أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - واقع التعليم العالي في العراق بين التحديات و الضرورة















المزيد.....



واقع التعليم العالي في العراق بين التحديات و الضرورة


عبدالباقي عبدالجبار الحيدري

الحوار المتمدن-العدد: 3573 - 2011 / 12 / 11 - 20:38
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


1.مقدمة:
عانى نظام التعليم العالي في العراق بكل جوانبه من مشاكل عدة، تضاعفت بشكل ملحوظ في العقود الاخيرة، إذ أدى الحصار الإقتصادي في عقد التسعينيات من القرن الماضي وعمليات النهب والخراب والتدمير بعد تغيير النظام السابق عام 2003 الى انهياره التام.
ومن الأهمية الاسراع بالعمل في هذا القطاع لاعطاء الثقة للمجتمع بوجود عصر جديد وعودة الحياة الطبيعية، فضلاً عن اهمية دور التعليم العالي في العراق الجديد لإرساء الاسس الصحيحة لمفاهيم المجتمع الحديث والتطلع بتفاؤل كبير للفترة القادمة.
يناقش البحث مشاكل التعليم العالي في العراق من حيث الاسلوب والطريقة والمحتوى، ومكونات الجامعة العصرية، وأدواتها الحديثة ويقترح إستراتيجية واضحة من خطط (قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى) للإصلاحات الضرورية لهذا القطاع.
مشكلة البحث:
تكمن مشكلة البحث في ضعف دور الجامعات العراقية وعدم فاعليتها في خدمة المجتمع وإعتمادها على وسائل تقليدية جامدة لاتتفق وروح العصر، ويمكننا طرح مضامين هذه المشكلة من خلال التساؤلات الآتية:
1. هل تقتصر أزمة التعليم العالي على العراق أم تتجاوزه الى دول العالم الثالث باكملها؟
2. هل هناك ضرورة للتصدي لمشكلات التعليم العالي في العراق بمساهمة قطاعات المجتمع كافة على إعتباره جزءاً من النظام الثقافي والإجتماعي للبلد؟
3. كيف يمكننا تقييم الوضع الحالي للتعليم العالي في العراق لننطلق نحو تحديد الأهداف الآنية والمستقبلية للارتقاء به.
أهداف البحث:
1. تقويم واقع الجامعات العراقية، وتشخيص مفاصل الضعف التي تعيقها عن أداء رسالتها.
2. طرح بعض الاساليب الحديثة لإستثمار الثروات الفكرية المبدعة لدى العلماء العراقيين وإستعادة البلد للعقول العلمية التي فقدها خلال الفترات السابقة، وخلق الصلة الفاعلة بين الجامعة ومكونات المجتمع العراقي.
أهمية البحث:
تنبع أهمية بحثنا من أهمية الموضوع وأهمية المرحلة الحاسمة التي يمر بها قطاع التعليم العالي في العراق بعد ان سجل إنخفاضاً مشهوداً في كافة المجالات البحثية والتدريسية والابداعية مما يستوجب توجيه الدراسات نحوها لتخريج عناصر نافعة ومنتجة للمجتمع في الراي والقرار، فضلاً عن دور هذه العناصر في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع.
منهجية البحث:
يتبع البحث منهجاً وصفياً – تحليلياً مستهدفاً تشخيص مواضع الخلل، ورسم الاهداف وتحديد السبل والوسائل الكفيلة لتحقيقها بما يمكّن التعليم العالي في العراق من إستعادة دوره في تحقيق التطور العلمي والتكنولوجي.
2. بدايات إصـــلاح التعليم العالي في العراق:
1. ترجع البدايات الاولى للاصلاح الاكاديمي في العراق الى عام 1969 حيث تم تشخيص أسباب فشل الجامعة (حينها) في تلبية احتياجات المجتمع في التطور والتقدم بما يأتي:
- عدم وجود فلسفة واضحة للتعليم العالي.
- الفجوة الواسعة بين التخطيط للتعليم العالي والتخطيط الاقتصادي والاجتماعي.
- انعدام الانسجام والتكامل بين التخطيط للتعليم العالي والتخطيط للتعليم العام.
2. وفي عام 1970 أستحدثت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي لإحداث تغيير نوعي في الحركة العلمية والتعليم العالي، ينهض بهما وبجميع مؤسساتهما واجهزتهما ومناهجهما الى المستوى العلمي والفني والتكنولوجي المرموق وتحقيق الانسجام والتكامل بين مناهج واهداف الحركة العلمية والتعليم الجامعي وبين المخططات العامة للدولة الاقتصادية والاجتماعية وتنويع الدراسات والبحوث العلمية والاختصاصات الفنية والتكنولوجية في الجامعات والمعاهد ومراكز البحوث في ضوء مشاريع التنمية والتطوير المتعاضمة في العراق، والعمل على تحقيق التطور والتوازن بين تقدم العلوم النظرية والممارسات التطبيقية والمختبرية والتجارب.

2-1. مؤتمرات الاصلاح الكاديمي:
اعتمدت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عقد مؤتمرات دورية لاصلاح التعليم الجامعي تتضمن مراجعة شاملة لاهدافه وهياكله وادارته ومناهجه، وقد عقدت خمسة مؤتمرات هي (1):
1. المؤتمر الاول 1978: عالج بشكل واضح وشامل وصريح مشكلات التعليم الجامعي في العراق والتركيز على موقف الجامعة من التغييرات الاجتماعية الناتجة عن التصنيع والمتاثرة بالتقدم العلمي والتكنولوجي ودور الجامعة في التقدم الصناعي والزراعي والتطورات المحتملة في المستقبل اضافة الى دورها في تشجيع البحث العلمي ومتابعته ومساهمتها في تخطيط القوى العاملة واعادة الكوادر اللازمة للتطور والتقدم.
2. المؤتمر الثاني 1981: عقد هذا المؤتمر الموسع لمناقشة ورقة عمل لقطاع التربية والتعليم العالي وقد اتخذ هذا المؤتمر العديد من القرارات المهمة على نطاق تنظيم هياكل ادارة التعليم العالي لتجاوز المركزية الخانقة وتداخل صلاحيات الوزارة مع صلاحيات واعمال الجامعات وكذلك تنظيم البحث العلمي والدراسات العليا وتطوير المناهج الدراسية.
3. المؤتمر الثالث 1987: اكد بشكل اساس على المواضيع الاتية:
- تغيير المناهج باتجاه ربطها بالجانب اتطبيقي وذلك بزيادة الساعات المخصصة للمناقشات والتطبيق العملي.
- التاكيد على التدريب والتطبيق في المشاريع الصناعية والزراعية والهندسية.
- التاكيد على المواضيع العملية وادخال الحاسبات في الدراسات العلمية والانسانية جميعاً من السنة الاولى في الجامعة.
4. المؤتمر الرابع 1989: وقد انعقد في ظل ظروف الاصلاح الاداري والاقتصادي في العراق حينها وما اتخذ من اجراءات في الغاء الحلقات غير الضرورية في العمل الاداري وترشيد الانفاق وتشجيع النشاط الاقتصادي الخاص وتحقيق التطور التكنولوجي في مجال التصنيع وتعزيز الارتباط بين مراكز البحث العلمي والمشاريع الزراعية والصناعية، وأكد المؤتمر على تطوير الجانب النوعي للتعليم الجامعي من خلال مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية في العالم.
5. المؤتمر العالمي للتعليم العالي في العراق 2007: انعقد هذا المؤتمر في ظروف بالغة الصعوبة مرّ بها العراق بعد تغيير النظام السابق، حيث اكد العديد من المشاركين من داخل العراق وخارجه ممن توافدوا على مدينة اربيل( عاصمة اقليم كوردستان العراق ) للمشاركة ببحوثهم وآرائهم على ضرورة تجاوز اخطاء الماضي ولعل في مقدمتها العمل على استقلالية الجامعات والفصل بين السياسة والتعليم العالي وعدم تحويل الجامعات الى ميادين للعمل الحزبي والصراع الآيديولوجي، والتاكيد على الاسراع بتعويض مافات من فرص التقدم التكنولوجي والالتحاق بمصاف الجامعات العالمية (2).
2-2. إجراءات تعزيز البحث العلمي والتقدم التكنولوجي:
إضافة الى ما اتخذته وزارة التعليم العالي والجامعات قبل عام 2003 من قرارات للاصلاح الاكاديمي فقد اتخذت الدولة حينها مجموعة اجراءات تمثلت بما يأتي(3):
1. قامت دائرة الشؤون العلمية في ديوان رئاسة الجمهورية بمجموعة اجراءات باتجاه تعزيز التطور العلمي في برامج التعليم كادخال الحاسوب في المناهج واقتراح العديد من البرامج والفعاليات العلمية والتكنولوجية على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
2. توجهت الدولة الى الاستفادة من امكانات الجامعات والمؤسسات العلمية في معالجة المشكلات الفنية او الاقتصادية او الادارية او الاجتماعية التي تعرقل تنفيذ برامج التنمية وتقديم خبراتها لتطوير وتحديد صيغ العمل والمبادرة والابداع وانطلاقاً من ذلك تشكلت لجان قطاعية تمثل في مراكز البحث العلمي والوزارات والمؤسسات ذات العلاقة لإستنباط ماتحتاجه خطط التنمية من بحوث ودراسات او تحديد المشاكل التي تعانيها المشاريع من اجل وضع الحلول لها.
3. تطوير الهيئة الخاصة بالبحث العلمي من خلال إصدار قانون جديد لمجلس البحث العلمي وفصل تلك الهيئة عن وزارة التعليم العالي وجعل ارتباطها بمجلس الوزراء كي ياخذ عملها ابعاداً اشمل وتوفير جميع المستلزمات التي تعزز البحث العلمي.
4. إستحداث كليات نموذجية للطب والهندسة والعلوم ترتبط برئاسة الجمهورية لاعداد الكوادر المتخصصة وتاهيلها علمياً وعملياً عالياً مثل (جامعة صدام) النهرين حالياً.
5. تشجيع إنشاء كليات من قبل الجمعيات العلمية والنقابات المهنية وفق الاختصاصات التي يحتاجها المجتمع وخطط التنمية وباشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
6. تحقيق صلة فاعلة بين المؤسسات الجامعية ومؤسسات وزارة الصناعة في مجال البحث العلمي المشترك واعداد الكوادر وتوفير الأجهزة التي تحتاجها المختبرات.
7. كان التوجه الى إستثمار إتفاقيات التعاون الدولي من اجل توفير فرص التدريب العلمي والتكنولوجي لأساتذة الجامعات والعاملين في مراكز البحث العلمي في الدول المتقدمة.
8. تم تشجيع انشاء المكاتب الاستشارية الهندسية والعلمية ومكاتب البحث والتطوير والعمل على امدادها بافضل الوسائل اللازمة لتطوير وانجاز اعمالها بشكل متقدم.
9. طرحت الأفكار حينها لتاسيس منظمة عربية لتدريب الطلبة وتبادل الخبرات وانتقال الطلبة بين الدول العربية للتدريب وتبادل الخبرات.
10. تاسيس مجلس اعلى للجمعيات العلمية لتنسيق اعمالها والحصول على المؤلفات العلمية وحفز الباحثين والعلماء وتبادل الخبرة مع الجامعات والمنظمات العلمية العربية والدولية.
11. جرى دعوة اساتذة زائرين من جامعات الدول المتقدمة لإلقاء المحاضرات على الطلبة وتبادل الخبرة مع اساتذة الجامعات العراقية.
12. تم تدريب الطلبة في المشاريع الصناعية والزراعية وغيرها بما يؤدي الى نمو قدراتهم على اختيار التكنولوجيا المناسبة للعمل وزيادة معرفتهم الفنية والالمام بكل ما يكفل لهم تقدم كل جديد في اطار الامكانات التي كانت متاحة حينها.
13. قدمت الدولة التسهيلات الممكنة للجامعات لاستيراد المعدات والمواد العلمية.
3. نظرة على واقع قطاع التعليم العالي في العراق:
يتكون نظام التعليم العالي في العراق من المرحلة الجامعية التي تستغرق أربع سنوات للحصول على درجة البكالوريوس(عدا كلية الطب التي تستغرق ست سنوات، والهندسة المعمارية خمس سنوات)، وتوجد كذلك كليات صناعية تستغرق الدراسة فيها سنتين للحصول على الدبلوم.
ليس حال قطاع التعليم العالي بافضل من حال القطاعات الاخرى، فهو متخلف ومستواه متدنٍ بكل المقاييس، وتنتشر في العراق اليوم خمس وعشرون جامعة، تسعة عشرة منها في منطقتي الوسط والجنوب، وست في المنطقة الشمالية، كما توجد تسع كليات تقنية في منطقتي الوسط والجنوب، فضلاً عن ثمانية وثلاثين معهداً عالياً أحد عشر منها في شمال العراق.
ان نسبة الطلبة الى التدريسيين (Student/ Staff Ratio or SSR) في بعض كليات وأقسام الجامعات العراقية تشكل إحدى المشاكل التي يفترض معالجتها الى جانب المشاكل الاخرى كنقص الموارد التعليمية، وضعف المكتبات الجامعية من حيث عدد المصادر، وطريقة عملها واستخدامها للوسائل القديمة في البحث، وسوء البنى التحتية للجامعات خصوصاً بعد تغيير النظام السابق في نيسان (ابريل)2003 نتيجة النهب والتدمير الذي طال معظم المؤسسات التعليمية مما أحال أبنية الجامعات ومؤسسات التعليم العالي الى حالة ليست حتى بأقل مما يتطلبه المستوى الجامعي لعدد يصل احياناً لأكثر من 100 طالب في الصف (4).
3-1. الجامعات:
تعد الجامعة إحدى المؤسسات الأساسية التي تساهم في تقدم البلد ورقيّه، وتؤدي دوراً هاماً في تأهيل ابناء المجتمع وتسليحهم بالمهارات والمعارف الاكاديمية (العلمية والعملية) والاجتماعية وإنعكاس كل ذلك على نضج المجتمع وحركته.
تعاني الجامعات العراقية في المرحلة الراهنة من تخلفٍ تام، ومازالت تعمل ضمن قواعد تقليدية قديمة لاتتلاءم مع المعطيات المتطورة لمبادئ التعليم الحديث ونظرياته، وتفتقد للمقومات الاساسية المميزة للجامعة المعاصرة المتمثلة بنظم التعليم الجديدة لتطوير المناهج والمساهمة في عملية الخلق والابداع عند الطلبة، وتوفير اساليب التعليم الحديثة الموازية لمتطلبات العصر، وخلق المناخ الدراسي عبر توفير الاثاث والمكتبات وأساليب التوثيق الحديثة ووسائل الايضاح كالصور وافلام الفيديو والاجهزة العارضة (Overhead projectors) وبرنامج (Power point) والمختبرات العلمية والاجهزة الحديثة وكيفية استعمالها وصيانتها، وليس التلقين السائد حالياً وتضييق مدارك الانسان او تسييس او ادلجة مراكز التعليم واستقطاع حصص التدريس للخروج في مظاهرة أو الاحتفال بمناسبة ما، والاتكالية في العمل كثقافة سائدة عند الطلبة والملاك التدريسي على السواء.
ان عدم تشجيع الجامعات للمبدعين او السير في خطى التغيير بل حتى التردد او التخوف من التغيير يعتبر إحدى المشاكل التي يعاني منها التعليم الجامعي، كما لاتوجد بسبب الخلفية الاجتماعية، ثقافة التعبير عن الراي او الشفافية في التعامل والعمل وأهمية كل ذلك في الجانبين الاجتماعي والاكاديمي. كما ان هناك نقصاً فاضحاً في النصاب التدريسي والتخصص وعدم توفر الموارد المالية لتدريب الملاك وتطوير قابليتهم على الاساليب الحديثة في التعلم. وغالباً ما يكون التوظيف في الملاك الجامعي قائماً على أساس علاقات اجتماعية (الوساطة والمحسوبية) أو لإعتبارات شخصيّة وسياسيّة وليس على أساس الكفاءة.
العاملون في الجامعات العراقية غالباً ذوي طابع نمطي أو وظيفي ويغلب عليهم الروتين وهم من ذوي الذهنية البيروقراطية، لذا يتوجب في عصر الكومبيوتر والمعلومات والمعرفة التدريب والتاهيل على هذه التكنولوجيا، ومن الضروري ايضاً التركيز على اهمية محو امية الكومبيوتر، وخلق جو صحي وطبيعي من التنافس والتعاون فيما بين الجامعات وتقدمها في البلد الواحد، وتوفير طاقم كفوء لادارتها وسد النقص في هجرة العقول والكفاءات للخارج.
3-2. النظام الإداري
تتمتع الجامعات العراقية بالإستقلالية المحدودة لحدٍ ما لكنها مازالت تدار من قبل وزارتَي التعليم العالي والبحث العلمي في بغداد وأربيل ولاتتمتع باللاّمركزية الموجودة في جامعات العالم المتطورة، وتتكون تلك الجامعات من كليات تحتوي على الاقسام المختلفة، ومراكز البحوث والمكتبات، ولكل جامعة رئيس وعدة مساعدين، ومجلس الجامعة المتكون من رئيس الجامعة ومساعديه وعمداء الكليات وممثلين عن الطلبة والاساتذة.
3-3. العام الدراسي
يتكون العام الدراسي للتعليم العالي في العراق من 30 اسبوعاً يبدأ في الشهر العاشر (تشرين الاول/ أكتوبر) وينتهي في الشهر السادس (حزيران/ يونيو)، وتنظم المواد الدراسية على شكل وحدات، وتعطى لكل وحدة 25-30 ساعة، وطبيعة الدراسة في اغلبها نظرية مع وجود بعض الدروس العملية وتجري الامتحانات نهاية كل فصل، وثمة إنحسار حالياً في إجراء البحوث في الميدان العملي او الإستخدام الخــلاّق لشبكة الانترنت.
3-4. الجانب البحثي
يتّبع العراق تقاليد النظام البريطاني فيما يتعلق بالبحث العلمي داخل الجامعات ومراكز البحوث التي تتبع اختصاصات الجامعات والمناطق، وتنشر نتائج البحوث في فصليات الجامعات.
ويتطلب توجيه البحوث لتلبية احتياجات البلد، فعلى سبيل المثال لم نجد حتى الآن بحوثاً حقيقية وجديّة في مجال صناعة النفط، والتلوث البيئي والتصحّر ولم توفر لها الموارد المالية والبشرية، ولاتوجد شفافية كاملة في عمل فرق البحث المفتقرة الى ممثلين من الاكاديميين والمجتمع المدني، والتعاون العلمي هو الآخر محدود ولايتجاوز عدد أصابع اليد، والتعاون مع البلدان العربية قليل جــداً كذلك لا نجــد الكفاءة التامة لاستخدام اجهزة البحث وصيانتها، وأحيانا لاتتوفر الاجهزة أصلاً.
4. التعليم العالي وإحتياجات المجتمع العراقي:
يظهر جلياً اليوم في الدول النامية ان التعليم العالي لم يعد خدمةً اجتماعية، ولكنه احد ميادين الإستثمار الهامة، إذ يرفع من كفاية الفرد الإنتاجية، وروحه المعنوية، بسبب التاثير الذي يحدثه التعليم على القطاعات الاجتماعية والثقافية المختلفة، ولعله من المهم القول بان التعليم عملية لاتتم في فراغ ولا يمكن ان تعيش بمعزل عن مشكلات واحتياجات وتطلعات الافراد والمجتمعات، وان القوة الإجتماعية الهائلة قادرة دائماً على احداث تغيرات بعيدة المدى في البناء الحضاري للمجتمع هذا فضلاً عن كونها قوة اقتصادية كبرى باعتبارها استثمار لأغلى ماتملكه الأمة وهو شبابها.
ويمكن القول بأن كل جهد لتطوير التعليم وتحسينه وجعله اكثر استجابة لمتطلبات المجتمعات وتطلعات الأفراد هو في حقيقة امره نوع من التخطيط تختلف درجة شموله او تكامله او مداه تبعا لنوع هذه الجهود او شمولها او مداها، الا ان التخطيط للتعليم العالي كما نتصوره الآن (وينطبق هذا على جميع البلدان مهما اختلفت تراكيبها الاجتماعية وقيمها الثقافية) يهدف اولاً الى ربط خطط او برامج او مشروعات التعليم بأهداف التنمية الإقتصادية والاجتماعية ضمن اطار شامل متكامل يستهدف في النهاية رفع مستوى معيشة الفرد وتحسين نصيبه في الحياة من ناحية وتنمية المجتمع في علاقاته ونظمه وقيمه من ناحيةٍ أخرى.
وإذا كانت موضوعات التعليم عامة ذات قيمة في حياة الامم والشعوب لانها تتصل بتكوين النفوس وبناء العقول، فان التعليم العالي يتميز باهمية خاصة اذ ان الجامعة هي الدعامة الثابتة التي تقوم عليها نهضة المجتمع والحصن المنيع الذي يحفظ عليه إستقلاله ويصون له تحريره فلابد له اذاً من ان يكفل لنفسه النمو العلمي والثقافي والفكري، ولن يتاتى ذلك الا اذا كان لهذا المجتمع مفكريه وعلمائه وخبرائه في الاقتصاد والصناعة والزراعة والتخطيط الشامل ومن هنا تظهر قيمة التعليم العالي في اعداد هذه الكفاءات التي يحتاجها المجتمع.
وهناك حقيقة مؤكدة هي ان التوسع في التعليم الجامعي في المجتمع العراقي شأنه في ذلك شأن البلاد العربية والبلاد النامية الاخرى كان نتيجة التوسع في التعليم العالي وازدياد حاجات هذه البلاد الى الفنيين والمتخصصين تبعاً للتقدم في مختلف مرافقها والتطور الكبير الذي تشهده في النواحي الاقتصادية والاجتماعية ولهذا التوسع فوائده ومشكلاته، منها مايتصل بالطلبة كمشكلة اختيار الطالب الجامعي من الاعداد الكبيرة التي تتقدم للالتحاق بالكليات الجامعية، ومنها مايتعلق بهيئة التدريس في الجامعات كمشكلة تأهيل هذه العناصر تأهيلاً كاملاً وباعداد كافية ومن هذه لمشكلات ايضاً ما يتصل بنظم الدراسة في التعليم العالي وادواتها والبرامج الدراسية الى غير ذلك من المشاكل التي تجابه التوسع في التعليم الجامعي والتي تكاد تكون واحدة في كل بلاد العالم مع اختلاف في القدر تبعاً للظروف الخاصة بكل بلد، وفي هذا السياق يقول احد الباحثين ،ان انظمة التعليم العالي العربية بشكل عام لن تتمكن من توفير هذه الاعداد الضخمة من اعضاء هيئة التدريس وهذا ربما يشكل عاملاً اساسياً في محدودية توسيع وتطوير هذا القطاع التعليمي بالاضافة الى هذا فانه ليس من المستبعد ان تعاني الجامعات ومؤسسات التعليم في هذا القطاع شيئاً من انخفاض مستوى الاعداد العلمي (5).
كما ان الدور الأساسي للتعليم العالي في هذه الفترة من تطور المجتمع العربي (والمجتمع العراقي جزء منه) يجب ان ينص على المجالات الآتيية :
1. ان يساهم التعليم العالي في النمو الاقتصادي، والاجتماعي.
2. ان يساهم التعليم العالي في التقدم الصناعي، اذ انه لم يتعد مجال الاستشارة ولم يدخل بجدية بعد في مجال تأسيس المصانع.
3. ان يساهم التعليم العالي في البحث والتطوير، فبحوث الجامعات سواء في المجتمع العراقي والمجتمع العربي بصورة عامة لا تمثل بحوثاً متكاملة كما انها في الغالب ليست منبثقة لحل مشكلة او تطوير عمل معين تتطلبه جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فهي في الغالب بحوث أكاديمية.
5. معوقات البحث العلمي العربي:
تتلخص أبرز معوقات التعليم العالي (إضافة إلى ما ذكر سابقاً) بفشل مؤسسات التعليم العالي في طريقة مخاطبة عقول الطلبة من خلال فشلها في تعليمهم كيفية التفكير وإستخدام المعلومات بذكاء، وأصبحت طريقة الحفظ عن ظهر قلب هي الوسيلة التي يحصل فيها الطلبة على النتائج المتميزة، ويعود ذلك إلى عادة سيئة إكتسبها الطلبة في مراحل الدراسة السابقة حيث إعتادوا أن يكونوا متلقّين فقط في نظام تعليمي يكون فيه المدرس محور العملية التعليمية، ووسيلة المعلم الوحيدة هي كتابه المنهجي وتلخيصه الذي غالباً ما يكتبه على السبورة ولا يحيد عنه لعدة سنوات وهو ما ينطبق عليه قول الفيلسوف الألماني جـو هان فان جوته (لا أسوأ من معلم لا يعرف إلا ما ينبغي أن يعرفه التلاميذ).
للأسف الشديد يجد هذا الأسلوب رواجاً واسعاً لدى عدد كبير من أساتذة الجامعات أما بسبب الصعوبات التي يواجهونها لدى محاولاتهم للتغيير، أو بسبب الجمود وعدم الرغبة في التطوير، أو اللامبالاة بسبب إنعدام الحوافز، وكذلك الأعباء الأكاديمية التي يثقل بها عضو هيئة التدريس، وهذا ما يجعل المخرجات التعليمية ضعيفة المستوى لا تستطيع المنافسة في العمل مع مثيلاتها من الدول المتطورة أو حتى مع أقل الدول النامية تطوراً
وهنا نذكر إحدى مقولات الفيلسوف الصيني الشهير كونفوشيوس حوالي سنة 500 قبل الميلاد (لا يحصل المرء على المعرفة إلا بعد أن يتعلم التفكير) ومقولته الأشهر لطلبته (لكل حقيقة أربعة أركان وأنا كمعلم ليس عليّ إلاّ إعطائكم ركناً واحداً وعليكم أن تبحثوا بأنفسكم عن الأركان الثلاثة الأخرى) وهي مقولة لا تحتاج إلى توضيح.
وللأنصاف لابد من القول أيضاً بان هناك العديد من الأساتذة الجامعيين ممن حاولوا ويحاولون تغيير هذا النمط التعليمي السائد، إلاّ أن محاولاتهم غالباً ما تصطدم بعدم قدرة الطلبة ضعيفي المستوى على التكيّف مع هذه التغييرات حيث أنهم لم يعتادوا نمطاً يكونوا فيه طرفاً فاعلاً.
إن الصعوبات التي ذكرت أعلاه تقف حاجزاً في وجه جميع المحاولات، فقلة المصادر والدوريات ووسائل التعليم الحديثة وتقنية المعلومات تلعب دورها في تعطيل جميع المبادرات مهما كان مصدرها. إن تكاليف تحسين نظم التعليم العالي كبيرة جداً، إلا أن تكلفة استمرار الجهل لا حدود لها، وقد عبر الشاعر عن ذلك بقوله:
العلم يبني بيوتاً لا عماد لها والجهل يُهــدِّم بيوت العزِّ والشرف
من هنا نتساءل عن حجم المشاكل التي تواجه مسيرة البحث العلمي العربي عموماً والعراقي خصوصاً؟ وبالتالي ما هي مستلزمات قيام بحث علمي متكامل؟
في الواقع يمكننا أن نتحدث عن أهم تلك المشاكل والتحديات في النقاط الآتية:
1- غياب سياسة علمية واضحة تنظم التعليم العالي والبحث العلمي لتوجّه الموارد وتستثمر الطاقات المتاحة حسب الأولويات.. إذ أنه لا يكفي تخصيص جزء محدد من الميزانية السنوية للبحث العلمي فقط، ولكن لابد من دراسة ومعرفة أفضل الأساليب وأنجح الطرائق للاستفادة من هذه الاستثمارات في مناخاتنا السياسية والإجتماعية السائدة...لماذا نبحث، ولمن نبحث، وما هي أسس وركائز هذا البحث؟ ويبدو واضحاً أن السياسات العلمية غير قادرة على إعطاء إجابات مقنعة أو تحديد أهداف وغايات مجدية للبحث العلمي بشكل عام في مختلف المجالات والميادين.. كما أن الحكومة العراقية لا تزال شبه عاجزة عن تحديد أساليب وآليات عمل مناسبة لتحقيق تلك الطموحات الكبيرة في بناء مستقبل وجيل علمي قادر على تلبية احتياجات وجوده الحيوي، والإيفاء بمتطلبات الحياة المتسارعة والمتطورة، لذلك من الطبيعي - والحال هذه- أن يسود الوسط العلمي التخبط والفوضى.
2- ضحالة الموارد والإمكانيات المخصصة للقيام بالبحوث العلمية.. حيث تشير احصائيات اليونسكو لعام 2004 أن الدول العربية مجتمعة خصصت للبحث العلمي ما يعادل(1.7) مليار دولار فقط أي ما نسبته (0.3%) من الناتج القومي الاجمالي في حين خصصت دول شرق اسيا 48.2 مليار دولار اي ما نسبته 2.7% وخصصت السويد ما يفوق 15 ملياراً اي ما نسبته 4.27% من ناتجها القومي في حين خصصت اليابان 107 مليار دولار اي ما نسبته 3% من ناتجها القومي الاجمالي،وخصصت الولايات المتحدة الامريكية حوالي 275 مليار دولار اي ما نسبته 2.7% من ناتجها القومي الاجمالي(6).
3- ضعف إستراتيجيات التحديث وعدم فاعليتها في تعظيم الإستثمارات العلمية المفيدة (تكوين رأس المال الاقتصادي والعلمي والتقني والفكري والاجتماعي، وتحرير الشعوب من الخوف والجمود والأمّية والمحسوبية والشعور بالضعف والنقص).
4- إنعدام الحريات الأكاديمية والفكرية العامة في المجتمع، وعدم توفر المناخ السياسي الملائم للإبداع والحداثة العلمية والاقتصادية بإطلاق حريات الأفراد وتوفير إمكانيات المشاركة الفعلية أمامهم سواء من النخب العلمية أو من مختلف قطاعات الشعب الأخرى.
5- عدم وجود سياسة علمية ناجحة تقوم بتنشئة الأجيال على مقدمات ومعطيات البحث والتدقيق والاهتمام.. لأن قيامه مرتبط بطبيعة التنشئة الاجتماعية لتلك الأجيال.
6- ضعف وتفكك المجتمع العلمي والتقني العراقي والعربي، وضعف مراكز المعلومات وخدمات التوثيق والمكتبات، وعدم توافر المناخ الملائم للعمل البحثي، وقلة الحوافز المادية، وضعف البنيات الأساسية للحراك الاجتماعي والاقتصادي الذي يفترض أن يشكل القاعدة الصلبة لقيام البحوث العلمية.
هذا الواقع المأساوي سيفضي لا محالة إلى استنكاف الباحثين عن العمل وبالتالي حدوث نقص كبير في الإنتاج العملي من حيث المردود النوعي والكمي معاً، حيث نلاحظ - في هذا المجال- أن إنتاج العلماء العرب يقف عند حد (0.4) بحث في العام.
وتشير إحصائيات التي أوردها تقرير التنمية الانسانية العربية عام 2003 الى ان عدد العاملين في البحث و التطوير في البلدان العربية من الباحثين يقارب من 330 باحثاً لكل مليون من السكان مقابل 5000 باحثاً لكل مليون من السكان في أمريكا 4374 باحثاً لكل مليون من السكان، و في دول الاتحاد أوربي 2439 باحث لكل مليون، ويستهلك معظم التمويل الذي تقدمه الحكومات للمؤسسات التعليمية في الاجور، ويلعب تدني الانفاق العربي على البحث والتطوير، الذي هو الادنى من بين مجموعات دول العالم اقل بحوالي سبع مرات من المعدل العالمي محسوباً على النسبة المئوية للدخل القومي واقل ب(12-15) مرة من الدول المتقدمة ، يلعب دوراً رئيسياً في الحد من التطور العلمي (7) .
وهكذا نجد أن هناك هوةً واسعةً - تتزايد يوماً بعد يوم، حيث الآخر يتقدم بسرعة، ونحن نراوح مكاننا أو نتقدم أحياناً ببطء شديد- بين العمل الجدي الحقيقي المنتج المطلوب وبين ما هو منتظر من الإمكانات والمواهب البشرية العاملة في ميدان البحث والتطوير من العلماء والأكاديميين الباحثين في المؤسسات العلمية العربية.
ولذلك إذا أرادت مجتمعاتنا أن تفتح مسارات وطرقاً واسعة لها باتجاه امتلاك زمام المبادرة الحضارية في المستقبل والمساهمة الفاعلة في بناء وتطوير الحضارة الإنسانية فعلى نخبها وقياداتها (من مفكرين وسياسيين وعلماء دين) أن تعيد الاعتبار مباشرةً للعمل المؤسساتي، ولدولة القانون والعدل.. دولة الموازنات والخطط التنموية الشاملة التي ترعى - بصدق ومسؤولية- العلم والعلماء، وتتيح عملية المشاركة في صنع القرار، وتقوم بتنمية الثروة بالإدارة العلمية الكفوءة، وتجعل من العلم والبحث العلمي رافعة للدولة والمجتمع على أساس أولوية العلم على المال، والوعي على تكديس المال والثروة، وذلك باعتبار أن هناك طاقة وقيمة حضارية مختزنة في ذات العلم تضع المال والثروة في خدمة هذا العلم الذي يخطط بطاقته، ثروة ومال الشعب.
إن التحديات والأخطار القائمة حالياً كبيرة جداً، ولا سبيل إلى فهمها ومواجهتها –الآن وفي المستقبل- إلا بانتهاج طريق العلم والمعرفة العلمية المتوازنة التي يجب أن تدفعنا جميعاً - بحكم ضعفنا وإنهيار مناعتنا الذاتية- إلى إعطاء القيمة الكبرى للعلم والبحث العلمي، وما يستحقه من عناية واهتمام.
إننا نعتقد أن البحث العلمي العربي المنشود هو أحد العناوين التي يمكن أن تمنحنا - من خلال تفعيل أدائها ودعمها وفتح المجالات أمام خبراتها للانطلاق والمساهمة في بناء الإنسان وتنمية المجتمع- القدرة على المضي قدماً في عملية النهوض الحضاري، وامتلاك المستقبل بالارتكاز إلى رؤية علمية تعتمد على تعميق إدراك الانسان ووعيه بطبيعة التغيرات الكبيرة الحاصلة في العالم، وتهيئته لها نفسياً ومادياً من خلال توفير مناهج علمية (تربط العلم بالأخلاق الإنسانية) وتأمين وسائل علمية متطورة.
والأمة التي تريد أن تنتج أو تبدع أو تضيف عناصر جديدة مفيدة للحياة والإنسان، هي الأمة التي تحترم شعبها وجماهيرها وتقدر كفاءاتهم ومواهبهم وإبداعاتهم الفكرية والعلمية وتعي حقيقة مقدراتها وثرواتها الطبيعية والبشرية، وتقوم بتوجيهها الوجهة الصحيحة على صعيد العمل والممارسة الإبداعية وربط الأهداف بالنتائج المثمرة.
أن مستقبلنا هو رهن لفعلنا وبذرنا الحالي.. وثمرة أعمالنا وحصاد ما نزرعه في لحظتنا الحالية لتغيير أوضاعنا ومضاعفة جهودنا، وفهم دورنا في العالم، وتكثيف مساهمتنا في المسيرة الإنسانية العالمية، وانفتاحنا على الآخرين بوعي وثقة ليكون لنا موقع ودور في الحضارة الحديثة من خلال ضرورة الوقوف المتأمل أمام الثوابت الفكرية والمعرفية للشعب.
ومن خلال ذلك يمكن أن يحدث عندنا انبعاث حضاري حقيقي مثمر قد نمتلك عبره بعض أسس فهم الحاضر للانتماء إلى المستقبل، ولاشك أن ذلك يمر في طريق ممارسة النقد والمراجعة لكثير من حساباتنا الثقافية والدينية والسياسية والاجتماعية، أي إصلاح أو تغيير كثير من معطياتنا وقناعاتنا الفكرية التي تقف سداً منيعاً أمام تطورنا وتقدمنا وإنطلاقتنا النهضوية الحضارية المنشودة، وهذا عمل كبير لن يكون وليد لحظة سحرية، بل دونه عقبات وصراعات ومخاضات عسيرة من دون أدنى شك.. فهل نحن قادرون على الاستجابة أم سنبقى أسرى الفكر المنغلق الجامد الذي يقدم للعالم أجمع في كل يوم دليلاً إضافياً على تأخرنا وعجزنا الفاضح عن استخدام بديهيات التفكير العقلي للبدء بأي تحول أو إصلاح مطلوب؟
وفي مجال رصد معوقات البحث العلمي في العالم العربي لايفوتنا الإشارة إلى النوعين الآتيين من المعوقات:
أولاً: المعوقات العلمية ومنها: عدم وجود استراتيجيات أو سياسات لمعظم الدول العربية في مجال البحث العلمي، وكذلك ضعف المخصصات المرصودة، وأيضاً هروب العنصر البشري واعتمادها على العناصر غير المدربة، ثم ضعف قاعدة المعلومات في المراكز والمختبرات والمؤسسات الإنتاجية لبعض الدول ناهيك عن عدم معرفة أهمية المراكز البحثية في بعض الدول العربية.
