات الثورية للتكوين الاجتماعي في روسيا أمر غير ممكن إلا في ظل التغيير الثوري لثقافة جميع طبقات المجتمع ووعيها. في ظل هذا الظرف فقط يمكن تطوير قوى الإنتاج بصورة سريعة. بيد أن ذلك قد أصبح من المستحيلات: لأن ثقافة الشعب ووعيه هما وظيفة قوى الإنتاج وليس العكس. وفي حالة إذا ما قام البلاشفة بتعبئة الإنتلجنسيا، يمكنهم بالطبع التخلص من الأمية سريعاً. ولكن، وهذا أولاً، أن يتعلم الناس القراءة – فهذا يعني أنهم سوف يصبحون مثقفين. ثانياً، أن يتعلم الناس القراءة، فأول ما سيفهمونه هو ماهية ديكتاتور البروليتاريا على الطريقة اللينينية(40) .
سوف يتحدد مستقبل روسيا بالفترة التي سيقضيها البلاشفة في السلطة، وإن عاجلاً أو آجلاً سوف تعود إلى الطريق الطبيعي للتطور. ولكن كلما طال وجود الديكتاتورية البلشفية، أصبحت هذه العودة أكثر صعوبة.
المجتمع الاشتراكي في مفهوم ماركس وإنجلز ليس مجرد أمر يمكن إنجازه في قرن واحد حتى في الدول الغربية، فما بالنا بروسيا. ولذلك ففي المرحلة التاريخية الآنية في روسيا يجب تنمية قوى الإنتاج وتوسيع الحريات والحقوق السياسية، وتشكيل التقاليد الديمقراطية، ورفع ثقافة المواطنين، ونشر عناصر معينة من المبادئ الاشتراكية وترسيخها. ومن الضروري إجراء تغييرات تدريجية لمؤسسات الدولة على أن تكون مصحوبة بتأثير دعائي سياسي اقتصادي على جميع طبقات المجتمع بهدف إثراء المواطنين الروس وجعل المجتمع الروسي ديمقراطياً ومؤمناً بالمبادئ الإنسانية. إن الدولة لا يمكن أن تكون عظيمة ما دام مواطنوها معدمين! ففي ثراء المواطنين – ثراء الدولة! والعظمة الحقيقية للدولة لا تتحدد بمساحتها. ولا حتى بتاريخها، وإنما بالتقاليد الديمقراطية ومستوى معيشة المواطنين. وطالما سيظل المواطنون معدمين، وما دامت الديمقراطية ستبقى غير موجودة، فلن تأمن الدولة الهزات الاجتماعية، بل وحتى الانهيار والسقوط.
روسيا – دولة ضخمة تمتد آلاف الكيلومترات. ولذا فمن أجل التقدم السريع، يجب تطوير خطوط السكك الحديدية وخطوط النقل البحري في البلاد كلها. وقد قال ولكته(41) : "ليس هناك داع لتشييد القلاع، ولكن عبّدوا السكك الحديدية!" وإذا كانت طرق السكك الحديدية مهمة بالنسبة لألمانيا، فهي أمر ضروري ولا غنى عنه بالنسبة لروسيا. بل ومن الممكن أن تكون السيارات والطائرات ذات أهمية بالغة في المستقبل، ولذا يجب توجيه اهتمام خاص إلى تلك المجالات التقنية. من الضروري تطوير وسائل الاتصال، ووصول الكهرباء إلى كل مكان. فمن دون الاعتماد على الكهرباء لن يمكن رفع إنتاجية العمل.
روسيا بحاجة ماسة إلى أيديولوجيا تقدمية قائمة على أفضل التقاليد القومية، وعلى تصورات حديثة حول الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. ولن يضمن لروسيا الثبات الرسوخ والتطوير الطبيعي للاقتصاد سوى هذه الأيديولوجيا. لأن الأيديولوجيا التضليلية لا تلد – ولن تلد – إلا القادة المشوهين القذرين الذين بارتكازهم على الأيديولوجيا الدوجمائية، لن يكون بمقدورهم إلا عرقلة قوى الإنتاج، وإعاقة تكوين مجتمع حضاري مزدهر. وفي النهاية، فروسيا في حاجة إلى سلطة مركزية وسلطات محلية قوية تعمل في إطار دستور مرسوم الحدود بصورة دقيقة.
الحالة الآنية للقرية الروسية – هي العذاب الحي لمئات السنين من الحكم الفردي المطلق. يجب عمل كل شيء من أجل تعديل أوضاع القرية الروسية، ومن أجل أن تختفي الجدران الأربعة المائلة تحت أسقف القش. يجب أن يكون في كل قرية مدرسة، ومكتب بريد، وتلغراف، وهاتف، وفرع بنكي، ومؤسسة اجتماعية، ومراكز تجارية وإدارية. هذا الأمر، بطبيعة الحال، يحتاج إلى عشرات السنين. ومع ذلك فهو أمر يمكن تحقيقه إذا التفتت الدولة إلى القرية، وإذا حصل الفلاحون على الأرض – وهو الأمر الذي لا يجب نسيانه – كوسيلة إنتاج تمتلك قيمة مهمة وبالتالي لا يمكن أن تكون أداة للمضاربة كما أن الاستئجار طويل الأمد – المجاني بالنسبة للروس، والمدفوع بالنسبة لمواطني الدول الأخرى – هو الشكل الوحيد الصالح لاستغلال الأراضي خلال عشرات السنين المقبلة.
العمل هو مصدر جميع الثروات. فإذا كان حراً ومراعياً للمصلحة، سوف يتمكن الروس من التغلب بصورة سريعة على تخلف البلاد. وفقط بعد ذلك يمكن مناقشة مسألة الثورة الاشتراكية، والتحولات الاشتراكية التي من الممكن أن أحدد ثلاث مراحل من أجل الوصول إليها.
من الممكن أن يبدو للقارئ الواعي أن أفكاري وآرائي تنطوي على بعض التناقضات: فقد وضعت أعلاه إمكانية تحقيق ديكتاتورية البروليتاريا موضع الشك، والآن أناقش التحولات الاشتراكية. ولكن من الذي قال إن التحولات الاشتراكية ممكنة فقط في ظل ديكتاتورية البروليتاريا؟ فبتطوير المجتمع وارتفاع مستوى معيشة الجماهير وثقافتها ووعيها يمكن أن تتم التحولات الاشتراكية تدريجياً، وليس فقط بإرادة السلطة، بل ورغماً عنها أيضاً. وسيكون الانتقال إلى الاشتراكية في مرحلة معينة من مراحل تطور قوى الإنتاج أمراً طبيعياً ولا مفرّ منه. وإذا كان التاريخ سيختار روسيا أولاً من أجل تعبيد الطريق إلى الاشتراكية، فينبغي أن يتم ذلك بالتدريج وعلى مراحل.
المرحلة الأولى (25-30) – الاشتراكية المبكرة. في تلك المرحلة يجب فقط مصادرة، وبصورة تدرجية، البنوك والمصانع والمعامل الضخمة، والمواصلات، وأراضي وأملاك الكنيسة (إذا كانت ستظل باقية إلى ذلك الوقت)، والمؤسسات التجارية الضخمة. وأن تكون إجراءات نزع الملكية على أساس الشراء الجزئي، أو الإيجاز مدى الحياة، أو تعيين معاش تقاعدي، أو الحق في الحصول على أرباح معينة. والإبقاء على المصانع الصغيرة والمتوسطة في أيدي القطاع الخاص، ذلك إلى جانب البنوك والمعامل والمؤسسات التجارية ومجال الخدمات. وعلى أساس البنوك التي صودرت يمكن تأسيس بنك وطني يراقب حركة أموال ونشاطات البنوك الخاصة. وعلى أساس المؤسسات التي صودرت يجب إنشاء قطاع حكومي يكون هدفه التدرب على الاقتصاد والتجارة وتأمين العدالة الاجتماعية. ومن أجل زيادة اهتمام العمال وجذبهم يجب توزيع أسهم المؤسسات بشكل جزئي بينهم على أن تكون الأسهم غير خاضعة لعملية إعادة البيع، وأن تمنح العامل الحق في الحصول على أرباح، ولكن ليس حق التملك. ويجب منح الفلاحين جزءاً من الأراضي المصادرة على أسس عادلة ارتكازاً إلى الظروف المحلية، وإقامة مزارع نموذجية حكومية ضخمة على الجزء المتبقي.
يجب أن تكون الضرائب على المداخيل تصاعدية، ولكن لا يجب أن تخنق رجل الأعمال. ولا يجب أن تخضع المداخيل المستخدمة في توسيع الإنتاج وبناء الطرق والأغراض العامة إلى الضرائب. وبطبيعة الحال، ففي هذه المرحلة يجب بشتى الطرق تشجيع تدفق رأس المال الأجنبي مع فرض الرقابة الصارمة على خروجه، وتوسيع التصدير ومراقبة الاستيراد. ويجب أن تعمل السياسة الجمركية على تحفيز المنتج الروسي، وعلى رفع جودة السلع الوطنية.
إن هدف المرحلة الأولى – هو زيادة إنتاجية العمل، ورفع مستوى معيشة المواطنين الروس. في هذه المرحلة يجب الانطلاق من الاعتراف بثلاث قوى: الدولة، ورجل الأعمال، والعامل. ويمكن اعتبار المرحلة الأولى قد انتهت عندما تتساوى إنتاجية العمل في القطاع الحكومي مع إنتاجية العمل في أفضل المصانع الخاصة. ويصل مستوى معيشة المواطن الروسي إلى مستوى المعيشة في أوروبا الغربية.
المرحلة الثانية (25-30) – مرحلة الاشتراكية الناضجة. حيث يتم انتزاع ملكية البنوك والمصانع والمعامل المتوسطة، وتجارة الجملة، ولكن مرة أخرى على أسس عادلة. وعلى سبيل المثال، يصبح مالك البنك مديره، وصاحب المصنع مديره.. وهكذا. لا يستثنى من ذلك عمليات الشراء الجزئي أو الإيجار مدى الحياة أو تعيين معاشات تقاعدية. وتنتقل الزراعة وتجارة التجزئة ومجال الخدمات إلى العمل على أسس جماعية. وسوف يدخل القطاع الحكومي إلى طور نموه التالي. في هذه المرحلة يبقى الحال كما هو عليه بالنسبة لتشجيع تدفق رأس المال الأجنبي بينما تخفف الرقابة على خروجه. وتنتهي المرحلة الثانية عندما تتفوق إنتاجية العمل في المؤسسات الحكومية على إنتاجية العمل في أفضل مصانع الدول الغربية، ويتفوق مستوى معيشة المواطن الروسي على مستوى معيشة مواطن الدول الرأسمالية. وهذه المرحلة – هو جعل الاشتراكية جاذبة لاهتمام جميع الشعوب. ومن الممكن في هذه المرحلة أن تنتصر الثورة الاشتراكية السلمية في الدول الأكثر تقدماً.
المرحلة الثالثة (50-100 سنة). يتم فيها نزع ما تبقى من الملكيات الخاصة، وتصبح الوسيلة الاشتراكية للإنتاج هي السائدة. سيتلاشى الاستغلال تماماً، وتنمحي الفوارق بين العمل العضلي والذهني، وبين المدينة والقرية، وستتلاشى الطبقات تدريجياً. في هذه المرحلة ينبغي تشجيع خروج رأس المال الأجنبي. وامتلاك الأوراق المالية للدول الأخرى، وإجراء تقارب اقتصادي مع الدول الأخرى بانتشار وتدفق متبادل لرؤوس الأموال، وسيحل التشجيع والتحفيز الأخلاقي محل مثيل المادي. وهدف هذه المرحلة – مساواة مستوى معيشة مواطني جميع الدول، وإنشاء قوى إنتاج كافية من أجل إعلان الشيوعية التي لا يمكن أن تكون طبعاً آخر أطوار التطور الاجتماعي. زد على ذلك أن الشيوعية لن تكون خالية من التناقضات الاجتماعية. والتفكير على نحو آخر يعني رفض الديالكتيك الهيجلي لذلك الموت الأبدي أو البعث الأبدي. بيد أن التناقضات في ظل الشيوعية ستكون خالية من الأسس الطبقية والمادية، وستكون وليدة التناقضات الأخلاقية والقيمية والفكرية بين الشخصية الفردية والمجتمع.
