الماسونية : التهمة الجاهزة التى يستعملها الإخوان والسلفيون ضد خصومهم ..

ديانا أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 3567 - 2011 / 12 / 5 - 21:26
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

الماسونية منظمة سرية غامضة نشأت فى الفترة بين القرن الرابع عشر - الثامن عشر ، ويشاع عربيا إنها مرتبطة باليهودية والصهيونية ، ولكن لا دليل دامغ على ذلك ، وهى تهمة تذكرها الكتب الصفراء والصحف الصفراء والمنظمات الصفراء مثل الإخوان والسلفيين وتضفى عليها حجما ضخما أسطوريا ، وتلصقها بكل من لا يوافق هوى الإخوان والسلفيين .. الماسونية شئ هلامى غامض مخيف لأنه غامض وتشاع عنه نظريات مؤامرة كثيرة ، يتم خداع الناس به .. وإلصاق هذه التهمة الجاهزة بالعلمانية والعلمانيين والليبرالية والليبراليين وبكل دعاة الدولة العلمانية (المدنية) .. والإخوان والسلفيون وتوفيق عكاشة يتبعون نهجا خاطئا فى التاريخ .. فيجعلون كل أحداث التاريخ - ولو منذ بدء الخليقة ! - ناتجة عن مكر اليهود وخبث اليهود وتآمر اليهود ..



بروتوكولات حكماء صهيون وكذلك الماسونية هى أمور مسلية كأفلام الإثارة والغموض والألغاز والمافيا ، يمكن أن نقرأها للمتعة وللسمر أو للتفكه ولكن ليس للتصديق وليس لبناء نظرية مؤامرة غامضة نظنها حقيقة ..



الأخطر من الماسونية الهلامية (حتى إن كانت موجودة وحقيقية) .. الأخطر هو جيش عميل لأمريكا وللسعودية منبطح لهما .. منبطح للإخوان والسلفيين .. الأخطر هو ثوار مزعومون فى مصر وتونس وليبيا وسوريا .. يزعمون كاذبين أن الثورة سرقت منهم على يد الإخوان والسلفيين .. والحقيقة التى يصر الكثيرون على صم آذانهم عنها أن الثوار أنفسهم من الإخوان والسلفيين من البداية وحتى اليوم ..



يرى توفيق عكاشة أن سبب الحرب العالمية الأولى والثانية هم اليهود والماسونية ! وهذا كلام مخالف للتاريخ تماما وعار من الصحة ولا علاقة له بالبحث والمنهج التاريخى فى وصف الأحداث وشرح الأسباب ..



يرى أيضا - ويشاركه فى ذلك السلفيون - أن سبب انقسام المسلمين بين سنة وشيعة هم اليهود وهم الماسونية .. كذلك يرى أن سبب انقسام المسيحيين بين كاثوليك وأرثوذكس وبروتستانت هم اليهود وهم الماسونية ..



ومن قال يا عزيزى إن الاختلاف وتعدد المذاهب سئ .. التنوع سنة الكون وسنة الله حتى فى البشر .. فى ألوانهم ولغاتهم وأديانهم ومذاهبهم وأيديولوجياتهم .. لماذا يضيرك ويضايقك التنوع .. لماذا ترى أنه من المفروض أن تكون المسيحية مذهبا واحدا لا غير وأن يكون الإسلام مذهبا واحدا لا غير .. ولماذا تراه موجبا للتنازع والصراع .. بل الصراع نتيجة طفولية وسذاجة شعوبنا العربية التى لا تزال تكفر وتسب الشيعة وتضطهدهم .. والتى لا تزال تشكك فى العربى المسيحى وتراه عميلا أو عدوا لها ولدينها وليس جزءا منها ..



ربما تتمنى أن تكون الأرض لغة واحدة ودينا واحدا ، إذن فأنت ماسونى لأنهم يريدون حكومة واحدة كما يقولون وكما تقول عنهم ..



وتفسيرك وتحليلك لانقسام المسلمين بين سنة وشيعة غير صحيح بالمرة .. فالأسباب وراء الانقسام غير ما ذكرت تماما وليس بينها يهود ولا ماسونية ..



اليهود ليسوا ملائكة .. ولا شك أنهم يخططون لمصالحهم ويتآمرون ولكن ليس معنى ذلك إلصاق كوارثنا وأخطائنا على شماعة اليهود والماسونية ..



وكذلك أسباب انقسام المسيحيين لعدة ملل أو مذاهب غير ما ذكرت ..



والتاريخ لا تحركه ماسونية ولا يهود .. بل تحركه أطماع استعمارية للإمبراطوريات وطموحات توسعية للدول .. ونزوات حكام .. ورغبة فى نشر دين أو الاستيلاء على كنوز وثروات وتوابل .. أو نشر لغة .. وتحركه جوانب ودوافع تجارية واقتصادية وسياسية وجغرافية ..



أسباب الحرب العالمية الأولى والثانية أكبر من اليهود ومن قصتهم بمراحل .. وهى تتصل بالصراعات على النفوذ بين روسيا والعثمانيين وفرنسا وبريطانيا وأمريكا واليابان وألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية .. إلخ ..



مثلا برنار ليفى اليهودى الصهيونى الذى دمر ليبيا وخطط للثورات العربية المزعومة لا قيمة له بدون تنفيذ مخططه من الناتو وأمريكا والإعلام .. وبدون خيانة ممالك الخليج القذرة ..



