أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صادق إطيمش - الصراع على ملئ فراغ إنسحاب الأمريكان من العراق















المزيد.....

الصراع على ملئ فراغ إنسحاب الأمريكان من العراق


صادق إطيمش

الحوار المتمدن-العدد: 3568 - 2011 / 12 / 6 - 01:36
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


الصراع على ملئ فراغ إنسحاب الأمريكان من العراق
قبل بدء الحديث عن هذا الصراع ، اجد من الضروري مناقشة المعطيات التي أدت إلى الإنسحاب ألأمريكي من العراق والذي تحاول القوى التي تتهيأ لصراع ملئ الفراغ هذا ان تجعل كل منها ومن " مقاومتها للإحتلال " وكأنه الفيصل الحاسم في هذا الأمر ، فتُصَوِر لكل من يرتاد محافلها المقروءة والمسموعة والمرئية بأنها هي التي " أجبرت " السياسة الأمريكية على إتخاذ قرار الإنسحاب من العراق وذلك بسبب الخسائر العسكرية التي اوقعتها " مقاومتها " في صفوف جيش الإحتلال .
العمليات العسكرية التي تؤدي إلى إحتلال وغزو عسكري لبلد ما اصبحت من البديهيات المرفوضة من قِبَل اي شعب يتعرض لهذا الإحتلال والغزو وما يترتب على ذلك من حق الشعوب في مقاومته بكل الوسائل التي توفرها لها ظروفها الذاتية والموضوعية . والشعب العراقي وما عُرِف عنه في كل تاريخه النضالي بانه شعب ابى وحارب كل اشكال التدخل الأجنبي في وطنه سواءً جرى ذلك في عهود التسلط العثماني او في العهد الملكي الذي إستباحت به القوات البريطانية ارض العراق او في عهد التسلط الدكتاتوري البعثي الذي إختتم تاريخه الأسود في حكم العراق بهزيمته امام الإحتلال الذي سببته سياساته الرعناء وحروبه العبثية . لقد انتجت سياسة البعث المقبور مناخاً سياسياً على ارض العراق اصبح فيه الشعب العراقي ، وخاصة في السنين العشر الأخيرة من حكم دكتاتورية البعث ، في وضع يصارع فيه ظروفه المعاشية التي اطبقت عليه الخناق فانهكت كل ما لديه من نشاطات سياسية جرى توظيفها على الساحة السياسية العراقية والتي تكللت بالإنتفاضة الجماهيرية في آذار من عام 1991. وبعد أن إستمر الوضع المأساوي الذي شكل الحصار المفروض على العراق قاعدته الأساسية والذي نال الشعب العراقي منه ما نال ، دون ان تمس مآسي هذا الحصار الطغمة الحاكمة وجهازها الأمني ، اصبح من الواضح تماماً حاجة الجماهير الجائعة والمنهوكة القوى صحياً واقتصادياً وفكرياً واجتماعياً إلى نظام يهيئ لها فرص العيش الآمن الخالي من الملاحقات السياسية والضنك الإقتصادي والقمع الفكري والإنحدار الإجتماعي الذي مارسته دكتاتورية البعث على ارض العراق .وبعد إنهيار هذه الدكتاتورية إستبشر الناس بذلك خيراً ، دون ان يشكل عامل سقوطها الأساسي ، ألإحتلال ، هاجساً كبيراً لهؤلاء الناس الذين إقتنعوا وبمرور الزمن بضآلة إمكانياتهم الذاتية للتخلص من البعثفاشية وجهازها الأمني الرهيب . عندما دارت في الأوساط الدولية فكرة الحرب على دكتاتورية البعث تصدّت بعض القوى السياسية في صفوف المعارضة العراقية آنذاك لمثل هذه الأفكار ووقفت ضدها سياسياً ، دون ان يكون في مقدورها او في مقدور قوى المعارضة العراقية الأخرى التصدي لمثل هذه الحرب على العراق عسكرياً . وحينما تم الإحتلال فعلاً وانزاح الكابوس المظلم عن كاهل الشعب العراقي ، إستمرت القوى المناهضة