أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد بودواهي - الفلسفة في يومها العالمي















المزيد.....

الفلسفة في يومها العالمي


محمد بودواهي

الحوار المتمدن-العدد: 3579 - 2011 / 12 / 17 - 16:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تحتفل دول العالم باليوم العالمي للفلسفة في ثالث يوم خميس من شهر نوفمبر كل عام، وذلك منذ عام 2002 ، وتهدف اليونسكو من وراء هذه الخطوة إلى دعم الفلسفة، وترسيخ مكانتها التقليدية، كي تتابع رسالتها العالمية في خدمة التنوع الثقافي، والسلام العالمي، وتعزيز التعاون الدولي بشأن المسائل المتصلة بتعليم الفلسفة، وكذلك بين الأوساط العلمية،

وقد اقرت اليونسكو اليوم العالمي للفلسفة لتكريم الفكر الفلسفي في أنحاء العالم عن طريق فتح مساحات فكرية حرة، والهدف من هذا هو تشجيع الناس في جميع أنحاء العالم على تبادل التراث الفلسفي مع بعضهم البعض وإنارة عقولهم لأفكار جديدة وتشجيع التحليلات والبحوث والدراسات الفلسفية للقضايا المعاصرة المهمة من أجل الاستجابة على خير وجه للتحديات المطروحة امام البشرية.

ومن أهداف تخصيص اليونسكو يوما للاحتفاء بالفلسفة أيضا دعم وترسيخ مكانتها في الثقافة الإنسانية و داخل المنظومة التربوية والتعليمية , وإثارة النقاش حول القضايا الكبرى التي تواجه الإنسانية في عصرنا . ولاشك في أن هذه المناسبة تشكل لحظة رفيعة للتفكير والتساؤل حول مدى تشبعنا وتمثلنا ,كمجتمعات, لقيم الفلسفة : من تسامح واحترام للآخر, وتدبير عقلاني للاختلاف بعقل منفتح ومتحرر من اليقينيات المدمرة والدوغمائيات التي تشل أية إمكانية للعيش وفق العقل وفي إطار الحرية... كما أنها تسعى إلى توعية الشباب إزاء هذا الفرع المعرفي المهم الذي يتجاوز إطار المادة المدرسية، والذي سيساعدهم على التفكير في المشاكل المعاصرة والإحاطة بها بشكل أفضل. وقد اعتمدت بلدان كأستراليا وبلجيكا والبرازيل والنرويج وتركيا قرارات للتعريف بالفلسفة منذ مرحلة التعليم الابتدائي ، كما أن تطويروتعليم "الفكر النقدي" والأخلاقيات في العديد من البلدان يقوم أيضاً على الوعي بالتحديات المتصلة بالفلسفة، وأهمها تكريس التسامح ونبذ العنف والتعصب بمختلف أشكاله . وبالنسبة لليونسكو، فأن الفلسفة توفر الأسس المفاهيمية للمبادئ والقيم التي يقوم عليها سلام العالم : الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة والمساواة .

إن مناسبة اليوم العالمي للفلسفة أحالت ذهني إلى التطورات الكبرى التي شهدتها العصور المتوالية للإنسان، والتي لعب فيها الفلاسفة دورا بطوليا، من خلال قراءة متأنية للوضع، وتأمل عميق للنظام السياسي والاجتماعي والاقتصادي السائد، بالتالي بناء نظرة استشرافية، وصياغة حلول ناجعة للأزمات التي ما فتئ الوجود الإنساني يعاني منها.

وحين نستحضر في هذا اليوم حياة وموت سقراط، نقف عند حقيقة أن المواطنة هي من أعرق القضايا ا لفلسفية المرتبطة بالإنسان , فهذا الرجل الحكيم، الذي لم يؤسس نسقا ، ولا خلف مؤلفا ، كان يؤمن بأن الفلسفة ليست شيئا آخر غير هدم اليقينيات التي تكبل فكر الإنسان ، ومواجهة الطغاة ورفض الاستعباد ، وقد مارس سقراط هذه القناعة عندما حث الشباب على المشاركة والانخراط في الجدال حول شؤون المدينة ، وتحويل (الأكورا) إلى فضاء للنقد الجذري المخلخل للمألوف من المفاهيم والمعاني و والمعتقدات . إن إيقاظ سقراط للروح النقدية والتساؤلية , وحثه على التفكير المستقل,والمشاركة في النقاش العام حول شؤون ومصير المدينة ، ثم موته التراجيدي , إن ذلك هو ما جعل منه " فيلسوف المواطنة "بامتياز في تاريخ الفلسفة

ورأى أحد المثقفين " أن الفلسفة في الغرب أنتجت مفهوم الشعب مصدرا لسيادة الأمة ، ومفهوم الحاكم المستمد قراره من سيادة الشعب وإرادته الحرة ، ومفهوم المواطن طرفا في العقد المرجعي للمجتمع والدولة ، ومفهوم الدولة العادلة في مساواة الناس بمعزل عن جميع اختلافاتهم الطبيعية والثقافية ، بما فيها الدين والجنس ، ومفهوم الحق للانسان بحرية المعتقد والتفكير والرأي والتعبير. أنتجت هذه الفلسفة دولا ننظر الى الانسان في داخلها بشوق ، وطموح ، ومرتجى . غير ان النقص الفادح في تاريخ تلك الفلسفة، هو غيابها المفجع عن الاهتمام بمفهوم العقد بين المجتمعات وأصوله العقلية. فنتج من ذلك، في الممارسة ، منظومة دولية تحكمها شريعة الغاب من جديد، ولكن بوسائل أخرى أكثر عتوا. وها نحن اليوم في معترك نظام عالمي جديد ، الحق المطلق فيه للأقوى : القوى العظمى حرة بحرية مطلقة ، والدول الصغرى حرة بحرية مطلقة . ولكن المطلق يفترس من لا يستطيع الافتراس -.

تحققت مطالب مفكري وفلاسفة عصر النهضة إزاء العلاقة بالطبيعة، كما تجسدت ثقتهم بقدرة العقل البشري على إحكام قبضته عليها، من خلال الثورات العلمية والاقتصادية والسياسية المتوالية مما ولد لدى الإنسان اعتزازا كبيرا بما قدمه ، وثقة كبيرة بقدرته على ردع الحواجز التي تكبح استعلاءه

ويدلنا تاريخ الفلسفة على أن التسامح كان دائماً مقوماً أساسياً من مقومات التفلسف ، بقدر ما كانت الفلسفة هى أهم مقومات التسامح ، فاعتماد الشك فى التفكير الفلسفى والأخذ بمبدأ نسبية الحقيقة والاعتراف بالاختلاف وبمشروعية الخلاف هو التسامح بعينه.
وتاريخ الفلسفة أيضا ، وفي جزء كبير منه ، هوتاريخ الحوار بينها وبين الأديان ، حوار مع المسيحية في الغرب ، وحوار مع الإسلام في المجتمعات الإسلامية ، ولم يخل هذا الحوار من مشاهد محنة الفلسفة والفلاسفة ، واستهدافها بمطلقات الدين ، ولا يتسع المجال هنا لسرد هذه المشاهد ، من محاكم التفتيش في أوروبا القروسطية ، إلى محنة المتكلمين والفلاسفة في الدولة العربية الإسلامية منذ ما قبل الدولة الأموية إلى حكام اليوم من ألقذافي وأمثاله ، حيث طغاة عصرنا الراهن وأصولييه مازالوا يعتقدون بأن الفلسفة تضر بالملة والدين !

ونظرا لضرورة حضور الفكر الفلسفي بشخصياته وتاريخه وقضاياه ضمن التكوين العام رصد خبراء منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة الأهمية التربوية الخاصة للدرس الفلسفي من حيث إنه يساهم في تكوين فكر منفتح على التيارات المختلفة وعلى ثقافات العالم المتباينة ، وحيث إن هذا الدرس يعلم المتلقي نسبية الأحكام ومعنى الحرية ، فإنه من الملائم في كل مجتمع يسعى إلى تربية أجياله على حرية الفكر من درس فلسفي يرشد إلى طريق تلك الحرية. وقد كان أغلب الفلاسفة مدرسين للفلسفة وتاريخها وانبثق تفكيرهم من داخل ذلك التدريس ، ونقلوا إلى المتلقين ثورة عن الفكر الفلسفي المتحرر من كل المسبقات . ذلك أن الدرس الفلسفي الذي يقدم للمتعلمين أفكار الفلاسفة المختلفة والمنتمية إلى حضارات وعصور متباينة يقود المتلقي نحو الابتعاد عن الحقيقة الواحدة المطلقة ، ويعلمه كيف يعطي داخل فكره الواحد فرصة لآراء مختلفة صادرة عن ذوات متعددة تنتمي إلى آفاق فكرية مختلفة ، كما تنتمي إلى عصور وحضارات متباينة . تساعد الفلسفة عبر تدريسها على النظر إلى المشكلات المطروحة على الإنسان في مستواها الكوني والنظر تبعا لذلك في الآراء المختلفة ، بل والمتعارضة أحيانا حول نفس المشكل .

