أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - هل هو شعب باع ثورته ويبحث عن جلاديه أم هو اليُتم السياسى .. مآساة شعب !















المزيد.....

هل هو شعب باع ثورته ويبحث عن جلاديه أم هو اليُتم السياسى .. مآساة شعب !


سامى لبيب

الحوار المتمدن-العدد: 3564 - 2011 / 12 / 2 - 17:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ظهرت نتائج المرحلة الأولى لإنتخابات مجلس الشعب المصرى بتفوق للتيارات الإسلامية وهو ما توقعه أى راصد للواقع السياسى ولكن لم تكن بهذه النسبة التى أخذت ملمح الإكتساح , ولا بتلك المشاهد الإضافية التى إنضمت للمشهد العام .
قد ينبهنا البعض بأن تصدر الإسلاميين للمشهد السياسى لا يعنى إنتصارهم النهائى فالإنتخابات لم تنتهى بعد فمازال هناك مرحلتين كاملتين لتحديد النتيجة النهائية .. ولكن على الجميع ألا يتفائل بحدوث إنقلاب فى المشهد بل على العكس أنا أتصور أن المرحلتين القادمتين سيكون الإكتساح أكبر فإذا كانت نتيجة المرحلة الأولى والتى جرت فى محافظات حضرية كالقاهرة والأسكندرية وأسوان وبورسعيد ذات حضور ليبرالى إلى حد ما جاءت هكذا فما بالنا بالمحافظات الريفية .

ملامح المرحلة الأولى للإنتخابات أعطت لنا مشاهد كثيرة جديرة بالإهتمام والتحليل معظمها يصعب تلمس أسبابه الحقيقية ليعطى علامات إستفهام كبيرة عن التركيبة النفسية والمزاجية للشعب المصرى .!!
بداية لا يستطيع أحد أن يجادل أو يطعن فى أن الإنتخابات التى جرت مرحلتها الأولى قد تحقق فيها النهج والممارسة الديمقراطية , وأن تفوق الإسلاميين يعبر حقيقة عن إرادة ورغبة الشعب المصرى , لذا علينا أن نقبلها ونحترم نتائجها كوننا آمنا بالأسلوب الديمقراطى فى التعاطى بغض النظر عن وجود تجاوزات تمثلت فى إستغلال المنابر للترويج للتيار الإسلامى ووجود مندوبين للمرشحين للدعاية داخل المقار الإنتخابية علاوة على شحن الناخبين إلى مقار الإنتخاب فأنا لا أعتبرها تجاوزات ذات قيمة فالجهة التى يوجه لها النقد هو المواطن نفسه ومدى جدارته كإنسان واعى وراء الإنسياق لمثل هذه الدعايات , وكذلك مدى إخفاق القوى الليبرالية الأخرى فى الحضور والتأثير .

ليس معنى إقرارنا بفعاليات ونزاهة العملية الديمقراطية وإستحقاق القوى والتيارات الإسلامية أننا أمام شعب يصنع تاريخه بيده وفقا لقناعات ورؤي واعية لخريطة القوى السياسية وأين يكون إنحيازه , فلن نخدع أنفسنا بهذا الأمر فنحن أمام شعب 35% منه يعانى الأمية الكاملة والباقى يعانى أمية سياسية بجدارة , فليس هناك أى وعى ببرامج سياسية للأحزاب حتى نقول أن الناخب المصرى إختار هذه الكتلة السياسية كون برامجها تُعبر عن طموحه وأمانيه وتترجم مصالحه , ومما زاد الطين بلة أن الإنتخابات الحالية تجرى 70% منها بنظام القوائم أى أن ناخبنا يلزم له أن يكون على وعى بكافة القوى والتيارات والكتل السياسية مدركاً برامجها حتى يكون صوته معبراً عن قناعات حقيقية فهل حدث هذا الأمر ؟! -وهل يستطيع أحد أن يتبجح بالقول أن 1% من الناخبين كان هذا أسلوبهم ونهجهم .؟!..وللمفارقة فإن التيارات الإسلامية التى إكتسحت الإنتخابات ليس لها برنامج وهوية سياسية واضحة تحظى بالوعى من قبل أعضائها وكوادرها قبل ان يكون للجمهور الذى إنتخبهم بها إدراك .!!

