أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - الأخلاق والسلوك ما بين الغاية ووهم المقدس - لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون ( 17 )















المزيد.....


الأخلاق والسلوك ما بين الغاية ووهم المقدس - لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون ( 17 )


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3585 - 2011 / 12 / 23 - 14:45
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ما هى الأخلاق ؟ .. هل يوجد لها معنى كقيمة إنسانية ثابتة مطلقة لا تعنى بالزمان والمكان , تستمد حضورها من تشريع خطه إله كما يعتقد الكثيرون فهكذا هو نهج السماء , أم أن الأخلاق هى منتوج بشرى دماً ولحماً جاء لإيفاء رؤية مجتمعية وتحقيق غايات محددة .
هل يوجد معنى للشرف والفضيلة والأخلاق والسلوك بدون ظرف موضوعى يشكله ويحدد كل ملامحه وثناياه ليجعل لها معنى وقيمة تحفر نفسها فى الضمير الإنسانى ترسم تضاريسه وتشكل وجدانه .
تبقى الأخلاق والسلوكيات دائماً مرتبطة بالظرف الموضوعى الذى أنتجها وتظل حاضرة إلى ان تتغير الظروف الموضوعية بواقع موضوعى مغاير يفرض منظومة سلوكية مغايرة وإن كانت هذه النقلة تستغرق ردحاً من الزمن حتى تتغير علاقات وقوى الإنتاج , بل يمكن أن تتواجد بقايا سلوكيات قديمة مع غياب الظروف الموضوعية التى خلقتها وهذا مانسميه بتأثير التراث على الإنسان .

الإنسان يمارس السلوكيات والأخلاقيات دون أن يعى الظرف الموضوعى الذى أنتجها فهو يمتثل لها بإعتبارها ناموس جاء من السماء أو من نظام مجتمعى فرض هيمنته عليه لتصبح الأخلاق بمثابة ثقافة لها حضور وسيادة تتشكل فى الضمير من خلال هذا الوعى الجمعى الذى يتأرجح بين التعنيف والإستحسان .
بالطبع لا يوجد شئ إسمه ضمير كذات فى الداخل الإنسانى بل هى المحددات التى تجد حضورها فى الذهن من هيمنة وسطوة نظم وقيم مجتمعية أرادت هكذا نهج وأسلوب لإدراة الحياة تكللت بمجموعة من المحاذير والخطوط الحمراء .

لو حاولنا أن نتعاطى مع بعض الأمثلة التى نراها أخلاق وسلوكيات والتى تجد حضورها فى ضميرنا وثقافتنا لتصبح ثوابت وخطوط حمراء ممنوع إقتحامها , سنتلمس أن جذورها البدئية هى رؤية الأقدمين لمصالحهم الحيوية ليخلقوا منها شرعية وناموس , فهم لم يصدروا لنا نهجهم إلا مدفوعين نحو تأمين مصالحهم وتأكيدها .

* الشرف الذى يراق على جوانبه الدم .
ما معنى الشرف فهل لها معنى وقيمة محددة أم هى رؤيتنا لبعض الأمور التى ترتبط بمصالحنا وحاجاتنا المادية لتتوارى هذه الرغبات وتتغلف بشعار الشرف كمعنى لنتوهم أنه قيمة متفرده بذاتها بدون أن تكون لها أرجل على الأرض .
الإنسان لا يخلق المعنى والقيمة إلا من حاجاته ورغباته التى يخلقها صراعه مع الطبيعة وما يتوفر له من إشباع فكل الطرق تؤدى لروما كما يقولون أو بالأحرى كل الطرق تخرج من روما .. فمن الحاجة تتولد الأفكار والرؤى والمعانى .
إنساننا القديم الذى إبتدع مفهوم الشرف المصاحب والمرافق للمرأة ليعتبر خروجها عن القبيلة وإنخراطها فى علاقة حب خارجها حتى لو تكللت بالزواج شئ مُجلب للعار ولكن لماذا جاء هذا الشعور وتلك الحمية من هذا السلوك والذى يتبعه ثورة عارمة تسال فيها دماء وتزهق أرواح .
الأباء الأوائل نظروا للأمور فى جانبها المادى النفعى لتُصدر للأحفاد فى جانبها القيمى والثقافى , فالشعور الغاضب بإنصراف أنثى عن القبيلة هو نتاج إدراك أن هناك خسارة قد تحققت نالت من القبيلة ليس من أجل تلوث بنت من قبيلتنا بحضن رجل غريب ولكن لأننا فقدنا بالفعل مصدر إنتاجى سينال من قدرتنا المستقبلية فى الإنتاج والقوة والعزوة .. فهذه المرأة التى كان من المفروض أن تكون وعاء إنتاجى يمد القبيلة بالنسل فى الحاضر والمستقبل قد تم فقدها وأصبحت رصيد إنتاجى لقبيلة أخرى توهبها النسل مما يزيد من قوتها وعزوتها مع خصم من رصيدنا بالضرورة .
هذه الرؤية النفعية الحيوية المؤسسة لبناء الجماعة البشرية جعلت الفعل المصاحب لخروج المرأة من نطاق القبيلة شئ مُستهجن ويستحق الغضب والثورة فهو بالفعل يتحرك داخل مصالح حيوية تضررت ... ومن هنا يتم تصدير مشاعر الحزن والغضب والثورة والإحساس بالخزى والإنكسار عند كل فعل مصاحب لخروج إمرأة من القبيلة أو إعتداء عليها أو إغتصابها لتتشرب الأجيال اللاحقة هذه المشاعر الغاضبة الثائرة من الأباء ليكتسب الإنسان هذه الرؤية والمعنى ويتعايش معها .
ليس بالضرورة أن يكون السبب الرئيسى للثورة على شرود الأنثى الذى جاء منه غضب الجد الأول وارد فى ذهنية الخلف فقد يتوارى بفعل الزمن ولكن يبقى كمعنى وسلوك ومفهوم إكتسب قيمته من مشاعر الأباء والجدود الغاضبة والمختزنة فى الذاكرة .. ليثور الإنسان عند كل أمر يتعلق برحم الأنثى ويظن البعض أن هذا المكان هو الشرف والعار معاً فعندما يخترقه قضيب من خارج جماعتنا فهو العار بعينه بينما توارت الرؤية النفعية للجد الأكبر عن المصالح المتضررة برحيل المرأة عن عيوننا.

بالطبع يمكن تفهم السبب وراء قهر المرأة فى المجتمعات القبلية فهى ممارسة عملية تحجيم وترويض للمرأة حتى لا تًقدم عن الخروج من القبيلة نحو قبيلة أخرى تعطى لها إنتاجها ويمكن ملاحظة أن السبب الرئيسى توارى عن الأحفاد ولكن بقى الشرف ثقافة تستمد حضورها من قوة التراث وبقاء العلاقات الإجتماعية والإنتاجية فى إطار مفهوم القبيلة حتى لو إرتدينا حلل أنيقة وقدنا سيارات فارهة .

* الإرتداد ومصالح الجماعة .
نحتفى بمن ينضم إلى ديننا ونهلل له وعندما يواجه بعض الصعوبات من أتباع دينه القديم نغضب ونثور ونندد ونعلن عن حق الإنسان فى الفكر والإعتقاد , ولكن عندما يخرج أحد من حظيرتنا نلعنه ونلقى بوثيقة حقوق الإنسان عند أقرب صندوق قمامة لنمارس إضطهادنا له ولا مانع أن نفصل رأسه اللعين عن جسده الذى إرتضى بعقيدة غير ديننا .
انزعاجنا بخروج أحد من ديننا هو شعور تم تصديره لنا بالوارثة والثقافة ولكن منشأه فكر قبلى يرى خروج فرد من الدين الذى هو وحدة القبيلة خيانة لها وإنتقاص من قواها الإنتاجية لينضم لمشروع قبيلة أخرى سيكون إضافة لها .