ولقد أشار د. هشام غصيب في ندوة سابقة إلى أن التعليم الفلسفي ينطوي على الفرق بين تحويل الكتلة التاريخية إلى قطيع يؤمر ويوجه من خارجه وبين تحويلها إلى عامل ثوري للتغيير. فالتعليم الدغمائي يولد القطيع ، فيما يولد التعليم الفلسفي كتلة من الذوات المفكرة الحرة ، أي كتلة تاريخية ثورية.
إن الفعل الفلسفي فعل راق ، ويحتاج إلى ازدهار حضاري ، فكلما ارتقى المجتمع على المستوى الحضاري ارتقت الفلسفة وتحولت لتكون في الموضع الأهم في حلقات الإنتاج المعرفية .

إن ما يريده الفلاسفة الآن هو إعادة صياغة السؤال الراهن انطلاقا من أدوات عقلانية بعدما تحطمت تلك الأدوات الخرافية والميكانيكية ولن يكون هذا السؤال سوى : أيُّ مستقبل ينتظر الانسانية في غياب الفكر الفلسفي والروح العلمية ؟ وهل ستظل الأمور تكرر نفسها مع هذه الأجساد التي تحركها اللذة البهائمية مما يحرمها من النور الإلهي ، أي من نور العقل الفعال ؟ ومتى سيأتي ذلك اليوم الذي سنستيقظ فيه على أشعة شروق شمس الحرية والفكر؟
إن حراس الليل أعداء النورفي كل بلدان العالم ... ليس بإمكانهم أن يحرمونا من رائحة خبز الفجر، ولا متعة ساعة ضياء الشمس في سجونهم.. نحن عشاق الحرية ، ثوار الأمل ، هدام العدمية .



#محمد_بودواهي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيوعية والنزعة الإنسانية العالية
- رسالة إلى السيد عفيف الأخضر ردا على رسالته لأردوغان
- آلية التبعية ... والاستعمار الدكي ... وضرورة الخلاص ....
- الفساد مصدره وعلاجه : الدولة
- هواجس الشعوب من حطف ثوراتها
- الإمبريالية الأمريكية بين خطابها الحقوقي الكادب وجرائمها الح ...
- بلاغ لجنة المتابعة للمجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير
- الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واستمرار الانتهاكات على المسنو ...
- المنهج الماركسي والآفاق المفتوحة
- المخزن المغربي والرأسمالية الطفيلية وصيرورة التأسيس والتطور
- المشروع السياسي الدي قد تتجاوزه الظروف في حال ممانعة المخزن
- شعوبنا والحاجة لعزة النفس
- طوفان نوح والتفسير العلمي
- معيرة الطبقات الاجتماعية
- الانتخابات التشريعية وسياسة طحن الهواء
- ما بعد = الربيع العربي - هل هو مشروع سياسي أسوأ ؟
- الماركسية والشيوعية بين الحق والباطل
- العلمانية والحداثة
- الانتخابات البرلمانية الفاسدة ومشروع حكومة أفسد
- العلمانية الحقة ليس كما يشوش عليها مفكرو الظلام


المزيد.....




- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- بسبب التحيز لإسرائيل.. محرر يهودي يستقيل من عمله في الإذاعة ...
- لوموند: المسلمون الفرنسيون وإكراهات الرحيل عن الوطن
- تُلّقب بـ-السلالم إلى الجنة-.. إزالة معلم جذب شهير في هاواي ...
- المقاومة الإسلامية تستهدف تحركات الاحتلال في موقعي المالكية ...
- مكتب التحقيقات الفيدرالي: جرائم الكراهية ضد اليهود تضاعفت ثل ...
- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد بودواهي - الفلسفة في يومها العالمي