العملية الإنتخابية تتم وفق حالة مزاجية فقط ومن له صوت عال وهوى وصيت هو الذى يكسب !.. لكن أن نتوهم بأن الإنسان المصرى لديه الوعى السياسى فهذا غير وارد سيان كان الصعود للإسلاميين أو الليبراليين فهو شعب غائب عنه إدراك مصالحه الحيوية وأين تكون قبل أن يكون لديه وعى وفهم سياسى بسيط .!
نأتى للتدقيق فى المشاهد السياسية لنتأملها ونتأسف على حال شعب مارس سنه أولى ديمقراطية ولكن هكذا كانت ممارساته وإلا كيف سيتعلم .. فلن يصل الشعب المصرى إلى حالة مرجوة دون أن يذوق الألم ويتوجع فالحريات والديمقراطية لا تأتى على طبق من فضة فلابد أن يدفع ضريبتها وهو لم يدفع بعد .

البرلمان المنشود هو برلمان الثورة أى البرلمان الذى جاء كثمرة ثورة 25 يناير فبديهياً أن يأتى برموز الثورة من الشباب محمولين على الأعناق ليكونوا نواب الشعب فى البرلمان القادم , ولكنك لن تجد أى شاب فى هذا المشهد , لتحتل القوى التى شاركت فى الثورة بإستحياء كالإخوان المسلمين وقوى أخرى كالسلفيين لم تشارك على الإطلاق فقد حرمت على أنصارها الإنخراط فى ثورة 25 يناير بدعوى عدم الخروج على الحاكم , كما سنجد شخصيات من محترفى ووجهاء الإنتخابات من رموز العائلات والعشائر ليحتل الجميع كل المشهد السياسى .!!

مشهد آخر هو حضور حزب العدالة والحرية الجناح السياسى للأخوان المسلمين بشكل قوى ومؤثر بل يمكن القول أن حضوره كان واضحاً ومميزاً وغير متوقع فى الجولة الأولى التى تمت فى محافظات ودوائر حضرية ليس لهم فيها شعبية جارفة .!
مشهد غريب وعجيب أيضا يُمثل مفاجأة للراصد السياسى وهو الصعود العالى للتيار السلفى وتفوقه فى دوائر عديدة ليأتى فى الترتيب التالى للأخوان المسلمين ولتسأل كيف لهذا التيار السلفى الذى لم يقدم طوال تاريخه أى مشاركة وفعل سياسى أن يحظى بهذا الإكتساح بل لديه رصيد من السمعة السيئة من خلال ممارساته التى تتسم بالتطرف وإثارة النعرات والفتن وتأجيجها كما فى الحوادث الطائفية ضد الأقباط ومناطحتة للتيار الصوفى الإسلامى علاوة على التزمت الموسوم به فى سلوكه ومظهره دون أن تجد بأى حال من الأحوال تاريخ نضالى أوإنحياز أو شعار سياسى لمصالح الجماهير المطحونة .

مشهد أخر هو الظهور المفاجئ للكتلة المصرية وتحقيقها نتائج لا بأس بها بالرغم من حداثتها كقوى سياسية ولكنها إستطاعت ان تتواجد من خلال الدعاية القوية وطرحها لذاتها كقوى مناهضة للتيار الإسلامى والدولة الدينية .
مشهد أخير هو هذا الحضور الباهت أو المنعدم إذا صح التعبير لقوى حزبية لها تاريخ طويل نضالى أو قل سمعة نضالية مُستحقة أو غير مُستحقة كحزب الوفد والناصرى والتجمع والكتلة المصرية , فلم يحظى أى منها على شئ يذكر بالرغم من وجود بعض الخلفية فى وعى الشعب المصرى عن أسماء هذه الأحزاب .!!

دعونا نتفحص هذه المشاهد بدقة ونعترف بأن حضور التيارات الإسلامية بشكل عال فى هذه المرة لم يأتى نتيجة إحجام الناخبين عن المشاركة السياسية فدائماً ما كان يُعزى نجاح الإسلاميين فى الإنتخابات النقابية مثلاً بسبب عزوف النقابيين عن المشاركة بينما يستطيع الأخوان المسلمين شحن تابعيهم ومريديهم بشكل منظم وقوى فإذا كان هذا الأمر صحيحا ً بالفعل فى الماضى فلن يكون مقبولا تسويق هذا السبب الآن بعد هذه المشاركة العريضة للشعب المصرى ولكن هناك أسباب أخرى سنأتى عليها بالتحليل .