ثانياً: المعوقات العملية وأهمها: ضعف الإنفاق على البحث العلمي الذي تسبب في ضعف مستوى البحث العلمي، وقلته، وعدم إسهامه في التنمية، ثم هجرة العلماء إلى الخارج.
ومن أهم معوقات بناء القدرات التكنولوجية للأمة أيضاً غياب الإرادة السياسية لبناء هذه القدرات، وعدم إدراك الترابط الوثيق بين التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي من جهة والتقدم العلمي من جهة أخرى، وغياب إستراتيجية وطنية لبناء القدرات العلمية والتكنولوجية، وضآلة حجم العاملين في مجال العلم والتكنولوجيا، وغياب المؤسسية وحرية المؤسسات الأكاديمية واستقلالها المالي والإداري.
يظهر للمتأمل في واقع الفعل (السياسي- المجتمعي) العربي الراهن، أن ردود فعل الدول العربية عموماً على مخاطر وتحديات العصر المتنوعة والمتسعة والمتحولة، تتميز بنوع من الإخفاق والإحباط الكبيرين في فهم وإدراك حجم التطورات السياسية والاجتماعية العالمية.. وهذا ما يتجلى بصورة أكبر في فقدان الشعور بضرورة الإسراع في تأمين استجابة الهياكل الوطنية للحجم الواسع للتطورات الراهنة والمستقبلية.. ولا تعني هذه النتيجة (أو هذا الحكم) أن الوطن العربي قد بقى خارج نطاق دائرة التأثر بتلك الأحداث الجسام لكنه بدأ بالعمل جدياً، على مستوى تطبيق سياسات جديدة في شتى ميادين العمل اليومي كله.. لكننا نجد أن معظم تلك السياسات-التي مثلتها مسيرة الإصلاح في معظم الدول العربية- مليئة بالتعثر والتخبط والتشتت، ولم تعط النتائج المطلوبة منها حتى الآن. فمثلاً على صعيد التعليم العالي والبحث العلمي(وهو موضوعنا الأساسي هنا) لاحظنا على الدوام–من خلال استقرائنا لمجموعة البيانات والاستبيانات المسجلة والمتوفرة حول هذا الموضوع- أن هناك أزمة علمية واضحة تظهر في غياب منظومة عربية متكاملة لنقل المعرفة والخبرات، وإستغلالها في ميدان التنمية الفردية والاجتماعية وفي مجال التطوير التقني والتكنولوجي، وعندما نراجع كل أدبيات العمل البحثي العلمي العربي في الوقت الحاضر-الخاصة بدراسة مشاكل البحث العلمي وتحليل واقعه القائم حالياً- نلاحظ أن تلك الأدبيات تكاد تجمع في تقاريرها الخاصة والعامة على أربعة أمور أساسية،هي:
الأول- انخفاض عدد الباحثين العلميين الحقيقيين المشتغلين بالبحوث العلمية العربية بالمقارنة مع الدول المتقدمة ومع المعدل الوسطي العالمي نفسه.
الثاني- هشاشة وضعف البنية المؤسساتية والعلمية العربية، وعدم قدرتها العملية على تحقيق أدنى معدلات الاستجابة الفاعلة والمؤثرة للتحديات التقنية الهائلة.
الثالث- ضعف المستويات الأكاديمية على صعيد قبول الطلاب في الجامعات، وضعف مستويات الترقية بالنسبة لأعضاء الهيئة التدريسية، وعدم موضوعيتها، وقلة المشاركة المنتجة في المؤتمرات الدولية من أجل الاستفادة وتبادل الخبرات والنتائج العلمية، وسرعة تطبيق الاستخلاصات والانتفاع بها.
الرابع- نقص مردودية الباحث العربي، وتخاذله عن البحث والعمل نظراً لقلة تعويضه وحافزه المادي والمعنوي، حيث أن الكثير من هؤلاء الباحثين–لم نقل كلهم- ينظرون إلى البحث العلمي من زاوية أنه فرصة لتحسين أحوالهم المعيشية وتأمين متطلباتهم الحياتية، وهذا من حقهم طبعاً،ولكن بشرط أن تكون لبحوثهم نتائج ميدانية عامة..
إننا نلاحظ في هذا المجال (فيما يتعلق بنوعية مؤسسات البحوث العلمية الموزعة في الجامعات العربية المختلفة) أنه رغم المحاولات الجادة والخطوات الحثيثة التي قامت بها بعض البلدان العربية لدعم إنشاء وتوسيع وتطوير مراكز ومؤسسات التقنيات العلمية البحثية الحديثة، لا تزال تلك المؤسسات تعاني أشد المعاناة وتعصف بها الأزمات تلو الأزمات، وتواجه مشاكل وتعقيدات نظرية وتطبيقية كبيرة في شتى المواقع تتكدس بمجملها في وجه تقدم إنتاجيتها العلمية والاجتماعية، وتمنعها من الانطلاق المثمر والعمل المنتج والمؤثر على مستوى ضرورة وجود انعكاسات اجتماعية عملية للبحث العلمي تساهم بقوة في بناء المجتمع وتطوره وتقدمه نحو الأمام.
5-1. مؤشرات التفوق:
هناك عدد من المؤشرات يستطيع الخبراء من خلالها معرفة الحالة التكنولوجية لدولة ما، وتتمثل هذه المؤشرات بما يأتي (8):
1. متوسط الإنفاق على البحث العلمي والتكنولوجيا كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، وهي( 3% ) للدول الصناعية المتقدمة.
2. عدد العلماء والباحثين لكل ألف من السكان.
3. عدد الأبحاث العلمية السنوية المنشورة في المجلات العلمية.
4. عدد الحاسبات لكل ألف من السكان.
5. عدد المجلات العلمية التي تصدر في البلد المعين.
6. عدد مراكز البحث العلمي والتكنولوجي في ذلك البلد.
7. متوسط الإنفاق على الكتب والمجلات لكل فرد من السكان.
8. عدد الاختراعات وبراءات الاختراعات المسجلة سنوياً لكل ألف من السكان.
9. نسبة مساهمة مدخلات العلم والتكنولوجيا في الناتج المحلي الإجمالي، وهناك عدد من المؤشرات الثانوية التي تكمل ملامح هذه الصورة.
5-2. هجرة العقول العراقية
نزيف العراق، كما هو حال البلدان العربية والاسلامية، من عقوله وكفاءاته المبدعة والاستقرار في الغرب هو امر مستمر، وتعد مشكلة هجرة الكفاءات العلمية واحدة من اخطر المشاكل التي تواجه العراق والبلدان العربية في الوقت الحاضرمن الناحيتين العلمية و المادية، وان المستفيد والرابح الاول من هذه المشكلة هي البلدان الاجنبية، اذ تقوم هذه البلدان وعبر وسائل وطرق متعددة على جذب هذه الكوادر العلمية المؤهلة من خلال تقديم وعرض المغريات المادية وغير المادية من اجل الهجرة والبقاء والعمل لصالح البلد المضيف لهم.
ان مشكلة هجرة العقول لها ثلاثة ابعاد رئيسية مترابطة وهي(9):
1-البعد العلمي : كما هو معروف،تسعى البلدان المتقدمة على استغلال الظروف السياسية والاقتصادية و الاجتماعية الصعبة التي تواجه الكوادر العلمية في البلدان النامية ومنها العراق بالعمل على سحب هذه الكوادر عبر اساليب مختلفة لصالحها لما تملكه هذه الكوادر العلمية من مؤهلات وخبرات علمية رصينة وكفوءة وبالتالي تستطيع البلدان المتقدمة من استثمار هذه الكفاءات لصالح تطورها الاقتصادي و الاجتماعي والعلمي، اي بمعنى اخر افراغ البلد النامي من خيرة كوادره العلمية الوطنية.
2-البعد الاقتصادي: يكمن البعد الاقتصادي في ان هجرة العقول العلمية تشكل مكسباً مادياً كبيراً للبلدان المتقدمة، اذ تحصل هذه البلدان على كوادر علمية جاهزة لم يتم اي انفاق مالي عليها، و بالتالي يمكن القول انها تشكل ربحاً اقتصادياً كبيراً للدول المتطورة، وبنفس الوقت تشكل هجرة الكوادر العلمية خسارة علمية ومادية كبيرة على بلدانها لا يمكن تعويضها، وبالمقابل تبقى هذه البلدان النامية متخلفة من الناحية العلمية والاقتصادية بالمقارنة مع البلدان المتطورة.
3-البعد السياسي: تشكل النخبة العلمية في بلد النواة السياسية والعلمية الرئيسية لما لها من دور ومكانة و تاثير مباشر على الحياة والاحداث السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية، ويعود سبب هذا الدور لما تملكه هذه الكوادر العلمية من وعي و نضج سياسي ومن معرفة علمية وهذا ما تخشاه بعض الانظمة في البلدان النامية ومنها البلدان العربية.
و تشير الاحصائيات الرسمية الامريكية الى ان الفترة مابين 1960-1987 شهدت هجرة اكثر من( 850 )الف كفاءة من الدول النامية ومنها الدول الاسلامية الى الولايات المتحدة وكندا (10). ومنح القانون الامريكي في العام 1965 اولوية للعقول المفكرة المهاجرة الى الولايات المتحدة، ومازال هذا القانون يحظى برعاية الكونغرس الامريكي، حيث يتم تغييره من آن لاخر طبقاً لاحتياجات امريكا للعقول الاجنبية القادمة اليها. وتشير الاحصائيات الرسمية الامريكية كذلك الى الفترة من 1962-1977 شهدت هجرة الالاف من كفاءات والعقول العربية الى امريكا و اوربا (11).
والاحصائيات الحديثة تذكر نزيف العقول العراقية والعربية وتشير-على سبيل المثال لا الحصر- الى هجرة 15 الف طبيب عربي للخارج لفترة بين العام 1998 والعام 2000، وهجرة الكفاءات العالية جداً من البلدان العربية الى الغرب كانت واحدة من العوامل الخطيرة لتردي حالة المعرفة واهميتها في البلدان العربية(12).هاجرت الكثير من الكفاءات العراقية عندما شهدت البلدان الاوربية الرئيسية تزايداً في أعداد الطلبات للحصول على حق اللجوء السياسي، وبلغت اعدادها (2.4) مليون طلب للفترة مابين 1991- 1995(13).
ويتوقع لظاهرة هجرة العقول ان تتفاقم في المستقبل، وتصبح اشد تعقيداً بسبب طبيعة نظام العولمة والقوى المحركة لها التي تركز على الحركة في سوق عالمي واحد للبحث عن العقول والكفاءات المبدعة، خصوصاً في عصر المعرفة، حيث تمثل المعرفة والابداع راس المال الحقيقي للتوظيف في الانتاج والابتكار، والسبب الاخر هو انخفاض نسبة الكفاءات العلمية في الدول المصنعة، الغربية خصوصاً، بسبب انخفاض نسب الولادة وانخفاض عدد المتخصصين في الفروع العلمية والتقنية، مما يجعلها تبحث عن عقول وكفاءات اجنبية لملىء الشواغر.
وتوضح الارقام والاحصائيات المذكورة انفاً نسبة هجرة العقول العراقية المبدعة للخارج، التي تفاقمت خصوصاً في العقدين الماضيين بسبب الحروب، وقد زاد في تفاقم هذه الظاهرة عدم الاستقرار الامني وتدهوره بعد سقوط النظام عام 2003، ومهما إختلفت أسباب الهجرة من بلد إلى آخر تبقى هذه الظاهرة خسارة لجميع المجتمعات ومنها المجتمع العراقي. وفي هذا الصدد أشارت دراسة لمركز الخليج للدراسات الإستراتيجية(أن ما تكلفه هجرة العقول العربية من خسائر لا تقل عن 200 مليار دولار) وان الدول الغربية الرأسمالية تعد الرابح الأكبر من هجرة ما لا يقل عن (450) ألفاً من هذه العقول ورأت الدراسة أن المجتمعات العربية أصبحت بيئات طاردة للكفاءات العلمية وليست جاذبة لها الأمر الذي أدى إلى استفحال ظاهرة هجرة الخبرات العلمية العربية إلى بلدان الغرب، كما أشارت الدراسة إلى أن (45%) من الأطباء الأكفاء في بريطانيا هم من العرب وان الوطن العربي يساهم بـ (31%) من هجرة الكفاءات من الدول النامية إلى الغرب الرأسمالي بنحو (50%) من الأطباء و(23%) من المهندسين و(15%) من العلماء النابهين من العالم الثالث. (14).
اذا كانت حكومة العراق الجديد والحكومات العربية جادة حقاً في معالجة هذا الموضوع وجاهدة للاستفادة من العقول العربية، عليها ان تسعى الى تشريع القوانين ووضع الاجراءات الضرورية وخلق الاليات العملية وتخصيص الموارد المالية من الزيادة في ميزانيات البحث والتطوير وارباح الشركات والضرائب وغير ذلك، لخلق شبكات واسعة لجميع المعلومات عن الاختصاصات والمطبوعات العلمية، حتى يتسنى لها توظيفها في المشاريع التكنولوجية المشتركة بين علماء وعقول الخارج (المهاجرة) وكفاءات وخبرات الداخل (البلدان العربية) كخطوة اولى تتبعها خطوات عملية اخرى. هذه القوانين والاجراءات قد تساهم في وضع حد لنزيف الهجرة المستمرة الى بلدان الرخاء الاقتصادي والحرية السياسية.
والامر الثاني، وربما الاهم، هو نشر ثقافة العلم وزيادة نفوذها وتقييم اهميتها كي تقوم الشعوب العربية (وبضمنها الشعب العراقي) بدورها المطلوب لمعالجة الموضوع بشكل منطقي وواقعي بعيدا عن حالة الازدواجية التي تعيشها في افتخارها بكثرة علمائها وطاقاتها العاملة في الغرب من جانب، وصب جام غضبها على الاستعمار وكثرة نقمتها بل هجائها المتنوع على الغرب بسبب استقطاب هذه الطاقات من جانب اخر.
5-3.غياب البحث والتطوير
اما العراق والعالم العربي فان غياب البحث العلمي يعود لاسباب عديدة اهمها قلة الموارد المالية المخصصة لهذا الجانب. فالمشكلة الاقتصادية مشكلة عويصة يعاني منها العراق وكل البلدان العربية وتشعر بوطاتها حتى بلدان كانت ذات مداخيل فردية محلية وشبه مكتفية ذاتياً قبل عقد من الزمان واصبحت اليوم قاب قوسين او ادنى من الأنهيار التام. فالعراق، وتحت ظروف الحصار السابقة، كان معدل الدخل الفردي فيه لايتجاوز خمسة دولارات في الشهر.
وتذكر قائمة التطور البشري Human Development Index المائة وثلاثين بلداً في العالم والصادرة عن الامم المتحدة عام 1999 " هبوط مرتبة العراق من التطور البشري من (55) عام 1995 الى (125)عام 1999" ويزيد التقرير " ان العراق قد تخلف حتى عن بلدان امثال الغابون ومنغوليا وبوليفيا، بعد ان كان سابقها بسنين طويلة في تطور ابنائها "(15).
والسبب الثاني لغياب البحث العلمي هو هجرة العقول والكفاءات العراقية والعربية الى اماكن توفر لها العيش الرغيد والبيئة المناسبة للابداع واجواء العمل والانتاج. اما السبب الثالث فهو عدم توفر الحرية الفكرية والمبادرة الثقافية لادامة هذا الميدان، فالتكنولوجيا خصوصاً المتطورة تحتاج الى الشفافية السياسية والفكرية.
والمؤشر الاخر هو عدد الكتب والاوراق العلمية المنشورة في العراق والعالم العربي وهذا يشير ايضا الى مشكلة نظام التعليم والبحث العلمي وفشلهما كوسطين داخل مجتمعاتنا.
يعتبر عدد مستخدمي الانترنت في العراق والبلدان العربية قليلاً جدا مقارنة مع مناطق العالم الاخرى. وازداد عدد هؤلاء المستخدمين للشبكة في السنوات القليلة الماضية، وفي العراق خصوصاً بعد تغيير النظام السابق في نيسان (ابريل) 2003، ولكنها مازالت تمثل نسبة قليلة جداً وهي (1.66) في المائة من عدد النفوس الكلي في العالم، ما يجعلها واحدة من أدنى النسب على الارض(16).
6. طبيعة عمل مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في عصر المعلومات والمعرفة
عكست حرب الخليج الثالثة مؤخراً اهمية العلم والتكنولوجيا ودورها الهائل في تطوير التقنية والإستراتيجية العسكرية الحديثة.
المشكلة الاساسية في المنطقة العربية، ان الدولة بكيانها البسيط وحتى الساذج، كانت تعمل في تحليل فعاليات المجتمع كافة على اسس سياسية وايديولوجية، وفشلت في النظر للعلوم والتكنولوجيا على اعتبارها فعاليات مجردة، وهذا ما ادى الى افتقار المجتمعات العربية الى نظم معرفية ومؤسسات علمية وتكنولوجية تتجذر في المجتمع وتتطور في الوقت وتتجاذب مع التغيرات الحاصلة في العالم.
تعرض العلم والتكنولوجيا، كانتاج فكري وحضاري وعلمي، في العالمين العربي والثالث ( او الفقير كتسمية حديثة له) الى حملة من المضايقات. فقد تحول العلم والتكنولوجيا في بلداننا الى رؤى سياسية وتطلعات سلطوية او نزوات فردية. وهذا ما اضر بالعلم اشد ضرر وعكس حركته الى الوراء وهبوط مسيرته الى الهاوية واحداث القطيعة او الفجوة مع كثير من بلدان المعمورة وتخلفنا عن المسيرة العلمية وفقدنا ما يسمى بثقافة العلم.
العلم والتكنولوجيا عندنا لايمثلان مجتمعية، بل ممارسات فردية او توجيهات سياسية تتم بشكل متقطع وغير منتظم، وتكون اثارها على المجتمع ونسيجه غير متكاملة ومتفاوتة في درجة الحدة والانتشار. ورؤية المجتمعات العربية وتطلعاتها الى العلم والتكنولوجيا ربما اكثر تخلفاً من نخبها الحاكمة، مما ادى الى زيادة الأمية.
لقد كان للتعقيد التكنولوجي وتطورات الثورة المعلوماتية والمعرفية وانعكاسات العولمة وافرازات التغيرات الديموغرافية في العالم اثرها الكبير خصوصاً في الربع الاخير من القرن الماضي تركت بصمتها الواضحة على المؤسسات التعليمية، فدور الجامعة تغير من إستراتيجيات ثابتة ذات اهداف واضحة للتعليم الشامل او تعليم الاسس العامة الى إستراتيجيات ديناميكية ومتطورة ومحددة بفترة زمنية تهدف الى تعليم مصنع ومتخصص من خلال (دورات دراسية) لتلبية احتياجات السوق المستمرة والمتنوعة.
والتركيز في التعليم الحديث قائم على تنمية المهارات والخبرات لموازاة استهلاك الاسواق ومتطلبات الشركات عند التعامل مع مشاكل التكنولوجيا العالية نتيجة نفوذها في تفاصيل مجتمع الانسان المعاصر.
الغت التطورات السريعة للتكنولوجيا المتقدمة الحاجة الانية للجهد والتفكير ودعت الى متخصصين ذوي مهارات محددة يمكن لها ان تتعامل مع المشكلات اثناء حدوثها ان الواقع العلمي مع وجود امور مجهزة ومصنعة (وإرشادات كاملة الاوصاف) تدعو الى تقليل الجهد في التفكير والتحليل او سرعة التعامل مع الاثنين في هذا المضمار. ويمكن صياغتها بشكل اخر وهو وجود انماط علمية ، وقوالب تكنولوجية للتفكير والتحليل تتم وفق قواعد وخطوات مبرمجة يعمل على ضوئها عقل الانسان في كثير من الاحيان عند التعامل مع مشاكل التقنيات الحديثة او العطل في الاجهزة المتطورة الضرورية لعمل اليات المجتمع الحديث.
الامر الاخر، ان الصورة في عصر الميديا المتعددة (Multimedia) اصبحت تشكل اهمية بنفس القدر، ان لم يكن اكبر من الكلمة، أي النظر للامور مع حاجة قليلة للتصور او التخيل عن التامل والتفكير المصاحب لعملية القراءة.
لذا يتطلب من الجامعات العراقية التركيز على قيم ومفاهيم التربية الاخلاقية التي هي من صلب حضارتنا، فمجتمعنا العراقي اليوم مصاب بامراض لان نظم تعليمه مريضة. مجتمعنا قائم على امراض (تكاد تتشابه في طول وعرض البلدان العربية والاسلامية) كالمحسوبية والمنسوبية، والغش والخداع، والنفاق والفضول والتعصب والتطرف وغيرها.
وتبدو الحاجة هنا ماسة الى نظام تعليم يتمتع بصحة بالغة ليخرج للمجتمع مواطنين وقادة يساهمون في بناء المجتمع الحديث القائم على الاخلاق والتربية الحميدة والذي من شانه ان يطرح نموذجاً في العالم، والتركيز على التفكير والعملية النقدية Critical thinking بعمق خارج القوالب المبرمجة والاطر الرتيبة للعقل، بشكل عام بغية ارساء الاسس الاولية لعملية تفكير جديدة يكون دورها مهماً في حياة انساننا المعاصر، فضلاً عن توفير الاطر والصيغة الضرورية للنموذج الجديد الذي نرغب في طرحه على العالم.
7.إستراتيجية واضحة المعالم لقطاع التعليم العالي في العراق
تعد دراسة المستوى الحالي للتعليم العالي في العراق ضرورة قصوى ونقطة البداية في تشخيص شامل لاسباب التدني الحاصل في مستوى التعليم، ويحاول بحثنا طرح توصياته بشكل إستراتيجية واضحة من خطط عديدة لمحاولة تاهيل نظام التعليم العالي في العراق، وتنقسم هذه الخطط الى ثلاثة مستويات: فورية سريعة، واخرى على المدى المتوسط وثالثة على المدى البعيد، وتتضمن اصلاحات للتعليم العالي وطرائقه المتطورة، والمناهج، والابنية، والفصول الدراسية، ووسائل التدريس وعملية التقويم العلمي، ومؤهلات التدريسيين، ونسبة عددهم إلى عدد الطلبة، مع التركيز على احتياجات البلد في الجوانب العلمية والاجتماعية، اضافة الى علاج قضايا التمويل والادارة وغيرها من الامور التي يتوجب تشخيصها في البداية قبل الشروع في تطبيق الإستراتيجية الجديدة.
7-1. الخطط قصيرة المدى:
تستهدف هذه الخطط تجاوز المعوقات التي وقفت دون تطوير التعليم العالي، وتهيئة مستلزمات النهوض به، اولى مهمات الإستراتيجية الجديدة تتمثل باعادة تأهيل وتاسيس وزارة التعليم العالي المركزية في بغداد، والاقليمية في اربيل بحيث يكون العاملون فيهما من أصحاب الاختصاص والكفاءات، وادارتها من التكنوقراط المؤهل، وميزانيتها مفصولة عن ميزانية البحث العلمي. وتقوم الوزارة بتقويم ومراجعة خطط عملها كل ثلاث او خمس سنوات، وتركز عملها على التعليم العالي وما يتطلب من دعم وتطوير الجامعات والكليات والمعاهد.
الهيكل الاداري والتنظيمي الحالي لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي يحتاج هو الاخر الى تطوير لضم اقسام او مديريات بالمهارات والتوجهات العلمية والتدريب والنوعية العالية للتعليم والمناهج وغير ذلك.
ومن الضروري اذا قرر في العراق الجديد ان يكون هناك اكثر من وزارة تعليم عالي (كما هو الحال الان) فيجب ان يكون هناك نوع من التنسيق والتنظيم وتبادل الرؤى والتصورات بينها، وتتضمن الخطط في هذه المرحلة ايضاً:
1- الإلتزام بمجانية التعليم، وتعديل المناهج الدراسية وتطوير مشاريع التخرج.
2- زيادة ميزانيات الجامعات للحفاظ على مختبرات العلوم والكومبيوتر والمكتبات.
3- تطبيق معايير جديدة للقبول بالجامعات واحداث الربط المطلوب في هذا الجانب بين الجامعات والمدارس الاعدادية .
4- توفير مكاتب خاصة في الجامعات للاشراف على سكن الطلبة مقابل اسعار معقولة، فضلاً عن مكاتب تعيين الطلبة للحصول على عمل.
5- تطبيق مبدأ اللامركزية في ادارة الجامعات لتوفير المرونة المطلوبة في عملها، والمبادرة الى تقوية استقلال الجامعة.
6- تعيين الطاقم الاكاديمي والاداري على اسس ومعايير المهنية والكفاءة وليس الاعتبارات الشخصية او السياسية.
7- المباشرة في احداث الاتصال مع الجامعات المعروفة في البلدان المتقدمة لضرورة تجديد وتحديث التعليم العالي.
8- تفعيل دور العراقيين خارج البلد من ذوي المهارات المتطورة في ميادين التعليم العالي وتهيأة الأرضية المناسبة لعودتهم الى البلد وأخذ دورهم الطبيعي في عملية التحول والانتقال الى مرحلة جديدة من التعليم العالي.
7-2. الخطط متوسطة المدى:
وتمثل خطط الانطلاق والنهوض بالتعليم العالي بما يجعله مواكباً للجامعات المتطورة في العالم وذلك بتلبية احتياجات الدولة والمجتمع من الخريجين ذوي الكفاءة العلمية العالية.
وتتم هذه الاصلاحات في فترة التي تلي الخمس سنوات من بدء تطبيق الاستراتيجية الشاملة ومن بين ابرز ماتتضمنه زيادة المقاعد الدراسية في الجامعات المتخصصة التي يحتاجها البلد كالاتصالات الالكترونية والمعلومات والكهروضوئية وهندسة الجينات وغيرها من التقنيات المتطورة. اضافة الى اهمية تشجيع الطلبة على الدراسة في بعض الفروع الاجتماعية المهمة، وتطوير الدراسة النوعية، كما في علم الاجتماع واسس المجتمع المدني وماشابه. والعراق بحاجة كذلك الى جامعات متخصصة في الزراعة والتربية والتعمير والنفط والبيئة وغيرها.
ويعتبر التعاون بين الجامعات ومراكز البحث في تفعيل واغناء مرحلة الدراسات العليا لشهادات الماجستير والدكتوراه ومرحلة ما بعد الدكتوراه مهمة، وذلك لتصب في حاجات البلد ومتطلباته. ومن الضروري ايضاً الشروع بتوجه تبادل الخبرات والمعارف في مجال البحوث مع الدول العربية المجاورة وكذلك الدول الاقليمية، وذلك من خلال تنظيم زيارات قصيرة او طويلة للباحثين او محاولة اجراء البحوث المشتركة.
7-3. الخطط بعيدة المدى:
يتوقع ان تستغرق هذه الخطط عقداً او اكثر من الزمن ليتم تطبيقها، وتتضمن:
1- محاولة الإرتقاء بمستوى الجامعات والكليات الى المستويات الجيدة لنظيراتها في الولايات المتحدة واوربا.
2- تطبيق معايير جديدة في قبول الطلبة في الأقسام والكليات المتخصصة طبقاً لإعتبارات الكفاءة والقدرة وليس لاعتبارات اخرى.
3- تطبيق معايير جديدة في الامتحانات والتقويم والتركيز على مشاريع التخرج.
4- استخدام احدث تكنولوجيا العصر في تحديث المختبرات، واتاحة اجهزة الكومبيوتر وشبكة المعلومات الدولية (الانترنت) لاستخدام الطلبة مجاناً.
5- اعتبار مواصلة التدريس امراً الزامياً لترقية اعضاء هيئات التدريس في الكليات، وتوفير فرص للتدريب خارج العراق في مجالات معينة.
6- انشاء جامعات جديدة في جميع انحاء العراق لاستيعاب جميع الطلبة الراغبين في اتمام تعليمهم الجامعي، والتوجه على المدى البعيد لخلق سياسة التعليم الشامل لمواطني المجتمع العراقي في الوصول للمرحلة الجامعية.
7- استثمار الجامعات في جانب المعلومات وتوفير الشبكات الداخلية (لربط اقسام الجامعة) والخارجية (لربط الجامعات القطرية) والجامعات العربية لإحداث نوع من التداخل والتكامل مع الجامعات في مناطقها الرئيسية كالخليج والشرق الاوسط والمغرب العربي.
8- احداث التطوير الالكتروني (E-Development) في فعاليات الجامعة المعاصرة.
9- الحاجة الى مراجعة شاملة لنظم الادارة للتعليم الجامعي المتبنية للمناهج الحديثة الملائمة للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية.
10- توفير المهارات المهنية ومهارات التحليل والتفكير والعمل الجماعي وغيرها كي يجعل للطلبة دوراً في صياغة الرؤى والتصورات اضافة الى دورهم المهم كعامل استقرار في الحياة الاجتماعية والسياسية للبلد.
11- الاستفادة من المجتمع الدولي واستعداده لتقديم الاسناد للعراق، في محاولة تطوير اداء التعليم العالي.
12- تركيز الجامعات العراقية على مفاهيم التربية الاخلاقية التي هي من صلب حضارتنا.
الإستنتاجات
1. تتحدد فلسفة الدولة في التعامل مع العلم والتكنولوجيا بالمبادىء الاتية:
- حاجة الامة الى العلم مساوية لحاجتها لأن تعيش.
- تكييف استخدام التكنولوجيا واتجاهات العلم في ضوء الظروف الوطنية.
- الاهتمام بالتنمية كميدان تطبيقي لتنمية الافكار العلمية والتكنولوجيا.
- ان امتلاك القرار السياسي المستقل وتوفر قدرات اقتصادية عالية وتوفر كادر وطني يستوعب التكنولوجيا المنقولة عوامل اساسية في نقل التكنولوجيا.
- رفض طريق (تعقب) صيغ واساليب واتجاهات حركة الدول الصناعية في تطوير التكنولوجيا والاعتماد على طريق وطني خاص.
- الاهتمام بمراكز البحوث العلمية والتكنولوجية.
2. يستهدف الاصلاح الاكاديمي الربط بين إستراتيجية تخطيط التعليم الجامعي وعملية تقدم البحث العلمي والتطور التكنولوجي من خلال:
- تحقيق الارتباط بين خطة التعليم الجامعي والخطة الوطنية لتطوير البحث العلمي والتكنولوجيا.
- تحقيق الارتباط بين الجامعات ومراكز البحث العلمي فيها ومشاريع التنمية والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية للدولة.
- تطوير المناهج باتجاه تعزيز تدريس العلوم والتكنولوجيا.
- اعتماد وتشجيع تشكيل (فرق بحثية) لمعالجة المشكلات الفنية والاقتصادية والاجتماعية لمشاريع التنمية وقطاعات الاقتصاد الوطني.
- وضع برامج للتدريب العملي والمهني.
3. على الرغم من الجهود المبذولة من اجل تعزيز البحث العلمي والتطوير التكنولوجي، فان التعاون التقني العربي والتعاون التقني الدولي يساهم بشكل فعال في اغناء تلك الجهود عن طريق التنسيق والتكامل وتبادل الخبرة والاستفادة من التجارب الدولية.
















المصادر:

1. د. صباح محمود محمد، الاصلاح الاكاديمي في العراق ، مطبعة الرشاد، بغداد، 1990، ص18-19.
2. جمهورية العراق ، اقليم كوردستان ، المؤتمر العالمي للتعليم العالي في العراق من11-13/12/2007، اربيل، مطبعة مؤسسة اراس،اربيل، 2007.
3. د. صباح محمود محمد، الاصلاح الاكاديمي في العراق، مصدر سابق ،ص19-21.
4. د.نجاح كاظم ، التعليم والبحث العلمي _حاجات العراق الجديد ، المركز الثقافي العربي ،بيروت ،2005 ،ص27.
5. فاضل راضي غباش وماجد جبار غزاي،اصلاح التعليم الجامعي بين الواقع والعلاج وفق نظام ادارة الجودة الشاملة –بحث تطبيقي-على عينة من كليات جامعة القادسية،المؤتمر العالمي للتعليم العالي في العراق 11-13/12/2007 اربيل،العراق،مطبعة مؤسسة اراس،2007، ص132.
6. يحيى حمود حسن ، سبل تطوير البحث العلمي و مؤسسات التعليم العالي في الجامعات العراقية،المؤتمر العالمي للتعليم العالي في العراق11-13/12/2007 اربيل_العراق،مطبعة مؤسسة اراس،2007 ، ص83.
7. mht.مجلة معلوماتية/mhtml:file://C:/Researchs/Morrocow
8. د.محمد أبو طه ، احصائيات مختصرة حول واقع البحث العلمي في العالم العربي ، جامعة القدس المفتوحة، مطبعة الجامعة ،2008 ، ص59.
9. د.نجم الدليمي،هجرة الكفاءات العلمية العراقية-الاسباب والمشاكل والحلول،المعلومات ماخوذة من شبكة الانترنت.
10. J.M.Johnson and M. C. Refets, US National Science Foundation, NSF 98-16, 1998, p.10.
11. د.نجاح كاظم، التعليم والبحث العلمي،مصدر سابق،ص128.
12. Executive Summary- Arab Human Development Report 2003, 20 October 2003, p10.
13.علي حنوش، العراق مشكلات الحاضر وخيارات المستقبل ، دار الكنوز الادبية ، بيروت-لبنان ، 2000،ص221.
14.المصدر نفسه،ص222.
15.د.نجاح كاظم ، التعليم والبحث العلمي ، مصدر سابق ،ص113.
16. المصدر نفسه ، ص120.



#عبدالباقي_عبدالجبار_الحيدري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقترح إستحداث: مركز كوردستاني للتخطيط الحضري و الإقليمي في إ ...
- التخطيط لمعالجة الاثار الاجتماعية لانهيار المؤسسة السياسية ف ...
- غياب أسس ومعاييرالتنسيق الحضاري للإعلانات و اللافتات في إقلي ...
- اسس و معايير تطهير قانون موازنة إقليم كوردستان من الفساد
- سوسيولوجيّة الأنماط الحضريّة للمدن الكورديّة في إقليم كوردست ...
- تدني الخدمات الصحية في إقليم كوردستان العراق
- الزحف على إستعمالات الأرض الزراعيّة ومصادرتها - أزمة تخطيطيّ ...
- معالجة الفساد في إقليم كوردستان بقانون «من اين لك هذا»
- شرعية الخطوط الحمراء في الساحة السياسية لإقليم كوردستان العر ...
- حكومة التكنوقراط بين النظرية و التطبيق
- تسييس التعليم العالي في اقليم كوردستان/العراق
- الدولة الكوردية حلم ام استحقاق


المزيد.....




- رحلة -ملك العملات المشفرة-، من -الملياردير الأسطورة- إلى مئة ...
- قتلى في هجوم إسرائيلي على حلب
- مجلس الشعب السوري يرفع الحصانة القانونية عن أحد نوابه تمهيدا ...
- تحذير عسكري إسرائيلي: إذا لم ينضم الحريديم للجيش فإن إسرائيل ...
- السفير الروسي ردا على بايدن: بوتين لم يطلق أي تصريحات مهينة ...
- بالفيديو.. صواريخ -حزب الله- اللبناني تضرب قوة عسكرية إسرائي ...
- وزير الدفاع الكندي يشكو من نفاد مخزون بلاده من الذخيرة بسبب ...
- مصر.. خطاب هام للرئيس السيسي بخصوص الفترة المقبلة يوم الثلاث ...
- -أضاف ابناً وهميا سعوديا-.. القضاء الكويتي يحكم بحبس مواطن 3 ...
- -تلغراف- تكشف وجود متطرفين يقاتلون إلى جانب قوات كييف وتفاصي ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عبدالباقي عبدالجبار الحيدري - واقع التعليم العالي في العراق بين التحديات و الضرورة