أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - حسني إبراهيم عبد العظيم - وسائل الاتصال الجماهيري وتأثيراتها في الواقع الاجتماعي(*)















المزيد.....



وسائل الاتصال الجماهيري وتأثيراتها في الواقع الاجتماعي(*)


حسني إبراهيم عبد العظيم

الحوار المتمدن-العدد: 3572 - 2011 / 12 / 10 - 21:30
المحور: الصحافة والاعلام
    


منذ قرون عديدة والناس يعيشون في مجتمعات صغيرة، في قرى أو مدن محدودة العدد، ومحدودة الاتصال بالمناطق الأخرى. وكانت نسبة المدن الكبيرة بسيطة للغاية، فمدينة (روما) مثلاً عندما كانت في أوج عظمتها لم يزد عدد سكانها عن مليون مواطن، إن غالبية الناس عاشت في دوائر صغيرة محورها صلات القربى والصداقة والمصلحة المشتركة، وكانت علاقاتهم مقصورة على نطاق المجتمع الصغير المغلق نسبيًا، ولكن الحروب والغزوات والهجرات جعلت الناس أكثر اتصالاً بعضهم ببعض، وبدءوا يختلطون بالأجانب ويستمعون إلى آرائهم ويتأثرون بعاداتهم وتقاليدهم، ورغم ذلك بقيت دائرة الإنسان الشخصية ضيقة.
ومع بداية القرن العشرين تغير الوضع تمامًا، ويرجع ذلك لسببين: الأول: نشوب الحربين العالميتين وحدوث تحركات عسكرية ضخمة بين الدول، والثاني: انتشار وسائل الإعلام الجماهيرية كالراديو والتليفزيون والصحافة، وقد أحدث ذلك تغييرات جذرية في تصورات المواطنين في جميع أنحاء العالم، واتسع أفق الأفراد وإطارهم الدلالي بشكل لم يسبق له مثيل، بحيث لم يعد في الإمكان عزل الناس عقليًا أو سيكولوجيًا عن بعضهم البعض، لأن ما يحدث في أية بقعة من بقاع العالم يترك آثاره على جميع الأجزاء الأخرى. فالعالم اليوم هو قرية الأمس، إذ اتسعت تصورات الفرد التقليدي القديم التي كانت تتسم بالبساطة وأصبح عليه أن يجاهد حتى يفهم الأخبار التي تغمره بها وسائل الإعلام يوميًا عن أحوال الأمم والشعوب الأخرى المختلفة الألوان والعقائد.
لقد أصبحت وسائل الإعلام جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وأدت دورًا بارزًا في تطور الاتصال وتقدمه، وفتحت المجال واسعًا لتدفق المعلومات وانسياب المعرفة إلى كل أنحاء العالم، وقربت المسافات بين البشر، وخلقت حضارة إنسانية جديدة.
وبسبب تنامي دور وسائل الإعلام، وحدوث تطورات تقنية هائلة على هذه الوسائل، خاصة منذ تسعينات القرن الماضي، أنجز العلماء والباحثون دراسات مكثفة حول دور هذه الوسائل ومختلف مؤثراتها، وسوف نناقش أبرز القضايا المتعلقة بوسائل الإعلام وذلك فيما يلي:

1. تعريف وسائل الاتصال الجماهيري وتصنيفاتها:

يشير مصطلح وسائل الاتصال الجماهيري Mass Media بوجه عام إلى كل الوسائط (الأدوات أو الوسائل) غير الشخصية للاتصال، التي عن طريقها تنقل كل المعلومات السمعية البصرية بشكل مباشر إلى الجماهير، وتشمل وسائل الاتصال الراديو والتليفزيون والصحف والمجلات والكتب، ومن الجدير بالذكر أن المصطلح هو اختصار لعبارة: "الأدوات المستخدمة في الاتصال مع الجماهير" ولهذا، فإن هذا التعريف يتضمن جانبين الأول متصل بالوسائل الفنية للنقل والاتصال، والثاني متصل بالجمهور، وفي هذا الصدد يذهب بعض الباحثين إلى القول بأن الأعضاء الذين يكونون الجمهور ليسوا كثيرين وغير متجانسين فقط، بل إنهم يستجيبون أيضًا لكل وسيلة من وسائل الاتصال كأفراد منفصلين.


2. أهم وسائل الاتصال الجماهيري:

يوجد العديد من وسائل الاتصال الجماهيري، إلا أن أهمها وأكثرها تأثيرًا وإقناعًا يتمثل في ثلاث وسائل أساسية:
- الوسائل المقروءة (الصحافة والمطبوعات بشكل عام).
- الوسائل المسموعة (الراديو).
- الوسائل المسموعة – المرئية (التليفزيون - السينما).

أولا. الوسائل المقروءة (المطبوعة):

كانت الكلمة ـ وما تزال ـ من الدعائم الأساسية التي تعتمد عليها عملية الاتصال، وقد ظلت الكلمة قاصرة إلى حد بعيد حتى اخترعت الطباعة، فأعلت من شأن الكلمة المكتوبة في الإعلام والتعليم، ثم كان ابتكار الإذاعة، فبلغت الكلمة المنطوقة قمة التأثير، وخلصتها من كل معوقات انتشارها.ويكاد يجمع العلماء والمفكرون على أن الكلمة هى القوة التى تستحضر الفكرة، وبدون الكلمة لا نستطيع أن نملك نواصي الأفكار والمشاعر والدوافع، فالرموز هي العمود الفقري للاتصال، وبدونها لا يمكن للاتصال أن يحقق جميع أغراضه، وقد عبر حكماء العرب قديمًا عن أهمية الكلمة، وذلك في الحكمة المأثورة الواردة عنهم والتي تقول: "إن من البيان لسحرًا".
يقول المفكر الإسـلامي الكبير مالك بن نبي(**)"1905 - 1973 : " إن الكلمة لمن روح القدس، إنها تساهم إلى حد بعيد في خلق الظاهرة الاجتماعية، فهي ذات وقع شـديد في ضمير الفرد، إذ تدخل إلى سـويداء قلبه، فتستقر معانيها فيه، لتحوله إلى إنسـان ذي مبدأ ورسالة. فالكلمة يطلقها إنسـان ، تسـتطيع أن تكون عامـلا من العوامل الاجتماعية حين تثير عواصف في النفوس تغير الأوضاع العالمية.
تعد الطباعة احد أبرز الإبتكارات البشرية في كل العصور، وكان إنتاج الكتب قبل ظهور الطباعة يتم عن طريق النسخ اليدوي، ومع أن العديد من هذه الكتب القديمة كانت تعتبر تحفاً فنية عظيمة، إلا أن عملية النسخ اليدوي غالباً ما كانت عرضة لحدوث أخطاء، وكان عدد الكتب المتاحة محدوداً للغاية، ولم يكن يستطع امتلاكها سوى القادرين وذوي النفوذ والوفرة المالية، وقد أحدثت الطباعة تغييراً مذهلاً، حيث أصبح من الممكن إنتاج آلاف النسخ من الكتاب الواحد بقدر كبير من الدقة والسرعة.
وبداية الاتصال المطبوع تعود إلى منتصف القرن الخامس عشر، حينما اخترع يوحنا جوتنبرج (1398 - 1468) المطبعة ذات الحروف المعدنية، واستطاع أن يطبع الكتاب المقدس عام 1455، والاختلاف الواضح بين الاتصال قبل هذا التاريخ وبعده يتمثل في أن الإنسان نجح في صنع آلة قادرة على إعطاء صورة مطابقة من الرسائل التي يتم تبادلها في الاتصال المواجهي أو الشخصي، ومنذ محاولة جوتنبرج طبع الإنجيل بالحروف المنفصلة، ولم يكن في دار الطباعة إلا صاحبها، حدثت تطورات عديدة أدت إلى نشأة الصحافة وتطورها سريعًا.
فقد ظهرت الفكرة الأساسية للصحيفة في وقت مبكر بعض الشيء في انجلترا وأمريكا، وقد تأسست صحافة المستعمرات الأمريكية قبل سنوات من قيام الولايات المتحدة كدولة جديدة، وعندما توفرت الوسائل الكفيلة بإصدار جريدة رخيصة الثمن للتوزيع على نطاق واسع، وعندما تم تطوير الجوانب الفنية الخاصة بسرعة الطبع والتوزيع، ظهرت الصحافة الجماهيرية التي عرفت باسم “صحيفة البنس” إشارة إلى أن ثمنها لا يتجاوز بنساً واحداً، وقد حدث ذلك في مدينة نيويورك، وقد حققت هذه الصحيفة الجماهيرية نجاحاً كبيراً، وخلال سنوات قليلة انتشرت في أجزاء عديدة من العالم.
والواقع أن بداية الصحافة كانت بداية متواضعة حيث كان صاحب المطبعة يكتب الأخبار في وريقة أو عدة وريقات ويوزعها على بعض الشخصيات الغنية ذات النفوذ الكبير والمتعطشة إلى معرفة أهم الأحداث، ثم تطور الأمر حينما أخذ أصحاب المطابع في تعيين مساعدين لهم في داخل الدار وخارجها، وخلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر ظهرت مكاتب إخبارية حسنة التنظيم ظلت تعمل لحساب هؤلاء ـ الذين كانوا يسمون تجار الأخبار ـ طوال هذه الفترة.
ولعب إنشاء مرفق البريد دورًا مؤثرًا في تطور الصحافة، فقد ارتبط تطوره بتطور الصحافة، ومشى معها جنبًا إلى جنب، وقد ظهرت الخدمة البريدية في فرنسا عام 1464، وفي انجلترا عام 1478، وقد كان الغرض من إنشاء ذلك المرفق جمع الخطابات والصور في مكان معين ونقلها بسرعة وانتظام إلى المرسل إليه، نظير أجر معين، وكان البريد ينقل بواسطة رسل -سعاة- محددين لحساب أفراد معينين.
يتضح إذن أن الطباعة والبريد كانا بمثابة الأساس الراسخ لنشأة ذلك البنيان الضخم والكيان الفذ المسمى الصحافة The Press، كذلك كانت ثمة صلة وثيقة بين الصحافة والتقدم الذي أصاب العلوم والفنون، والصناعة والتجارة في كل مرحلة من المراحل التي مرت بها الصحافة خلال تطورها.
فقد كان لظهور الوسائل العلمية الحديثة أثر كبير في انتشار الصحافة بين الأمم وتطورها، فقد وفرت الثورة الصناعية المطبعة البخارية، ثم المطبعة الكهربائية، وبعد أن كانت الصحف في بدء نشأتها مقصورة على الخاصة من الناس، زاد انتشارها بين العامة، وظهرت أشكال جديدة من الفن الصحفي، كالطباعة بالألوان، والتصوير الفوتوغرافي، وظهور الأنظمة الحديثة للتوزيع، واستخدام الوسائل السريعة كالطائرات في نقل الصحف، كما أدى استغلال الصحف في الإعلان إلى تخفيض أسعارها، مما زاد توزيعها وانتشارها، وخلقت هذه الظروف ما يعرف بالاتصال الجماهيري الذي وفر وسائل الإعلام بأسعار في متناول الرجل العادي.
وفي نهاية القرن التاسع عشر، أصبح واضحاً لرواد علم الإجتماع في ذلك الحين أن وسائل الإعلام المطبوعة (الكتب والصحف والمجلات) تقوم بأحدث تغييرات جذرية في الظروف الإنسانية، وعلى سبيل المثال أكد عالم الإجتماع الأمريكي “تشارلز هورتون كولى” في عام 1909 أن وسائل الإعلام المطبوعة كانت أكثر تأثيراً من حيث قدرتها على التعبير ونقل الأخبار والمشاعر على نطاق واسع، والتغلب على المسافة من خلال سرعتها في الوصول إلى القارئ، وكذلك من خلال خاصية الإنتشار والوصول إلى جميع الطبقات، وكان من الواضح أن عصر الإتصال الجماهيري سوف يلغي حدود العزلة بين الناس في العالم، وسوف يحقق تغييرات كبيرة في تنظيم وعمل المجتمع، وكما قال “كولى” : ” إن الإعلام الجديد يمثل ثورة في جميع مراحل الحياة، في التجارة والسياسة والتعليم، وحتى في الأمور الإجتماعية والثرثرة”.

* مميزات الصحافة:

1. يستطيع القارئ أن يسيطر على الوسيلة بالطريقة التي تلائمه، فهو يستطيع أن يطلع على الموضوعات التي يرغب فيها، ويراجع ما يريد مراجعته في أي وقت يشاء، بمعنى أن الجريدة تمتاز بأنها الوسيلة الوحيدة بين وسائل الاتصال الأخرى التي تسمح للقارئ بالسيطرة على ظروف التعامل معها.
2. يتاح للقارئ أن يقراها أكثر من مرة، ولذلك فإن وسائل الاتصال المطبوعة تكون مناسبة دائمًا لنشر الموضوعات المعقدة، والدراسات المفصلة، وتشير الدراسات إلى أن المواد المعقدة من الأفضل تقديمها مطبوعة بدلاً من تقديمها شفويًا.
3. تعد الوسائل المطبوعة أفضل بكثير للوصول إلى الجماهير المتخصصة، والجماهير صغيرة الحجم، فمن الثابت أن الحركات الثورية والمنظمات السرية، والمذاهب الجديدة اعتمدت على النشرات والمطبوعات الخاصة التي تعبر عن مبادئها وآرائها.
4. تحتاج المطبوعات إلى مساهمة القارئ وبذل جهد إيجابي من جانبه لا تتطلبه وسائل الاتصال الأخرى، لأن الرسالة المطبوعة أقل اكتمالاً، فالقارئ لا يواجه متحدثًا مرئيًا أو مسموعًا، كما هو الحال في الإذاعة والتليفزيون، ولهذا، فإن الوسائل المطبوعة تتيح للقارئ حرية أكبر من التخيل وتصور المعاني.
5. ساعدت الوسائل المطبوعة على انتشار التعليم، فحين بدأت هذه الوسائل لم نجد كثرة غالبة من القراء، إذ لم يكن التعليم منتشرًا كما هو الآن، فسعى قطاع كبير من الناس إلى تعلم القراءة والكتابة، ليتمكنوا من قراءة المطبوعات المختلفة التي تزودهم بالكثير من المعلومات.

* عيوب الصحافة:

1. تعد الصحافة من المشروعات باهظة التكاليف، ولذا فإنها تحتاج إلى احتياطي مالي كبير الذي يبلغ في بعض الدول كالولايات المتحدة ملايين الدولارات، ولم تكن الصحافة قديمًا تمتلك مصدرًا للمال سوى بيع النسخ أو الإعلانات، وكانت محدودة، ويلاحظ في تاريخ الصحافة أن كثيرًا من الصحف لم يكتب لها الاستمرار بسبب النقص الكبير في النواحي المالية.
2. يتراجع دور الصحافة في المجتمعات التي تنتشر فيها الأمية، وبذلك فإن دور الصحافة في تنمية الوعي العام وتغيير الواقع الاجتماعي تعد محدودة في دول العالم الثالث التي تعاني من انتشار الأمية فيها بصورة واسعة.
3. البطء في نقل الأخبار، حيث لا تستطيع الصحافة ملاحقة الأخبار بنفس السرعة التي يملكها الراديو والتليفزيون، فهذه الوسائل تنقل الأخبار لحظة وقوعها، في حين لا تتمكن الصحافة من متابعة الأخبار إلا في أقرب إصدار لها، وقد يكون الخبر قد تمت تغطيته بصورة كاملة عبر وسائل الاتصال الأخرى.

ثانيا: وسيلة الاتصال المسموعة (الإذاعة):

تعود التجارب الأولى التي أجريت من أجل نقل الصوت عبر الأثير إلى حوالي عام 1890، وفي 14 ديسمبر 1901 نجح ماركوني في إتمام أول إرسال لاسلكي، ولكن الإذاعة لم تصبح حقيقة واقعة إلا في عام 1920. وتعد الولايات المتحدة الدولة الأولى التى أُجريت فيها أول تجارب فى هذا الحقل وتبعتها من قريب بريطانيا وفرنسا وألمانيا، ونشطت استراليا وكندا في هذا المضمار في تاريخ يعتبر مبكرًا نسبيًا.
ففي عام 1920 بدأ الدكتور فرانك كونراد المهندس في شركة "ويستنجهاوس" Westinghouse في بنسلفانيا بتشغيل محطة راديو تليفون الهواة، واعتاد كونراد إذاعة الموسيقى المحلية المسجلة ونتائج المباريات الرياضية، وقد أثار ذلك اهتمامًا شديدًا من جانب الصحافة التي كتبت تقارير صحفية عن ذلك الاختراع، وتم صناعة أجهزة استقبال ثمن الجهاز عشرة دولارات، وقد بدأت هذه المحطة تذيع برامج منتظمة في 2 نوفمبر 1920، ووافق افتتاحها إجراء انتخابات الرئاسة، وخلال الأشهر الأولى لتشغيل المحطة أذاعت وصفًا صوتيًا لمباريات في الملاكمة والبيسبول، كما أذاعت الشعائر الدينية من الكنائس.
وتم إنشاء هيئة الإذاعة البريطانية B. B. C في عام 1924، وبدأ البث الإذاعي في فرنسا عام 1921، وفي ألمانيا 1923، وما إن انتهت سنة 1924 حتى كانت هناك محطة إذاعة واحدة على الأقل في كل بلد متقدم، وفي عام 1935 بلغ عدد محطات الإذاعة في العالم حوالي 1200 محطة، ووصل العدد في عام 1960 إلى أكثر من 7500 محطة. وقد أنشئت الإذاعة المصرية في عام 1934.
وقد ظلت الكلمة المنطوقة محدودة الانتشار، حتى اختراع الإذاعة، فحررتها من قيود المكان، ومن كل ما يعوق انتشارها... ومنذ ذلك الحين أصبح للكلمة الشفهية المنطوقة سحرها وقوتها الإيحائية، فهي تعد من أقوى الوسائل في التأثير على الجماهير، حيث تصل إليهم في كل زمان وأي مكان كما تتسم الرسالة بإمكانية تسجيلها وإذاعتها أكثر من مرة، وفي كل مرة تكتسب قوة إضافية، مما يجعل لها تأثيرها الفعال على مستمعيها.

