جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 3580 - 2011 / 12 / 18 - 15:02
المحور:
كتابات ساخرة
كلما ازداد وعيي كلما ازداد ألمي,وكلما اكتشفت حقيقة الناس الذين يعيشون من حولي كلما ازددتُ خوفا منهم ومن الزمن ومن الأيام اللي جايه,آه كم هي حياتنا مرعبة جداوآهٍ كم هو مؤلم أن تشعر بأنك وحيدٌ..وتعلمت اليوم من الوحدة درسا مثيرا عن معنى أن تعيش لوحدك وما معنى أن تكون في هذا العالم وحيدا,ولأول مرة أعرف بأنني في هذا العالم وحيد ليس لي صديق أو صديقة تؤنسُ لي وحدتي تفهمُ عليّ وأفهم عليها,تنسجم معي وأنسجمُ معها, وأن تعيش في البيت لوحدك فهذا معناه أنك في جزيرة مقطوعة وبعيدة وخالية من السكان ومرعبة جدا,وفجأة تكتشف أن الجزيرة عليها قراصنة سفاكون للدماء أو تبقى هاربا وأنت تتخيل القراصنة تخيلا وليس حقيقة,أو أنكَ في مغارة أشباح كبيرة جدا فيها ممرات ضيقة ودهاليز,والصمت كان سيد الموقف أو كان البطل الأول في القصة وأنا البطل الثاني وأي صوت أسمعه يتسبب لي بالأذى وبالهوس الجنوني فلا أكاد أسمع صوت الرياح وهي تحرك بالأشجار إلا وأعتقد بأن هذا هو الصمت الذي يسبق العاصفة فـحبستُ أنفاسي قليلا منتظرا أن يحدث أمرا جللاً أو شيئا غريباً كما يحدث في أفلام الأكشن,ولا أكاد أسمع صوت أقدام الناس إلا ويتبادر إلى ذهني أن هذه الأصوات تتبعني وما هي إلا أصوات رجال العصابة الذين يبحثون عني في شتى أرجاء المدينة والقرية,ولا أكاد أن أسمع صوت محرك سيارة في الخارج إلا وتتبادر إلى ذهني عصابة ومخدرات وملاحقات في الشوارع , وأيضا اكتشفت بأن جاري الطيب القلب الذي يكره حتى رائحة التدخين هو رئيس العصابة المختصة بالقتل وبالإجرام وبتهريب المخدرات,لقد حصل معي كما يحصل في كل الأفلام وفي كل المسلسلات وأيضا خلت سفاح نيويورك وسفاح انكلترا ورأيت أمامي كل ضحاياهم وأشلائهم ممددة أمامي على السرير ومرة في (باينو الاستحمام) في داخل الحمّامْ ,ومرة أمامي في المطبخ على مائدة الطعام,وعشت أجواء من الرعب مع بعض المشاهد المثيرة من مسلسل ريا وسكينه ,وعشتُ مع سفاح آخر مش عارف شو اسمه,المهم والأهم أن تعيش لوحدك في المنزل معناه أنك في قبر حجمه عشرة أمثال حجمك,أو كأنك في جزيرة مرعبة خالية من السكان فيها أشباح وأرواح شريرة تريد أن تأخذ منك روحك,و مفترسات كبيرة وأفاعي عاصرة.
ومنذ يومٍ كاملٍ وأنا في المنزل أعيش بمفردي ولو أردت أن أكتب عن كل ما جرى معي في ذلك اليوم لكتبتُ رواية كاملة من جزأين أو من أربعة أجزاء...ولم أكن أعلم بأن الوحدة مخيفة إلى هذا الحد وكدت أن أتصل بأمي وأعاتبها لأقول لها :كيف تركتني في البيت لوحدي مع الأشباح والأرواح الشريرة!!؟,وخفت من الفضيحة حين تقول لي أمي(عمرك أربعين سنه وخايف تقعد بالدار لحالك؟) وخشيت أن يعرف أولادي بأنني جبان أو مريض فأنا دائما ما أظهرُ أمامهم بمظهر آخر وهو أني دائما ما أطمئن (لميس) من أنه لا يوجد لا أشباح ولا شياطين حين تطلب مني أن أقف لها على الباب ريثما تتوارى عنه في العتمة المؤدية إلى السوبر ماركت أو بيوت الجيران ...إنني على الأقل أريد أن أظهر أمام الأولاد بمظهر الأب القوي الذي لا يخشى العتمة وبقاتل الأشرار في وسط الظلام الدامس وينجد أولاده من الأشرار ومن رجال العصابات كما يحدث في الأفلام والمسلسلات,وخلت أحد السفاحين قد دخل المنزل و قص لي لساني الطويل وأوصالي, قطعة قطعة, وهو يضحك بالصوت العالي, وخلت نفسي مراقبا من قِبل عصابة تهريب مخدرات وحشيشة وخلتهم دخلوا الشقة وقد قلبوها رأسا على عقب كما يحدث في الأفلام والمسلسلات بحثا عن البضاعة التي أحضرتها معي من أفغانستان,وقلت وقتها كما تقول الأفلام المصرية(آه يا وحوش) ,وخلتُ نفسي بطلا بيده مفاتيح الخزينة التي خبأها عندي رئيس عصابة آخر,وقد دخل عليّ جماعة كلهم ملثمون ويريدون مني الرمز السري,وخلت نفسي فعلا بيده الخريطة التي تدل على مكان البضاعة,وخلت العصابة وقد وضعوا السكين على رقبتي وهددوني بين تسليمهم البضاعة أو قطع عنقي,وفي الزاوية الأخرى أولادي مكبلون بالسلاسل كرهائن محتجزون حتى أحضر لهم البضاعة وزوجتي أيضا مكبلة معهم وهم يقولون لي(سنطلق النار على زوجتك) عندها ذهبت عني كل المخاوف وفرحت جدا وقلت لهم :اقتلوها خلصوني منها, فضحك رئيس العصابة وقال: في المرة القادمة سنقتل حبيبتك,فقلت:لالالالالالا....لا وألف لا,خذوا الرمز السري ولا تأخذوا لي حبيبتي...وفي النهاية أضحي أنا بكل شيء مقابل سلامة الأولاد وسلامة حبيبتي.
حقاً أنا إنسان رائع جدا...آه كم تفكيري أصبح مريضا في يوم واحد من الوحدة,وجنونيا فعلا وأنا أستغرب كيف ببعض الناس يعيشون لوحدهم عشرات السنين أفلا تجننهم الوحدة؟أفلا تتسبب لهم بمرض نفسي؟أنا خلال يوم واحد من الوحدة شعرت بالخوف وشعرت بالألم ورأسي أخذني بعيدا جدا في مخيلتي فمن أين جئتُ بالعصابة؟ومن أين جئت بالمخدرات, وضربت على رأسي بيدي وأنا أقول:اصحا يا ولد, وبعد أقل من ساعة طرق الباب طارق وبما أنني لوحدي أفكاري تأخذني وتذهبُ بي بعيدا فقد خلت أن الطارق وحشاً يتربص بي أو عصابة تريد أن تستحوذ على كل كنوزي الثمينة من الكتب ومن المطبوعات, ومن ثم خلت أن الطارق مخلوقا غريبا حطت به مركبة فضائية تشبه الصحن الطائر وتظاهرت بأنني لم أسمع صوت الطارق ولكنه عاد مرة أخرى وطرق الباب ولكن الخوف جعلني أبقى بعيدا عن الباب ومن ثم ذهبتُ إلى الغرفة المجاورة وأجريت اتصالا مع أحد الأصحاب أو المعارف لكي يأت ويسليني على الأقل لأن الوحدة تكاد أن تقتلني,فقال لي:أنا على باب دارك أدق الباب...مش سامع صوته؟
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