أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد السعدنى - الليل تطرده قناديل العيون















المزيد.....

الليل تطرده قناديل العيون


محمد السعدنى

الحوار المتمدن-العدد: 3562 - 2011 / 11 / 30 - 20:51
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أعجب لكل هذه العتمة التى زحفت على حياتنا، فلا تكاد تترك مساحة للنور تملؤ عيوننا وتشرح الصدور. نرى حقول القمح أمامنا مبسوطة سنابلها تحت وهج الشمس تشع ألقاً ووعداً ونضرة فلا نبصر حولنا إلا النواطير الواقفة، وكأن على عيوننا غشاوة أوهى قلوب عمت بصيرتها فغلقت عليها أبوابها. ما كل هذا القبح والغيم الذى ران على أفئدتنا وزحف على حياتنا يسمم الأشجار والزهور والخضرة ويمسح الجمال عن وجه الأرض، يسحب من الوجوه بشاشتها ومن الثغور بسمتها ولا يضيف إلى مشاهد الحياة حولنا إلا الجهامة والجلافة والفحش. هل هو شظف العين؟ أم مخافة الآتى ورهبة الواقع وشطط التقدير وعقم الفكر؟ أم كلها معاً؟
هل العيب فينا أم فى الحياة التى خلقها الله إشراقاً وجمالاً وسماحة وبشراً فإذا بها استحالت فى أعيننا قبحاً وظلاماً وجفوة وتسطح؟ فى قصتى إجابتى، فامعن النظر، وحتى تفهم أدعوك أن تمشى على كلماتنا بالعين إذ صادفتها. تدور أحداث قصتنا فى إحدى الجامعات العريقة التى حرصت على تقليد استمر لسنوات طويلة حيث يلتقى خريجوها مع من يختارونه من الأساتذة فيدعوهم إلى منزله يتواصلون من جديد ويراجعون معاً ما آلت إليه أحلامهم وشئونهم ودنياهم.
كنت واحداً من أولئك الخريجين الذين حرصوا على مثل هذا اللقاء ثم ما لبثت أن تبوءت بدورى مقعد الأستاذ وداومت على هذا التقليد، وهذه القصة الطريفة قرأها فى " مدونة تلميحات" واحد من تلاميذى النابهين وقد أرسلها لى عبر البريد الإلكترونى من ألمانيا حيث يعمل استاذاّ زائراً فى إحدى جامعاتها يذكرنى بما كنا نفعل ولانزال.
تقول القصة أنه في إحدى المرات كان لقاء الخريجين في منزل أستاذهم العجوز بعد سنوات طويلة من مغادرتهم مقاعد الدرس والبحث، وبعد أن حازوا نجاحات كبيرة في حياتهم العملية ونالوا أرفع المناصب وحققوا الاستقرار المادي والاجتماعي. بعد عبارات التحية والمجاملة، طفق كل منهم يتأفف من ضغوط العمل ومطالب الحياة التي تسبب الإرهاق والتوتر والقلق. غاب عنهم الأستاذ قليلاً، ثم عاد يحمل إبريقا كبيراً من القهوة، ومعه أكواب من كل شكل ولون، أكواب صينية فاخرة، وأخرى ميلامين أو زجاج عادية، وأكواب بلاستيك، وأكواب من الكريستال. بعض الأكواب كانت في منتهى الجمال تصميماً وألواناً وبالتالي كانت باهظة الثمن، بينما كانت هناك أكواب من النوع الذي تجده في أفقر البيوت وأبسطها، حينها قال الأستاذ لطلابه :تفضلوا، وليقدم كل واحد منكم لنفسه القهوة، وعندما بات كل واحد من الخريجين ممسكا بكوب تكلم الأستاذ قائلاً، هل لاحظتم أنكم جميعاً قد تخيرتم الأكواب الجميلة فقط وأنكم تجنبتم الأكواب العادية؟. وهذا من طبائع الأمور فلكل واحد منكم الحق أن يتطلع إلى ما هو أفضل، وهذا بالضبط ما يسبب لكم القلق والتوتر، ما كنتم بحاجة إليه فعلا هو القهوة وليس الكوب ولكنكم تهافتم على الأكواب الجميلة الثمينة، و بعد ذلك لاحظت أن كل واحد منكم كان مراقباً للأكواب التي في أيدي الآخرين، فلو كانت الحياة هي القهوة، فإن الوظيفة والمال والمكانة الاجتماعية هي الأكواب، وهي بالتالي مجرد أدوات ومواعين تحوي الحياة، أما نوعية الحياة "القهوة" تبقى نفسها كما هى لا تتغير، وعندما نركز فقط على الكوب فإننا نضيع فرصة الاستمتاع بالقهوة، عفواً أقصد الحياة.
هذا هو الأستاذ حيث أصاب كبد الحقيقة بعلمه وفكره وخبراته وتجاربه، وهذا هو شأنكم والحياة التى رغم نجاحكم تتبرمون منها. أنتم لاتعيشون الحياة رغم جمالها بل تقفون على أعتابها أو تمرون بها مرور الكرام على عجل دونما نظر أو روية أو تبصر. تكتفون بأن تعبروا شارع الحياة دونما التوقف عند إشاراته والتنبه لخطوطه والتحسب لتكدسه أوانفلاته. تلقون بأنفسكم لنهر الطريق كيفما أتفق غير عابئين بمجرياته، ثم تلومون الحياة إن هى فارقتكم فى حادثة سير أو تصادم. نعم للحياة تفاصيلها وتعقيداتها ومشاكلها وهذا بعض من جمالها واستحالتها، هكذا أرادها الله وهكذا أنتم لاتفهمونها ولا تعرفون ماذا تريدون منها، بل تتخيرون منها أكوابها وزخرفها، الشكل والقشرة والقناع، العرض الزائل ومتاع الغرور دون أن تعطوا أنفسكم فرصة الفهم والتفكير والعلم والتدبر والسؤال.
أنتم ترتجلون الحياة كما ارتجلتم كل شئ فساءت الأشياء فى مبناها ومعناها وكلل السواد مجال الرؤية على مدى الشوف ومرمى البصر. أنتم الذين ترون الجمال قبحاً وتحيلون الحياة جحيماً بأفكار مسبقة وتجارب معلبة روجتها لكم ثورة مضادة وأشخاص مدربون فى مدرسة الفوضى غير الخلاقة وتفكيك بنية المجتمع وتيئييس الناس وإقعاد الهمم. وجاء استسلامكم واستلاب عقولكم وتسطح أفكاركم ليكمل على ماتبقى منكم ولكم. معذورون فقد صرتم نهباً للإحباط والانكفاء على الذات والحزن والغضب، إلا من رحم ربى بما حصله من قدر من علم وثقافة وتجارب ومعرفة. أولئك وحدهم هم الناجون الفرحون المتفائلون المتفاعلون والسائرون فى دروب الدنيا بعيون مفتوحة وصدور مقبلة وعقول واعية.
الحياة ياعزيزى ليست النظام الذى تكرهه ولا الحكومة التى ترفضها وأحزاب المعارضة الهشة وحكايا الفساد وتوحش آليات السوق والبطالة والغلاء الذين ترفضهم، الحياة هى التصالح مع النفس والتطلع للأفضل بالعمل والتعلم والإجتهاد وليس بلطم الخدود وشق الجيوب على السياسة وحواديت النخبة وتجاوزاتهم. الحياة هى نجاحك فى عملك وسعادتك فى بيتك حتى مع لقمة مغموسة بالملح والكرامة. الحياة هى نجاح إبنك وبنتك وتعليمهم وسيلة للارتقاء الاجتماعى والخروج من دوائر العوز والحاجة. الحياة معرفة تضيفها لنفسك وفكرة تنقلها لأولادك، هى إخلاص مع النفس وإيمان بالله وتفاؤل بالقادم. ليس فى ذلك تجاوز للواقع ورغم صعوبته على الكثيرين منا، فرغم استحالة الكثير مما قلت على البسطاء والمهمشين، إلا أنه لايزال فى متناول الآخرين وعليهم أن يجربوا ليسعدوا أنفسهم وذويهم وربما كان فى مقدورهم كفالة المعدمين.
أنظر للأمام، حدد طريقك فى الحياة واجتهد ولاتكن من الذين داروا مع الشمس أينما دارت فانهارت عزائمهم تطاردهم لعنة الأبناء والآباء وتطردهم الأرض بما رحبت فيتحينوا الصدفة التى تأتى ولا تأتى، يلوم كل منهم محرضه وسارق فرحه وقوته ودفأه ونور بصيرته وينعى على الثانى تغييب وعيه وتسويد نهاره وإطالة ليله وسرقة قنديل عينه وبريق عقله. لاتكن من أولئك الذين قال فيهم عبد الوهاب البياتى:
داروا مع الشمس فانهارت عزائمهم
وعاد أولهم ينعى على الثانى
وسارق النار لم يبرح كعادته
يسابق الريح من حان إلى حان
ولم تزل لعنة الآباء تتبعه
وتحجب الأرض عن مصباحه القانى
فلتلعب الصدفة العمياء لعبتها
إذا ما عاد أولهم ينعى على الثانى.
من أجل ذاتك وأسرتك ومستقبلك ووطنك جاهد عافر اقتحم اشتبك إقرأ ناقش شوف إفهم إتفق وإختلف لكن بعيون مفتوحة حدقاتها، متوهجة قناديلها للنور والفكر والحب والمعرفة ، إفتح عيونك تصافح النور والنهار وتطرد الليل، فالليل تطرده قناديل العيون، وحتى لو فقأتها سلطة عمياء لاتزال تحكم بنفس غباء نظام مبارك وتسلطه، فكن قادراً على الرؤية ببصيرة الثوار وصلابة عنادهم.



#محمد_السعدنى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- - الإنبثاق من العلم والشعر إلى السياسة والثورة-: إنما الخلاص ...
- -جيتو القاهرة المستبد واستبعاد الكفاءات والمناضلين-: رأفت نو ...
- -الأخطاء التى ترتكب فى بداية الثورات لاتموت أبداً-: إنتاج وإ ...
- الوزراء وأصحاب الرابطات الحمراء
- 9‮ ‬مارس ومشروع النهضة
- أحاديث منتصف الليل
- مصر‮..‬ وعَودةٌ‮ ‬أخري قريبة‮ ...
- راكيل وولش والنانوتكنولوجى
- الثورة ومشروع النهضة
- عندما لاتؤدي المقدمات إلي نتائجها
- البحث العلمى وإدارة المعرفة
- إستراتيجيات إنتاج وإدارة المعرفة
- الوعي الزائف والعقل البديل
- مبدعون على الشاطئ الآخر
- الموتى لا يروون حكاياتهم
- المثقف المجتمع والسلطة
- إناللا هاموهى تونبلكا فيرينا
- العلم ساحر الغيوب
- البرتقالة الرخيصة
- معجزته ليست في ذاتها


المزيد.....




- روسيا تعلن احتجاز نائب وزير الدفاع تيمور ايفانوف وتكشف السبب ...
- مظهر أبو عبيدة وما قاله عن ضربة إيران لإسرائيل بآخر فيديو يث ...
- -نوفوستي-: عميلة الأمن الأوكراني زارت بريطانيا قبيل تفجير سي ...
- إصابة 9 أوكرانيين بينهم 4 أطفال في قصف روسي على مدينة أوديسا ...
- ما تفاصيل خطة بريطانيا لترحيل طالبي لجوء إلى رواندا؟
- هدية أردنية -رفيعة- لأمير الكويت
- واشنطن تفرض عقوبات جديدة على أفراد وكيانات مرتبطة بالحرس الث ...
- شقيقة الزعيم الكوري الشمالي تنتقد التدريبات المشتركة بين كور ...
- الصين تدعو الولايات المتحدة إلى وقف تسليح تايوان
- هل يؤثر الفيتو الأميركي على مساعي إسبانيا للاعتراف بفلسطين؟ ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد السعدنى - الليل تطرده قناديل العيون