أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الفتاة الممنوعة














المزيد.....

الفتاة الممنوعة


أفنان القاسم

الحوار المتمدن-العدد: 3567 - 2011 / 12 / 5 - 12:02
المحور: الادب والفن
    


هل ستكون دوروثيه نهاية هذا الحلم المتآكل منذ اليوم الذي أخذتُ فيه أحلم بنهدي المرأة وشفتيها؟ سؤال من بين أسئلة عديدة طرحتها على نفسي، غابة من الأسئلة التي لم يكن إنسان مثلي يستطيع أن يتفادى الضياع فيها، إنسان وصل إلى الأربعين من العمر، ولم يصل، بعد، إلى تحقيق كل ما يريد. المرأة، ربما، هنا، تقوم بدور إلى أن تكتمل باقي الأحلام الأخرى، هذا إذا ما اكتملت يومًا، وهكذا تستطيع أن تغدو وردة.
مع زينب كانت حياتي مكعبًا من ثلج. كل شيء معها كان يجري على نسق مطرد. حديثها وقت العشاء، رقادها في المساء، شفتاها في الصباح. لم تعد تعطيني شفتيها، ووقت العشق لم تكن تتمرد. خلال الحيض، كانت لا تطاق. كانت تعمل، وكنت أعمل، لكني دومًا ما كنت كالعقرب المتوترة. كنت أريد الكتابة والعشق، وتحدي النوم بالعمل أو الحلم، والانتصار على الزمن. كنت أريد الوصول كي أستمر، والاستمرار كي أبتدع. وزينب كانت تغط في الليل، تقضي نهاية الأسبوع أمام التلفزيون، أو تعمل أكلة ليست ناجحة. عندما كنت أحتج، وأهدد، كانت زينب تعد بأنها ستفعل كذا أو كذا، بأنها ستتغير، ولم تكن تتغير. كان لي انطباع معها أنني أشيخ مجانًا. يا للروع! أن يشيخ المرء بثمن الأمر مقبول نوعًا ما. أما أن يشيخ بدون مقابل. أي رعب! أن يشيخ المرء، وهو يوسع حقل وعيه، شيء معقول نسبيًا. أن يشيخ مجانًا، هذا هو الذعر بعينه! أن يدرك المرء أنه يفقد أحلى لحظات شبابه، وأنه يضحي بها على مذبح شفتين تمتنعان عن القبلات، جسد لا ينطق أو حوار مستحيل، فهذا مذل! كيف يمكن الخروج من حال كهذه؟ الذهاب إلى شفة مغرية، ويد تفهم الدقة، ومغامِرَة تخوض مخاطر النقاش؟ إذا ما عجزت عن الوصول إلى كل هذا، فهل أواصل قطع هذا الحقل المجدب؟ إذا ما عزمت على قطعه وحدي، فهل أترك زينب، وهي تذرف الدموع؟
سقطت دوروثيه كما يسقط المطر، فقلت لها: ارويني! لكنها تركتني ظامئًا. كنت أنظر إلى شعرها الأحمر، وعينيها الخضراوين، وحبتي الكرز، وأقول لنفسي: هذا هو حلمك الممنوع! كانت دوروثيه قد أحبت منذ اليوم الذي أخذت فيه تحلم بصدر مشعر وذراعين قويتين. كانت في الثالثة عشرة، كما قالت، وكانت قد أحبته كالموت الداخل على مدينة حتى تدمر نفسها بنفسها. مع الوقت، كانت قد فهمت أنها غدت تمثالاً مكسورًا.
طاردت دوروثيه في أحلامي كالعقرب المتوترة: عطر الليمون، شعر النار، شفتا الكرز، نهدا الرمان، عينا التفاح الأخضر. لم يكن جسدها في الليل يغادر جسدي، كانت دوروثيه تعانقني، وهي تئن، ثم كانت تنهض. هكذا كنت أمضي لياليّ قرب زينب، زينب الفم الخشبيّ، والجسد الجليديّ. هكذا أخذت أشعر بشيخوختي أكثر، بضعفي، وبالزمن اللانهائيّ. كيف أدمر أجمل لحظات خيالي؟ كيف أقطف الكرز دمًا أدفعه من جسدي؟
انطفأت كل نشاطاتي. لم أعد أكتب، لم أعد أنطق، لم أعد أفكر. سقطت مريضًا مرتين. كنت مريضًا بسبب زينب، وغدوت مريضًا بسبب دوروثيه. عندما أقلق غيابي صديقي مارسيل، قلت له إنني كنت مريضًا، مريضًا مرتين. لم يكن يعرف سبب هذا المرض المزدوج والغريب. غريب لأنه كان مزدوجًا. بالنسبة له، لم يكن مرض كهذا، مزدوج فضلاً عن ذلك، لم يكن يوجد إلا في الرأس. أخرجني من البيت، وذهبنا إلى الحي اللاتيني لنشرب قهوة. ثم تركني مارسيل، وعدت إلى البيت. تركت كلمة لزينب أقول فيها إنني ذاهب، وطلبت منها ألا تبكي.
مضت الأيام بطيئة، طويلة، قاسية. كنت وحدي، وما لبثت أن اعتدت وضعي. كنت أفكر أحيانًا في زينب، وأحيانًا في دوروثيه. كنت أتمرد أحيانًا على الاثنتين، وأحيانًا على نفسي. مضت سنة أو أكثر، وأنا أعمل دون توقف. أحيانًا بيأس، وأحيانًا بأمل، خاصة عندما لا أريد أن أكبر.
بعد ذلك، التقيت بستيفاني. عندما ازدادت معرفتي بها، حكت لي أنها كانت مطلقة من زوج لم يكن يحسن اللثم، لم يكن يفهم في جسد المرأة، لم يكن يهتم بشيء ما عدا نشرات التلفزيون الإخبارية، لم يكن يخشى الشيخوخة، عندما كانت تصمت.

باريس مايو 1982

* من "حلمحقيقي" المجموعة الرابعة لأفنان القاسم بمناسبة نشره للأعمال الكاملة.



#أفنان_القاسم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وحيد وجوديت
- ناتاشا والفنان
- العاطل عن اليأس
- انتحار الشاعر
- أطول ليلة في الحي اللاتيني
- القصيدة-القصة الأولى في الأدب العربي: الإبحار على متن قارب ه ...
- محمد حلمي الريشة وعلبة أسبرين
- 39 شارع لانكري
- الابن والبحر
- الله والنقود
- الطفل الآتي من هناك
- حلمحقيقي
- حبيبتي في صنعاء
- حرير دمشق
- إرادة الورد
- الهامشيون
- ساعة الصفر
- على طريق دمشق
- الموت
- الأعشاش المهدومة


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أفنان القاسم - الفتاة الممنوعة