أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماء محمد مصطفى - الانتظار .. أشرعة بإتجاه المرافئ














المزيد.....

الانتظار .. أشرعة بإتجاه المرافئ


اسماء محمد مصطفى
كاتبة وصحفية وقاصّة

(Asmaa M Mustafa)


الحوار المتمدن-العدد: 3565 - 2011 / 12 / 3 - 12:18
المحور: الادب والفن
    


وحدهم ، البحر والليل والصخر والرمل يعلمون بتلك الغارقة في حلم انتظار. كلما تقف عند الشاطئ تعوي الريح بوحشية ، وتلقي سكون المساء في جوف نورس وحيد . وحينما تلمح شراع سفينة في الأفق القرمزي تبتسم شفاه توقها العجيب ، ويشتد قرع الطبول الوحشية في أعماقها ، وهي تحاول الإمساك بالشراع آملة أن تحمل السفينة ماتنتظر .

*****

بهذا المشهد المتخَيل نبدأ رحلتنا هنا في أعماق الانتظار ، محلقين بأجنحة الفرح على مساحات أحلامنا حين لايكون ماننتظره سراباً او موتاً . لكن أيّاً أكثر مرارة .. انتظار الموت أم انتظار السراب ؟
قرأت مرة لأحد الشعراء : " الموت حقيقة . ولامرارة في الحقيقة أبداً . والسراب وهم ، وهو أكثر ثمار الطريق مرارة " .
إن أعماقنا في أثناء انتظارات العمر المتكررة تترجرج بين الحقيقة والسراب ، وهي قد تشبه أرضاً قاحلة متشققة بانتظار الماء ، او شجرة يابسة تأمل أن تورق وتثمر ، كأنها في دوامة انتظاراتها تشبه لوحة تعبر عنها فرشاة الحزن الممزوج بالامل .
وتتنوع الانتظارات ، إذ إن كل إنسان يمر ّ بحالات ترقب وانتظار حلم اوأمنية اوفرح او موعد او سفر او نجاح او حبيب او هدية او شفاء من مرض او فجر يوم جديد او مجهول او قطار قد يجيء او لايجيء.
وإذ يعبر الانتظار في جوهره ، أيضاً ، عن مقدرة الإنسان على الصبر والمطاولة والإيمان بقيمة ماينتظر ، فإن هناك من ينتظر سنوات طوال على أمل الحصول على مبتغاه ، وقد يشغل الانتظار مساحة العمر كلها ، ، بينما هناك من ينعطف بعد وقت قصير عن الانتظار ، الى محطة أخرى . لكن ذلك الانعطاف لايعني ضعف صبر ومطاولة بالضرورة ، فقد يكتشف المرء بعد حين أن ماينتظره لايستحق أن يقضي أيامه في ترقبه ، او يرى أن هناك ماهو أهم ليتلفت اليه بدلاً عن انتظار شخص او أمر قد لايكون بمستوى الطموح .
وهنا لابد أن لانتناسى فارقاً بين انتظارين ، أحدهما سلبي ، حين لايقترن بسعي للوصول الى ماننتظر ، والآخر إيجابي ، حين يرافقه فعل بإتجاه الحصول على مانريد .
لكن ، هل يمكن أن يذوي المرء بسبب الانتظار ؟
في الأسطورة الإغريقية ، نجد نرسيس إله الجمال ، وهو ينظر الى صورته للمرة الأولى على صفحة الغدير الساكن ، ينبهر بها ويعشقها ، ويأخذ بمناجاتها ظاناً أنها وجه عروس البحر ، ويظل يتردد على الغدير كلما تشرق الشمس ولايغادر إلاّ عند تواريها وراء رداء الليل الفضفاض منتظراً من الحبيبة ـ الصورة أن تبادله الغرام ، وأن تقول كلمة تداوي وجعه .. ويظل هكذا حتى تذبل نظرته ويتحطم قلبه ويذوي عند الغدير ، فتنمو مكانه زهرة نرجس منكفئة على الماء ، تتطلع الى صفحته الساكنة وتنتظر .
ربما تتنظر تلك الزهرة موعداً في سهول القمر ، كما انتظرت فتاة في قصة جميلة لغادة السمان تحمل عنوان .. بحثاً عن سهول القمر :
" وانتظرت منه أن يقول .. سأكون رفيقك الليلة ياصغيرتي ، وسنرتمي معاً بين الصخور الضائعة ونراقب مدينتنا الرمادية تغمض عيونها المضيئة حتى تبتلعها هوة الظلام وننصت لأغاني السكون " .. لكنه لم يقل شيئاً من ذلك لها ، وانتهى انتظارها بخيبة .. كتلك التي كتبت على ورقة من أوراق عمرها : " انتظرتك .. ولما لم تعد أدركت أن حلم رؤياك أصبح رماداً تناثر فوق رمادي " .
إنها مرارة الخيبة ، التي تجعلنا ننعطف ـ كما ذكرنا آنفاً ـ او نبكي ندماً على تضييعنا العمر في انتظار غير مجدٍ .
ويتراءى لنا هنا ظل صموئيل بيكيت .. يدعونا لننتظر معه غودو الذي يأتي او لايأتي .. لكننا نسدل الستار على مسرحيته ، بانتظار آخر .. فثمة شراع في الأفق يعانق الفصول .. يجعلنا نردد مع الصوت الفيروزي العذب .. " نطرتك في الصيف .. نطرتك في الشتي " .. كأن صوتها العذب ، وهو يتوغل الى الأعماق ، يرغمنا على عشق الانتظار .



#اسماء_محمد_مصطفى (هاشتاغ)       Asmaa_M_Mustafa#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحلم .. اتمنى .. أريد
- محظورات الفيس بوك .. مثقفون بمستوى جهلة !!
- أسمائيات : من قلبي كلمة .. من عقلي أخرى
- الغيمة وسادة حلم !
- الهجوم على أغاني التفخيخ خير وسيلة للدفاع !!
- أسمائيات : بشرى سارة للسمان في العراق !!
- أسمائيات : خلجات امرأة منسية في منطقة البرزخ !!
- أعماق الإنسان نوافذ للضوء والأمل والجمال
- أفكار متمردة على دكتاتورية المجتمع والرجال !!
- اللجوء الى جنوب السودان !!
- متى ننتفض على العنف ضد المرأة ؟!
- مجلس الوزراء ووزير التعليم العالي العراقي .. نريد قراراً حاس ...
- مباشر الى وزير التعليم العالي العراقي .. قبل أن تبتلع الخيبة ...
- كيف تتحسن حال العراق ، وأنتم تتناحرون ؟!
- فقدان ذاكرة .. مُتعَمَد
- لكي لاتضيع حقوقكم!
- نريد حكومات تحترم إنسانية المواطن
- نعم للمظاهرات والمطالبة بحق الحياة والكرامة
- أمراض بالقرعة .. أمراض بالجملة !!
- قضية المفصولين السياسيين من ناحية أخلاقية وإنسانية


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - اسماء محمد مصطفى - الانتظار .. أشرعة بإتجاه المرافئ