عدم وجود شباب الثورة على رأس المشهد السياسى ليحظى بأكبر تأييد من الناخبين بالرغم أن الفرح كان يجب أن يكون فرحه يرجع لأسباب عديدة أولها أننا لم نكن أمام ثورة بمعنى الكلمة وإلا كنا وجدنا هذا الشباب هو الذى يشكل برلمانه ودستوره ونظامه لوحده فالحالة الثورية ستمنحه الشرعية لتحقيق ذلك ولكن هم شباب رائع قاموا بإنتفاضة ليجدوا الجماهير المهمشة والمُغتصبة فى حريتها وكرامتها تقف معهم لتطيح بنظام ديناصورى عفن أصبح خارج التاريخ فكان سقوطه سهلا ً .. لذا هى ليست ثورة أخذت مددها من الجماهير العريضة فما لبثت هذه الجماهير أن تأففت من هذه الحالة الثورية طالبة السكون والراحة بدعوى أن أحوال ومصالح البلد توقفت من جراء هذا الزخم الثورى ,, بل يمكن القول بأن هناك الكثير من الأصوات الإنتخابية ذهبت للأخوان تحت وهم أن حزب العدالة هو من يمثل الجانب الهادئ والرزين فى الثورة والذى يبغى دفع عجلة الإستقرار والأمان ..أى أن هناك شريحة صوتت للأخوان نكاية فى التيارات والشباب الثورى .!
تأتى حالة التشرذم والتفتت التى تعترى شباب الثورة لتتصدر مشهدهم فلك أن تعلم أن خلال ستة أشهر تكون أكثر من 150إئتلاف لشباب الثورة !!! .. من شباب رائع ومغمور لم يحظى على الدعاية اللازمة ليكون له حضور .. بالطبع نحن لا نعارض التنوع ولكن فى هذه الحالة الجنينية يلزم إطار وإئتلاف واحد جامع لكل هذه التشكيلات يفرض رؤيته .. ثم يتكلل الإخفاق الشبابى فى المشهد الإنتخابى بفقده لأكثر عنصر لازم للنجاح الإنتخابى وهو التمويل السخى للدعايات الإنتخابية فكيف لهم بالملايين ليصلوا إلى عيون الناخب ويحظوا على مزاجه حتى ولو كانوا كل واحد منهم " لينين "الثورة المصرية .

لو حاولنا تفسير صعود الكتلة المصرية الليبرالية لتحظى على تواجد لا بأس به فى كل الدوائر لإنتخابية بالرغم من حداثتها , فالفصيل الرئيسى فيها المتمثل فى حزب المصريين الأحرار لم يتجاوز عمره عدة شهورفهذا يرجع لسببين أولهما أنها مثلت الوجود الليبرالي الديمقراطى الواضح فى مواجهة المشروع الإسلامى لتجذب لها الليبراليون والأقباط وشرائح إجتماعية ترفض الحضور الإسلامى السياسى لنقول أيضاً ان المصوتين لها لم يكونوا على وعى سياسى ببرامجها بقدر ماهى حالة مزاجية نكاية فى تصاعد أسهم التيارات الإسلامية وأعتقد بقدر ما كانت الكتلة المصرية منافسة إلى حد ما وأعلنت عن مشروعها الليبرالى الديمقراطى بوضوح إلا أنها خلقت حالة من الإستقطاب أضافت رصيد للتيارات الإسلامية داخل الأوساط الشعبية المشوشة بأن هناك حكم لليبراليين والعلمانيين والأقباط فى الطريق فعلينا ان ننصر الاسلاميين !... ويأتى السبب الثانى فى التمويل السخى لدعايتهم الإنتخابية ليصل إسم الكتلة المصرية إلى أسماع الناخبين الذين لهم موقف من التواجد الإسلامى السياسى .
تتأكد هذه الرؤية بالمشهد الإنتخابى فى بورسعيد حيث نجد الناشط السياسى جورج إسحاق متنافساً أمام نائبا ً من الأخوان لتعتقد أن فوز الأستاذ جورج سيكون ساحقاً فلا جدال حول سمعته وتاريخه النضالى المُشرف كأول من ناهض مبارك ونظامه وأول من صرخ ضد التوريث ليشكل حركة " كفاية " ويواصل نضاله ضد نظام مبارك فى فعالية تفوق الكثير من الأحزاب المعارضة حينها وليتكلل جهده فى النهاية بالإسهام الفاعل فى ثورة 25 يناير .. فلمصر أن تفتخر بهذا المناضل ولشعب بورسعيد أن يتباهى به ولكن لا تنزعج فقد سقط المناضل جورج إسحاق فى الإنتخابات أمام المرشح الإخوانى لنتلمس البؤس والتشوش الذى وصل له الشعب المصرى والذى لن يخلو من نزعة طائفية بالرغم أن الرجل بعيد عن هذا التوجه .!!

نأتى لمشهد إكتساح التيار الإسلامى للمشهد السياسى لنحاول ان نبحث عن أسبابه الحقيقة التى دفعت الشعب أن يضعهم فى المقدمة بالرغم أنهم ليس لديهم هذه الشعبية الجارفة ولا هم أصحاب برنامج سياسى واضح ينحاز للطبقات الفقيرة والمسحوقة والمهمشة بل كل تاريخهم النضالى هو الدعوة للحجاب أو الإحتجاج والصراخ على كتاب أو فيلم سينمائى .!
ستكتمل حيرتك عندما نذكر لك تفوق التيارات الإسلامية فى محافظتى أسوان والبحر لأحمر فبالرغم أن تلك المحافظتين بالذات أبعد ما يكون لشعبيها الرغبة فى نجاح الإسلاميين بحكم أنهما محافظتان تعتمدان بشكل رئيسى على السياحة كمورد رزق لأبناءها ومعروف أن الإسلاميين لا يرضون بالسياحة ولهم مواقفهم الحادة والمعلنة ولكن رغماً عن ذلك فاز الإسلاميين فى لوغاريتم غريب للشعب المصرى .

الحقيقة ليس هناك لوغاريتم يَصعب تفهمه فالشعب المصرى الذى أعطى صوته للإسلاميين ليس لأنهم يلعبون على أوتاره الدينية ويدغدغون أحلامه بحياة كريمة فى ظل " الاسلام هو الحل " ولا كون الشعب المصرى يهفو لتطبيق حدود الشريعة الإسلامية القاسية فكل هذه الأمور قد يتصور البعض أنها هى التى دفعت الشعب المصرى لوضع الإسلاميين فى المقدمة ولكن ليس هذا هو السبب الرئيسى , فالشعب المصرى للأسف الشديد لم يتخلص من حالة الوصاية وبحثه عن الأب الطيب .. فلا يستطيع أن يعيش فى حالة من اليُتم !! ولم يتخلص من طفوليته بعد .!!

الشعب المصرى من أعرق الشعوب فى العالم فهو عرف الحضارة والدولة المركزية من سبعة آلاف سنه ليتماهى فى حكم الفرد على مدى هذه الآلاف السبعة ويصبح الحاكم الملك هو كل الأمان والحماية والقيادة والحكمة .. فهو من يحفظ ويصون ويفكر لذلك عاش كل حكام مصر يحكمون حتى وافتهم المنية أو إمتدت يد مُنافسة تغتالهم .
شعب عاش سبعة آلاف سنه بدون ثورة !! ..فحكامه آلهة لفترة طويلة وأشباه آلهة فى باقى الفترات وليترسخ في المفهوم الجمعى حكم الملك الإله أو ابن الآلهة من البواكير الأولى فى تاريخه ثم تأتى الأديان والكهنه والشيوخ لتسويق حكم الوالى ليظل الشعب فى حالة طفولة لم يُنزع عنها الفطام .
هذا الإحساس بالإختباء والإنصياع لحكم الحاكم الذى تمثل فى الأب المانح للأمان والحماية إستمر على مدى عصور طويلة ليترسخ فى الوجدان والنفسية المصرية ليتجلى فى مشاهد كثيرة عبر التاريخ منها المشهد القوى فى تنحى جمال عبد الناصر أثر هزيمة يونيه 1967 ليقوم الشعب المصرى عن بكرة أبيه رافضاً تنحى رئيسه مطالباً إياه بالإستمرار..لا تصدق الدعاية القائلة ان اجهزة الرئيس هى التى حركت الشارع فالشعب المصرى تحرك رافضاً التنحى وهو نفس الشعب الذى أبكى جمال عبد الناصر كثيرا يوم وفاته بالرغم من أنه جلب أكبر هزيمة شهدتها مصر عبر التاريخ ولم يكن بالحاكم الديمقراطى .
لا تكتفى بالقول انه شعب عاطفى .. نعم هو عاطفى ليس حباً مغرقاً لرئيسه بقدر ما خوفه من الإحساس باليُتم والضياع وأنه فى الطريق لوحده بدون الأب القائد .. فجمال عبد الناصر كان إمتداد لكل فراعنة مصر الآلهة الذين يمثلون الأب الحاضن الحامى لذا تجد أن كل الحكام على مدار التاريخ الحديث لم يسمحوا بوجود شخصيات من الآباء البدلاء فتفرد القائد الأب بالسلطة أعطى إحساس باليتم من المجهول فيكون إختيارنا لأكثر صور الآباء الحاضرين صيتا ً ولا بأس أن نراه يبدو طيبا ً يمسك سبحة وله زبيبة فى جبهته فسماههم على وجهوهم ليكون أباً بديلا ً... لا تتصور أن الشعب المصرى لديه وعى سياسى ليضع الإسلاميين أو الليبراليين على قمة السلطة أنه يبحث عن أب بديل للأب الفاسد القابع فى السجن .

