أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - السيدة التي لم تقرأ الجريدة














المزيد.....

السيدة التي لم تقرأ الجريدة


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 3573 - 2011 / 12 / 11 - 13:53
المحور: الادب والفن
    


أكتب إليك، يا مبدعة النزف، على صفحات الجريدة، لعل رسالتي تصل إليك، فتقرأينها، لتعودي إليّ، بعد عشرين عامًا دون قمر فضيّ. كنتِ قد ذهبتِ على مركب أبحر، فانطبق البحر على الجبل، ولم أعد أجدك إلا في عناق المكان مع المكان. كنتُ هنا، وكنتِ هناك، لكنك لم تكوني هنا، ولم تكوني هناك. لم أكن أجدك إلا في الرؤيا، والرؤيا في المطلق، فعذبتِني عذاب طير دق البرقُ جناحه، وجناحه الآخر الحجر. لزمت الفراش مريضًا بحبك، وأنا أسعى إليك في الخيال، والخيال ليل أبيض.
أتذكرين بداية حبنا؟ لم أكن أعرف أني أحبك أنت، لم تكوني تعرفين أنك تحبين غيري. كان الوهم أقوى منا. كنتُ قد صددتك بعنف الولادة الشديدة، فالأخرى التي كنتُ واهمًا أني أحب الحمام الأسود في شعرها قد دفعتني إلى رفض النمرة في جسدك. كانت آلهتي، في ذلك الوقت البعيد، تعدني بتماثيل الغبار، وكنت قبل غرامك أخشى مرور الجمر على جسدي. كنت من اللوز مصنوعًا، وشبابي الأول من الورد والسكر. كنتِ قد حاصرتِني لتنقذيني من ورطة الحب النقيّ، وقد رميتِني بحرير أصابعك عندما تركتِها تحرق أصابعي المترددة... أكان الحرير أم نار الحرير؟ كنتِ قد أحرقتِني بنار نهدك عندما تركتِه يعبث بخاصرتي المنكسرة خلال لحظة خاطفة... أكانت النار أم حرير النار؟ ثم كنتِ قد امتددتِ على جسدي، وأنت تختطفينني من ذل الحمام، وقد ألقيتِ بي بين مخالب نسر العناق. لقد اشتهيتك قبل أن أحبك، ولقد أحببتك بعد أن اشتهيتك. ثم غدوتِ الرماد، فما ذوى مني هوى، وما غدوتُ هواك. كنتِ قد منعتِ عني جسدك في سخاء عريه الفاطر، ولم تسمحي لي إلا بصورة جسد قاتل الجمال، صورة كانت تجيء روحي في كل لحظة، وهي تبحث عن قتلي، فأتركني قتيلاً بين يديك. عند ذلك، كانت تأخذني يداك القاسيتان مثل عطر، المدمرتان مثل قمر، وكنت تتحولين إلى فتاة خجلى تتعرى. هذا نهدك أمر عليه، وهذا خصرك أحرق فيه، وهذا وَرِكُك أنهض به، وهذا فخذك أكوّن منه. كانت يداك ترقان مثل ورد الضوء، وأنا آخذ فمك بفمي، فأطبق عليه برعب طفل يطبق على جمرة عنب أحمر بين أسنانه، وأذوق لسعة نار العنب، وأنت، كُلُّكِ في حضني جسد عبقريّ، أحتويك عاجًا ينطق، وأنهارًا تخون، وبرتقالاً لا يتأوه، فأطأ بقدمي عتبة الجنة أم أنها لحظة الدخول إلى الجحيم؟ فاللذات التي يهرقها عناقنا كانت من عسل وجمر وعقرب وهدم وخراب، وكنت أخشى خروجك من الصورة، أخشى خروجك من الحلم، أخشى خروج الصورة من الحلم. كنت أريده طويلاً أبديًّا، وكنت أريده مدمرًا بينما أنت فيّ بناء، فتشهدين على أني بقيت لك وفيًّا... ولكن أين أنت؟ يا أنت الضائعة في الزمن الضائع! ضيعتُ العمر انتظارًا لمركب يعود، ثم ضيعتُ النظر بحثًا عن مركب لا يعود. وبعد عشرين عامًا، وجدتك: شعرك الخروبيّ، لونك الصهبيّ، عيناك اللتان بلون العسل الرماديّ، ابتسامتك، نظرتك، قوامك... كنتِ أنت، ولم تكوني أنت. وأنا أريح نفسي على نهديها، كانت نفسي تشتاق دومًا إلى نهديك، إلى بطنك، إلى سرتك، إلى شلالك. وجدتك فيها، لكني لم أجدها فيك. إلى أن كان يوم تحطم فيه المركب، فقد قرأت رسائل منك إليها، كنتِ أمها، وكانت ابنتي. اشتريتُ سمًا من صيدلية وضعته في حلواها المفضلة، الألف ورقة، وقتلتها. حاولت الانتحار دون أن أستطيع تحرير حلمي منك. منعتني صورتك، وأصرت على أن أواصل خدري، وها أنا أفقد رغبتي في كل النساء، وأموت موتًا بطيئًا. هل ستقرأين هذه الكلمات لتعودي إليّ، لنموت معًا، ونخلع عن الموت معنى العدم؟

بعد نشر هذه القصة، جاء رجال الشرطة عند الكاتب، وألقوا القبض عليه.

باريس أكتوبر 1987

• من "حلمحقيقي" المجموعة القصصية الرابعة لأفنان القاسم بمناسبة نشره للأعمال الكاملة.



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لقاء الأصحاء في مستشفى هنري موندور من حول سرير أفنان القاسم
- وقائع نشرة مكثفة عن التلفزيون الفرنسي
- الفتاة الممنوعة
- وحيد وجوديت
- ناتاشا والفنان
- العاطل عن اليأس
- انتحار الشاعر
- أطول ليلة في الحي اللاتيني
- القصيدة-القصة الأولى في الأدب العربي: الإبحار على متن قارب ه ...
- محمد حلمي الريشة وعلبة أسبرين
- 39 شارع لانكري
- الابن والبحر
- الله والنقود
- الطفل الآتي من هناك
- حلمحقيقي
- حبيبتي في صنعاء
- حرير دمشق
- إرادة الورد
- الهامشيون
- ساعة الصفر


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - السيدة التي لم تقرأ الجريدة