* مزايا الإذاعة:

1. سعة الانتشار، فالراديو من وسائل الاتصال التي يمكنها الوصول إلى جميع السكان بيسر متخطية كل الحواجز، فهو يصل إلى جماعات خاصة كالأطفال وكبار السن، والمتعلمين والأقل تعليمًا وغير ذلك من الجماعات التي يصعب الوصول إليها من جانب وسائل الإعلام الأخرى.
2. السرعة الفائقة التي تنقل بها الرسالة الاتصالية من جهاز الإرسال إلى جهاز الاستقبال، فالاتصال عن طريق الإذاعة لا يحتاج إلى وسيط، فهي تصل مباشرة من القائم بالاتصال الإذاعي إلى المستمع.
3. لا يحتاج الراديو إلى أي مجهود من جانب المستمعين، وحيث أن غالبية الناس أصبحوا مشغولين وليس لديهم وقت للقراءة أو المشاهدة أصبح الراديو هو الوسيلة السهلة التي تبقيهم على علم بما يحدث.
4. الرسالة المذاعة قد تكون أقوى من الرسالة التي تنقل بالاتصال المواجهي المباشر، حيث يمكن تقوية الرسالة المذاعة بالموسيقى والمؤثرات الصوتية التي تترك انطباعًا خاصًا لدى المستمعين. وقد أكدت التجارب أن المواد البسيطة التي تقدم من خلال الراديو يسهل تذكرها مما لو قدمت مطبوعة خاصة بين الأفراد الأقل تعليمًا أو ذكاءً.
5. رخص ثمن أجهزة الراديو، وضعف استهلاكها للكهرباء، وإمكانية تشغيلها بالبطاريات الجافة، وجعلها ذلك الأكثر انتشارًا في كل أرجاء العالم، خاصة في الجزر المنعزلة، وقمم الجبال، والمساكن المتواضعة وميادين القتال، حيث يوجد أناس في أشد الحاجة إلى الثقافة والعلم والترفيه.
6. تخاطب الإذاعة الأذن، وبذلك فإنها ترهف الحس، وتعمل على إذكاء الخيال وتنميته، ويعد ذلك أحد العناصر الجوهرية الضرورية في عملية التعلم ورفع الوعي وتنمية الشخصية. وقد قيل قديمًا: "إن الأذن تعشق قبل العين أحيانًا".
وتعاني الإذاعة من عيب واحد بسيط وهو أن سهولة استخدامها يجعل الكثيرين يتعاملون معها بلا اهتمام أو تركيز، وبالتالي يتحول الراديو إلى مجرد خلفية ترفيهية أكثر من كونه منبرًا للوعي والاستنارة. وقد تراجع دور الإذاعة بعد اختراع التليفزيون، وازداد هذا التراجع بعد التطورات الهائلة في الأقمار الصناعية والقنوات الفضائية.
وقد أتاحت المزايا السابقة فرصة كبيرة لإسهام الإذاعة في عمليات التنمية، فقد تم استخدام الإذاعة في عمليات محو الأمية في دول العالم الثالث، فقد تم على سبيل المثال إجراء تجربتين عالميتين في أمريكا اللاتينية والهند، وكان القاسم المشترك بينهما هو الاعتماد على فكرة الاستماع الجماعي الموجه، حيث ينقسم الدارسون إلى مجموعات استماع، لكل منها رائد أو مشرف، وتعقب كل درس من الدروس مناقشة جماعية تبلغ نتائجها إلى المحطة المرسلة لإعانتها على تطوير برامجها وزيادة ارتباط المستمعين بها.

ثالثا: الوسائل المسموعة – المرئية ... (التليفزيون - السينما):

