أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - سائس ابراهيم - الربيع -العربي- يستحيل خريفاً .. الدين واليسار والصراع الطبقي : المغرب نموذجاً















المزيد.....



الربيع -العربي- يستحيل خريفاً .. الدين واليسار والصراع الطبقي : المغرب نموذجاً


سائس ابراهيم
باحث في الأديان

(Saiss Brahim)


الحوار المتمدن-العدد: 3567 - 2011 / 12 / 5 - 18:40
المحور: ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011
    


الربيع "العربي" يستحيل خريفاً
الدين واليسار والصراع الطبقي : المغرب نموذجاً

سائس ابراهيم
3/12/2011

1 – هل كانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والإتحادات الجماهيرية مؤثرة في هذه الثورات ؟ وإلى أي مدى ؟

مصطلح القوى اليسارية عائم وهلامي تندرج تحته تلاوين عديدة من القوى التي تطلق على نفسها إسم "اليسارية"، بينما هي بالأساس برجوازية رجعية متعفنة، فالحزب الإشتراكي الفرنسي والحزب الإشتراكي الإسباني وحزب العمال البريطاني يٌصنَّفون أنفسهم كأحزاب يسارية رغم طبيعتهم الطبقية البرجوازية وتوجهاتهم وبرامجهم التي تقارب في كثير من الأحيان برامج ومواقف اليمين الأكثر تشدداً.
على مستوى المغرب كذلك أفرغ هذا المصطلح من مضمونه، فأحزاب : الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتقدم والاشتراكية، والاشتراكي الموحد، وحزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي...الخ، يدعون اليسارية في برامج مسطرة للإستهلاك الإنتخابي فقط والنموذج الأمثل لِما نقول هوأن الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية أو حزب "المهدي بن بركة" كما يطلق على نفسه المشارك في الحكومات الملكية منذ أكثر من عقد من الزمان فيما سماه الحسن الثاني "حكومات التناوب" لم يسع إلى تطبيق ولو بند واحد يتيم من برنامجه المطلبي المسطر في كل مقررات مؤتمراته.
لهذا يجب التدقيق في هذا المصطلح وعدم إطلاقه جزافاً على كل من هب ودب، وجواباً على سؤال الحوار المتمدن نقول أن هذا النوع من "اليسار" لم يساهم إطلاقاً لا من قريب ولا من بعيد في مظاهرات 20 فبراير.

النقابات المغربية بدورها، وخصوصاً الأربع الكبار : الإتحاد المغربي للشغل، الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، الإتحاد العام للشغالين بالمغرب، الفدرالية الديمقراطية للشغل، لمعوا بغيابهم عن هذه الإنتفاضة، فقياداتهم المرتبطة بالأحزاب والواقعة تحت هيمنتها المطلقة ترتعد رعباً على الدوام من أي تحرك جماهيري قد يتجاوز تأطيرهم، ودورهم الحقيقي كان في الغالب لجم النضالات الجماهيرية بدل الدفع بها إلى الأمام. وهذا لا ينفي أن مناضلين من القواعد وأطراً قيادية -وإن قلّت- ساهمت بشكل فردي أو بإسم أحزاب معارضة -إلى هذا الحد أو ذاك- في مظاهرات "حركة 20 فبراير"، ولكن مشاركتها تبقى محدودة ومحصورة في إطارات شخصية أو في إطار الإنتماء إلى جهات سياسية مناضلة.

إن الطبقة العاملة التي انخرطت بشكل كبير في مدينة الدار البيضاء العمالية في الإضرابات الطلابية والتلاميذية البطولية في 23 مارس 1965 فحولتها إلى انتفاضة جماهيرية هائلة هزت أركان نظام الحسن آنذاك وجعلته يلجأ إلى الجيش والدبابات وطائرات الهيليكوبتر لقمع تلك الإنتفاضة الشعبية العارمة، لم تنخرط الآن في حركة 20 فبراير، وتبقى نضالاتها البطولية وإضراباتها المتعددة حالياً مشتتة وخاضعة لمنطق نقابوي مطلبي معيشي صرف، كنتيجة مأساوية للغياب شبه الكامل للتأطير الماركسي لهذه الطبقة.
يتبقى لنا المجموعات الماركسية اللينينة والتروتسكية,,الخ، المشاركة في هذا التحرك الجماهيري (لم يمتلك بعد مقومات الثورة ولم يرق إلي درجة الإنتفاضة)، إن أدوارها ما تزال ضعيفة وهشة نتيجة تشتتها وضعفها وعدم تجذرها داخل الطبقة العاملة.

تبقى الأطراف الأكثر حضوراً وتأطيراً في حركة 20 فبراير حسب معلوماتي، هي التالية :
- الشباب المؤطر بواسطة الفايسبوك والتويتر : في الأغلب غير مسيسين وبمستوى إيديولوجي شديد السطحية، وعيهم ومواقعهم الطبقية شديدة التباين، بعضهم مخلص حقاً لمطالب الشعب، وبعضهم يحلم فقط بلقمة العيش الكريم "عمل قار أو وظيفة في جهاز الدولة" وبعضهم يحلم بتسلق مواقع طبقية أرفع...
- حزب النهج الديموقراطي : مجموعات من مناضلين وأطر سابقين في منظمة "إلى الأمام الماركسية اللينينية" تحولوا إلى أعضاء في هذا الحزب البرجوازي الصغير الإنتهازي (انظر مثلاً التصريحات المتكررة لأبيهم الروحي، المرتد أبراهام السرفاتي قبل موته "من أن محمد السادس كملك هو الذي سيقضي على النظام المخزني ويبني الديموقراطية على أنقاضه"، أو تصريح الكاتب العام الحالي للحزب : " صرح السيد عبد الله الحريف ل"قدس بريس" حسب ما نقله الموقع الإلكتروني "هسبريس" بما يلي: "...أما عن موقفنا من الدعوة لقيام نظام جمهوري، فإن قانون الأحزاب في المغرب يمنع أن تكون الأحزاب ضد الملكية، ومن هنا لا يمكننا كحزب يعمل في إطار القانون أن نناهض الملكية ونطالب بالجمهورية، لكننا في الوقت ذاته لا نعتبر هذا النظام الحالي ديمقراطيا، ولذلك نفضل الصمت فنحن لسنا جمهوريين ولسنا بملكيين ولكننا نناضل من أجل نظام ديمقراطي".، ومع هذا يدعي الحزب بكل وقاحة أنه الإستمرارية الحية لمنظمة "إلى الأمام"، إن الإستمرارية الفيزيولوجية في نظرنا (بعض الأشخاص الذين كانوا في "إلى الأمام" كوَّنوا حزب النهج") لم يكن أبداً مرادفاً للإستمرارية الإيديولوجية، وهذا لا ينفي أن البعض من المناضلين القاعديين في الحزب يتميزون بروح نضالية عالية حالمين دوماَ بإمكانية –مستحيلة في نظرنا- برجوع قيادات حزبهم يوماَ إلى ثوريتهم السابقة إبّان الفترة الأمامية.
- العدل والإحسان : جمعية إسلاموية يمينية تلامس في أطروحاتها الإتجاه الفاشي "انظر كتابات مرشدهم العام عبد السلام ياسين". (ملاحظة لا بد منها : الفاشية ليست نموذجاً جامداً بقالب واحد في كل مكان وزمان، فما كان صالحاً لإيطاليا لا ينبغي أن يكون صحيحاً وصالحاً لكل البلدان الأخرى، فالفاشية في بلدان مختلفة يمكن أن تأخذ أشكالاً متنوعة. إن ظاهرة الإرهاب والرجعية تتحول إلى فاشية عندما تصبح في خدمة البرجوازية الكبيرة، وهي ايديولوجية انتقائية تجريبة تتمحور حول عنصر التعصب القومي أو العرقي أو الديني أو الطائفي، وتنشط في سبيل الاستناد إلى حركة جماهيرية تنتظم فيها البرجوازية الصغيرة وفئات غير واعية من الكادحين وحتى من العمال. وتظهر التجارب التاريخية بوضوح وجلاء أن المنظمات الفاشية لم تنتزع الحكم من البرجوازية الكبيرة على الإطلاق. فقد وصلت إلى الحكم دائماً بتواطؤ البرجوازية الكبيرة أو بدعمها المباشر. "المصدر : محاضرات في الفاشية لبالميرو تولياتي".
وهكذا نرى حالياً الأمبرياليات الغربية والطبقات البرجوازية المهيمنة في العالم "العربي" تلجأ لدعوة الفاشيين الإسلامويين لترأس الحكومات في تونس والمغرب ومصر وغداً في سوريا واليمن من أجل امتصاص الغضب الشعبي والإلتفاف عليه وأساساً لقمعه.

نعود لموضوعنا فنقول إن شباب 20 فبراير والنهج الديموقراطي وجمعية العدل والإحسان اتفقوا على سقف من المطالب الإصلاحية الشديدة الإعتدال وحاربوا بشراسة أولئك الذين رفعوا في البداية شعارات إسقاط النظام الثورية مثل :
إلى بغيتو الحرية، قلبوها جمهورية.
يا سادس يا ديكتاتور، أوقتاش يجيك الدور.
الشعب يريد إسقاط النظام..

إن حركة 20 فبراير، حركة جماهيرية مناضلة تتطلب من كل القوى الماركسية الإنخراط فيها بحزم ومحاولة تأطيرها وإبداع الشعارات لرفع الوعي الطبقي داخلها واعتماد المنشورات والندوات وصفحات الفايسبوك والتويتر لنشر الفكر الماركسي داخلها. إن وجود حركة فاشية كالعدل والإحسان داخلها لا يجب أن يشكل البتة عائقاً أمام الإنخراط فيها بكل قوة، إن الثوريين لا ينتظرون توفر الصفاء الثوري داخل الحركات الجماهيرية من أجل العمل فيها. إن الماركسيين الحقيقيين يعملون حيثما وجدت الجماهير، وإن النقابات والإتحادات والجمعيات إذا كانت جماهيرية حقاً تشكل أطراً ثمينة للعمل الثوري حتى ولو كانت صفراء ورجعية أما إذا فقدت هذه النقابات الصفراء جماهيريتها وتخلت عن الدفاع عن مصالح الطبقة العاملة وأصبحت عائقا أمام تطور الوعي وطموح الشغالين للتغيير فإن التمسك وقتها بهياكل صورية مهجورة تابعة يصبح معرقلا للصراع الطبقي وضد التاريخ ولا يساعد البروليتاريا على التحرر.

يجب ألا يفهم من كلامي هذا أن المطلوب من اليساريين الماركسيين التنسيق مع العدل والإحسان، على العكس إن المهمات الصعبة والطويلة النفس في ابتداع أساليب العمل والتأطير والتحريض والتكوين النظري ورفع الشعارات السديدة لتطوير القدرات النضالية للجماهير وجعلها تنخرط بشكل أكثر ثورية في إسقاط النظام الطبقي العفن، سيجعل من اليسار الماركسي والبروليتاريا، الطليعة الحقيقية والقادرة على قيادة الثورة في بلدنا.

2 – هل كان للإستبداد والقمع في الدول العربية الموجه بشكل خاص ضد القوى الديموقراطية واليسارية دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى الديموقراطية واليسارية ؟

عرفت سنة 1968 مع الربيع الفرنسي آنذاك، وهجوم الخريف الفتنامي الشهير ضد القوات الغازية الأمريكية، وإشعاعات الثورة الثقافية الكبرى الصينية في العالم أجمع، وانطلاق الثورة في فلسطين وفي ظفار مع تحول مجموعة من التنظيمات الفلسطينية والعربية من الفكر القومي إلى الماركسية، ومرارة هزيمة يونيو 1967 والتي جسدت هزيمة وفشل البرجوازية الصغيرة، وعجزها في قيادة حركة التحرر الوطني.
وعلى المستوى المحلى كانت إشعاعات الإنتفاضة العمالية الطلابية التلاميذية المجيدة لمدينة الدار البيضاء المغربية في 23 مارس 1965 بداية ظهور الحلقات الأولى لليسار الماركسي اللينيني المغربي، داخل القطاع الطلابي وتلاميذ الثانويات وفئات واسعة من الأساتذة والمهندسين.
ومع إهلال سنة 1970، ظهرت المنظمات : "23 مارس"، "إلى الأمام"، وبعد ذلك منظمة "لنخدم الشعب". وشكلت المنظمتان الأوليتان "الجبهة الموحدة للطلبة التقدميين" في الجامعة، التي فازت بقيادة المنظمة الطلابية العتيدة "الإتحاد الوطني لطلبة المغرب" خلال المؤتمر الخامس عشر "غشت 1972"، كما عملت "إلى الأمام" على إصدار نشرة "4 مايو" الموجهة لمناضليها الطلبة, وترمز 4 مايو إلى الإضراب السياسي البطولي الذي قام به الطلبة في مثل هذا اليوم من سنة 1970 احتجاجا على زيارة وزير الخارجية الإسباني للمغرب. كما عملت المنظمتان على التأسيس المشترك لـِ "النقابة الوطنية للتلاميذ" مع إصدار نشرة "المناضل" السرية والخاصة بهم.
وعملت هذه التنظيمات على نشر الفكر الثوري من خلال الأندية السينمائية والثقافية وجمعيات محاربة الأمية في الأحياء الفقيرة...

رد النظام كان فورياً، عنيفاً ودموياً ولكنه ممنهج :
1 - شن النظام حملات شرسة من الإعتقالات والإختطافات طوال السبعينات والثمانينات والتسعينات، مست أساساً أطر وقواعد المنظمات الثلاث السابقة، حيث شكل التعذيب الوحشي والأحكام الشديدة القسوة قاعدة لهذه الإعتقالات مما أنتج اجتثاث الوجود الفعلي لهذه الحركات وإن بقي تأثيرها السياسي والإيديولوجي قوياً إلى اليوم. ومنذ 1972، شكلت الإضرابات عن الطعام ونضال عائلات المعتقلين شكلاً آخر من أشكال مناهضة النظام.
2 - سعى النظام لبناء جبهة عريضة ملتفة حوله منذ 1975، بتدخله العسكري واحتلاله للصحراء الغربية، وعملت الشوفينية وأحلام العظمة الإمبراطورية دورها في لف الأحزاب حول النظام.
3 - تجندت الأحزاب المسماة "يسارية" لخدمة النظام بمحاربة التنظيمات الماركسية. فحزب التقدم والإشتراكية "الحزب الشيوعي سابقاً" ضَمَّنَ دائماً في مقررات مؤتمراته بنداً ينص على : "محاربة الحزب لأفكار وتنظيمات اليسار المتطرف"، وحزب الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية كان العدو الأول لليسار حيث صرح عبد الرحيم بوعبيد أمينه العام آنذاك لصحيفة "البايس" في 1973 : "إن حزبنا يفخر بأنه يشكل الحاجز الوحيد الذي يحول دون انتشار الشيوعية في المغرب".
4 - ألغى النظام منذ 1980، مادة الفلسفة من التعليم الثانوي ومن الجامعات ووضع محلها مادة "الفكر الإسلامي" مع استبعاد الفكر الإسلامي العقلاني كالخوارج والقرامطة وثورة الزنج والمعتزلة من البرامج التدريسية المقررة، وساد فكر الغزالي وابن تيمية وأبو الأعلى المودودي ورشيد رضا...
كما ألغى من برامج تدريس الجغرافية الإقتصادية للأقسام الثانوية النهائية تجربتي الإتحاد السوفييتي والصين الشعبية، تاركاً النماذج الإقتصادية والصناعية للأنظمة الرأسمالية الخمسة (فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، الولايات المتحدة واليابان)، التي مقررة إلى جانب النموذجين الإشتراكيين السالفي الذكر(انظر بيان جمعية الشبيبة الإسلامية الداعي إلى إلغاء تعليم الفلسفة بالمغرب في الملحق رقم 1 في آخر مداخلتي).
5 - فرض النظام منذ 1980، تدريس مادة التربية الإسلامية في كل أقسام التعليم ابتداءً من السنة الأولى في الإبتدائي حتى السنة النهائية من الجامعة، ورُفِع معامل هذه المادة في الإمتحانات لتصبح المادة الأساسية للنجاح سواء أكانت في الأقسام الأدبية، العلمية، الإقتصادية أو الصناعية، وجعل منها مادة مستقلة، مسنداً تعليمها لأساتذة جدد متخرجين من كلية القرويين بمدينة فاس (المثيل المغربي للأزهر) وكلية أصول الدين بمدينة تطوان، حيث سادت عبارة شهيرة بين مفتشي التعليم الثانوي آنذاك : لا يحتاج المغرب إلى مدرسين مقتدرين بل إلى مدرسين مؤمنين ينقلون شعلة الإيمان لتلامذتهم ؟؟؟
وقد كان أحد أقطاب الإسلاميين آنذاك، الدكتور المهدي عبود المدرس بكلية الآداب والواعظ بالتلفزيون المغربي يكرر لازمته الشهيرة في مدرجات الكلية : "من اختار شعبة الدراسات الإسلامية فقد اختار الجنة".
وهكذا ومنذ الثمانينات تخرج مئات الآلاف من التلاميذ المخدرين بالدين والمٌؤََطَّرِين بمدرسين/دعاة وظّفَهٌم النظام القمعي لمواجهة المد الماركسي.
6 - عمل النظام زيادة على ذلك باستقدام المئات من الأساتذة المصريين من الإخوان المسلمين أساساً حيث وجد جمال عبد الناصر الفرصة ذهبية للتخلص منهم، وقد عملوا جميعاً على نشر الفكر الإخواني في أوساط تلامذتهم.
7 - ساهم النظام بشكل مباشر بتأسيس أولى الجمعيات الإسلاموية الفاشية (جمعية الشبيبة الإسلامية)، حيث اتصل مسؤولون كبار في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مصحوبين بالإخواني السوري الشهير "بهاء الدين الأميري" الذي كان لاجئاً في المغرب ببعض الشخصيات المعروفة بتدينها لدعوتهم لتأسيس جمعية إسلامية تعمل على نشر الفضيلة ومحاربة الإلحاد، وحينما تأسست ترأسها عبد الكريم مطيع اللاجئ في العربية السعودية منذ 1975، منذ قيامه بتنظيم اغتيال عمر بنجلون القيادي النقابي والسياسي بتهمة أنه شيوعي في نفس السنة.
8 - عملت جمعية الشبيبة الإسلامية على مأسسة مبدأ الحوار العضلي، حوار الخناجر والسلاسل الحديدية والعصي ضد ألد أعدائهم من التلاميذ والطلبة والمثقفين الماركسيين بمباركة وتحفيز من البوليس المغربي آنذاك، كما قاموا بافتعال حوادث لإثارة حقد الفئات المحايدة من التلاميذ والطلبة وعموم الشعب المتدين والأمي (انظر الملحق رقم 2 : الشهادتان الملحقتان في آخر مداخلتي من طرف أطر سابقة في الشبيبة الأسلامية حول بعض مؤامرات عبد الكريم مطيع ضد الماركسيين في السبعينيات).
9 - عبأ النظام كل إمكانياته المادية والإعلامية لإحياء الطقوس الخاصة بالأولياء والصالحين والزوايا، حيث نظمت الإحتفالات الضخمة في قبور الأولياء بإنزال كثيف للوزراء وكبار رجال الدولة والضباط السامين، وتولى التلفزيون والإذاعات مهمة النقل الحي أو الصوتي حيث بالغ الرسميون في إظهار الخشوع أمام قبور هؤلاء الدراويش، (أصدرت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية مذكرة رسمية بالمغرب تدعو الوعاظ وأعضاء المجالس العلمية إلى إبراز "حقيقة الدور الريادي لمزارات الأولياء"، وقال أحد التابعين لوزارة الشؤون الدينية إن الغاية من هذه المذكرة الرسمية أن يتم الاحتفاء بالأولياء في المغرب من غير إفراط ولا تفريط، وذلك بزيارتهم الزيارة الشرعية مع الدعاء لهم بالرحمة ولسائر موتى المُسلمين بالإضافة إلى إبراز الخطباء والوعاظ للناس في دروسهم الدور الإيجابي الذي قام به هؤلاء الأولياء الصالحون والتعريف بمناقبهم الكثيرة) هذه الطقوس التي حاربها مثلا كل أحزاب "الحركة الوطنية" بعد الإستقلال الشكلي قبل أن يتحولوا في الثمانينات كمستوزرين لإحيائها خدمة لسيدهم الحسن الثاني وبعده محمد السادس. ولنتصور جميعاً التراجع المريع في الوعي الجمعي –الضعيف أصلاً- للجماهير بعد هذا السيل الجارف من التخدير.
10 - دور التلفزيون في أسلمة الشعب : استحدث الحسن الثاني ما سمي بالدروس الرمضانية. يقول أحد أركان النظام : " ظهرت الدروس الحسنية الرمضانية لأول مرة متزامنة مع انتخاب أول برلمان مغربي في ظل مخاض سياسي عسير شهدته البلاد في تلك الآونة برغم حداثة عهدها بالاستقلال ؛ وهي يومها أحوج ما تكون إلى تحصين مناعتها الحضارية قبالة تدفق موجات الاستيلاب الأيديولوجي والتغريب الثقافي العاتية، وكذا إلى الذود عن حياض هويتها الإسلامية التي باتت مهددة بتنامي المد الشيوعي الإلحادي وصعود نجم التيار القومي العلماني.." عن جريدة التجديد الإسلامية".
كما وظف النظام جيشاً من الوعاظ –كثير منهم من المحروسة مصر- لإلقاء دروسهم التخديرية على شاشات التلفاز وفي الإذاعات، واحتلت تلاوة القرآن حيزاً ضخماً طوال الليل والنهار في الجهازين السالفي الذكر.
11 - أعطت حرب أكتوبر 1973 للدول المصدرة للبترول إمكانية الزيادة في مداخيلها من عائدات ثرواتها النفطية، وهكذا ظهرت الثروات الخيالية للبترودولار.
كانت هذه الثروات لعنة على الشعوب العربية، حيث استُخدمت مقادير ضخمة من هذه المداخيل -خصوصاً من طرف النظام العشائري الوهابي- لنشر ايديولوجيته الفاشية القروسطية، فقد أغدق هذا النظام الملايير منذ 1973 على بناء المساجد وفبركة وتمويل الجمعيات والجماعات المتأسلمة وتمويل سيل جارف من الكتب الصفراء والخطب والنشرات والصحف الدينية التي وزعت مجاناً بمئات الملايين من النسخ على المواطنين في كل من البلدان العربية وإفريقيا وكثير من دول آسيا، وحتى حينما كانت تباع، كانت أثمنتها أرخص من التراب. ولم ينج المغرب كغيره من هذا الغزو الظلامي الوهابي، مما ساعد النظام في خططه لمواجهة الفكر الثوري وأسلمة المغرب.
12 - عمل النظام على شق صفوف النقابات والأحزاب وعلى خلق ما يسميه الشعب بأحزاب "الكوكوت مينوت/طنجرة الضغط" التي تفبرك في بضعة شهور قبل الإنتخابات والتي كانت بقدرة قادر "القصر" تحصل دوماً على الأغلبية المطلقة من المقاعد البرلمانية، وهكذا نجد في المغرب أكثر من عشرين نقابة وعشرات الأحزاب "18 منهم حصلوا على مقاعد برلمانية في انتخابات نوفمبر الماضي"، إن سياسة "فرق تسد" وسياسة تمييع الحياة السياسية لعبة أتقنها النظام وغرضه من ذلك هو وصول الشعب إلى قناعة مفادها أن القوة الوحيدة الدائمة والجدية في البلاد هي القصر.
13 – منع النظام الإتحاد الوطني لطلبة المغرب في يناير 1973، واعتقل أغلب قياداته المنتخبة في المؤتمر الخامس عشر الشهير,
14 – قام النظام في 1981، بعسكرة المدرسة المحمدية للمهندسين، أهم قلاع اليسار الماركسي في القطاع الطلابي، وعين ضابطاً من الجيش مديراً لها، مطبِّقاً على طلبتها القانون العسكري، واحتلت مفرزة كاملة من الجيش المدرسة حيث أقاموا بها منذ ذلك الوقت.
15 – خلق النظام بوليساً خاصاً بالجامعات في 1981 سماه الطلبة "الأواكس" مهماته قمع الطلبة والتجسس عليهم ومنع القياديين اليساريين من ولوج الكليات رغم انتمائهم لها، وقد بدا "الأواكس" عملهم من أول يوم بتمزيق البيانات والمجلات الحائطية والملصقات وفرز لوائح للطلبة الواجب طردهم. وقد سمح الأواكس لإسلامييي العدل والإحسان بالإنتشار والتغلغل في الكليات والقيام بأنشطتهم، انتهاءً بتسهيل سيطرتهم على النقابة المناضلة "الإتحاد الوطني لطلبة المغرب" والتي كانوا يسمونها "الإتحاد الوثني لطلبة المغرب".
نـتـائـج هـذه الـسـيـاسـة القمعية لليسار والعاملة على أسلمة المجتمع كانت كارثية بالنسبة للأوائل ودافعة لنشر الفكر السلفي الفاشي في كل أوساط الشعب المغربي.
أسئلة : هل أعطت هذه الانتفاضات والثورات دروساً جديدة وثمينة للقوى اليسارية والديمقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها و ابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة ؟ وكيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة بشكل فاعل في العملية السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية ؟ وما هو شكل هذهِ المشاركة ؟ هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي, مع الإبقاء على تعددية المنابر, يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية والسياسية وحركتها وتأثيرها الجماهيري ؟ وهل تستطيع الأحزاب اليسارية قبول قيادات شابة ونسائية تقود حملاتها الانتخابية وتتصدر واجهة هذهِ الأحزاب بما يتيح تحركا أوسع بين الجماهير وأفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية ؟
قوي اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأة ومساواتها ودورها الفعال، كيف يمكن تنشيط وتعزيز ذلك داخل أحزابها وعلى صعيد المجتمع؟
هل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحدّ من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والتحرر ؟

خلخلت الحركات الإجتماعية والإنتفاضات الحالية موازين القوى في المنطقة بأكملها وأعطت تنظيمات اليسار إمكانيات لم تتوفر لهم من قبل لتجديد نفسها، إن واجبها الآنى المستعجل هو استغلال هذا الظرف التاريخي للعمل الجذري داخل الطبقات الأكثر ثورية، نعني العمال أساساً والفلاحين المعدمين وكل تلاوين البرجوازية الصغيرة المسحوقة هي الأخرى من طرف كبار البرجوازيين والاحتكاريين والرأسمال المالي الأمبريالي.
يجب البدء فوراً في مسلسلات التوحيد والتجميع بين فصائل اليسار الماركسي وحتي التروتسكيين عن طريق خلق جبهات جماهيرية متحدة داخل الجمعيات "حقوق الإنسان، المعطلين، حملة الشهادات الكبرى، الجمعيات الثقافية، النقابات، الاتحادات وعلى رأسها المنظمة العتيدة : الإتحاد الوطني لطلبة المغرب...". إن تأسيس الأنوية الأولى للعمل بسقف محدد للشعارات والمطالب التي نجند بواسطتها الجاهير أسدى ألف مرة من الإجتماعات الفوقية في غرف مغلقة من أجل التصارع والثرثرة حول التوحيد والوحدة. أن العمل الميداني كفيل إذا تزامن مع إصدار نشرات مشتركة ولو كانت من ورقة واحدة لفتح النقاشات من داخل المعارك لا خارج الجماهير هو الضامن لتقدمنا ولوحدتنا ولبناء قوانا الذاتية بدل التشرذم والتنابذ والغطرسة المثقفية الفارغة سواء أجاءت من هذا الطرف أو ذاك.
يجب أن يعي الجميع أننا لسنا فرساناً للجمل الثورية وأن التصلب اللفظي والشعارات الجاهزة لا يصنع ثوريين حقيقيين. وأن التحليل النظري ولو كان سديداً وصائباً. سيبقى مجرد ثرثرة مثقفية كُتُبِية إذا كان بعيداً عن الطبقة العاملة والطبقات الثورية الأخرى.
لتوحيد الماركسيين في بلادنا، أنقل حرفياً نصاً يحتفظ براهنيته ويشكل مناراُ لنا جميعاُ : "تشكل مهمة توحيد الماركسيين اللينينيين في منظمة مكافحة واحدة تكون نواة صلبة للحزب الثوري، مهمة مركزية حاسمة في إنجاز مجموع المهام الأخرى، وقد أشرنا في البداية إلى الخطوط العريضة لإنجاز هذه المهمة العظيمة. و الحلقة المركزية في إنجازها هي توحيد الخط الإيديولوجي و السياسي والتنظيمي للحركة الماركسية اللينينية المغربية، بواسطة الصراع الإيديولوجي الايجابي، على أن يكون هادفا للوحدة، و أن يكون ديمقراطيا و منظّما، خاضعا لبرنامج متماسك الحلقات و منسق الخطى، و أن يرتبط بالممارسة المشتركة الموحدة، و بتبادل التجارب و المؤازرة النضالية ضد العدو المشترك، وأن يتجنب كل مساوئ الحلقية و الابتزاز...الخ" (وثيقة من أجل بناء خط ماركسي لينيني لحزب البروليتاريا المغربي)، إلى الأمام 1974.

إن تشكيل الجبهات بين الأحزاب والتنظيمات غير ممكن إلاّ إذا برز قطب جاذب "طليعة ثورية قوية"، تشكل النواة الصلبة لتجميع الطبقات التي من مصلحتها الثورة غداً، إن الإتجاهات اليسارية المعتدلة والحركات الديموقراطية والعلمانية تعابير طبقية للبرجوازية الصغيرة الإصلاحية أساساً، وسيتبعون الطليعة العمالية/الفلاحية الثورية متى أثبتت كفاءتها وحنكتها وقدرتها على قيادتهم إلى النصر والتغيير.
المرحلة الآنية في نظري، لا تستدعي ولا تتطلب تشكيل الجبهات المتعددة المشارب والمنابر ما دام البناء الذاتي الفعلي لليسار الثوري لم يبدأ وما دامت النواة الصلبة لم تخلق بعد، ومن غير السديد أن يندفع شتات الماركسيين بوضعيتهم الحالية للدخول في متاهات تحالفات في غير صالحهم وليست بالقطع لصالح برامجهم الثورية.

إن من مهمات الماركسيين الأساسية والحيوية حالياً ومستقبلاً هو مواجهة الإيديولوجيات الفاشية للسلطة والطبقات المهيمنة وحلفائها المتواجدين حتى داخل صفوف الشعب، وإن الإيدولوجية الأقوي منذ أمد بعيد إلى الآن هي الإيديولوجية الإسلامية. إن الإسلام ليس دينا بين الفرد وربه، إنه الأفيون الجبار الذي يسيطر بجبروته على عقول الأغلبية الساحقة من مواطني بلداننا. إن نقد الدين في بلداننا ليس نقداً للسماء، إنه على العكس نقد أساسي للأرض، إن الإسلاميين الجزائريين وبعدهم كل تلاوين الإسلاميين في المغرب وتونس ومصر حينما يرفعون شعاراتهم في كل الإنتخابات : "صوتوا على الله... من صوّت لنا فمصيره الجنة". يعوضون غياب البرامج بجمل الإيديولوجية الإسلامية، والأدهي في الأمر أن عمليتهم تنجح دائماً.
يجب أن تتوجه معاول الهدم لهذا الدين ولقداسته المختلقة، إن تجربة "الحوار المتمدن" رائدة في هذا المجال وثمينة وقيمة، لقد وفّر لنا جميعاً ذاكرة جماعية وأرشيفاً لا يقدر بثمن. ، إن الحوار المتمدن في نظري وكما قال لينين " أصبح جزءاً من منفاخ حدادة هائل ينفخ في كل شرارة من شرارات النضال الطبقي والسخط الشعبي ويجعل منها حريقا هائلاً. وحول هذا العمل الذي هو بريء جداً وصغير جداً بحد ذاته، ولكنه منتظم وعام بكل معنى الكلمة، يتعبأ بصورة منتظمة ويتعلم جيش دائم من مناضلين متمرسين". إنني أقترح على كل الماركسيين الذين يكتبون أو يطّلعون على الحوار المتمدن : حسن أحراث، الحسين امال، المهدي، وديع السرغيني، زروال... وغيرهم كثير أن يعمموا –مع الفكر والإجتهادات الماركسية طبعاً- الكتابات القيمة لكامل النجار ولوفاء سلطان ولسيد القمني وللماركسي الرائع حسقيل قوجمان...الخ.
إن إعطاء روابط "الحوار المتمدن" لتنسيقيات 20 فبراير ولمجموعات التويتر، وطبع هذه المقالات القيمة كـ : "الشك في تاريخنا المقدس أول الصواب، أبو هريرة وابن عباس وجهان لعملة واحدة، نبيك هو أنت..، زواج عائشة..." وتوزيعها على من لا يملكون الحواسيب، وتسجيل مداخلات من هذا القبيل في يوتوبات كيوتوبات التمدن وخلق الدعاية لها، وفتح نقاشات حولها خطوات أولية من أجل إزالة غشاء هذه الإيولوجية الدينية الظافرة حالياً.

تبقى الآفاق المستقبلية في نظري. إنها إيجابية جداً إذا ما شمرنا على سواعدنا، يقول لينين : "ليس عيباً أن يحلم الإنسان، ولكن العيب ألا يعمل من أجل تحقيق حلمه"
وأنا لا أحلم هنا فتجربة النظام المغربي تعلمنا -متى تعمقنا فيها- دروساً قيمة.
في 1997 ومع إحساس الحسن الثاني بقرب نهايته، عزم على نقل السلطة الى ابنه محمد السادس بسلاسة، فقدم تنازلات مرحلية كان من أهمها :
- إطلاق سراح المعتقلين والعفو عن المنفيين وإرجاع المطرودين إلى وظائفهم مع تعويض الجميع مادياً عن سنوات الإعتقال أو الإختطاف أو النفي.
- إطلاق حرية نسبية للصحافة.
- إطلاق حرية نسبية للتعبير.
- توزيع الوعود الملكية للمعطلين بإيجاد الشغل لهم.
- استدعى الحسن الثاني، عبد الرحمان اليوسفي القيادي في حزب المعارضة "الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية" واللاجئ السياسي في فرنسا آنذاك للدخول إلى المغرب وترأس الحكومة. وكانت هذه مناورة سياسية بارعة، إذ أن أعداداً لا حصر لها من المواطنين استبشرت خيراً بتولي المعارضة الإشتراكية للحكم، وسادت عبارات المغرب الجديد، المسلسل الديموقراطي، نزاهة الإنتخابات...
ومات الحسن المجرم وتولى محمد السادس مصحوباً بدعاية هائلة : ملك الفقراء، الملك الذي سيمنع تقبيل اليد، الملك الذي سيخلي القصور ويكتفي بسكن محترم، الملك الذي طرد وزير الداخلية السفاك ادريس البصري، الملك الشاب...الخ.
واستطاع محمد السادس وائتلافه الطبقي تجاوز المرحلة العصيبة والتحكم بقوة من جديد في موازين القوى بمؤازرة ومساندة وانتظارية وخنوع مذل من طرف رئيس الحكومة اليوسفي وحزبه، وانتظرت الشعب سدى الإصلاحات التي لم تأت أبداً.
على العكس من ذلك فحينما شعرت الطبقات المهيمنة ورئيسها بتمكنهم من جديد رجعوا إلى سياساتهم القمعية السابقة المتعددة الأشكال والطرق، كان من نتائجها الفورية فشل اليوسفي وحزبه ورجوعه إلى فرنسا بعد استقالة مفاجئة –حتى بالنسبة لزملائه في الحزب- من قيادة الحزب والابتعاد عن الممارسة السياسية. لقد استغله النظام في لحظاته الحرجة ثم رماه كالزبالة.

وجاءت حالياً هذه الهزات الجماهيرية ومن ضمنها المغرب، وتعرض ميزان القوى من جديد إلى اختلالات تنبئ بالخطر على مصالحها، فعاد دهاء القصور إلى الواجهة وأعلن محمد الخامس عن دستور جديد ممنوح هو الآخر يحد –زعماً- من صلاحياته، وحدد موعداً للتصويت عليه، وبدأ مباشرة بتطبيقه بواسطة الإعلان عن انتخابات مسبقة للبرلمان، وجاءت النتائج كما كان متوقعاً، نجاح كبير لحزب العدالة والتنمية، لكن النظام حافظ على صمام الأمان لحكمه، فائتلاف أحزاب القصر المطبوخة المتواجدة منذ عقود تملك مجتمعة الأغلبية في مقاعد البرلمان، وإذا حدثت مشاكل مع الحزب الإسلامي فمحمد السادس يتوفر على احتياطي مٌفَبرَك ومٌعَد للحاجة.

إن النظام الطبقي بدفعه للإسلاميين إلى رئاسة الحكومة –وليس للحكم- يمارس نفس اللعبة التي مارسها مع اليوسفي، ربح الوقت وامتصاص الغضب الشعبي والتوفر على شماعة في المستقبل يعلق عليها الفشلات المحتملة، ولن يتراجع لرميهم في المزبلة متي توقفت حاجته إليهم.

إن القٌراد لا يمكنه العيش بدون امتصاص الدماء، والنظام الطبقي وأسياده الأمبرياليين لن يفرطوا في مصالحهم وأرباحهم، وحتى إن تنازلوا عن الفتات، فهم غير مستعدين أبداً للتخلي عن استغلالهم ونهبهم.
لهذا قلت في أسطر سابقة بأنني متفائل من سير التاريخ، إن شعوبنا لن تحقق بهذا التناوب في الأشخاص والأحزاب شيئاً. ولهذا أومن بأن وصول الإسلاميين إلى الحكم في البلدان العربية وإلى رئاسة الحكومة في المغرب فرصة نادرة مساعدة لليسار، إذ أن الوعود المعسولة ستتبخر إن آجلاً أو عاجلاً –ولنتذكر جميعاً وعود الخميني السخية بعد وصوله إلى الحكم التي لم يتحقق منها شيء إلى الآن-.

إن نجاح اليسار المقبل ليس من حتميات الطبيعة. إذا لم نستجمع قوانا ونعمل ليل نهار على ايصال أفكارنا إلى الجماهير، وإذا لم نتجاوز خلافاتنا وذواتنا الصغيرة فإن الثورة والتغيير لن تسقط علينا من السماء.

وهل توجد السماء في الأصل حتى تٌسقط ثورات.















ملحق رقم 1 : نص المنشور
بسم الله الرحمان الرحيم
يا آباءنا يا إخوتنا يا جماهيرنا يا رجال الأمة المسلمة والغيرة المحمدية.
لطالما شكوتم من الانحراف الذي ساد مجتمعنا، من السكر والعربدة، من الشعور الطويلة والملابس المبهدلة، وتعاطي المخدرات والفجور والكفر والزندقة، ومن عري الفتيات وانحرافهن.
إن هذه الرذائل والمنكرات والموبقات تلقن للتلاميذ في مدارسنا الثانوية على يد مجموعة من الماركسيين الملاحدة المنتسبين إلى أسر مسلمة، إنهم يستغلون المناهج التي وضعوها أثناء سيطرتهم على التعليم لتحطيم الإسلام واستئصاله ولتكفير أبناء المسلمين إنهم يستهزئون في دروسهم من كل تلميذ يصلي ويصوم ويؤمن بالله ويرسبونه ويطردونه من الدراسة. إن الانحلال الذي يعاني منه أبناء المسلمين يلقن في الثانويات باسم الماركسية والشيوعية واليهودية العالمية
فهل ترضون أن يكفر أبناؤكم، هل تقبلون أن تصيروا في يوم من الأيام آباءً وأجداداً للكفار واليهود هل تقبلون ألا تتركوا في الدنيا ولداً صالحا يدعو لكم، إنكم إن سكتم عن هذا المنكر فستتركون لهؤلاء الملاحدة فرصة لتكفير جميع التلاميذ.
إن هؤلاء الماركسيين الملحدين وراء إحراق المساجد في الثانويات وراء تهديد الأئمة والدعاة إلى اللهوراء الهيبية والسكر والكفر والعري.
لقد خربوا التعليم والأمة، وهددوا أئمة المسلمين في المساجد، وأحرقوا بيت الله ودنسوه، وطعنوا في الإسلام والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وفي عاصمتهم (ثانوية محمد الخامس) التي جعلوها وكرا لتنظيماتهم ومركزا لمحاربة الإسلام والمسلمين.
وهاهم الآن يشنون حربا أخرى في هذه الثانوية التي أصبحت مستعمرة ماركسية يهودية بحيث أخذوا يطردون الشباب المسلم، ويقسمون بإله الثانوية (الحزّان ماركس) أنهم سيرسبون جميع المسلمين ويطردونهم،
فهلموا دافعوا عن أبنائكم وساعدوهم على محاربة الكفار أعداء الله، ومقاومة الإلحاد الذي يدرس في مدارسنا باسم الماركسية.

إن مطالبنا تتلخص في :
1 - إرجاع التلاميذ المطرودين من طرف إدارة الإلحاد في ثانوية محمد الخامس
2 - تغيير المناهج الملحدة بمناهج إسلامية
3 - تطهير التعليم من بعض الأساتذة الملحدين الذين يتلاعبون بمقدساتنا باسم الماركسية
4 - الضرب على أيدي ملاحدة محمد الخامس الذين أحرقوا المسجد وطعنوا في الرسول صلى الله عليه وسلم وضربوا التلاميذ المسلمين وطردوهم
ولينصرن الله من ينصره، صدق الله العظيم


ملحق رقم 2 : تمزيق المصحف كما روى الحادثة الدكتور محمد خليل (من قيادات الشبيبة الإسلامية "حركة إسلامية متطرفة" في السبعينيات) : "أذكر أن عبد الكريم مطيع "زعيم حركة الشبيبة الإسلامية" كان يحذر كثيراً من تأثير مادة الفلسفة على شبابنا، ونشرها للإلحاد والفكر المادي، وكان يحذر من سيطرة بعض الأساتذة الماركسيين على المدرسة العليا للأساتذة، ويحذر من توجيه الأساتذة إلى الفكر الماركسي اللينيني وأثر ذلك على مستقبل التعليم في المغرب وكان كل كلامه معنا حول مواجهة اليسار، ولست أنسى أبداً حين طلب مني تمزيق المصحف أمام أحد الأساتذة الماركسيين والإدعاء أمام التلاميذ بأن الأستاذ هو الذي مزقه، وتعبئة التلاميذ للقيام بمظاهرات ضده وقد تفاجأت من هذا الطلب، ولم أتصور في يوم من الأيام أنه سيطلب مني مثل هذا الطلب، فلم أبد أي موقف أمامه، ولما انصرفنا عنه، لم نستطع أن ننام تلك الليلة، فظللنا أشق الدروب درباً درباً في حي "سباتة" (حي في مدينة الدار البيضاء المغربية)، ونتداول الرأي حول هذه المهمة، ولم نستطع تقبل فكرة تمزيق المصحف واتهام أستاذ بفعل ذلك ظلماً وزوراً، وقررنا في الأخير عدم الإمتثال لأمر مطيع وتعليماته"

حقيقة إحراق المسجد حسب رواية نور الدين دكير (أحد أطر الشبيبة الإسلامية في السبعينيات) : وقد حدث في نفس السنة أي سنة 1973 أن عبد الكريم مطيع "زعيم الشبيبة الإسلامية" أعطى أوامره بإضرام النار في حصير مسجد محمد الخامس (بمدينة الدار البيضاء المغربية) حتى يحدث حريق رمزي داخل المسجد، فيُستغل الحادث لتأجيج عواطف الشباب ضد الماركسيين، وقد أعطيت الأوامر للقيام بذلك في اللحظة التي كان فيها الماركسيون ينظمون محاضرة لأحد مناضلي اليسار، وقد تم توزيع منشور بالمناسبة، وتم فيه اتهام اليسار بتدبير الحادث، واستثمرنا حدث حرق المسجد في استغلال عواطف الشباب للتعبئة ضد اليسار، وانطلقت إضرابات عارمة للتلاميذ للإحتجاج على انتهاك حرمة المسجد من طرف الماركسيين الملحدين.



#سائس_ابراهيم (هاشتاغ)       Saiss_Brahim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجيلاني الهمامي ومداخلته : ملاحظات، ملاحظات
- السيرة الذاتية لسياف عربي... لنزار قباني
- أيمكن وصول لهيب الثورة إلى الجزائر والمغرب ؟
- قذافيات
- كل ثورة وإحنا دايماً فرحانين
- محمد، أبو لهب وشتائم الله


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....



المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - سائس ابراهيم - الربيع -العربي- يستحيل خريفاً .. الدين واليسار والصراع الطبقي : المغرب نموذجاً