للإحتلال سياسياً على التثقيف بسياستها والعمل ضمن سياقاتها الممكنة على تحقيقها على الشارع العراقي من جهة والتوجه لمساعدة الشعب العراقي على تأسيس نظام جديد يزيح ما خلفته البعثفاشية في مختلف المجالات من جهة أخرى . ليس موضوع حديثنا الآن فيما إذا نجحت هذه القوى في الحصول على ما تبنته سياستها اليومية بعد سقوط دكتاتورية البعث ام لا وما هي الظروف الذاتية والموضوعية التي رافقت هذه السياسة. بل ان ما نرمي إليه هنا هو بروز بعض المزايدات السياسية على الساحة العراقية، هذه المزايدات التي قفزت على كل الواقع المعاش فعلاً ، لتدير ظهرها لكل المآسي والويلات التي خلفتها دكتاتورية البعث ولتضع الشعب العراقي في دوامة مآسي اخرى لا يتحملها الشارع العراقي ، مُعلنة عن سلوكها الطريق العسكري لمقاومة الإحتلال وتفسير ذلك على انه الطريق الوحيد لمواجهة الإحتلال الذي اتت به بعض فصائلها إلى العراق ، أو تلك الفصائل التي فتح لها الإحتلال ابواب الظهور على الساحة السياسية العراقية ، حيث لم يكن يسمع عنها احد لا في العراق ولا خارج العراق طيلة عقود النضال الوطني ضد دكتاتورية البعث المقبورة ، فاطلقت على نفسها صفة " المقاومة ".
إذا تدبرنا امر هذه " المقاومة " بمختلف مسمياتها الشريفة ، إن كانت موجودة فعلاً ، وغير الشريفة فسنجدها وقد تمحورت حول قطبين أساسيين عاملهما المشترك الإرهاب الذي عانى ولا زال يعاني منه الشعب العراقي .
القطب الأول هو ذلك الذي إمتشق سيف الدين فصارت عصاباته تصول وتجول على مختلف اراضي العراق في ظروف إنعدام ، يكاد يكون تاماً ، وجود حكومة عراقية قوية وأجهزة امن فاعلة ذات قابلية على التصدي لمثل هذه العصابات التي جعلت من إطروحاتها الدينية معاول تقع على رؤوس مخالفيها ، ولا فرق عند هذه العصابات ماهية هؤلاء المخالفين ، من المسلمين او غير المسلمين ، امريكان كانوا او عراقيين . وعلى اساس هذه القناعات المتخلفة جرى تنفيذ العمليات الإرهابية التي أودت بحياة العراقيين بأضعاف مضاعفة مما نالته القوات الأمريكية من قِبَل هذه العصابات التي أخفت أهدافها السياسية القبيحة خلف اسماء الأوصياء والأولياء والخلفاء .
اما القطب الثاني فقد إتخذ من خبرته في القتل والجريمة لأربعة عقود تسلط فيها على تاريخ العراق بقوة الحديد والنار ، مساراً لعمل عصاباته التي لم تضع امامها كهدف لابد من وصوله غير الإنتقام من الشعب العراقي الذي ظل يتفرج على سقوط حكمها البعثفاشي المقيت حينما داهمته قوات التحالف الدولي، ففر قادة " البعث الصامد " مختبئين في جحورهم تاركين الوطن الذي إبتزوه لعشرات السنين نهباً بين اللصوص والمحتلين ، بعد ان إنهار جيشهم امام اولى الضربات العسكرية وهم الذين هدروا الملياردات من الأموال على هذا الجيش الذي حلَّ نفسه بنفسه حينما خلع منتسبوه كباراً وصغاراً بدلاتهم العسكرية ،حيث ظل كل منهم يفتش عن ملاذ آمن له . وعصابات البعث هذه قتلت أيضاً في عملياتها الإرهابية الإجرامية من الشعب العراقي أكثربكثير مما كانوا يتبجحون به " كذباً " تحت إسم " مقاومة " الإحتلال، إذ انهم لم ينسوا طبعاً بإن قائد هذ الإحتلال للعراق اليوم هو الذي جاء بهم إلى السلطة بالأمس حاملهم على قطاره لتحقيق إنقلابهم الدموي الفاشي في الثامن من شباط من عام 1963.
