الموسيقا والواجب الاجتماعي

جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 3563 - 2011 / 12 / 1 - 22:55
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    

لا أحد يعرف لا الموسيقا ولا الواجب الاجتماعي إلا المجتمعات التي وصلت إلى حضارة متقدمة انسانيا,وبصراحه لا شيء يميزنا عن مجتمع العصور الحجرية إلا القرنين الماضيين,وما قبل ذلك كان أجدادنا مثلهم مثل الذين عاشوا في العصور الحجرية مع قليل من المراعاة في بعض المسائل البسيطة.

الذين عاشوا وماتوا في العصر الحجري القديم والحديث لا يعني أننا متقدمون أكثر منهم,والتطور للأمام وفي الآلة لا يعني أننا نسير نحو الأفضل ربما أننا نسير نحو الأسوأ.. والعصر الحجري لا يعني التخلف كما نتوهم, فهنالك مثلا سنة 82ألف سنة قبل الميلاد آلة موسيقية مصنوعة من بعض العظام وهذا يعني أن هنالك قبل 82 ألف عام أناس عرفوا الموسيقا والموسيقا تعني الحضارة وتعني مجتمع متكامل دينيا وثقافيا ومن المحتمل مجتمع له أبعاد دينية طالما أنه استعمل الموسيقا فمن المحتمل أنه مارس العزف في الجنائز وفي الأعراس وهذا يعني مرة أخرى طقوس اجتماعية دينية توصل إليها إنسان ما قبل 82 ألف عام, ومن هذا المنطلق لا نستطيع القول عن أولئك البشر بأنهم كانوا متخلفين بل على العكس كانوا مثقفين أكثر من بعض المجتمعات الحالية التي تحرم الرقص والفن والطرب بكل أشكاله وألوانه مثل المجتمعات الإسلامية,وهذا كله معناه أن في الحضارة الحجرية رقيا وازدهارا مارسه إنسان العصر الحجري بشغفٍ بالغ أكثر من شغف الإنسان العصري بالموسيقا,ولا يمكن أن يفكر الإنسان بالموسيقا إلا إذا أروى عطشه وجوعه وبعد ذلك اتجه إلى الموسيقا بعد أن شعر بأنه فعل كل شيء.

وعُثر في شمال العراق على قبر في مدفن(شانيدر) يعود إلى 40 ألف عام في حفرة تشبه البرميل ظهر الميت للشرق ووجهه متجه إلى الغرب, ويبدو أن صاحب القبر كان مصابا بشلل نصفي ومات نتيجة انهيار صخري, وقد اكتشف الخبراء هذا الشلل من ضمور في الهيكل العظمي الأيمن ونمو أبطأ بكثير وأخف وزنا من نصف الهيكل الأيسر أي أن الجزء الأيسر كان أثقل من الأيمن, وطبعا السؤال ليس هنا بل في عمره حيث حدد العلماء عمر صاحب القبر بأربعين سنة,أي أنه مات وهو في سن الأربعين سنة قبل أربعين 40 ألف عام أو44ألف عام, والسؤال الأهم هو ليس هنا بل هناك في كيفية أشكال التعاون بين أفراد المجتمع الحجري في العصر الحجري القديم, فهل مثلا من المعقول أن تلك الفترة كانت أكثر إنسانية من غيرها؟ أو أنها مخالفة لوجهات نظرنا عن عصور ما قبل التاريخ وما قبل الكتابة أو ما قبل الميلاد؟ولو لم تكن هنالك إنسانية لّما استطاع هذا الإنسان المشلول أن يعيش أربعين سنة من حياته معتمدا على نفسه بل عاش وهو يعتمد على غيره في إطعامه وحتى في التنظيف عليه وأخذه إلى أماكن خاصة للتبول , إن العمر الذي وصل إليه ذلك الإنسان المشلول نصفيا يتكلم لوحده عن مجتمع كانت لديه تصورات عن عمل الخير وينقلنا إلى مجتمع يعرف الشر ويعرف الخير ويميز بين الثنائية بكل أشكالها فطالما أنه ميز الشر من الخير فمن المؤكد أنه ميز بين الأسود والأبيض والصيف والشتاء والنور والظلام..إلخ إن ما يدل على ذلك هو أن الرجل عاش أربعين سنة من عمره معتمدا على غيره وهذا معناه بأنه كان يتلقى العناية من مجتمع قد توصل إلى حضارة ليست سهلة فيها أناس نبلاء وشرفاء وفيها ثقافة ودين ونظام مجتمعي متكامل يعتمد على نظام التكافل الاجتماعي والواجبات الإنسانية بين الناس ونظام ثقافي وديني وإلا كيف عاش هذا الرجل أربعين عاما وهو غير قادر على إطعام نفسه؟ لا بد وأنه كان في مجتمع يعرف الواجب الاجتماعي,ويعرف نظام الأخوة التي يفتقد إليها كثيرا من الناس هذا اليوم, ومن المحتمل جدا أن يكون له أشقاء قد ساعدوه على الحياة اليومية, ومن المحتمل أنه تلقى مساعدات إنسانية من أناس يعرفون ما هو واجبهم تجاه الإنسان العاجز عن إطعام نفسه, ومن الممكن أن هنالك زوجة قد اعتنت به, فاحتمال كبير بأنه كان متزوجا ومن المحتمل أنه أنجب من زوجته أولادا وهم الذين اعتنوا به من دون أن يعرف بأنهم أولاده, فكل الدلائل تقول بأن الرجل لم يكن يعرف سنة40ألف قبل الكتابة أنه مسئول أو شريك مع المرأة في الأطفال لأنه كان يمارس الجنس معها ولا يعرف بأن الجنس سبب الحمل والولادة,ولهذا من المحتمل بأنه عاش مع أمه وبأن أمه هي التي كانت تعتني به وهذا سيبدو طبيعيا إذا اعتنت به أمه وسوف يمحي هذا الاعتقاد ما كنا قد بنينا على غيره من افتراضات جديدة كالتكافل الاجتماعي والواجب الاجتماعي, وتخيلوا معي مجتمعا يعيش في مشتركات زراعية بدائية أو مشتركات صيد فرائس كان لديها اعتناء بالعجزة. تخيلوا معي هذا التصور واستنتجوا عليه حضارة عراقية متقدمة جدا مارست الدين والثقافة وقامت بتأمين نفسها اقتصاديا ضد هجمات الأعداء وضد الطبيعة حين تكون الطبيعة معادية,فلا يمكن أن يكون هنالك اعتناء بالعجزة ومعرفة بالواجب اتجاه الآخرين إلا إذا كان صاحب الواجب يعيش في بيئة وفرت له كل احتياجاته ومن ثم فكر في موضوع الواجب الاجتماعي,ومن المحتمل أنه تلقى الدعم من رجال ونساء دينيون يعرفون الآلهة ومن أجل الآلهة كانوا مثلا يساعدون الضعفاء الذين لا يستطيعون ضربا في الأرض.

#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات