أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - وليد مهدي - بابل و واشنطن و حربٌ على ضفة التاريخ















المزيد.....

بابل و واشنطن و حربٌ على ضفة التاريخ


وليد مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 3579 - 2011 / 12 / 17 - 14:54
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


(1)


يقول عالم الكونيات الاميركي اللامع " ألان لايتمان " :

(( إن قصة الخليقة البابلية القديمة " حينوما عليش " تحكي لنا ان العالم بدأ على هيئة خليط من السائل المائي العكر بالطين ..

وبمرور الوقت ، خلق النز الغريني البطئ للطين الإلهين " لهمو " و " لاهامو " ، الإلهين الذين امتطا في حلقةٍ ضخمةٍ ليكونا الافق ، فتكونت السماوات من جانب الحلقة العلوي ، والارض من جانبها السفلي ..

إن ارض ما بين النهرين ( ميزوبوتيميا ) منطقة كونها الغرين بسبب ما يراكمه نهري دجلة والفرات ، هذين النهرين والعالم المائي الذي كوناه هما من امدا " حينوما عليش " بالصور الاولى عن اول نظرية كوزمولوجية ( كونية ) في التاريخ ..

صورة الكون حسب الدوي العظيم ( الفرقعة العظمى ) ما هي إلا نسختنا الحديثة عن " الحينوما عليش " ، كما دجلة والفرات ، امدت النظريتين النسبية العامة ونظرية الكم هذا التصور في ثقافتنا العلمية والتي قد تبقى لالف سنة اخرى .. ))


(2)


باعتقادي ، قد تكون مجرد امنية للعالم لايتمان بان تبقى مثل هذه التصورات العلمية في صدارة التاريخ الف سنة كما كانت في بابل القديمة ، فقد لا تجد لها موطئاً في واقع ما سوف يجري خلال السنوات القادمة ، قد تنهار هيمنة الحضارة الغربية قبل 2020 اذا استمرت ازماتها الكثيرة الخانقة , وقد تتغير القيم الحضارية وحتى التصورات المعرفية عن الكون :

هي الاخرى قد تتغير كثيراً بتطور حقول المعرفة المتسارع جداً قبل حلول القرن الثاني والعشرين ..

وباعتقادي ايضاً ، عمر الهيمنة الانجلوسكسونية محكوم بقوانين التحدي والاستجابة التي طرحها فيلسوف التاريخ ارنولد توينبي من ان الحضارات تواجهها تحديات ، وبقاء الحضارات وتوسعها وتطورها مرهون بواقعية الاستجابة لهذه التحديات ..

فالحضارة السومرية - البابلية التي صنعت الوعي الثقافي القديم لما يقارب الاربعة الآف عام في عموم الشرق القديم ، ربما فشلت في آخر التحديات التاريخية التي عصفت بها وانتهت بها إلى السقوط عام 539 قبل الميلاد ..

هذا السقوط الذي لا يزال كحرقة في ضمير كل عراقيٍ يعتز بعراقيته حتى لو كان ماركسياً اممياً مثلي ..

فهي بالنسبة لي ، حرقةٌ تحيل وجداني إلى صهير يغلي ، لا تطفئه إلا مقلتيّ حين تهمران دمعي كلما تذكرت تاريخ 13 تشرين الثاني 539 قبل الميلاد ، يوم سقطت بابل ..

بابلُ التي بكى على حريقها دجلةَ والفرات ..

ورقصت فرحاً فوق جثتها التوراة بمقولتها التاريخية الراسخة في صميم الوعي الثقافي الغربي :

سقطت سقطت بابل ..!

بالصدفة , وعلى نحو غريب ، يصادف الثالث عشر من تشرين الثاني من العام 1975 زواج والديّ ، في حدث اسهم في ان اكون في هذه الحياة ..

ربما ولعي بــ " بابل " وشغفي في احيائها من جدث كل هذا الحزن والألم المتجسد في حزن اهل العراق عابرٌ لذاتي وحدود طموحي الشخصي وعقلي المعرفي ..

ربما بكاء الشيعة الأزلي الممتد على طول الزمان ، من بابل إلى كربلاء ، إنما تناغم مع صميم وجداني عبر هذه " المصادفة " والتي اعتبرها كونية اوحى إلي بها التأريخُ ما اوحى ..

اما اليوم ، من وجع كربلاء ، ومن رحم ماساتها ودموعها ..

من ينابيع الدم الحمراء على ارض دجلة والفرات ، ها هي " واشنطن " تعلن انسحابها من ارض العراق ..


(3)


إنسحابٌ لا يزال يلفه الغموض بين من يراه هزيمة ساحقة للعسكرية الاميركية و بداية الفشل الغربي الذريع في مواجهة التحدي الإسلامي الوطني في الشرق الاوسط ..

و بين من يراه سلوكاً عسكرياً طبيعياً بعد تسعة سنوات من الاحتلال والتدمير الممنهج للبنية الطبيعية والسياسية والتاريخية والاجتماعية لهذا البلد ..

في كل الاحوال ، واشنطن قدمت ما تبقى من " بابل " ممثلة بشعب العراق قرباناً لعصر مجدها الذهبي في القرن الحادي والعشرين ..

المراقب المحايد لمجريات الاوضاع يدرك تماماً أن " واشنطن " ، ربان سفينة الحضارة الغربية ، امام تحدٍ تاريخي كبير كتلك التحديات التي تواجهها الحضارات وشخصت من قبل المؤرخ توينبي ..

فإما ان تستجيب واشنطن لهذا التحدي بقوة ، بان تسلك ما يمكنها من الصمود والبقاء والاستمرار والتطور كإنها في ولادة وتحولٍ جديد ، كما حدث مع الدولة الاسلامية الاموية وتحولها إلى امبراطورية عالمية كبرى ايام العباسيين ، قد يصبح المثل مع واشنطن فتتحول إلى بناء نظام عالمي احادي القطب .. يلف الكرة الارضية باسرها ..

أو تنهار مثل بابل ، مؤذنة بصدعٍ تاريخي بارز يبقى في وجدان الشعوب الغربية تبكيه الاجيال دهوراً ما بقي الليل والنهار .. كما يبكي الشيعة ( بقية الوثنية البابلية ) اليوم كربلاء ..

اميركا تعقد لواء قوتها العسكرية على " اقتصاد البترودولار " ، وزوال هيمنتها في الخيج والشرق الاوسط بشكلٍ كامل يعني انهياراً دراماتيكياً لوجودها على المسرح الدولي برمته ..

فهي ليست بمناى عن تحديات " الوجود " في حديقتها الخلفية اللاتينية ابداً ، خصوصاً حين تبدو ضعيفة..

يمكننا تلخيص صورة تحديات تواجه الحضارة الغربية الآن :

التحدي الاكبريتمثل في ازمة اقتصادية شاملة تلف دولها جميعاً كقطع الليل المظلم ، وواشنطن ، العاصمة العالمية الكبرى ذات المزاج " الحاد " و " العنجهية " غير المحدودة تخوض حرباً لا هوادة فيها ضد " ايران " والقوى الشيعية والنظام السوري الداعم لها في منطقة الشرق الاوسط ..

فإما ان تنجح في تحطيم اعدائها " الشيعة " المدعومين من روسيا والصين ، لتؤذن للتاريخ بانها سيدة القرن الحادي والعشرين ولتقيم من ثم " امبراطورية " تاريخية تحكم العالم كله مقيمة لنظام عالمي جديد تطمح له منذ سقوط الاتحاد السوفييتي .. وهو ربما ما يتمناه العالم " لايتمان " والوعي الجمعي الغربي بصورة عامة من ان تحكم الحضارة الغربية العالم لألف سنة ..

( بوحي من ميثولوجيا القرون الوسطى وعودة المسيح للعالم وحكمه لالف سنة )

وإما ان تسقط الهيمنة الامريكية في الشرق الاوسط ليعيد الشرقيون الجدد وروسيا بناء افقٍ حضاري جديد قد تعود فيه بابل للإشراق في " بغداد " من جديد ...

وهو ما يتمناه الكثير من القوميين والإسلاميين ، بل حتى الامميين ( وانا منهم ) كي تكون نهاية الهيمنة الانجلوسكسونية على العالم هي النهاية الحتمية الموعودة ..

يومها سينادي التاريخ مردداً الصدى كما فعلت التوراة حين نادت " سقطت سقطت بابل " ..

بنهاية النيوليبرالية ، وعودة " الاشتراكية " للمسرح الدولي من جديد ، ستصدح حنجرة الزمان وصوت المظلومين المضطهدين عبر العالم و في كل مكان :

هذا ما وعدتنا به الماركسيةُ وصدق المرسلون ..


(4)



ليست واشنطن وإمبراطوريتها من تواجه التحديات .. وحدها

الوجود الحضاري الإسلامي وجذوره البابلية المصرية هو اليوم امام التحدي " الاميركي " الكبير ..

فإما ان " تكون " واشنطن ومشروعها الماضي قدماً نحو حكومة عالمية كونية تتحكم بها كبرى الشركات العابرة للقارات والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية .. بعد ان تسحق الاصولية الإسلامية بتعدد الوانها وطيفها في المنطقة ..

أو " لا تكون " بأن تصمد الاصولية الإسلاموية إلى الحد الذي يزيح الهيمنة الاميركية من خارطة التاريخ ..

التحدي الإسلامي " الضعيف " ممثلاً بصعود الإسلام السياسي لسدة الحكم في الدول العربية ، إلى جانب وجود دولة إسلامية ذات قدرة عسكرية ونفوذ امني – سياسي كبير ( إيران ) ، والمدعوم بصورة خفية من بقايا المعسكر الاشتراكي المنهار ممثلاً بروسيا والصين ..

هذا التحدي ، على الرغم من ضعفه ، لكنه يذكرنا بواقع ضعف " البرابرة " الذين اسقطوا روما العظيمة ..

وحداثة الحضارة الفارسية قياساً بالحضارة البابلية المجاورة التي تمكنت من اسقاط بابل العتيدة للابد ..

قد يكون التحدي الإسلامي الجديد معززاً بمعطيات صعوده " الديمقراطي " غير المفاجئ هذه الايام مجرد فاتحة لعصرٍ ذهبي اسلامي جديد ، بدايته في " ربيع الشعوب العربية " وخلاصها من الطغاة ، ونهايته في الهزيمة المنكرة وتفكك النيتو وسقوط القوة العسكرية الاميركية للابد ..

قــد يكون ... وقد لا يكون ~






#وليد_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البحث عن ملكوت الله (3)
- الإلحاد المزيف و المعرفة
- البحث عن ملكوت الله (2)
- البحث عن ملكوت الله (1)
- من يقود الحرب الامبريالية ؟ آل الصباح وشل الانجلوسكسونية اُن ...
- الوعي الثقافي الإنساني من ديكارت إلى ما بعد الماركسية
- الروحانية و العقل Spirituality and Mind
- الانوثة والروحانية Femininity and spirituality
- النبوة و العقلانية Prophecies and Rationality
- ثوار النيتو .. غرهم في - اميركا - الغرور
- وحيٌ من جهة موسكو ! تجربتي مع الزمن
- التاسع من اكتوبر
- متى ستنتهي الرأسمالية ؟
- العلم ورؤية في مستقبل الحضارة ..
- القومية والنجم الثقافي الإسلامي الجامع
- اغتيلَ المهدي .. وصح النوم يا وطن !
- فيزياء العالم الآخر - ج 2
- فيزياء العالم الآخر - ج 1
- ملامح من فيزياء العالم المنطوي Implicate World
- عالم ما بعد الموت و علم الفيزياء


المزيد.....




- هارفارد تنضم للجامعات الأميركية وطلابها ينصبون مخيما احتجاجي ...
- خليل الحية: بحر غزة وبرها فلسطيني خالص ونتنياهو سيلاقي في رف ...
- خبراء: سوريا قد تصبح ساحة مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران
- الحرب في قطاع غزة عبأت الجهاديين في الغرب
- قصة انكسار -مخلب النسر- الأمريكي في إيران!
- بلينكن يخوض سباق حواجز في الصين
- خبيرة تغذية تحدد الطعام المثالي لإنقاص الوزن
- أكثر هروب منحوس على الإطلاق.. مفاجأة بانتظار سجناء فروا عبر ...
- وسائل إعلام: تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس ...
- قتلى وجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة في غزة (فيديو)


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - وليد مهدي - بابل و واشنطن و حربٌ على ضفة التاريخ