هذه الإدعاءات التي تطلقها هذه العصابات او حتى مَن يمثلها داخل العملية السياسية العراقية الآنية ما هي إلا بالونات إختبار لجس النبض السياسي لدى السلطة ومدى إستعدادها الأمني للتعامل مع وضع ما بعد الإنسحاب اولاً ، ولتهيئة الشارع العراقي لقبول إطروحة " المقاومة " التي ربطها هذا الشارع بالإرهاب دوماً وبالتالي قبول ملئ هذه الجهة او تلك للفراغ السياسي والأمني الذي سيتركه الإنسحاب الأمريكس ثانياً . وإلا فبماذا يمكن تفسير تصريحات نائب رئيس الوزراء السيد صالح المطلك ، وهو على قمة العملية السياسية الجارية اليوم في العراق ، في لقاءه التلفزيوني الأخير مع إحدى القنوات الفضائية العراقية ، والذي عزى فيه الإنسحاب الأمريكي إلى فعل " المقاومة العراقية " ، إن لم يكن يصب في هذا المجال ؟
اما الصراع نفسه فيدور اليوم على الساحة السياسية العراقية بشكل يزداد سعيراً كلما إقترب موعد الإنسحاب النهائي والمخطط له ان يكون نهاية هذا العام . ويرافق هذا الصراع التهيئة لمستلزماته والذي يشكل السلاح بكل انواعه مفردة اساسية فيها ، وذلك لسبب واضح جداً يتلخص في بُعد مثل هذه العصابات عن القناعة بالعمل السياسي المنطلق من مقارعة الحجة بالحجة ، والتزامها بخطها الذي قامت وتربت عليه والذي لا يضم في قاموسه الديني والسياسي غير مفردات العنف وقوة السلاح والإكراه .
فحينما تلجأ هذه القوى إلى نشر أطروحتها في " مقاومة " الإحتلال التي تصاحبها سياسة الجزرة والعصا في كل مراحل تنفيذها ، فإنها ستسعى ، بدون اي شك ، إلى التشدد في تفعيل هذه السياسة بعد الإنسحاب الكامل لتعطي لنفسها االحق الذي تسميه العصابات الدينية " الحق االشرعي " والعصابات السياسية " الحق الثوري ، او الشرعية الثورية " كما كان يسميها الجرذ المقبور " للهيمنة عى الشارع السياسي وعلى المفاصل الأمنية في الوطن ولتعيث في الأرض فساداً مرة اخرى ، ولتنقل الوطن إلى ظلام أحكامها الإسلاموية المتخلفة او البعثفاشية الجائرة .
إلا ان قوى الظلام هذه لا تسير في مثل هذه التوجهات بإرادتها الكاملة ، إذ انها لا تملك إستقلالية القرار، لأن قراراتها مرتبظة دوماً بتلك الجهات الإقليمية او العربية او الدولية التي تمول عصاباتها وبالتالي بلورة قراراتها .
لقد قرأ وسمع ورأى الكثير منا ما دار بين ما يسمى وفد " المقاومة العراقية " وبين الجرذ المقبور الآخر نزيل مجاري المياه معمر القذافي من حوار وحيد الجانب أظهر بوضوح إستجداء هذا الوفد في حواره مع سيده القذافي الذي كال عليه ممثلو المؤتمر القومي العربي وحزب البعث العراقي وبعض الإمعات التي تصف نفسها بالإنحياز إلى " المقاومة " مختلف القاب البطولة والوطنية والقومية . لقد كان هذا الدكتاتور المتخلف وابنته من الممولين لهذه العصابات والمدافعين عنها في المحافل العرببية والدولية ومزوديها بآلة قتل الشعب العراقي في عملياتها الإرهابية التي إشترك فيها مجرمون ليبيون ومن عربان شمال أفريقيا ايضاً سهلت دكتاتورية القذافي وصولهم إلى العراق لإلتحاقهم بهذه " المقاومة ".
أما ما يغدقه النظام الوهابي على المنظمات السلفية التي يحاربها هذا النظام في عقر داره إلا انه يسندها ما دامت بعيدة عنه ، وما جنت منه منظمات حزب البعث العراقي والقوى المناصرة له داخل العملية السياسية العراقية ، فإن ذلك يصب بالدرجة الأولى في تغذية المنظمات الإرهابية التي تمارس جرائمها ضد العراقيين بشكل اساسي وليس ضد قوات الإحتلال الأمريكي . هذه المنظمات التي تعترف بعد كل عملية إرهابية وتنتعش مسرورة كلما يزداد عدد الشهداء من الشعب العراقي الذين يتعرضون لجرائم تفجيراتهم البشعة . ولم يختلف نظام آل سعود المقيت عن مثيله الليبي في زج مَن غرر بهم من الشباب هو ومشايخه الأوباش لقتل الشعب العراقي وبنَفَس طائفي أهوج لا علاقة له بالسياسة ولا بالإحتلال .