يمكن أن نتفهم من هنا لماذا جاء حد الردة فى اليهودية والإسلام فالدين هوية ومشروع سياسى إجتماعى فى الذهنية العبرانية والإسلامية قبل أن يكون فكرة إعتقادية , فوجود الفرد داخل الإطار والإنتماء الدينى هو تدعيم للجماعة البشرية أمام الكيانات الأخرى والإرتداد عن الدين لا ينظر له كحرية شخصية بل هو خروج من الجماعة للإنضمام لمشروع منافس .. هو بمثابة خصم من رصيد الجماعة وإضافة عنصر إنتاجى وقتالى لجماعة بشرية أخرى منافسة فى ذات الوقت , لذلك جاء تحريم الإرتداد وتجريمه ليصل لحد قتل المرتد والذى يعنى فى المقام الأول الترهيب والتخويف لكل من يفكر بالخروج من الجماعة علاوة على حرمان الجماعة الأخرى من إضافة رصيد لها .
تتبدد الرؤية النفعية للجد الأول من أذهان الأحفاد ويتبقى الشعور المصاحب بالإنزعاج من إرتداد فرد من جماعة المؤمنين مشكلاً ثقافة تجد حضورها لنتعصب ونثور من هذا الفعل بالرغم من زوال سببه الموضوعى فلم يعد الدين هوية إجتماعية ولا الخروج منه يشكل إنتقاص لوحدة الجماعة البشرية .

* الزنا والخطيئة .
الزنا هو الممارسات الجنسية الحرة خارج نطاق مؤسسة الزواج , ويتم رفض هذه العلاقة فى المجتمعات المحافظة مستمدة نبذها ونفورها منه بفعل هيمنة عادات وتقاليد وأعراف وموروث دينى يستنكره ويستقبحه , فبالفعل تنص كافة الأديان على إستقباح الممارسات الجنسية خارج مؤسسة الزواج فتحرمها وتنذر فاعليها بأن لهم عذاب من إله ينزعج من مثل هذه الممارسات لن يتوانى أن يذيقهم العذاب الأليم فى مملكته السمائية ولا تكتفى بعض الأديان بهذا بل تتوعد فاعليها بعقوبات أرضية تصل للموت رجماً أو الجلد على أقل تقدير .
ولكن لو تأملت مشهد الإله الغاضب من هذه الممارسات فلنا أن نسأل ما هو الفرق بين الممارسات الجنسية بين رجل أو إمرأة فى ظل مؤسسة الزواج أو خارجها فالشهوة والرغبة والفعل والأداء واحد فما الذى يزعج الإله ؟!.
الحقيقة أن الإنسان هو من رسم صورة الإله الغاضب المنزعج لتمرير رؤية ورغبة محددة يريدها ,فيرى أن الممارسات الحرة تُربك مصالحه وغاياته .الإنسان حرم وجرم الزنا قبل الأديان المتعارف عليها فهى ليست صاحبة هذا التوكيل فأصحابه هم المُلاك الأوائل عندما عرفت البشرية معنى الملكية والحيازة

عندما إنتقل الإنسان من مجتمعات المشاعية إلى مجتمع الملكية والحيازة أراد أن يحافظ ويصون ممتلكاته من العبث والتبديد .. أراد أن يحفظ ممتلكاته ويضمن أن من يرثها هم أبناءه من بعده , ومن هنا لابد من ضمان الإنتاج وذلك بإحتكار الأنثى كوعاء إنتاج لضمان أن يكون كل إنتاجها منه فتم تحريم أى علاقة جنسية خارجية ولتمد مظلتها لتشمل كل منظومة المجتمع لمنع الرجال الآخرين من الإقتراب لذا لزم أمرين أن يتم شراء المرأة التى سيتم إحتكارها بتقديم المهور والإبل والغنم لأهلها مع وجود تشريع قوى بمنع الإقتراب منها لا يكتفى بوجود عرف ولكن إمعانا فى التحصين يتم إستدعاء صورة الإله المُنتفض الغاضب من تلك الممارسات ووعيده بالعذاب فى عالمه السمائى ولا مانع أن يوصى ويؤكد سريان عقوبات الرجم والجلد فهى شريعته .

وحتى نؤكد أن الزنا هو تشريع الملاك ولا علاقة بإله مزعوم سخره الإنسان لتمرير رغباته نجد قصة السبى والإماء , فحسب المقدس فهى حلال ورخصة من الإله لممارسة إغتصاب نساء الآخر والتمتع بهن لنجد أنفسنا أمام إزدواجية زاعقة فلماذا الفعل الجنسى هنا حلال بالرغم أنه لا يختلف عن الزنا بل أكثر وطأة فهو يتم بالقهر والإغتصاب .. ولكننا يمكن بسهولة أن نتفهم هذه الإزدواجية فهى لا تتعاطى مع الفعل بل مع الغاية فنساء الأخر والإماء والجوارى لا يرثن , فلا يهم أن نغتصبهن ونمارس معهن حلالاً طيبا ً.
بالطبع أن نمارس سبى النساء وإغتصابهن فى عصرنا سنعتبره عملاً همجياً وسنجرمه وندينه فهل نقول أن الإنسان تجاوز شريعة إلهه وإستقبحها أم ان الظرف الموضوعى تجاوز هذا النهج القديم الذى تلحف بفكرة الإله لتمرير رغباته .

كذلك العلاقات الجنسية بين المحارم تجد إنزعاج فى الضمير الإنسانى الذى إستمد هذا النفور من تراث ثقافى طويل إستمده من منظومة مجتمع وثقافته التراثية ولكن هل هذا الإنزعاج هو إنزعاج إله يبغض مثل هذه العلاقات ويستقبحها وينذر فاعليها بعذاب أليم أم هى رغبة إنسان فى تجريم هذا الفعل .. فلو قلنا أن هذا الأمر مُستقبح ومُدان من الله فلهذا نحن نستقبحه فيكون هذا المفهوم خاطئ وهش , فحسب أسطورة الخلق فالله أباح العلاقات الجنسية بين الأخوات فى البدايات وباركها فإذا كان يستقبح هذا فبالحرى أن يخلق عدة نسخ من حواء وآدم فلن يكلفه الأمر سوى حفنة من الطين الإضافى فيحول بذلك دون هذه العلاقات .. ولكن الحقيقة أن البشرية فى مهدها لم تُحرم العلاقات الجنسية بين المحارم كونها فى دور التكوين والإنتشار والحاجة الملحة لأفراد جديدة وعندما توفرت للمجتمعات الإنسانية الزخم البشرى نظروا لزواج المحارم فوجدوا أنه لا ينتج أفراد على مستوى جسدى قوى فمن هنا منعوا هذا الأمر ونبذوه .

الإنسان عندما اراد أن يُحصن ويحفظ ممتلكاته حرم الزنا , وعندما أراد ان يعضد حضور الجماعة البشرية اباح العلاقات الجنسية بين المحارم , وعندما وجد تأثيرها السلبى منعها , وعندما أراد بحبوحة وحافز للمقاتلين منحهم نساء الآخر , فنحن أمام مصالح ورؤية نفعية شكلت ثقافتنا وضميرنا بأن العلاقات الجنسية بدون دفع المهور أمر مستقبح بالرغم ان الفعل والأداء الجنسى واحد .. لنجد أنفسنا فى النهاية أمام معنى وقيمة أخلاقية متفردة نست جذورها والظروف الموضوعية التى خلقتها .