لقد عرضت بإيجاز تصوراتي حول مراحل التحولات الاشتراكية من دون أن أدعي – طبعاً – الحقيقة النهائية. فمهما كان الإنسان عبقرياً، ومهما امتلك من ديالكتيك، من الممكن أن يخطئ في تنبؤاته. إن اكتشافات العلم القادمة يمكنها أن تقلب جميع التصورات الآنية، ولكن كل ذلك – هو مشكلات الغد.أما الآن فيمكن قول الآتي بكل ثقة: روسيا بحاجة إلى توحيد القوى السياسية، والكثير من التكوينات والهياكل والإسهامات في جميع مجالات الإنتاج، والمبادرة الخاصة، والهمة الرأسمالية، والمنافسة التي من دونها لن تكون هناك أية جهود لرفع الجودة أو التقدم التقني، وبناء سياسي فوقي عادل، وإشاعة الديمقراطية والمبادئ الإنسانية. روسيا – ليست فقط دولة متعددة القوميات، ولكنها أيضاً دولة متعددة الديانات، وهو الأمر الذي ينطوي على خطورة نشوء النزاعات القومية والدينية على حد سواء. وتفاديها لن يكون ممكناً إلا بالإصلاحات الإدارية الذكية، ورفع مستوى المعيشة، والمساواة في الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وحرية العقيدة، والاحترام المتبادل للتقاليد القومية والثقافات واللغات. لقد كنت على الدوام مناهضاً للدين، ولكنني لم أنف أبداً أهميته. فالدين كمنظومة للتصور والحالة النفسية والتأثير ينطوي على عنصرين. الأول – فلسفي – وهو عنصر فكري أو عقائدي سوف يتلاشى تدريجياً بنمو قوى الإنتاج وتطور العلوم. والثاني – اجتماعي أخلاقي – وهو نصر يستمر لسنوات طويلة ولا ينبغي الصراع معه. وأي دين يمر في تطوره بمراحل محددة متشابهة. فالمسيحية التي مرت من خلال الجهل والظلامية مثلها مثل الإسلام أيضاً، وهما ديانتان عالميتان، ولكن الديانات الأخرى يمكن أن تمر من خلال مراحل مشابهة. ولعل أفكار التتريك العام وإبادة الشعب الأرمني هي الدلائل أو البوادر الأولية لذلك(42) ومن أجل ألا يحدث هذا الأمر في روسيا، يجب أن يتذكر الروس أن المسلم – ليس بوصرمان، والمسيحي – ليس كافراً(43) . وينبغي الدعاية ليس إلى الإلحاد، وإنما إلى الاحترام المتبادل للديانات، وإلى كل ما يقربها إلى بعض(44) . يجب تشجيع عملية تكوين الأسر المختلطة بشتى الطرق. وليس هناك أي ضرر أن يكون الزوج مسلماً، والزوجة – مسيحية، أو أن يكون الابن مسلماً والابنة مسيحية أو العكس.
وفي النهاية أقدّم بعض الأسطر التي يجب ألا تنشر، وإنما تنقل إلى السلطة الديمقراطية في روسيا.
الهوامش
(1) كما هو معروف، ففي المؤتمر الثاني لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي العام 1903 م سمح بليخانوف في إحدى خطبه بإمكانية حل المجلس التأسيسي إذا كان ذلك سيكون من مصلحة الثورة. وبعد حل المجلس التأسيسي في 6 يناير العام 1918م قام البلاشفة بإدانة بليخانوف، مستدين أساساً إلى كلمته، بأنه خان ماضيه الثوري. أما الذين كانوا ضد حل المجلس التأسيسي وعلى رأسهم ف.تشيرنوف، فقد اتهمه بأنه كان معلم البلاشفة وأستاذهم. أنظر أيضاً الهامش رقم 8.
(2) نيكولاي فالنتينوفيتش بليخانوف (1852م – 1928م) أحد إخوة جيورجي فالنتينوفيتش الكبار من أبيه. درس في كلية فورونيج الحربية، وبعد ذلك أنهى دراسته في مدرسة وارسو العسكرية لسلاح المشاة. قضى في الخدمة 27 عاماً. قدم استقالته العام 1898م وهو برتبة عقيد. وكان العام الدراسي 1868م – 1869م عاماً دراسياً مشتركاً للأخين في كلية فورونيج الحربية.
* نارودنيك بمعنى شعبي. وهي من كلمة "نارود" الروسية. أي شعب. ومنها "نارودنيتشيستفو"، أي الشعبية – وهي حركة اجتماعية سياسية بين مثقفي روسيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. ونارودنيك هو أحد أنصار هذه الحركة – المترجم.
** ميخائيل ألكسندروفيتش باكونين (1814م – 1876م) ثوري، أحد منظري الفوضوية، وأحد أيديولوجي ثوار الناردونيتشيستفو. كان عضواً بحلقة ستاتكوفيتش في ثلاثينيات القرن التاسع عشر. رحل إلى خارج روسيا من العام 1840م، وشارك في ثورات 1848م – 1849 في باريس ودرزدن وبراج. وفي العام 1815م ألقب السلطات النمساوية القبض عليه وسلمته إلى الحكومة الروسية. سجن بمدينة بيتر وبافلوفسك، وبعد ذلك في قلعة شليسيلبورجسك. فر من السجن العام 1861م. أسس جمعية سرية باسم "الأخوية الأممية". وفي العام 1868م أصبح عضواً بالأممية الأولى ووقف ضد كارل ماركس وأنصاره. له بعض المؤلفات منها "الدولة والفوضى"- المترجم.