منذ أن عرف الإنسان استخدام النقوش والرسوم كرموز للاتصال، كانت الصورة إحدى الدعائم الأساسية في عملية الاتصال، وظلت هذه الصورة حبيسة منذ أن نقشها الإنسان القديم في الصخور والكهوف وجدران المعابد، حتى رسمها الفنانون في العصور الوسطى على حوائط الكنائس، وقبابها... ثم اخترعت آلة التصوير، فأخرجت من الصورة الواحدة عدة نسخ، ثم ظهرت السينما فزادت قوة الصورة ورهبتها من خلال الحركة والكلام واللون... ثم جاء التليفزيون إلى حيز الوجود فتفوق على السينما بأن أكسب الصورة مزيدًا من الحيوية والواقعية، ونظرًا لأن التليفزيون يجمع بشكل فريد بين الصورة والكلمة، فقد أصبح في فترة وجيزة أهم وسيلة اتصال جماهيري في عصرنا.
يرجع الفضل في إخراج التليفزيون إلى العالم البريطاني "جون بيرد" J. Bird الذي تمكن من اختراع فكرة التليفزيون إلى حيز الوجود عام 1924 تطبيقًا لعدة نظريات علمية، حيث أجرى العديد من التجارب حتى وصل لفكرة الإرسال والاستقبال التليفزيوني. وانطلقت أول إذاعة تليفزيونية بريطانية في 5 ديسمبر 1929 من هيئة الإذاعة البريطانية باستخدام استوديوهات "بيرد"، غير أن البرامج لم تكن منظمة، ويعد يوم 2 نوفمبر 1936 هو بداية أول إرسال تليفزيوني منظم في بريطانيا، ولم تتجاوز مدة الإرسال ثلاث ساعات. وفي نفس الفترة تقريبًا (من عام 1923 - 1930) أجريت تجارب مماثلة أدت لاختراع التليفزيون في الولايات المتحدة الأمريكية.
أما السينما فقد بدأت عندما أمكن تحريك الصورة الثابتة، فكان مولد هذه الوسيلة التي أخذت مكانها في عالم الاتصال، وقد شاهد الجمهور أول عرض سينمائي في 28 ديسمبر 1895، وكان ذلك في فناء "الجران كافيه" أي المقهى الكبير فى باريس، والمخترع الحقيقي للسينما هو "لويس لوميير" الذي استطاع أن يضع أول جهاز لعرض الصور السينمائية والتقاطها، وسجل اختراعه 13 فبراير 1895، وابتداءً من هذا التاريخ أصبحت السينما واقعًا ملموسًا ... ولم يمض على العرض الأول ثمانية أشهر إلا دخل هذا الاختراع جميع عواصم أوروبا، وانتقلت سينما لوميير إلى اليابان والهند وأستراليا، ولم تمض سنة على أول حفلة عرض في باريس حتى كانت العروض السينمائية تغزو العالم كله.
وقد اتضح من التجارب والدراسات التي أجريت على الوسائل المسموعة – المرئية كالفيلم السينمائي والتليفزيون، أن لهاتين الوسيلتين تأثيرًا قويًا بحكم واقعية الصورة، وحيويتها، واقترانها بالصوت المعبر، فهذه الوسائل تعتمد على حاستي السمع والبصر اللتين يحصل الإنسان بواسطتهما على 98% من معارفه، وقد لوحظ أن هاتين الوسيلتين تستحوذان على اهتمام كامل من جانب الجماهير أكثر من الوسائل الأخرى، خاصة الأطفال، فقد كشفت بعض الدراسات أن أغلب الأطفال وكثيرًا من الكبار يميلون إلى أن يقبلوا دون تساؤل أغلب المعلومات التي تظهر في الأفلام وتبدو واقعية، ويتذكرون تلك المعلومات بشكل أفضل.
ورغم أن التليفزيون هو أحدث وسائل الاتصال الجماهيري، إلا أنه قد فاق كل الوسائل الأخرى في الانتشار والتأثير، فقد أخذ مكانه في كل البيوت، وأخذت أجهزته تنتشر في كل ركن من أركان العالم ... وهو يجمع المنظور بالمسموع، ويستغل الصوت والصورة، فهو أفضل من الراديو في هذه الناحية، ويشبه السينما من حيث التقنية، إلا أنه يختلف عنها في أن ما يعرضه للناس ينتقل إليهم، ولا يكلفهم مشقة الانتقال إليه، وهو يوجه رسائله للناس في إطارهم الاجتماعي – الثقافي، كما أنه يتطلب من المشاهدين الاستغراق ـ شبه الكامل ـ لتتم الإفادة من عروضه.
إن الذهاب إلى السينما أو المسرح، إنما يكون في وقت محدد، وعادة الذهاب إلى السينما أو المسرح لا تتحقق إلا في وقت الفراغ أو الراحة، ولا تتم بصورة يومية، أما التليفزيون فإنه يصل إلى الناس في أماكن تواجدهم، ويعرض عليهم العالم والأحداث وشتى مظاهر الحياة، وهذه الطبيعة تهيئ له فرصة مخالطة كافة الفئات الاجتماعية، ويلمس عن قرب مختلف اهتماماتهم، ويفوق في ذلك الراديو بكثير.
فالتليفزيون يستلزم انتباهًا أكثر من الراديو، لأنه يحتاج إلى حاستي السمع والبصر، فلا يستطيع المشاهد أن يفعل شيئًا آخر وهو يشاهد برامج التليفزيون، في حين أنه يستطيع أن يقرأ أو يقود السيارة وهو يستمع إلى الراديو، ومشاهد التليفزيون يندمج تمامًا في المشاهد، لأن مضمون التليفزيون محدد، وليس مضمونًا مجردًا، فالمتفرج على التليفزيون يشاهد ويسمع، أما مستمع الراديو فإنه يترك الفرصة لخياله لكي يصول ويجول.

* مزايا التليفزيون:

يتمتع التليفزيون بشكل عام بعدة مزايا يشارك بعضها مع الوسائل الأخرى، وينفرد بالبعض الآخر، فمن مزاياه الرئيسية:
1. أنه أقرب وسيلة للاتصال المواجهي، فهو يجمع بين الرؤية والصوت والحركة واللون، وقد يتفوق التليفزيون على الاتصال المواجهي في أنه يستطيع أن يكبر الأشياء الصغيرة، ويحرك الأشياء الثابتة.
2. يقدم التليفزيون مادة إعلامية في نفس زمن حدوثها، أي قد لا تمر فترة زمنية بين وقوع الحدث وتقديمه، ومع التطورات الحالية فإنه قد ينقل الأحداث مباشرة، كما حدث في نقله لعملية تدمير مركز التجارة العالمي بنيويورك في 11 – 9 – 2001.
3. يلعب التليفزيون دورًا أكبر وأكثر تأثيرًا من الصحافة والراديو في عملية الإعلان، ويسمح بتطوير أساليب وتقنيات متقدمة في تقديم الإعلان، وإثارة المشاهدين وجذبهم نحو المنتج.
ونخلص مما سبق إلى أن وسائل الإعلام الجماهيري المختلفة تتكامل فيما بينها في تقديم الرسالة الإعلامية، فلكل وسيلة سماتها التي تميزها عن الأخرى، ولكل وسيلة جمهورها الخاص، وتغطي مزايا كل وسيلة على العيوب أو أوجه القصور التي تعاني منها هذه الوسيلة، كما أن هذه العيوب قد تكون حافزًا للمتلقي لتنويع الوسائل التي يستخدمها، ليستفيد من مزاياهم جميعًا، ويتجنب أوجه القصور في هذه الوسائل.

تأثير وسائل الإعلام:

تأسيسًا على تحديد مفهوم الاتصال بأنه: "من يقول ماذا لمن، كيف (بأي وسيلة) وما هو التأثير" فإن النظر في التأثير "Effect" الذى هو النتيجة والهدف من الاتصال يشكل عنصرًا من عناصر الدراسة في التحليل السوسيولوجي للاتصال، وهذا العنصر هو المحصلة النهائية لعملية الاتصال.
يقصد بالتأثير الإعلامي أن تجعل الآخرين يطيعونك أو يذعنون لك، أو ببساطة تعظيم التشابه في الفكر والسلوك بين المرسل والمستقبل، ويختلف التأثير عن التعليم والفهم واكتساب المعلومات والمعنى والتفاعل وجذب الاهتمام، لكنه قد يكون كل هذه الأشياء، وحتى الآن لا يوجد فهم كامل لعملية التأثير الإعلامي، ولا توجد نظرية تقدم تحليلاً كاملاً لتأثيرات الاتصال، ولا يزال الجدل قائمًا بين الباحثين حول تأثير الإعلام في الحياة المعاصرة.
إن التأثير إذن هو النتيجة من عملية الاتصال، فالمرسل عندما يبدأ في التخطيط للاتصال، ويقوم بهذه العملية، ويستخدم الوسائل الملاءمة التي ينقل بها إلى المتلقي فكره أو مشاعره في شكل رسالة، فإنه يتوقع العائد من هذه العملية في شكل رد فعل من المتلقي الذي استهدفه بالاتصال، وقد يكون رد الفعل إيجابيًا Positive ويعني ذلك تحقيق التأثير المقصود، وقد يكون رد الفعل سلبيًا Negative أي أن التأثيرات المطلوبة من عملية الاتصال لم تتحقق.
واستنادًا إلى ذلك يمكن القول إن التأثير هو المحصلة النهائية لعملية الاتصال، ويتضح ذلك في حدوث تغييرات في سلوك المتلقي نتيجة استقباله الرسالة، ومن ثم فإننا حينما نتحدث عن الاتصال الفعال أو "المؤثر" Effective فإننا نقصد الاتصال الذي ينجم عنه تغييرات في سلوك الجماهير كان يقصدها المصدر. وهناك ثلاثة أشكال من التأثيرات:
1. تغييرات في معلومات المتلقي (الجمهور).
2. تغييرات في اتجاهات المتلقي، أو سلوكه الكامن.
3. تغييرات في السلوك العلني أو الفعلي، مثل إعطاء صوته، أو شرائه منتجًا معينًا... الخ.

تطور بحوث التأثير الإعلامي:

يمكن القول إن بحوث التأثير التي اعتمدت على التجريب والمناهج العلمية الأخرى لم تبدأ إلا في بداية العشرينات حيث أصبحت خطوات البحوث واستراتيجياتها وأدواتها متوفرة نتيجة التطور في العلوم الاجتماعية وخاصة علم النفس وعلم الاجتماع ففي عام 1920 صممت بحوث وقياسات وطرق إحصائية لدراسة آثار الإعلام، وقد ساد الاعتقاد بالتأثير الضخم لوسائل الإعلام على الجمهور أو ما يعرف بنظرية الرصاصة السحرية The Magic bullet theory والتي قامت على فكرتين:
الأولى: مستمدة من النظرة إلى الجمهور كحشد مكون من أفراد منعزلين أو ذرات مبعثرة لا توجد بينهم علاقات وروابط اجتماعية.
الثانية: مستمدة من النظرة إلى الطبيعة الإنسانية وتفسيرها في إطار المملكة الحيوانية تأثرًا بنظرية داروين. (فاطمة القليني ومحمد شومان 2004: 87).
فقد ظل الاعتقاد طويلاً بأن الاتصال يؤثر تأثيرًا على الأفراد كأفراد، وكان الدارسون من رجال الإعلام وعلماء الاجتماع وغيرهم يعتقدون أن مضمون الاتصال وتأثير وسائله يشبه تأثير الحقنة التي يحقن بها المريض فتحدث تأثيرها المباشر والسريع ... وكانت النظرة إلى الإنسان المتلقي، وكأنه شخص لا حول له ولا قوة، ينفذ ما يتلقاه من أوامر كأنه دمية، وساد الاعتقاد في ظل هذه النظرة بأن وسائل الاتصال الجماهيري تستطيع أن تغير الاتجاهات وتسيطر على سلوك الناس، غير أن الدراسات التي أجرى بعضها في المعمل، وأجرى البعض الآخر في الظروف الطبيعية أثبتت أن وسائل الاتصال تعمل في العادة كأداة لتدعيم الاتجاهات والأفكار أكثر مما تعمل كأداة للتغيير.
ففي نهاية العشرينات من القرن الماضي توصلت بحوث التأثير إلى اكتشافات مهمة، وبدأت المعرفة بوسائل الإعلام تزداد، وتراجع الاعتقاد بصحة نظرية الرصاصة السحرية نتيجة اتساع نطاق البحوث الإمبيريقية، واستفادت بحوث التأثير من نتائج بحوث ونظريات علم النفس وعلم الاجتماع حول السمات الشخصية والاختلافات الفردية والفئات الاجتماعية والبناء الاجتماعي وشكلت الاختلافات الفردية والفئات الاجتماعية منظورًا جديدًا لدراسة التأثير بدأ يحل محل نظرية التأثير الهائل لوسائل الإعلام (الرصاصة السحرية).
ومع الحرب العالمية الثانية ازداد الاهتمام ببحوث التأثير وخاصة استطلاعات الرأي العام، وقامت جماعات بحث متطورة للغاية أكاديمية وتجارية بتنفيذ هذا العمل. وفي أواخر الأربعينات والخمسينات، تراجعت كثيرًا نظرية الرصاصة السحرية، فالاتصال الجماهيري لم يعد طلقة في الجمهور غير المحدد، بل لم تعد هناك حاجة للقول بأن الإعلام والدعاية لا يمكن مقاومتهما، ودخلت كثير من المتغيرات في عملية تأثير وسائل الإعلام، فالمتلقى لم يعد هدفًا سلبيًا، كما أن الإعلام لم يعد نشاطًا خارقًا للعادة.
ونتيجة هذه النظرة ظهرت مفاهيم جديدة في نظريات الاتصال تصف تعامل المتلقي مع وسائل الإعلام، مثل المتلقي غير المتعاون، والمتلقي العنيد Obstinate Audience الذي تحدث عنه عالم النفس الاجتماعي "ريموند بافير" R. Baver إلى المتلقي الواثق من نفسه Self - reliant إلى المستقبل أو المتلقي النشط active، كما تحولت نظرية الاتصال من مفهوم قوة الإعلام التي لا يمكن مقاومتها، إلى مفهوم الإعلام كمصدر قوة ضمن مصادر أخرى يتفاعل معها.
وهكذا مرت بحوث التأثير بتطورات عديدة سادت في كل منها أدوات بحثية ومناهج ومفاهيم ونظريات ما لبثت أن اختفت بدورها لتفسح المجال لاكتشافات ونظريات عديدة، وبذلك فقد استمرت عجلة التطور في بحوث التأثير حتى الوقت الراهن.

الأسس السيكولوجية لعملية التأثير:

قدم علم النفس العديد من النتائج حول العناصر والعوامل التي تتحكم في سلوك الإنسان، وتلعب دورًا مؤثرًا في عملية التأثير، ولما كان الاتصال هو محاولة التأثير على سلوك الإنسان، وتوجيه هذا السلوك وجهة معينة، وذلك من خلال إثارة دوافع معينة لدى الإنسان نحو سلوك معين، فإن فهم الأسس النفسية لعملية التأثير يعد عنصرًا ضروريًا ولازمًا لتحليل عملية الاتصال.
لقد توصل علماء النفس والاجتماع إلى حقيقة هامة وهي أن دراسة السلوك الإنساني ليست بالأمر الهين أو البسيط. بل هى من الأمور المعقدة، بحيث أنه لكي نفهم سلوك الإنسان، فلابد من فهم الدوافع التي تتصل بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بما يحيط به، وهذه الدوافع هي أساس السلوك الإنساني، أو بمعنى أدق، فالإنسان وسلوكه وبناء شخصيته هو نتاج تفاعل تكوينه البيولوجي والنفسي الموروث مع العوامل المادية والاجتماعية التي تحيط به طوال حياته من كل جانب.
من كل ما تقدم، يتبين لنا أن الإنسان عندما يتلقى فكرة معينة لتؤثر في خصائصه العقلية والنفسية، فإنه يشرع في استيعاب وهضم هذه الفكرة واسترجاعها وفق المؤشرات النفسية السابقة. إن الإنسان مخلوق معقد يتأثر سلوكه بعوامل ظاهرة وخفية، والسلوك الإنساني يحدث نتيجة تأثيرات داخلية صادرة من داخل نفسه كإنسان، وعوامل خارجية تحيط به.