* السرقة
من المفردات الأخلاقية والسلوكية إستقباح السرقة فهو عمل مُدان ليتشكل فى الضمير الإنسانى نفور وتأنيب من ممارسة فعل السرقة ولكن لماذا السرقة مستقبحة ومدانة .
أرى أن أول تشريع تعاطى معه الإنسان هو تجريم السرقة ونشأته جاء بعد تلاشى مجتمعات المشاعية وظهور مجتمع الملكية ليصبح هناك أملاك يُراد الحفاظ عليها وحمايتها من الطامعين والمتطلعين
لا يكون زجر وردع الطامعين السارقين بالعلاج الناجح فيلزم إستدعاء بوليس سمائى لإستكمال الردع والبطش فالإله يغضب من السارق ويوعده بعذاب هائل فى السماء جزاء جريمته البشعة بسرقة نعجة ولا مانع أن نمارس على هذا السارق أبشع أنواع العقاب الأرضى بقطع يده وننسب هذه الهمجية لفكرة إله هكذا شرعه لإنزعاجه من فعل هذا البائس ولن يعفيه أيضا ً من حفلة الإنتقام الرهيب فى جحيمه الأبدى .
تصدير إستقباح السرقة وتجريمها فى الضمير الإنسانى هى رغبة الملاك فى الحفاظ على أملاكهم ويكون إدعاء إنزعاج إله هو لتمثيل قوة ردع داخلية فقط يستثمره الملاك لتحصين ممتلكاتهم وإلا بماذا نفسر أن الإله الذى حرم سرقة نعجة سمح وحلل نهب الشعوب وإسترقاقها وإغتنام أملاكها حلالاً طيباً سوى أننا أمام رغبات نهب وسلب الآخر الخارج عن مجموعنا ولا معنى لتحريم السرقة فقد حللناها بعد أن ألبسناها المقدس .

يترسخ فى الضمير الإنسانى إستقباح السرقة من نفور الأباء والأجداد ولا يمنع أن يُروج مفهوم بأن السرقة عمل سينزع البركة ويحل بالخراب على فاعليه فالمال المسروق سينال منا ومن أولادنا الذى نطعمهم إياه بإنتقام إلهى سيأخذ من صحتهم وعمرهم ليتولد فى الضمير الإنسانى إستقباح ونفور وخوف لهذا الفعل , وننسى أن الجد الأول هو من إنزعج وخلق القصة ولكن يظل النفور حاضراً لبقاء أسس الملكية حاضرة .

* التكافل الإجتماعى والزكاة والعشور
لو نظرنا لقيمة نراها رائعة مثل الشفقة والتعاطف الإنسانى فبلاشك أنها معنى نبيل وراق وله الإستحسان والتقدير لمن يمارسه ولكن هل الإنسان يمارس هذا الشعور هكذا بوحى جميل من أعماقه وضميره أم هناك بيئة حاضنة غرست وأسست فى الإنسان قيمة التعاطف فتبناها لإستحسان المحيط بها عند ممارستة لها لتعتريه حالة وجدانية شعورية عند ممارسته للشفقة .
لا يوجد شعور او إحساس دون أن يبحث عن غايته حتى لو بدا نبيلا ً.. لذا علينا تتبع معنى التعاطف من البدايات الأولى وكيف تشكلت لدي الإنسان لتصبح قيمة يصدرها لنسله كمفردة معرفية وسلوكية .
مع ظهور مجتمع الملكية القائم على تحقيق الإستحواذ من جهد وعرق الآخرين ظهر التفاوت بين البشر لتتواجد حفنة من الأثرياء وجموع من الفقراء والبائسين , هذه الوضعية لم تزعج الأغنياء بل بالعكس هم أرادوا أمامهم قطيع من الفقراء والمحتاجين والمهمشين حتى يستمتعوا بحالة تمايزية أنانية قذرة , فما معنى أن يكون البشر سواسية بالنسبة لمن تسلل له الطمع والجشع والأنانية .. مامعنى وقيمة للذهب كمعدن نسعد به إذا كان فى حوذة كل البشر .!

هذه الرغبات لم تمنع الإغنياء أن يفكروا بذكاء لا يخلو من الخبث فهم يريدون أن يكون أغنياء متميزين كما يريدون الفقراء أمامهم لا يتغيرون ولا يتحررون من فقرهم غير مُفطنين أن ثرائهم جاء من فقرهم كنتيجة حتمية ولكن ما يعنيهم هو حالة تمايزية تجد متعتها فى ذلك كما أسلفت .
هناك إدراك واعى لدى الأثرياء بأن الإنسان عندما يفتقد أى إمكانية للحياة والإستمرار فسيثور ويتوحش وسيقلب الطاولة فقد أصبح ظهره للحائط ولا مفر له .. لذا لابد أن يستمر هؤلاء فى التنفس والحياة بأقل القليل لنحقق متعة التمايز ونأمن ثورتهم الهوجاء التى ستطيح بكل أخضر ويابس ومن هنا نشأت فكرة منح الفقراء والبائسين عطايا ومنح لكى يستمروا فى الحياة ويظلوا أمام عيوننا بلا أنياب نستمتع بوضعهم البائس ونزهو نحن بتميزنا وشبعنا .
الأديان قامت بتسويق نزعة الأثرياء بل هى جاءت خصيصا لتحصين ممتلكاتهم بتسويق أن رزق ونعمة الإله هكذا قسمها ورتبها وأرادها , ولتبالغ بعض الميثولوجيات لتصل بأن الإله جلس على عرشه وأمامه طاولة قام بتقسيم الأرزاق عليها قبل أن يخلق الحياة .!!
تنساق الأديان وراء رغبات الأغنياء ورؤيتهم أو قل أن هؤلاء الأثرياء سطروا وصدروا رؤيتهم من خلال الدين ..أو قل أن مبدع النص قرأ رؤية الأثرياء فحثت النصوص على التعاضد والتكافل لتسمح بالزكاة والعشور الذى يوجه منها جزء للفقراء لتتحول منح الأغنياء محددة فى إطار رؤيتهم الحفاظ على إستقرار المجتمع وبقاء الفقراء أحياء فلا تصبح المنح والعطايا ذات نزعة مزاجية يمارسها البعض ويغفل الأنانيون والأغبياء عنها .
تشريع المنح والعطايا من خلال الأديان وهبت هذا الفعل الروعة والنبل والجمال لأنه خرج من نص مقدس هكذا يريده الإله لينال الإستحسان كمعنى وقيمة فى عيون الأتباع ويصبح مفردة سلوكية مصحوبة بالإستحسان والإشادة لفاعلها فهو ينفذ رؤية الإله مما صاحبها تقدير مجتمعى لنرى الرضا والسعادة فى عيون الممارسين لفعل التعاطف والتكافل ويصبح معنى يتم منحه هالات ويبتعد عن ذهنية الإنسان فكرة أن المنح والعطايا لم تمنح إلا لبقاء الفقراء أحياء خوفا من ثورتهم وجنونهم عندما يجدوا أنفسهم فى المحك الأخير مع الحياة .. كما يتم نسيان المتعة الكامنة للأغنياء أن يبقى الفقراء فقراء .

الأديان حذرت ونهت عن الحسد والحقد الموجه للأثرياء والموفورين وأصحاب الحظوة .. ولو توقفت قليلاً لتتأمل سر تحريم مشاعر بائسة خجولة لن تقدم ولن تؤخر بل لن تنال من أصحاب الحظوة والوفرة فى شئ فهى لا تنتقص مما فى حوذتهم من أملاك ونعم فهى لا تعدو ان تكون مشاعر خجولة بائسة يائسة فقط .
فعل التمنى ما للأخرين ونهر هذا الإحساس هو تحصين الأثرياء من الفقراء ليس لأن نظرات هؤلاء البائسين ستنال منهم وإن إعتقد البعض بهذا الوهم وتم إعلانه فى ميثولجيات بائسة بان العين الحاسدة تنال من الخيرات ولكن يأتى النهى عن الحسد لدرء وتجنب ما هو قادم فيجب زجر البدايات المتمثل فى مشاعر حتى لا تتطور الأمور وتصل إلى الرغبة فى التحرك لنيل ما لديهم .
مازالت الدول الكبرى الغنية تمارس نفس رؤية الأثرياء القدامى وإن أضافت لها بعض المصالح المادية الأخرى .. فليس من مصلحة الدول الغنية أن يسقط الجميع فى بئر الديون والحاجة والعوز بلا مخرج فهنا سيصبحوا قنابل بشرية وهو ما يوصف بالتوازن كما ستفقد أسواق بالضرورة لذا فلنساعد هؤلاء الشعوب البائسة أن يتنفسوا ويستمروا فمن الحماقة نزع انبوب الأكسجين الواهب للحياة منهم .