(3) بعد مظاهرات قازان الشهيرة في 6 ديسمبر 1876م، كان بليخانوف مضطراً إلى الاختفاء عن عيون البوليس، وصار سرياً. ووصفت زوجته روزاليا ماركوفنا بليخانوفا طريقته في النوم كالآتي: "كان على الدوام تحت وسادة بليخانوف المسدس والقبضة الحديدية، تحسباً لحالة إذا ما ظهر البوليس فجأة في الغرفة، فلا يجب أن يقع في أيديهم من دون مقاومة" (ر.م.بليخانوف. الحلقة الفرعية لـ "الأرض والحرية" مجموعة "تحرير العمل". العام 1926م، المجلد الرابع، ص 112).
*** سيرجي جيناديفيتش نيتشايف (1847م – 1882م) أحد نشطاء الحركة الثورية الروسية. مؤسس جمعية سرية باسم "التصفية الشعبية". مؤلف كتاب "تأهيل الثوري". استخدم طرق التضليل والتآمر. قام العام 1869م بقتل أحد الطلاب في موسكو بسبب الشك في خيانته، وفر إلى خارج روسيا. قبضت عليه السلطات السويدية العام 1872م وسلمته إلى الحكومة الروسية. وفي العام 1873م حكم عليه بالسجن لمدة 20 عاماً. مات بالسجن – المترجم.
**** لويس أوجست بلانكي (Blanqui) (1805م – 1881م) شيوعي فرنسي مثالي شارك في ثورتي عام 1830م، 1848م. قام بقيادة الجمعيات السرية في ثلاثينيات القرن التاسع عشر. تم انتخابه عضواً بكومونة باريس العام 1971م، وكان يربط نجاح الثورة الاجتماعية بتآمر المنظمات الثورية التي – على حد رأيه – سوف تنضم إلى الجماهير الشعبية في اللحظة الحاسمة – المترجم.
(4) ليف ألكسندروفيتش تيخوميروف (1852م – 1923) أحد قادة حزب "الإرادة الشعبية". أصابه الإحباط في الثورة والاشتراكية بعد هجرته إلى خارج روسيا. حصل على عفو من القيصر. وردا على ذلك ألف كتاباً بعنوان "لماذا لم أظل ثورياً". وفي العام 1889م نشر كتابه بعنوان "مدافع جديد عن حكم الفرد المطلق أم كارثة السيد ل.تيخوميروف",
***** بيوتر نيكيتيتش تكاتشيوف (1844م – 85/1886م) كان من أنصار الأساليب التآمرية في النضال، وأحد أيديولوجي النارودنيتشيستفو. وكان أيضاً كاتباً وأحد أعضاء الحركة الثورية الروسية العام 1860م. عمل بمجلة "الكلمة الروسية" و"القضية". هاجر إلى خارج روسيا العام 1873م – المترجم.
****** منظمة "إعادة التقسيم الأسود" – منظمة نارودنيكية في بطرسبورج (1879م – 1882م) ظهرت بعد الانشقاق الذي حدث في منظمة "الأرض والحرية" وحافظت على برنامجها: نفي النضال السياسي والعنف، والدعاية في أوساط العمال. وكان المركز هو حلقة بطرسبورج (بليخانوف وستيفانوفيتش ودييتش، وآخرون) وكانت لها فروع في موسكو وكييف وأوديسا وخاركوف. أصدرت صحيفة بعنوان "إعادة التقسيم الأسود" في جنيف ومينسك. وصدر من هذه الصحيفة خمسة أعداد فقط – المترجم.
(5) جول جيد (1847م- 1922م) أحد أشهر نشطاء الحركة الاشتراكية الفرنسية والحركة الاشتراكية الدولية والحركة العمالية، وأحد مؤسسي حزب العمال الفرنسي. حدث تعارف بليخانوف معه في مطلع العام 1881م بفندق سان ميشيل حيث كان يقضي الزوجان بليخانوف بعض وقتهما.
(6) مقطع من كلماته المعروفة في رسالته إلى ن.أز روياكين: (أنا أتمسك بوجهة نظر أفكار جماعة "تحرير العمل"). وأنا في كل مرحلة زمنية محددة أكون أقرب إلى واحدة من تلك الجماعات الاشتراكية – الديمقراطية التي تكون قريبة من هذه الأفكار وأرى أن تقدم حزبنا يتوقف على الفهم الجيد جداً لأفكار جماعة "تحرير العمل" (التراث الفلسفي – الأدبي لبليخانوف. الجزء الأول. موسكو. 1973م ص 248).
(7) وقف كل من كارل ماركس وفريدريك إنجلز في بداية الثمانينيات إلى جوار منظمة "الإرادة الشعبية" مستندين إلى تقديراتهما بخصوص إمكانية الثوار الذي ينتمون إلى مختلف الهويات والطبقات الاجتماعية البسيطة والذين يمارسون الأعمال الذهنية البسيطة ويحملون أفكاراً ثورية ديمقراطية، في إشعال الثورة في روسيا. بيد أن بليخانوف كان يرى أن الحركة الثورية في روسيا لا يمكنها أن تنتصر إلى كحركة ثورية عمالية.
(8) السيد ف.تشيرنوف يؤكد في "قضية الشعب" أن البلاشفة أبنائي. وقد ذكرني ذلك بما كان يقول فيكتور أدلر بين المزاج والجدية: "لينين – أبنكم". ولكنني كنت أرد عليه بقولي: "إذا كان ابني، فمن الواضح أنه غير شرعي". ومازلت أعتقد حتى الآن أن تكتيك البلاشفة هو مجرد استنتاج غير شرعي وغير قانوني إطلاقاً من الأوضاع التكتيكية التي كنت أنادي بها مستنداً إلى نظرية ماركس – إنجلز (ج.ف.بليخانوف. عام في الوطن. باريس 1921. المجلد الثاني. ص 268)..