قادة الرأي ودورهم في تفعيل التأثير الإعلامي

أكدت الدراسات التي أجريت على التأثير في عملية الاتصال أنه كلما زاد الطابع الشخصي للاتصال كلما زاد تأثيره، وترجع قوة تأثير الاتصال الشخصي إلى أنه اتصال أكثر مرونة في التغلب على التأثير المضاد، كما انه يكافئ الفرد على قبوله، ويشعره بالثقة في مصدر الاتصال ... ولذلك فإن تأثير الاتصال الشخصي أكثر قوة، وقد أكدت تلك النتيجة ما توصلت إليه دراسات أخرى من أن فاعلية تأثير وسائل الإعلام الجماهيرية تزيد عندما تدعمها الاتصالات الشخصية المباشرة التي يقوم بها عادة الأفراد القياديون الذين يؤثرون في الجماعات التي ينتمي إليها.
إن الرسائل الإعلامية لا تؤثر على أفراد الجماهير مباشرة لكنها تؤثر من خلال أفراد قياديين ينتشرون بين مختلف الفئات الاجتماعية، وهؤلاء هم الذين يعرفون "بقادة الرأي" Opinion Leaders وهم الذين يشكلون الصيغة النهائية للرسائل الإعلامية، ويقدمونها إلى الجمهور بالطريقة التي تتمشى مع مبادئ وقيم الجماعة، وما يظن أنها آراء خاصة، ما هي إلا اتجاهات تشكلها الجماعات والشخصيات المؤثرة في الجماهير.
ويمكن تعريف قائد الرأي بأنه الرجل الذي يستطيع من خلال تفاعله (اتصاله) مع الآخرين التأثير في اتجاهاتهم وسلوكهم أكثر مما يؤثرون فيه، ويمكن أن يوصف بأنه متحدث باسم جماعته، أو بأنه ينظم آراء الجماعة، ويحظى بمكانة عالية وسلطة تأثير على اتجاهاتهم وسلوكهم، وإذا قصر في أي دور من هذه الأدوار، فلن ينظر إليه بعين الاعتبار كقائد.
إن التأثير الإعلامي أشبه بأشعة الشمس التي تسير في خطوط مستقيمة، ولكنها تعاني انكسارات مختلفة عندما تدخل في نطاق الجماعات الأولية، ويمكن أن نشبه الاتصال بالأشعة التي تمر من مرشحات ضوئية فتتلون بها، فهذه المرشحات هي "قادة الرأي" ولهذا فإننا يجب ألا نتصور أن عملية الاتصال تؤثر تأثيرًا مباشرًا على الأفراد كأفراد، فالفرد يستجيب لعملية الاتصال لا بوصفه شخصية منعزلة، ولكن بوصفه عضوًا في جماعة، وفي شبكة من الجماعات الأولية والثانوية التي تؤثر تأثيرًا حاسمًا في آرائه واتجاهاته.
ويرجع الفضل في كشف أهمية قادة الرأي في الاتصال إلى "لازار سفيلد" وزملاءه أثناء دراستهم الرائدة عن الانتخابات الأمريكية عام 1940، حيث اكتشفوا أن عملية الإدلاء بالأصوات ليست عملاً فرديًا، بل تتأثر باتجاهات وآراء الجماعة التي ينتمي إليها الفرد، وأن المناقشات التي تدور داخل الجماعة أكثر تأثيرًا من وسائل الإعلام على توجيهات الناخبين، وخلصوا إلى أن وسائل الإعلام تلعب دورًا محدودًا في التأثير المباشر على اهتمامات وسلوك الناخبين، وأن هناك قادة للرأي داخل كل جماعة أهم ما يميزهم أنهم أكثر تعرضًا لوسائل الإعلام.
وقد سميت هذه الفكرة بنموذج الاتصال على خطوتين Two Steps Flow وفتحت المجال واسعًا حول دراسة دور قادة الرأي في تفعيل التأثير الإعلامي وتنشيطه.
ــــــــــ
(*) المصدر:
حسني إبراهيم عبد العظيم، مقدمة في سوسيولوجيا الاتصال، مكتبة دار الكتاب الجامعي، بني سويف،ج.م.ع. 2011.
(**)مالك بن نبي مفكر جزائري من جيل الرواد الذين انشغلوا بقضية نهضة العالم الإسلامي، تحلَّى مالك بن نبيّ بثقافة منهجيَّة، استطاع بواسطتها أن يضع يده على أهم قضايا العالم المتخلِّف، فألف سلسلة كتب تحت عنوان " مشكلات الحضارة" بدأها بباريس ثم تتابعت حلقاتها في مصر فالجزائر، أصدر كتابه الظاهرة القرآنية في سنة 1946 ثم شروط النهضة في 1948، الذي طرح فيه مفهوم القابلية للاستعمار ووجهة العالم الإسلامي 1954، أما كتابه مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي فيعتبر من أهم ما كتب بالعربية في القرن العشرين.









#حسني_إبراهيم_عبد_العظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرية العقيدة في الإسلام قراءة في كتاب لا إكراه في الدين للدك ...
- تعليقا على الصورة العارية للمدونة علياء المهدي: الإنسان حيوا ...
- التطور التاريخي للاتصال الإنساني
- مفاهيم إعلامية
- حرية العقيدة في الإسلام: قراءة في كتاب لاإكراه في الدين للدك ...
- بيير بورديو . . . الفلاح الفرنسي الفصيح
- ذاكرة الجسد وذاكرة المجتمع
- ختان البنات ورأس المال الرمزي
- عن محمد الرسالة والرسول . . . هكذا تكلم نظمي لوقا
- كلمات الحق القوية
- الإسلام والحضارة(2) ردود وتعليقات
- الإسلام والحضارة : رؤية محايدة
- النظرية السوسيولوجية وقضايا الإعلام والاتصال
- ميشيل فوكو وتأسيس سوسيولوجيا الجسد (2) النظم الفاعلة في تروي ...
- الهرمنيوطيقا والوعي التاريخي: قراءة في كتاب (إشكاليات القراء ...
- البيئة والصحة والمرض: مقاربة سوسيو- تاريخية-*-
- ميشيل فوكو وتأسيس سوسيولوجيا الجسد(*)
- إشكالية بدء الوجود الإنساني على الأرض
- تطور الانشغال السوسيولوجي بالجسد الجزء الأول
- تطور الانشغال السوسيولوجي بالجسد الجزء الثاني


المزيد.....




- -ضربه بالشاكوش حتى الموت في العراق-.. مقطع فيديو لجريمة مروع ...
- آلاف الأردنيين يواصلون احتجاجاتهم قرب سفارة إسرائيل في عمان ...
- نتانياهو يوافق على إرسال وفدين إلى مصر وقطر لإجراء محادثات ح ...
- الإسباني تشابي ألونسو يعلن استمراره في تدريب نادي ليفركوزن
- لأول مرة.. غضب كبير في مصر لعدم بث قرآن يوم الجمعة
- القيادة المركزية الأمريكية تعلن تدمير 4 مسيّرات للحوثيين فوق ...
- صاحب شركة روسية مصنعة لنظام التشغيل Astra Linux OS يدخل قائم ...
- رئيسا الموساد والشاباك يتوجهان إلى الدوحة والقاهرة لاستكمال ...
- مصر.. فتاة تنتحر بعد مقتل خطيبها بطريقة مروعة
- علاء مبارك يسخر من مجلس الأمن


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - حسني إبراهيم عبد العظيم - وسائل الاتصال الجماهيري وتأثيراتها في الواقع الاجتماعي(*)