ولا ننسى الدور الشديد القذارة لدكتاتورية ولاية الفقيه التي مولت ودربت وجهزت عصاباتها في العراق بكل ما تحتاج إليه من وسائل الدمار الذي وضفته هذه العصابات في قتل المناوئين لها من اهل العراق فحصدت من ارواحهم أضعافاً مضاعفة مما كانت تدعيه من مقاومتها لجيوش الإحتلال . كما لم تبخل ولاية الفقيه الشيعية التوجه بفتح حدودها " لمجاهدي " القاعدة القادمين إلى العراق من افغانستان تحت نفس الذريعة في محاربة الأمريكان التي " حققها " هؤلاء المجرمون بقتل العراقيين سنة وشيعة ومن كل القوميات والأديان المختلفة . ولم تثن كل هذه الجرائم ملالي ولاية الفقيه من مواصلة السماح لعصابات القاعدة والطالبان بالمرور عبر اراضيها نحو العراق تحت نفس حجة " مقاومة " ألأمريكان .
ولم تبخل دكتاتورية البعث في سوريا بما جادت به يداها الملوثتان بالدماء من اموال واسلحة سواءً لصنيعتها من عصابات البعث العراقي او لصنيعة حليفتها دكتاتورية ولاية الفقيه ، هادفة في كل ذلك تقويض المسيرة الجديدة للشعب العراقي التي رات فيها خطراً على نظامها القمعي ، وما السبيل لتجاوز هذا الخطر غير الإخلال بالوضع الأمني العراقي وقتل العراقيين بعمليات إرهابية توظفها الدكتاتورية السورية وعملاؤها البعثيون العراقيون القدامى منهم والجدد داخل الوطن في مجال " المقاومة " لجيوش الإحتلال الأمريكي .
هذه هي نماذج " المقاومة " الكئيبة التي تهيئ نفسها الآن لوضع العراق في دوامة جديدة من العنف متخذة من الفراغ الذي ستتركه القوات الأمريكية المنسحبة من العراق ، وتحت هذه الظروف التي تعمل فيها الحكومة العراقية التي جاءت بها المحاصصات التي كان رواد " المقاومة " في العملية السياسية نفسها من المساهمين فيها حتى هذه الساعة والعاملين في نفس الوقت على محاولات ملئ الفراغ العسكري بعصاباتهم اليوم .
فهل تستطيع هذه القوى تحقيق ذلك فعلاً وتأسيس دكتاتورياتها الدينية اوالسياسية على ارض العراق ؟
هناك الكثير من المؤشرات التي لا تصب في إعطاء توجهاً كهذا كثيراً من الإمكانيات التي تساعده على تحقيق ذلك وهي :
أولاً: بالنسبة للقوى التي تتمشدق بالدين فإنها وإن توفرت لديها إمكانيات إمتلاك الأسلحة المختلفة والأموال الطائلة الإيرانية منها والخليجية أو الإقليمية لكسب اكبر عدد ممكن من الفقراء الذين توظفهم في مليشياتها لزجهم في مغامراتها العسكرية ، فإنها غير قادرة على تمرير ما طرحته من شعارات طيلة السنين الثمان ونيف الماضية التي كشف فيها الشعب العراقي بكل مذاهبه وقومياته زيف هذه الشعارات وتعارضها التام مع السياسة التي تبنتها ونفذتها الأحزاب الدينية العراقية والتي برزت على حقيقتها في نوعية قيادة هذه الأحزاب للدولة العراقية وما جرته هذه القيادة من تخريب لإقتصاد البلد وانتهاك لأخلاق التعامل الإداري مع الموطنين والسقوط في بؤر الفساد الإداري والمالي والإنحياز الذي ابدته هذه الأحزاب في تعاملها مع المواطنين إستناداً إلى الإنتماء لها او الوقوف بعيداً عنها حيث شمل ذلك توزيع فرص العمل والأراضي السكنية والمساعدات الإجتماعية وحتى المساعدات التي يستحقها ذوي الشهداء والمغيَبين ، والتردي التام الذي رافق خدمات المواطنين طيلة هذه الفترة التي ساد فيها توجيه الأحزاب الدينية للسياسة العراقية إضافة إلى جنوح هذه الأحزاب للتأثير على الممارسات الشخصية العامة وحريات الناس التي يكفلها الدستور العراقي، رغم كل نواقصه التي ركزتها فيه هذه الأحزاب . فالأحزاب الدينية كشفت عن عوراتها بنفسها من خلال سلوكياتها الشاذة في حكم العراق خلال السنين الثمان الماضية والتي تجلت في فقدان الثقة والقناعة بها . أما إذا ربطنا ممارساتها هذه باختفاءها وراء الدين الإجباري لا الطوعي فإنها والحالة هذه ستستمر على راس السلطة السياسية إلى حين آخر تقرره الجماهير التي لم يعد هناك ما يخيفها حينما يصل السيل الزبى .