(9) برنشتاين (1850م – 1932م) أحد قادة الاشتراكيين الديمقراطيين الألمان الذي قام بالهجوم على الماركسية بعد وفاة إنجلز. سترويف (1871م – 1944م) في الباية كان ماركسياً ثم أصبح فيما بعد أحد قادة نقاد الماركسية.
(10) كان بليخانوف في ذلك الوقت بداية من 8 يناير 1918م متواجداً في المصحة بمدينة بيتكياروف، (أنظر رسالة بليخانوفا إلى لوبيموف بتاريخ 22 يناير 1918م الأرشيف التاريخي 1998م، رقم 3، ص 139.
(11) ما كتبه بليخانوف في مقال بعنوان "كل شيء حول ذلك أيضاً": "كان هناك رمن عندما كان أيديولوجيو البرجوازية يفكرون بأي تنازل يقوم به الرأسمالي للعامل الأجير يتسبب في خسارة للرأسمالي. وثمة فكرة كانت سائدة أنذاك بأن يوم العمل الطويل والأجر المنخفض هو شرط ضروري من أجل ضمان مستوى عال للقيمة الزائدة للرأسماليين. ورويداً رويداً أخذت خبرة الدول الرأسمالية الطليعية تدحض تلك الأخطاء لمنظري الاقتصاد البرجوازي ومديريه. لقد اتضح أن قوة العمل "الرخيصة" هي أغلى "الغالي". واتضح أن العامل الأجير الذي يعيش في ظروف مادية أفضل، هو أكثر إنتاجاً (حتى من وجهة النظر الرأسمالية الخالصة). وذلك يعتبر الآن من أبجديات الحقائق في العلوم الاقتصادية" (الوحدة، رقم 111، بتاريخ 9 أغسطس 1917م).
(12) يستخدم بليخانوف كلمة "الروس" هنا بالمفهوم المرتبط بـ "تاريخ الفكر الاجتماعي الروسي" (أنظر بليخانوف، الأعمال الكاملة، المجلد 20، العام 1925م، ص 95. والمجلد 21، العام 1925م، ص 16،18، 24).
[] - جاءت كلمة "الروس" هنا بمعنى جميع المواطنين الروس وغير الروس الذين يعيشون في روسيا حتى وإن كانوا من أصل غير روسي. والكلمة تستخدم في الوقت الحاضر بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بالمعنى نفسه بصرف النظر عن القومية أو الدين، وتنطبق على جميع المواطنين الذين يملكون مواطنة روسيا الاتحادية – المترجم.
[b] - اليعقوبيون – هم أعضاء النادي اليعقوبي في أثناء الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر والذين بقوا فيه بعد خروج الجيرونديون (مجموعة من الثوريين الفرنسيين الذين كان أغلب قادتهم من مقاطعة جيروند) العام 1792م. وكان قادة اليعقوبيين هم روبسبير ومارات ودانتون وسان جوست – المترجم.
(13) بلانكي (1805م – 1881م) اشتراكي فرنسي تآمري. باكونين (1814 – 1876م) فوضوي متمرد. وعموماً فقد توقف بليخانوف كثيراً في مؤلفاته عتد نقد التكتيك.
[c] - من الكلمة الألمانية (Lumpen)، أو بالإنجليزية (Lumpish Proletari)، وهو مصطلح اورده كارل ماركس للإشارة إلى الشرائع الدنيا من الطبقة العاملة (حثالة البروليتاريا، أو البروليتاريا الرثة) – القاموس الموسوعي الكبير، سانت بطرسبورج، 1998.
(14) دوميللا نيوينهيوس Nieuwenhuis (1846م – 1919م) اشتراكي هولندي، ومحرض في أثناء الحرب. انحاز إلى الفوضويين بعد مؤتمر زيورخ الدولي العام 1893م، وتم طرده من الأممية الثانية العام 1896م.
(15) ج.إروي (1871م – 1944م) اشتراكي فوضوي فرنسي.
(16) ر.جريم (1881م – 1956م) أحد قادة الاشتراكيين الديمقراطيين السويسريين.
[d] - اتفاقية "سلام برست" – وهو الاسم الرسمي لاتفاقية سلام برست – ليتوانيا العام 1918م. ففي 3 مارس 1918م تم عقد اتفاقية سلام بين روسيا السوفييتية وألمانيا والنمسا والمجر وبلغاريا وتركيا. حيث استولت ألمانيا (بالضم) على بولندا ودول البلطيق وجزء من بلاروسيا وما وراء القوقاز، وحصلت على تعويضات تقدر بستة مليارات مارك.وأقدمت روسيا السوفييتية على بقد هذه الاتفاقية من أجل الحفاظ على السلطة السوفييتية. وكانت مجموعة "الشيوعيين اليساريين" وعلى رأسهم بو خارين ضد الاتفاقية، وكانوا على استعداد للتضحية بالسلطة السوفييتية. ولكن السلطة السوفييتية قامت بإلغاء هذه الاتفاقية في 13 نوفمبر العام 1918م بعد قيام الثورة في ألمانيا – المترجم.
(17) بيير سفينهوفود Svinhufvud (1861م – 1944م) شخصية سياسية برجوازية في فنلندا. شغل منصب رئيس وزراء فنلندا في الفترة من نوفمبر 1917م إلى يناير 1918م. زار بطرسبورج في 31 ديسمبر 1917م حيث حصل على الاعتراف باستقلال فنلندا بتوقيع لينين وفي مقابل ذلك قام سفينهوفود وأنصاره في الحكومة الفنلندية بالاعتراف بأن السلطة السوفييتية هي السلطة الشرعية في روسيا. وكان من أنصار تدخل الجيش الألماني في أراضي فنلندا. أصبح رئيساً للحكومة البيضاء في أبريل العام 1918م. وفي 30 أكتوبر 1918م أصبح رئيس وزراء فنلندا ورئيسها حتى العام 1937م – المترجم.
(18) المقصود بـ "أنصاف اللينينيين" – كل من رفض استنتاجات لينين وقبل مقدماته وبذلك ساعده – كما يرى بليخانوف – على تطبيق استنتاجاته وإثباتاته في الوقع العملي. كان أولئك، في المقام الأول هم المناشفة الذين كانوا يشكلون أغلبية مجلس بطرسبورج، ولكن ارتبط بهم أيضاً الاشتراكيون الثوريون الذين كانوا ضمن هذه الأغلبية. وقد أورد بليخانوف عدة أسماء منها إزبسيربيل، م.سكوبيليوف، ن.تشيخيدزة، ف. تشيرنوف ( أنظر بليخانوف. عام في الوطن. المجلد الثاني، ص 55، 162).
(19) هذا هو بالضبط السؤال الذي طرحه لينين عندما قرأ "ملاحظات ثوري" لسوخانوف.
(20) سوف تأتي إضافات إلى هذه النقطة في الجزء الخامس من الوصية.
[e] - هي ابنة بريام وهيكابي في الميثولوجيا اليونانية. وكانت لديها قدرة عالية على التنبؤ بأحداث المستقبل – المترجم.
(21) كان لينين قد طرح إقامة السخرة على مستوى عموم البلاد كلها، وذلك في ديسمبر 1917م في مشروعه حول إعلان تأميم البنوك.
(22) هذه واحدة من عبارات بليخانوف التي وردت كثيراً في مؤلفاته العام 1917م – أنظر على سبيل المثال مقال "الدائرة تنطبق" ("الوحدة"، العدد رقم 157، بتاريخ 6 ديسمبر 1917م).
(23) هي الفكرة التي صرح بها بليخانوف لأول مرة في أول أعماله الماركسية "الاشتراكية والنضال السياسي" بخصوص توجهات منظمة "الإرادة الشعبية" في إقامة "مساواة اقتصادية" عن طريق "تنظيم الإنتاج القومي" (أنظر بليخانوف، الأعمال الكاملة، المجلد الثاني، العام 1922م، ص 81). "إمبراطورية الإنكيين" عليها إسبانيا. وقد أجاب كلود باتو حفيد بليخانوف عن السؤال بخصوص ما يعرف عن وصية بليخانوف "لو صمد لينين في السلطة طويلاً، فسوف يحدث كما حدث لإمبراطورية الإنكيين، (الترجمة الحرفية من الإنجليزية إلى الروسية لرسالة كلود باتو إلى ن.إ.نيجيجورود بتاريخ 23 نوفمبر 1997م).
(24) عبارة شائعة في أعمال بليخانوف. و"أدوية موريسون" (pilula) كانت تعد إحدى وسائل العلاج الشافية من جميع الأمراض. (أنظر بليخانوف. الأعمال الكاملة. المجلد الثاني، العام 1926م، ص 22).
(25) في 1 يناير 1918م تم إطلاق الرصاص على السيارة التي كان يستقلها لينين في طريق عودته من لقاء خطب فيه أمام جنود الجيش الأحمر الذين كانوا في طريقهم إلى الجبهة. والآن أصبح معروفاً أن أحد العاملين في ميليشيا بطرسبورج قد شارك في محاولة الاغتيال (أنظر نيكولاي زينكوفيتش. الاغتيال والتمثيل: من لينين إلى يلتسين. موسكو، 1998م، ص 6). والذي قام بإنقاذ لينين في ذاك الوقت هو فريتس بلاتين الذي كان جالساً إلى جواره في السيارة، حيث أنزل رأس لينين إلى أسفل وأصيب هو إصابة طفيفة في إصبعه. وقد رأى بليخانوف في هذا الأمر مجرد تمثيلية تتيح البدء في مكافحة المؤسسات الديمقراطية، وعلى الأخص عدم انعقاد المجلس التأسيسي.
(26) من عبارات بليخانوف الشائعة.
(27) في بداية مايو العام 1917م تم نشر رسالة بحار الأسطول البلطيقي ستيبان كوكوتكو في جريدة بليخانوف "الوحدة"، والذي اتهم فيها بصيغة خشنة ومتحرشة بليخانوف بأنه باع ضميره للبرجوازية. وقام بليخانوف بالرد على تلك الرسالة بالآتي: "عندما أعلنت عن "اختلافنا"، شاعت فكرة بأنني بعت نفسي للحكومة المؤقتة، وهي الفكرة التي كان يتم تقبلها حتى في أوساط المثقفيه. ولكنهم الآن يرون أني قد بعت نفسي لأناس مشبوهين جداً. ومن هنا نستنتج أن روسيا، على أية حال، تسير إلى الأمام على الرغم من أنه ليس بتلك السرعة المرغوبة". ("الوحدة" العدد رقم 31، بتاريخ 5 مايو 1917م). وفي 31 أكتوبر 1917م قامت مجموعة مسلحة بتفتيش شقة بليخانوف: كانوا يبحثون عن أسلحة. ومن هذه الوصية يصير من المعروف أن الذي قاد هذه العملية هو البحار الذي اشتبه فيه بليخانوف بأنه هو الشخص نفسه الذي بعث بالرسالة إلى هيئة تحرير "الوحدة".
(28) ن.د.أفكسينتيوف (1878م – 1943م) أحد قادة حزب الاشتراكيين الثوريين. أصبح بعد ثورة فبراير عضواً في اللجنة التنفيذية بمجلس بطرسبورج، ورئيس اللجنة التنفيذية لمجلس عموم روسيا للأعضاء الفلاحين. وفي يوليو – سبتمبر أصبح مزيراً لداخلية الحكومة المؤقتة. وبعد ذلك أصبح عضواً بالمجلس التأسيسي. وفي العام 1918م هاجر إلى خارج روسيا.
(29) اجتماع موسكو الحكومي – هو الاجتماع الذي دعت إليه الحكومة المؤقتة في الفترة من 12 إلى 15 أغسطس 1917م في موسكو، وتحدث فيه بليخانوف يوم 15 أغسطس.
(30) ف.م.بوريشكيفيتش (1870م – 1920م) من أنصار الحكم الملكي. تم القبض عليه في أثناء قمع حركة كيرينسكي ضد البلاشفة في 3 نوفمبر 1917م بتهمة التآمر بهدف إقامة الحكم الملكي في روسيا. ولكن المحكمة قامت بنفي التهم الأساسية الموجهة إليه. وفي 3 يناير 1918م قام المفوض القضائي الشعبي الذي ينتمي إلى الاشتراكيين الثوريين اليساريين إزز. شتينبرج بالتأثير لصالحه من أجل تخفيف الحكم، وبالفعل حكم عليه بأربع سنوات فقط، وتم العفو عنه وإخلاء سبيله في 17 أبريل 1918م بمناسبة 1 مايو.
(31) أ.ألكسندروفسكي بحار المدمرة "نوفيك". ذهب في 7 مايو 1917م إلى هيئة تحرير صحيفة "الوحدة" وقدم اعتذاره بالنيابة عن البحارة جميعاً إلى بليخانوف عن الإهانة التي ألحقها به البمارس. كوكوتكو الذي أطلق عليه "أحد ضحايا حزب الهواة الشعبيين، والذي كتب على راياته انتزع!" ("الوحدة"، رقم، 44 – 45 بتاريخ 20 – 21 مايو 1917م).
(32) لم يتم العثور على أي إشارات عن لجيديمتري في مؤلفات بليخانوف. ففي كتابه "تاريخ الفكر الاجتماعي الروسي" وصف بليخانوف فترة التدخل البولوني – الليتواني (أو فترة سموتا) فترة ركود للفكر الاجتماعي في روسيا (أنظر بليخانوف. الأعمال. المجلد 20، 1925م، ص 198). "أما ما يخص حالة قوى الإنتاج، فإن سموتا كان بإمكانها تغيير هذه الحالة ليس إلى الأفضل،وإما فقط إلى الأسوأ" (المرجع نفسه، ص 205). "خلال المائة عام التالية لا "سموتا" ظلت العلاقة الداخلية للدولة الموسكوفية تكتسب أكثر فأكثر ذلك الطابع الذي تميز به طغاة الشرق (المرجع نفسه، ص 246). "لجيديمتري الأول (؟ - 1606م) قيصر روسي بدأ الحكم من العام 1605م. ظهر في بولونيا العام 1601م باسم ابن إيفان جروزني الرابع. ديمتري. وفي العام 1604م وصل مع الفرق البولونية – الليتوانية إلى الحدود الروسية، ووقف إلى جانبه جزء من المدنيين والقوازق والفلاحين، وتم قتله في مؤامرة. لجيديمتري الناني (؟ - 1610م) لقب بلص توشينا، وكان غير معروف النشأة. قدم نفسه العام 1607م على أنه لجيديمتري الأول الذي تم إنقاذه. في الفترة من العام 1608م إلى 1609م قام بإنشاء معسكرات توشينا في ضواحي موسكو حيث حاول الاستيلاء على العاصمة من هنا. ومع بداية التدخل البولوني هرب إلى كالوجا حيث تم قتله هناك. سموتا أو "فترة سموتا" – مصطلح يعني أحداث نهاية القرن السادس عشر وبداية السابع عشر. وهي فترة أزمة الحكم في روسيا والتي فسرها الكثير من المؤرخين بأنها مثل الحرب الأهلية، وصاحبها ظهور الكثير من المدعين، مثل لجيديمتري الأول والثاني، الذين قادوا المظاهرات والاعتصامات. وكان هذا المصطلح شائع الاستخدام في أعمال الكتاب الروس في القرن السابع عشر- أ.ص".
(33) رأى جوركي في لينين: "أن الفاعل الدائم لجميع المشاحنات والمخاصمات هو لينين ذاته، وذلك يحدث لأنه غير مترو بصورة تعصبية، ومقتنع تماماً بأن الجميع على خطأ ما عداه هو نفسه. وكل ما لا يتوافق مع ما يراه لينين – مصيره اللعنة!" (ن. فالينتينوف. بورتريه لم يكتمل. موسكو، 1993م، ص 33).
[f] - أوجست بيبل Bebel (1840م – 1913م) أحد مؤسسي الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني وقائده، وقائد الأممية الثانية – المترجم.
(34) كثيراً ما كان لينين يستخدم هذه العبارة في مناقشاته بخصوص مسألة التكتيك. والحديث يدور حول كلام بيبل "إنه من أجل الوصول إلى هدفه. أي التحرير الاجتماعي للطبقة العاملة – فهو على استعداد لعقد صفقة مع الشيطان ومع جدته أيضاً (بليخانوف، الأعمال. المجلد 15، ص 124).
(35) الفيلسوف خوما بروت إحدى شخصيات جوجول الروائية.
(36) بول لافارج (1842م – 1911م) أحد مؤسسي حزب العمال الفرنسي، وأحد الشخصيات البارزة في الحركة العمالية الفرنسية والدولية، وزوج لاورا ماركس – ابنة ماركس الثانية.
(37) شارل لونجيه (1839م – 1903م) صحفي فرنسي وشخصية سياسية، وعضو المجلس العام للأممية الأولى، وزوج الابنة الكبرى لكارل ماركس – جيني ماركس، وأحد الشخصيات القيادية لحزب العمال الفرنسي.
[g] - Minotaurus أو ثور مينوس في الميثولوجيا اليونانية، وهو وحش بنصف ثور ونصف إنسان – المترجم.
(38) قيل ذلك عن تروتسكي في أول لقاء العام 1902م في لندن. ولا شك في أن تروتسكي مذنب أيضاً في الأمور الرئيسية التي أذنب فيها لينين. ولكن إذا كان بليخانوف قد وجد بعض الصفات الإيجابية لدى لينين وأطلق عليه "الشخصية العظيمة البارزة"، فهو في الوقت ذاته لم يجد لدى تروتسكي لم تتحقق جميعاً. وبالطبع، فبليخانوف لم يكن يمكنه أن يعرف أن تروتسكي سوى الصفات السلبية. إضافة إلى ، وكما اتضح فيما بعد، أن تنبوءات بليخانوف وتوصيفاته حول تروتسكي سوف يكون بذرة واحدة من أزمات البلشفية التي تحدث عنها بليخانوف، وهي "الأزمة الأيديولوجية" التي ستعمل على تحلل السلطة البلشفية من داخلها.
[h] - إميل فانديرفيلد Vandervelde (1866م – 1938م) اشتراكي بلجيكي أصبح عضواً في البرلمان في العام 1894م. وفي العام 1900م صار مدير المكتب الاشتراكي الدولي للأممية الثانية. وفي العام 1914 م دخل إلى الحكومة حتى العام 1937م حيث شغل طوال هذه الفترة مناصب وزارية كثيرة – المترجم.
(39) مع الأسف، ففي ترجمات مقدمة إنجلز للطبعة الإنجليزية "للمانيفستو" العام 1888م لم تتم الإشارة في الفترة السوفييتية إلى عمليات التدرج الطبيعي للتطور الاجتماعي للمجتمع، ولم يتم تغيير شعار "يا عمال العالم، اتحدوا!" وهذا يعني أن العلوم التاريخية والحزبية السوفييتية قد قامت بتزييف وجهات نظر إنجلز الأخيرة.
(40) وبمعنى آخر، فكلما سارت عمليات التغيير في الثقافة والوعي بسرعة ونجاح، أصبحت فرص الوجود أقل بالنسبة لتلك الدولة التي – في غياب القاعدة الاقتصادية – تدخل إلى التحولات الاشتراكية من أعلى بادئة من التعليم والثقافة والوعي. ولن يكون تزايد ثقافة الشعب ووعيه، قبل أي شيء، سبباً في بناء الاقتصاد الاشتراكي بقدر ما سيكون سبباً في فضح أسطورة الطابع الاشتراكي للثورة الاشتراكية والنظام الاشتراكي في روسيا.
(41) من الواضح أن بليخانوف يقصد هلموت مولتكه – الأكبر (1800م – 1891م)، كونت، جينرال فيلد مارشال، رئيس هيئة الأركان العامة البروسية، وبعد ذلك رئيس هيئة الأركان العامة الألمانية.
(42) لا يقصد بليخانوف بذلك الشعوب التي كانت في إطار الإمبراطورية العثمانية، وإنما يقصد ما حدث العام 1915م للأرمن الذين يعيشون في تركيا نفسها.
(43) أمور خشنة في الديانتين، حيث تعني كلمة بوصرمان – الشخص الذي يعتنق ديانة أخرى بالنسبة للمسيحي. وهي مثل كلمة كافر بالنسبة للمسلم.
(44) هذا أمر غريب بالنسبة لأفكار بليخانوف. ولكن من الواضح أن خبرته الجيدة بالتاريخ الروسي ومعرفته العميقة به قادته إلى هذا التفكير. فمن خلال الصحف والحكايات كان يعرف أن البلاشفة قد بدأوا في اتخاذ إجراءات خشنة في مجال الدعاية إلى الإلحاد ومكافحة الدين. وقد وافق بليخانوف على بعض الإجراءات التي اتخذوها مثل إصدار قرار تأميم أملاك الكنيسة، وبناء بيوت للمشردين في بعض الكنائس، ولكنه لم يوافق على الطرق التي تم اتخاذها لتحقيق ذلك



#عبد_الحسين_سلمان (هاشتاغ)       Abdul_Hussein_Salman_Ati#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوهام illusion النمري
- الوصية السياسية أفكار بليخانوف الأخيرة 1-2
- جولة سياحية مع العدد 12
- وصية صديق قبل الاخيرة-1-∞
- الحوار مع السيد النمري-3
- الحوار مع الزميل فؤاد النمري-2
- الثورة من منظور ماركسي
- الحوار مع الزميل فؤاد النمري-1
- الزميل حسقيل قوجمان...الصراع الطبقي و قضايا أخرى 3
- الزميل حسقيل قوجمان الصراع الطبقي و قضايا أخرى - 2
- الزميل حسقيل قوجمان..الصراع الطبقي و قضايا أخرى.
- ديكتاتورية (البروليتارية) و ديكتاتورية فؤاد النمري.
- فؤاد النمري....و... إسحق دويتشر
- عزيز الدفاعي : يستغيث بالكاظم
- خرافة التعريفات-3
- خرافة الماركسية–اللينينية
- الأمريكان والماركسيه....مرة ثانية
- علمانية ...نوري المالكي و قبلات عبد الخالق حسين
- بين وفاة الشاذلي العضوية وهزيمة مبارك التاريخية.
- الخامس و العشرين من يناير 2011 ( مصر)


المزيد.....




- وحدة أوكرانية تستخدم المسيرات بدلا من الأسلحة الثقيلة
- القضاء البريطاني يدين مغربيا قتل بريطانيا بزعم -الثأر- لأطفا ...
- وزير إسرائيلي يصف مقترحا مصريا بأنه استسلام كامل من جانب إسر ...
- -نيويورك تايمز-: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخ ...
- السعودية.. سقوط فتيات مشاركات في سباق الهجن بالعلا عن الجمال ...
- ستولتنبرغ يدعو إلى الاعتراف بأن دول -الناتو- لم تقدم المساعد ...
- مسؤول أمريكي: واشنطن لا تتوقع هجوما أوكرانيا واسعا
- الكويت..قرار بحبس الإعلامية الشهيرة حليمة بولند سنتين وغرامة ...
- واشنطن: المساعدات العسكرية ستصل أوكرانيا خلال أيام
- مليون متابع -يُدخلون تيك توكر- عربياً إلى السجن (فيديو)


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين سلمان - الوصية السياسية أفكار بليخانوف الأخيرة 2-2