قد يرى البعض هذه الرؤية مصحوبة بجلد الذات ولكن فليراجع الجميع الموقف من الحكام العرب فى كافة البلاد العربية لنجد أننا كلنا فى الهَم شرق فقد مجدنا ورقصنا لصدام الأب والقذافى والأسد وكل هذه القائمة الطويلة من الآباء وما الإرتباك المصاحب لسقوط الأب الفاسد فى العراق ومصر مثلاً أننا لم نعرف بعد من هو الأب القوى البديل .

طالما تناولنا العمق النفسى الإنسانى للشعب المصرى فهناك عامل نفسى قوى آخر ساهم فى إحتلال الإسلاميين للمشهد السياسى والإجتماعى وهو بحث المصريين عن سيادة ذكورية مفقودة فيكون وضع الإسلاميين على قمة المشهد السياسى هو لإدراكنا بأنهم القادرين على تكريس هذه الهيمنة المفقودة وتعزيز أركانها .
الأديان جاءت فى الأساس لتكريس الهيمنة الذكورية وقهر المرأة ويمكن الرجوع لمقالات سابقة تناولت فيها هذه الرؤية بشئ من التوثيق .. وما تصاعد الحضور الدينى إلا دفاعاً عن وضعية ذكورية بدأت تتآكل من سريان الحداثة وحريات الإنسان والمرأة لتأتى ظهور وحضور التيارات الإسلامية وفعاليتها فى الواقع المصرى مثلا منذ أكثر من 40 سنه ليس نتيجة أنهم يدغدغون مشاعر المصريين العاطفية بإستخدامهم الدين كشعار يوهم بقناطير اللبن والعسل والعدل القادم فهم يفتقدون لأى برامج أو توجه أيدلوجى معنى بهذا الأمر , كما لا يأتى حضورهم أيضا لعشق المصريين للشعارات الدينية فى الحياة , ولم يكن أيضاً تصاعدهم نتيجة إنهيار المشروع الناصرى المنهار ليمثلوا هم البديل فليس هذا هو العامل المنفرد أيضا فهم لا يمتلكون أى برامج سياسية تعنى بشرائح إجتماعية عريضة بل كل شأنهم تناول حجاب وسفور المرأة لتتوافق مع رغبات الذكور الباحثين عن إسترداد هيمنتهم الذكورية بعد عقد من الزمن تحررت فيه المرأة وإكتسبت المزيد من الحريات .
نعم هذه الأسباب متواجدة كظواهر وصور صاحبت المضمون الرئيسى وهو الدفاع عن هيمنة ذكورية مُهدرة .. فالشارع المصرى وضع الإسلاميين على قمة المشهد السياسى ليس لأنهم يتمتمون ببعض الآيات والشعارات الدينية ولا انهم سيجلبون الخير فى معيشته فكل هذه الأمورغامضة وغير ملموسة ولكن لأنهم سيكرسون هيمنة ذكورية مفقودة واضحة فى ممارساتهم وشعاراتهم فيكون إنحيازنا لهم لتحقيقهم الذكورة التى ستعوضنا عن حالة بؤس إقتصادى وإنسانى يبحث عن وسيلة لتفريغ طاقة غضبه وسخطه .

يبدو أننى أغرقتكم فى التشاؤم ومارست عملية جلد ذات على ثقافتنا وتخلفنا ووضعنا البائس ولكنى متفائل بغد أفضل وأننا نسير على الطريق النضالى الصحيح .!!
لن تأتى الديمقراطية والحريات على أطباق من فضة ولن ننالها إلا عندما ندفع الثمن تضحيات وترنحات وإخفاقات فلابد أن نجرب ونتعلم ونعانى من إختياراتنا الحمقاء .. سنتعلم من أخطائنا ونفهم أن الرأى مسئولية وليس هوى ومزاج .
أنا متفائل بأننا سنقدم على ثورات حقيقية عندما توضع كل المحددات على المحك وتتحدد بقوة أقطاب الصراع لنصل إلى فهم ووعى طبقى حقيقى وأن ما وضعناهم على قمة الهرم السياسى ما هم إلا وجه أخر للطبقة المهيمنة السائدة التى ألقت بأقوى أوراقها الشرسة فى المقدمة .

القضية الحقيقية للأمم هو صراعها الطبقى والذى يغيب عن الذهنية المصرية فتخلق رؤاها الساذجة وتستسلم لحالات إحباطات نفسية تعتمد على الخوف من اليُتم والضياع وتتوسم حضور أب بديل بدلا عن الأب المفقود أو الفاسد وتأمل فى ترسيخ مفهوم ذكورى غبى للسيادة لتجاوز حالة من الإخفاق والنقص والتهمييش .
من خلال الصراع الطبقى ووضع كل الأمور على المحك الطبيعى سيصل الشعب لإدراك من يستغلونه ويمصون دماءه وينتهكون حريته وكرامته ولقمة عيشه البائسة , وحين نصل لهذا الوعى سيتساقط أصحاب الوهم الإسلامى ويتلاشى إحساسنا البائس باليُتم ورغباتنا الذكورية الغبية .

دمتم بخير

"من كل حسب طاقته لكل حسب حاجته " حلم الإنسانية القادم فى عالم متحرر من الأنانية والظلم والجشع .



#سامى_لبيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مراجعة لدور اليسار فى الثورات العربية ونظرة إستشرافية مأمولة
- مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهير ...
- فى داخل كل منا ملحد !..إنه الشك يا حبيبى - لماذا يؤمنون وكيف ...
- الثورة الناعمة عرفت طريقها .. شعب سيصنع ثورته من مخاض الألم
- تثبيت المشاهد والمواقف - الدين عندما ينتهك إنسانيتنا (32)
- تحريف الكتب ما بين رغبة السياسى والإخفاق الإلهى - تديين السي ...
- المؤلفة قلوبهم بين الفعل السياسى والأداء الإلهى - تديين السي ...
- العمالة الغبية والثقافة الداعية للتقسيم فى مشروع الشرق الأوس ...
- إبحث عن القضيب !! - لماذا يؤمنون وكيف يعتقدون (15)
- هل التراث والنص بشع أم نحن من نمتلك البشاعة - الدين عندما ين ...
- مشهد ماسبيرو يزيح الأقنعة والأوهام ويكشف الرؤوس المدفونة فى ...
- إشكاليات منطقية حول الإيمان والإله - خربشة عقل على جدران الخ ...
- التتار الجدد قادمون - الدين عندما يمنتهك إنسايتنا ( 30 )
- العلبة دي فيها فيل - خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 9 ...
- فلسطين ذبيحة على مذبح يهوه والمسيح والله الإسلامى - تديين ال ...
- الإسلام وحقوق الإنسان بين الوهم والإدعاء والعداء .
- التاريخ عندما يُكتب ويُدون لحفنة لصوص - تديين السياسة أم تسي ...
- هل الله حر ؟!! - خربشة عقل على جدران الخرافة والوهم ( 8 )
- البحث عن جذور التخلف - تأملات وخواطر فى الله والدين والإنسان ...
- تديين السياسة أم تسييس الدين - حقاً الدين أفيون الشعوب .( 8 ...


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سامى لبيب - هل هو شعب باع ثورته ويبحث عن جلاديه أم هو اليُتم السياسى .. مآساة شعب !