نخلص من هذا ان الأخلاق والسلوك منتج بشرى دماً ولحماً , لا تكون مفرداته قيم مثالية ذات معنى مجرد ومنفصل عن الغاية والحاجة والمنفعة .. وإنما هى رؤية إنسان يبحث عن حماية مصالحه وتكريسها ... فنحن نمتثل لموروثنا الثقافى والأخلاقى والسلوكى كمفردات ورثناها عن الأجداد و يكتمل حضورها وتأصيلها فى الضمير الإنسانى فلا تقف عند حيز أنها مفردات مدونة فى الموروث أو الكتب الصفراء بل تكون مصحوبة دوماً بمناخ عاطفى وحزمة من المشاعر يصدرها لنا الآباء عند تلقيننا إياها ما بين الغضب والثورة من المحظورات والرضى والحبور من الطيبات وليضيع من ذهننا تماما لماذا غضب ورضى الجد الأول فقد نسيناه وإستحضرنا فكرة إله فى السماء كفكرة بديلة يعبث فى لحيته يرصد ويراقب ويغضب ويرضى .

الأخلاق والسلوك الإنسانى الحالى هو إنتاج مجتمع الملكية الذى طوع الأديان والمعتقدات لتسويق مصالحه وحماية ممتلكاته ولتتفاوت الأمور حسب قدرة الملكية على المناورة والتطور لتخرج من الفجاجة فى تحقيق مصالحها إلى مرونة تراعى التوازن وترفع غطاء القدر قليلا وهو ما يسمونه بالحريات والديمقراطية .

لا يقف تأثير الظرف الموضوعى عند حيز تشكيل السلوك والضمير بل يمتد تأثير الوجود المادى ليشكل ذوقنا وإحساسنا ورؤيتنا الجمالية للأشياء فنحن نمنح الأشياء جمالها وقبحها من خلال ما تجلبه علينا من إشباع وحاجات ورغبات فكما تناولت فى مقال سابق " وهم الجمال " بأن الجمال هو إستحسان نمنحه للأشياء كونها تحقق لنا غايات وإشباع حاجات حيوية فلا يكون الجمال كينونة ذاتية فى الأشياء بل صفة نمنحها للمادة وفقا ما تهبنا من راحة وحاجة , فنهد المرأة اليانعة نراه رائعا ً ونفس هذا النهد نستقبحه فى المرأة العجوز كونه فقد قدرته على العطاء فمع النهد القادر على المنح والإرضاع إستحسنا فعله وحيويته فوهبناه صفة الجمال وعندما جف عطاءه إستقبحناه ... ويمكن القياس على أى مفردة نراها جميلة لنجد أنها تحقق غايات وإشباع لحاجات معينة ولكننا ننسى دائما السبب الذى يجعلنا نُجمل ونُقبح الأشياء بعد أن تسللت فى ذهننا كمفردة ثقافية صدرها لنا الجد الأول فى معلومة ونسينا لماذا هو أشاد بجمالها .

نحن نتصرف وفق ثقافة تم شحنها فى أعماقنا فأخذنا العنوان ونسينا المضمون .. تعاملنا مع اليافطة بل عبدنا حروفها ونسينا غاية صاحبها .. نخلص من هذا أن الإيمان والأخلاق والسلوك وحتى المزاج والذوق هو نتاج ظرف موضوعى شكلته عوامل مادية جاءت باحثة عن حاجة وغاية تريد أن تتحقق.. مواقف إكتسبناها من رغبات الأجداد تغلفت وهى فى الطريق بمشاعر وأحاسيس تم تصديرها لنا لنصل بإعتبارها قيمة فى حد ذاتها بينما هى مصالح ورؤى ومزاج النخبة القديمة .

بالطبع هى ليست دعوة لكسر حواجز المجتمع العتيقة من إيمان مهترئ وسلوك وأخلاق حتى لا يظن الأغبياء أننا ندعو للسرقة والممارسات الجنسية الحرة لأن تغيير الأخلاق والسلوك لن يتم ببحث أومقال ولكن بإدراك الظرف الموضوعى وتأثيره والتعاطى معه وفق الغايات الجديدة .. ولكن تكون غايتنا أن ندرك ونعى بأن الأخلاق والإيمان والسلوك هو نتاج غايات ورؤى ذات مصالح وليست رؤى وقيم سقطت من السماء ,فالسماء لا تسقط إلا الأمطار .. لذا على من يريد التغيير فعليه إدراك المصالح الفاعلة وتبيان هشاشة المصالح القديمة وبؤسها .. وعلى المتعنتين أن يستيقظوا من إيمانهم وأوهامهم فتراثهم هو رؤى وفكر ومصالح وخيال الأجداد .

دمتم بخير .
- "من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن نخلق آلهتنا ونمنحها صفاتنا -خربشة عقل على جدران الخرافة ...
- الحجاب بين الوهم والزيف والخداع والقهر - الدين عندما ينتهك إ ...
- هل هو شعب باع ثورته ويبحث عن جلاديه أم هو اليُتم السياسى .. ...
- مراجعة لدور اليسار فى الثورات العربية ونظرة إستشرافية مأمولة
- مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهير ...
- فى داخل كل منا ملحد !..إنه الشك يا حبيبى - لماذا يؤمنون وكيف ...
- الثورة الناعمة عرفت طريقها .. شعب سيصنع ثورته من مخاض الألم
- تثبيت المشاهد والمواقف - الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (32)
- تحريف الكتب ما بين رغبة السياسى والإخفاق الإلهى - تديين السي ...
- المؤلفة قلوبهم بين الفعل السياسى والأداء الإلهى - تديين السي ...
- العمالة الغبية والثقافة الداعية للتقسيم فى مشروع الشرق الأوس ...
- إبحث عن القضيب !! - لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون (15)
- هل التراث والنص بشع أم نحن من نمتلك البشاعة - الدين عندما ين ...
- مشهد ماسبيرو يزيح الأقنعة والأوهام ويكشف الرؤوس المدفونة فى ...
- إشكاليات منطقية حول الإيمان والإله - خربشة عقل على جدران الخ ...
- التتار الجدد قادمون - الدين عندما يمنتهك إنسايتنا ( 30 )
- العلبة دي فيها فيل - خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 9 ...
- فلسطين ذبيحة على مذبح يهوه والمسيح والله الإسلامى - تديين ال ...
- الإسلام وحقوق الإنسان بين الوهم والإدعاء والعداء .
- التاريخ عندما يُكتب ويُدون لحفنة لصوص - تديين السياسة أم تسي ...


المزيد.....




- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- أول رد من سيف الإسلام القذافي على بيان الزنتان حول ترشحه لرئ ...
- قوى عسكرية وأمنية واجتماعية بمدينة الزنتان تدعم ترشح سيف الإ ...
- صالة رياضية -وفق الشريعة- في بريطانيا.. القصة الحقيقية
- تمهيدا لبناء الهيكل المزعوم.. خطة إسرائيلية لتغيير الواقع با ...
- السلطات الفرنسية تتعهد بالتصدي للحروب الدينية في المدارس
- -الإسلام انتشر في روسيا بجهود الصحابة-.. معرض روسي مصري في د ...
- منظمة يهودية تستخدم تصنيف -معاداة السامية- للضغط على الجامعا ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - الأخلاق والسلوك ما بين الغاية ووهم المقدس - لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون ( 17 )