ثانياً: اما بالنسبة لعصابات البعث فإن حظها في العودة للتحكم برقاب الناس مجدداً سواءً من خلال ما تعودت عليه من سلوك الجريمة والذي اصبح جزءً من كيانها السياسي ليس في العراق فقط ، او من خلال عملاء البعث الذين تضمهم العملية السياسية الجارية الآن على الساحة السياسية العراقية والطرق الإنتهازية التي يلجأون إليها من خلال سياسة المحاصصات المقيتة ، ليس بأكثر من حظ حليفتها العصابات الإسلاموية . فالجروح العميقة التي تركتها الدكتاتورية البعثفاشية في جسد الشعب العراقي والتي لا تزال تنزف دماً وقيحاً ، ترافقها الآلام الشديدة التي لا تسمح للملايين من العراقيين الذين يأنون حتى اليوم تحتها من ان ينسوا كل ذلك ويمهدوا الطريق لعودة عصابات كهذه خبروا ساستها وسياساتها لأربعة عقود من الزمن لم تجلب للعراق واهله غير الحروب والمآسي والقتل والتخريب والآلام .
ثالثاً: لقد تمخضت سياسة الإحتلال الأمريكي للعراق ولحد الآن عن التخطيط الهادف إلى عدم تخلي هذا الإحتلال عن العراق سياسياً حتى وإن إبتعد ، ولم يتخل ، عنه عسكرياً . وهنا تبرز مهمة جديدة امام القوى الوطنية العراقية الساعية للخلاص من كل آثار الإحتلال وتحقيق ألإستقلال الكامل في كافة المجالات ،حيث يبرز من اجل تحقيق هذا الهدف النضال السياسي بكل أشكاله كطريق وحيد لتحقيق لذلك ، حيث لم يعد وجود فعلي لقوات الإحتلال العسكرية . وبما ان النضال السياسي الخالي من العنف بعيد عن تصورات المليشيات العسكرية التي لم تتعلم غير قعقعة السلاح لحل مشاكلها مع خصومها السياسيين ، فإن حظ هذه العصابات في قيادة النضال السياسي سيكون ضعيفاً جداً ، لا ارضية له على الشارع العراقي .
رابعاً: إن هذه القوى المتأهبة اليوم للإنقضاض على العراق إنطلاقاً من قناعتها بقدرتها على ملئ الفراغ السياسي والعسكري الذي سيخلفه الإنسحاب الأمريكي وتحت هذه الظروف التي تعيشها الحكومة العراقية من ضعف وهوان وتجاذب بين اطرافها المتحاصصة في النهب والسلب والإبتزاز والتزوير والإثراء ، إن مثل هذه الظروف ستؤدي إلى إقتتال هذه الفئات مع بعضها البعض حيث يشعر كل منها بأحقيته في إلتهام كل العراق وسوف لن يرضى بجزء يسير او كثير مما يؤدي إلى دوامة حرب جديدة قد لا تكون حرب جبهات هذه المرة ، بل حرب شوارع بين عصابات لا تستطيع ان تتعامل إلا بقوة السلاح الذي سيحصد الكثير من الشعب العراقي الذي لا شان له في كل هذا الصراع . وستكون النتيجة النهائية في وضع كهذا ضياع حتى الفرص القليلة والأمل الضعيف الذي لم يتلاش نهائياً بعد ، بعودة الحياة الطبيعية إلى العراق بعد اربعة عقود من دكتاتورية البعث وثمان سنين ونيف من عبث السيادينيين .
خامساً: وهذا هو مربط الفرس ، كما يقال ، والذي سيؤدي تحقيقه إلى قلب كافة التكهنات التي تخطط لها كل هذه القوى المتنازعة الآن على ملئ الفراغ الأمريكي . تدور بعض الإحتمالات التي تتمخض عن الإنسحاب الأمريكي من العراق حول أسباب هذا الإنسحاب التي تتلخص بإبعاد الجنود الأمريكان في العراق عن مواجهات مستقبلية مباشرة مع القوى الإيرانية الرسمية وغير الرسمية في حالة تنفيذ الضربة العسكرية ضد المفاعلات الذرية الإيرانية . إن وضعاً كهذا يتطلب وجود حكومة عراقية تأخذ مصلحة العراق واهل العراق بنظر الإعتبار وليس مصلحة إيران مهما إرتبط ذلك بحجج دينية أو أية حجة اخرى، وبعكسه فسيكون العراق مرة اخرى ساحة لحرب لا ناقة له فيها ولا جمل ، فيُعاد بذلك النغم النشاز للشعارات الهوجاء والخطب الرنانة للنصر او القبر وما شابه ذلك مما تردده القوى الجاهلة منذ عقود من الزمن ، ولم تجن إلا كثرة قبور أهلها وغياب إنتصاراتهم . اما إذا ظلت حكومة المحاصصات هذه بكل شركاءها من البعثيين والإسلامويين واللصوص والإنتهازيين والمزورين ، فسيكون العراق ، تحت ظروف الحرب الجديدة هذه ، التي لا نرجوا لها الحدوث بأي حال من الأحوال ، لقمة للإحتلال مرة أخرى وقد يكون هذه المرة إحتلالاً إسلامياً وليس امريكياً .
الدكتور صادق إطيمش



#صادق_إطيمش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحوار المتمدن ... عقد من النضال ألثقافي والإعلامي الهادف
- أردوغان ذو المنطق المفلوج
- ما أوضحه الخاقاني لما إختلفوا فيه من المعاني
- لو فرضنا ...
- فَتِّش عن الإسلام السياسي
- الملف السوري بين الواقع والطموح
- الحقد على الشيوعيين يعمي القلوب قبل الأبصار
- هشام لا تغضب ...
- متسولو القذافي بالأمس ... اين هم منه اليوم ؟
- لا بديل عن التفاوض مع المناضل الأممي عبد الله أوجالان
- دولة بلاد الرافدين الجديدة إسمها - خان إجخان -
- لماذا تصمت المرجعية الشيعية أمام هذا التهريج ؟
- هدنة رمضان
- رحيم الغالبي ... عاشق المنبعين ، الوطن والشطرة
- البعثفاشية والإسلام السياسي في العراق يغتالان ثورة الرابع عش ...
- رحيم الغالبي الذي مرَّ بأثقل ألأحمال على - جسر من طين -
- بين حافِرها ونَعَلْها
- شمرة عصا... بين النظام العراقي ودكتاتورية الدولة الدينية
- بين الحقيقي والمزيف المزوّر على الساحة السياسية العراقية
- مو عِدنا...


المزيد.....




- كوريا الشمالية: المساعدات الأمريكية لأوكرانيا لن توقف تقدم ا ...
- بيونغ يانغ: ساحة المعركة في أوكرانيا أضحت مقبرة لأسلحة الولا ...
- جنود الجيش الأوكراني يفككون مدافع -إم -777- الأمريكية
- العلماء الروس يحولون النفايات إلى أسمنت رخيص التكلفة
- سيناريو هوليودي.. سرقة 60 ألف دولار ومصوغات ذهبية بسطو مسلح ...
- مصر.. تفاصيل جديدة في واقعة اتهام قاصر لرجل أعمال باستغلالها ...
- بعد نفي حصولها على جواز دبلوماسي.. القضاء العراقي يحكم بسجن ...
- قلق أمريكي من تكرار هجوم -كروكوس- الإرهابي في الولايات المتح ...
- البنتاغون: بناء ميناء عائم قبالة سواحل غزة سيبدأ قريبا جدا
- البنتاغون يؤكد عدم وجود مؤشرات على اجتياح رفح


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صادق إطيمش - الصراع على ملئ فراغ إنسحاب الأمريكان من العراق