إن تفسير أحداث التاريخ بالماسونية واليهود ، وإلصاق تهمة الماسونية بالعلمانيين والليبراليين هى سذاجة وطفولية . تماما كسذاجة وطفولية أنصار الدولة المدنية الذين يتحالفون مع الإخوان والسلفيين والذين يظنون نوارة نجم وبلال فضل وأسماء محفوظ وإبراهيم عيسى والمعتز بالله عبد الفتاح وفهمى هويدى وعبد الحليم قنديل وحمدين صباحى مع الدولة المدنية العلمانية .. وهذا غير صحيح .. ويظنون أن الإخوان والسلفيين سيفون لهم بوعودهم ولن يلدغوهم ولن يحيلوها إلى دولة دينية .. ثم يتهموننا نحن بالسذاجة والطفولة فيا لوقاحتهم ! ودعهم حتى ينالوا الخازوق السلفى الإخوانى فى انتظارهم ..



فأما الإخوان والسلفيون فيستعينون بتهمة الماسونية الجاهزة لتشويه خصومهم .. ومن سنين وهم يستعملونها فى كتبهم الصفراء ضد أتاتورك ومحمد عبده وقاسم أمين وسعد زغلول وإبراهيم اليازجى وميشيل عفلق والأمير عبد القادر الجزائرى وجرجى زيدان وجان جاك روسو وفولتير وكارل ماركس وأنجلز وأبو العلاء المعرى وجمال الدين الأفغانى والميرزا باقر والشيخ يوسف الأسير .. وغيرهم من دعاة التنوير والعلمانية والشيوعية .. ويتهمون اللادينيين أيضا والاشتراكيين والقوميين والثوريين بتهمة الماسونية .. وكل من يعادى نظام الخلافة وإقامته وإعادته ، يلصقون به تهمة الماسونية .. ولذلك فمن ألغى الخلافة العثمانية وعزل السلطان عبد الحميد ، اتهموه بالماسونية .. واتهموا كذلك الثورة الفرنسية والبلشفية والأمريكية بالماسونية .. وكلها اتهامات تنم عن الحقد الذى يكنونه للجمهوريات وللثورات أيضا ، ويتهمون كل من يدعو إلى تنظيم الأسرة وتحديد النسل بالماسونية ! .. ويتهمون من يدعو إلى الحريات كاملة وكافة لأقصى مداها بالماسونية .. ويربطون بين الماسونية والمسيخ الدجال !



وأما توفيق عكاشة فيفسر التاريخ كله على أنه مؤامرة ماسونية ويهودية وهذا خطأ فادح وتبسيط مخل تماما بالأمور .. وإعطاء حجم ضخم جدا لليهود .. اليهود أقزام طيلة حياتهم ، يستعينون بالقوى الكبرى منذ الفراعنة مرورا بالرومان والفرس وحتى المسلمين ثم بريطانيا وأمريكا ، عبر التاريخ ، لمنحهم الحماية ضد أعدائهم ، ولمنحهم الحماية وامتيازات أو أراض أو مكاسب .. هذا ديدن اليهود .. والقوى الكبرى تتحرك لخدمتهم ليس حبا فيهم بل تستعملهم كأداة لأغراضها ومطامعها وطموحاتها ..



أترى ؟ تفسير غير تفسيرك الماسونى المزعوم ! ..



أما ما يجرى - فى رأيى يا عزيزى توفيق - من ثورات إخوانية سلفية فى مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن وما يستجد .. فليس تفسيرها الصحيح هو الماسونية .. بل تفسيرها الصحيح هو صفقة تمت بين الناتو وأمريكا من جهة وأذنابهم الإخوان والسلفيين وقطر وتركيا والسعودية من جهة أخرى .. لتدمير معاقل المقاومة والممانعة (ليبيا وسوريا) .. وأيضا لتكوين خلافة أو كيانات إسلامية متطرفة إخوانية وسلفية استفزازية وإرهابية وظلامية ، تسبب الاحتقان والاضطهاد للأقليات والأديان والأيديولوجيات الأخرى .. وتهدد الناتو وإسرائيل وأمريكا .. أى تصنيع خطر إسلامى ، لتبرير غزو وتقسيم واحتال لاحقا ، وتخريب هذه الدول ..



وإذا فرضنا أن الماسونية فعلا خطرة وحقيقية وأنها تدمر العالم .. فإن أدواتها الإسلامية هى - وليس غيرها - هى الإخوان والسلفيون والكيان السعودى .. كما أن أدواتها اليهودية هى إسرائيل .. وأدواتها المسيحية هى الناتو والحكومة الأمريكية ..



ليس دفاعا عن الماسونية .. بل دفاعا عمن تتهمونهم بالباطل من العلمانيين والليبراليين والتنويريين (الذين ذكرتُهم عاليه) لتشويه سمعتهم وفض الناس عنهم .. ودفاعا عن مبادئ الحرية والإخاء والمساواة .. ودفاعا عن مبدأ الإخاء الإنسانى .. ودفاعا عن الأيديولوجيات السياسية العظيمة التى تتهمونها زورا وبهتانا بالماسونية ..



وهناك مقالة جيدة للكاتب المنصور جعفر بعنوان (نقاط فى تاريخ الماسونية) ..



http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=110420



http://en.wikipedia.org/wiki/Freemasonry

#ديانا_أحمد (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات