أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد السلام أديب - عودة نظرية المصدر الإلهي للسلطة















المزيد.....

عودة نظرية المصدر الإلهي للسلطة


عبد السلام أديب

الحوار المتمدن-العدد: 3561 - 2011 / 11 / 29 - 16:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


انطلقت خلال القرون الوسطى حركة سياسية قوية اتجاه الحداثة والوقوف في وجه أسس الاستبداد الشرقي القديمة خاصة منها نظرية المصدر الإلهي للسلطة والتي كان يستمد منها الحاكم سلطاته ويعمل رجال الدين على ترجمة الخطاب الإلهي الديني لكي يخضع له الإنسان المحكوم بقوانين فوقية وفي ظل هذه النظرية تطورت المجتمعات الطبقية البدائية سواء منها دولة العبيد ومالكي العبيد او دولة الإقطاع والملكية المطلقة. وقد انظم الى هذه الحركة الثورية حتى بعض الرموز الدينية المعروفة للقطع مع الاستبداد بنظريته القديمة كما ساهم فلاسفة الأنوار إلى حد بعيد في بلورة نظرية العقد الاجتماعي القائم على تعاقد البشر على تعيين الحاكم الذي يختارونه لحكمهم حسب عقد بينه وبينهم وحسب هذا العقد يمكن للجماهير أن تسترجع سلطتها في أي حين عندما ترى أن الحاكم قد أصبح مستبدا. إن الاعتماد الواسع لنظرية العقد الاجتماعي خاصة منذ الثورة الفرنسية جعل البشرية تنتقل من العهد الظلامي حيث كانت تسود نظرية المصدر الإلهي للسلطة الخاضعة لاستبداد الملك رمز السلطة الإلهية وحوارييه من رجال الدين نحو عهد الحداثة أي أن يصبح الإنسان بعقله صانعا لتاريخه انطلاقا من عقد اجتماعي واضح يجمع كافة الجماهير حول رسم معالم السلطة وحدودها وأهدافها بمعنى عقد اجتماعي يتضمن مشروع مجتمعي واضح ومقبول ساهم فيه الجميع من اجل الجميع. وإذا كانت البرجوازية قد فرضت على الأنظمة الإقطاعية والملكيات المطلقة القديمة مشروعها المجتمعي بعد ثورات عصر الأنوار انطلاقا من مناهضة المصدر الإلهي للسلطة وجعل العقل الإنساني هو مصدر هذه السلطة فإنها عملت تدريجيا على تحول هذا المشروع إلى خدمة مصالحها الخاصة كطبقة حاكمة على حساب جميع الكادحين وبالتالي تحقيق تراكمها الرأسمالي البدائي المتوحش على حساب المنتجين الكادحين الحقيقيين، فان المآسي التي خلقها هذا المشروع أخذ يهدد النظام البرجوازي بالموت نتيجة التناقضات الخطيرة التي يخلقها، فماذا ستعمل هذه البرجوازية للحفاظ على سلطتها وضمان استمرارية هيمنتها؟. لقد أخذت البرجوازية تدشن عودة تدريجية نحو ما قبل الحداثة أي نحو ما قبل انتصار العقل وعمل الإنسان على صناعة تاريخه بدلا من تحكم الأفكار الغيبية في حياته، نحو استغلال نظرية المصدر الإلهي للسلطة من جديد لكي تقاوم به عقلانية المادية التاريخية ومشروعها الإنساني الشيوعي.

الاعتماد على نظرية المصدر الإلهي للسلطة ظلت حاضرة بقوة حتى في ظل انتشار نظرية العقد الاجتماعي كمصدر للسلطة خلال القرنين السابع والثامن عشر، حيث نجدها لدى فلاسفة الأنوار ومن بينهم على الخصوص فريدريك هيغل على الخصوص والذي رأى أن الدولة هي تجسيد للعقل الإلهي على الأرض مؤسسا انطلاقا من ذلك للفكر المثالي الذي ظل يمزج نظرية المصدر الإلهي للسلطة بنظرية العقد الاجتماعي في اطار ثقافة توافقية تحافظ على تحكم البرجوازية في السلطة. لكن مواجهة هذا الفكر الذي يؤسس لاستبداد الطبقة الحاكمة لم ينتظر طويلا حيث تصدت له بكل قوة الفلسفة المادية التاريخية عند كارل ماركس وانجلز ودفعت الفلسفة الهيغلية التي كانت تمشي على رأسها الى أن تمشي على رجليها. ومنذ ذلك الحين تأسست الثقافة التصراعية بين الفلسفتين المادية والمثالية وبين هيمنة الطبقة البرجوازية الاستبدادية على الحكم وبين الثورة البروليتارية الهادفة للتحرر من كل أشكال التحكم السلطوي والطبقي وإقامة مجتمع بدون طبقات والتعارض بين الثقافة التصارعية الماركسية والثقافة التوافقية البرجوازية بجناحيها اليميني واليساري. ومنذ ذلك الحين تعمل البرجوازية بكافة الوسائل على فرض الفكر المثالي ومحاربة الفكر المادي عبر دعم الفكر الديني الكنسي واليهودي والثقافة التوافقية والتي انخرط فيها اليسار التحريفي بقوة منذ مؤتمر الحزب الشيوعي السوفياتي العشرين سنة 1956. هاهي البرجوازية اليمينية واليسارية اليوم تدعم الفكر الديني الإسلامي لخدمة نفس الأهداف أي تدمير الفلسفة المادية التاريخية والحفاظ على التحكم الطبقي البرجوازي في السلطة وتحقيق تخدير الكادحين وابعادهم عن الفكر العقلاني. لقد لمح انطونيو غرامشي في الثلاثينات من القرن العشرين إلى أن "الهيمنة المطلقة على الإنسان تبدأ من الهيمنة على عقله وأفكاره" والفكر الديني يحقق هذه الهيمنة بامتياز ويحول الإنسان إلى مجرد قطيع، تلك هي الخلفية التي يقف ورائها تحويل الامبريالية للربيع العربي إلى "ربيع" إسلامي على حد تعبير الرفيقة مكارم إبراهيم.

فالاوليغارشية الامبريالية العالمية تراهن على إلغاء العقل وسط الجماهير الكادحة عبر الهيمنة الدينية بشتى مكوناتها المسيحية اليهودية الإسلامية البوذية ... ومن تم تحويل الإنسان إلى مجرد روبوهات منفذة تشتغل بدون أفكار لمصلحة الطبقة المهيمنة وتخضع خضوعا مطلقا لمخططات الامبريالية مما يمكن هذه الأخيرة وخدامها من الكومبرادوريات المحلية من تعميق استغلالها ورفع مستوى أرباحها وتراكمها الرأسمالي وبالتالي استطالة عمر منظومتها الرأسمالية الامبريالية المحتضرة منذ أكثر من قرن من الزمن أي منذ نشوب الحرب العالمية الأولى، ان هذه العودة القوية لنظرية المصدر الإلهي للسلطة ستدفع وحوشا جديدة للبروز، كما أشار إلى ذلك انطونيو غرامشي أنه "حينما يبدأ النظام القديم بالأفول ويبدأ فجر نظام جديد بالإشراق، تحاول وحوش النظام القديم التشبث به" وكان يرمز غرامشي لوحوش النظام الرأسمالي آنذاك من أمثال هتلر وموسوليني. الإسلام السياسي كما هو الشأن بالنسبة للأديان الأخرى أفيونا للشعوب ووسائل وحشية ضد إنسانية الإنسان لإلغاء العقل والحداثة والحرية والمساواة والديمقراطية الشعبية، وإمكانية الإنسان الاعتماد على العقل في صناعة تاريخه بنفسه.

تأسيس السلطة على أساس العقد الاجتماعي رغم كونه يبقي على تحكم الدولة كتعبير طبقي إلا انه شكل مرحلة ضرورية في حينه لكي تتحقق المظاهر الأولى للديمقراطية الشعبية، وسرعان ما استولت البرجوازية على هذا المفهوم واتجهت نحو إقرار الديمقراطية البرجوازية بدل الشعبية ونظرا لاختلال هذه الديمقراطية لصالح البرجوازية تنفجر ردود فعل المضطهدين القوية في وجه النظام البرجوازي بكامله، لذلك تتجه البرجوازية كما كانت تفعل المجتمعات الطبقية البدائية نحو خدمات رجال الدين لفرض القبول بالسلطة الطبقية البرجوازية وافراغ المحتوى الديمقراطي من مضمونه. هيمنة البرجوازية على الشعوب المضطهدة عبر الفكر الديني ومفعوله المخدر لن يؤدي سوى إلى تأخير احتضار النظام الرأسمالي المحتوم. لان الوجه الوحشي للنظام ببعده الديني للسلطة لن يتأخر في إبراز بشاعته، وسرعان ما سيتحول الكادحون لمحاربته عندما ستتعمق معاناتهم من الاستغلال الرأسمالي. لكن قبل الوصول الى هذه المرحلة ننتظر من المحللين الماركسين أن يلتحقوا بركب المقاومة الفكرية لصد هذا الهجوم البرجوازي الجديد لسرقة الثورات البروليتارية في العالمين المغاربي والعربي.

في المغرب ظلت نظرية المصدر الإلهي للسلطة قائمة الى يومنا هذا وحتى بعد الحصول على الاستقلال الشكلي مجسدة في إمارة المؤمنين مقاومة لنظيرة العقد الاجتماعي، ولكل الانتفاضات التي دشنتها الحركة الماركسية اللينينية المغربية. وقد حاربت الملكية في المغرب نزوعات الانتقال نحو اعتماد نظرية العقد الاجتماعي عبر القمع الوحشي والاستناد على الحركات الإسلامية للتصدي لليسار المغربي الذي كان يتزعم هذه النزعة، بل ارتكبت الحركة الاسلامية مجازرة بشعة في حق اليساريين ولا زال مقتل الشهيد عمر بنجلون سنة 1974 شاهدا على ذلك. وحاليا مع الحراك الشعبي القوي الذي دشنته حركة 20 فبراير وأمام مخاطر هذا الحراك الذي جاء في سياق دولي تطبعه تعمق أزمة النظام الرأسمالي وسياق جهوي يطبعه تبخر أوهام الكومبرادوريات المحلية وتمرد الجماهير الشعبية على كافة الطغاة بدء من تونس فمصر، شعر النظام القائم في المغرب بخطورة الوضع والتهديدات التي قد يتعرض لها، وبدلا من الخضوع للإرادة الشعبية لتدشين مرحلة جديدة من الديمقراطية والحداثة، بمعنى التشكل العقلاني للسلطة، دشن هروبا جديدا نحو الأمام عبر اقرار دستور اتوقراطي ممنوح جديد في يوليوز 2011 ثم محاولة إضفاء الصبغة الشرعية على هذا الدستور الذي قاطع الاستفتاء عليه 16 مليون مغربي من خلال انتخابات تشريعية في 25 نونبر 2011 قاطعها 75 في المائة من المغاربة وتسليم السلطة لأحد رموز الإسلام السياسي بالمغرب (حزب العدالة والتنمية) من اجل إضفاء الشرعية على الدستور الممنوح والملكية المطلقة.

الانتكاسة السياسية الحاصلة حاليا لا تعود فقط للهجوم الكومبرادوري الامبريالي على الحركة البروليتارية العالمية والمحلية ولا لمناورات النظام في المغرب فقط، بل تعود أيضا الى اختفاء الثقافة التصارعية لدى اليسار المغربي وتحريفيتهم المكشوفة وكذا لدى اليسار في العالم منذ المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي سنة 1956. فمنذ هذا المؤتمر تم تدشين تحريفية التنظيمات الشيوعية والاشتراكية القائمة التي تشبهت بالتحريفية السوفياتية فاقامت خطها السياسي على أساس ثقافة توافقية مع الأنظمة البرجوازية والكومبرادورية القائمة وأصبحت تشكل جزءا من هذه الأنظمة، مساهمة في تخدير الكادحين وتعميق استلابهم واستغلالهم. الإسلام السياسي شأنه شأن الحركات السياسية الدينية الأخرى المسيحية واليهودية والبوذية، يشكل أداة سياسية برجوازية بامتياز للهيمنة السياسية ويحقق لها الخنوع المطلوب وسط الكادحين. لذلك ستصبح محاربة الإسلام السياسي مستقبلا جزءا من مهام البروليتارية في محاربتها للاستغلال الطبقي البرجوازي.



#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورات العربية والمغاربية بين اليسار التحريفي واليسار الثور ...
- أزمة النظام الرأسمالي والحروب الامبريالية الجديدة
- البروليتارية العالمية تشكل طبقة من المهاجرين
- النظام الاقتصادي الرأسمالي على حافة الانهيار
- سنتتبع الانتخابات ونؤكد المسافة التي لا زالت تفصلنا عن الديم ...
- المغرب يعاني أزمة مالية آخذة في التعمق
- دور جمعية - المعطلين- في عودة الفعل النضالي للجماهير الشعبية
- دور البرجوازية الصغرى في الحراك الجماهيري المغاربي والعربي
- بركان الانتفاضات المغاربية والعربية
- كيف تتحرك الأشياء؟
- تعمق الأزمة الثورية عالميا ومواجهة البروليتارية لعملية تفريغ ...
- الأزمة الاقتصادية والثورة البروليتارية
- الانظمة الرجعية تشن الحرب على شعوبها الآن !!!
- الشعب يريد اسقاط النظام
- مسار الحراك الاجتماعي المغاربي والعربي
- احتجاجات حركة 20 فبراير وارتسامات المشاركين
- تعمق الصراع الطبقي وضرورات مواجهة الكادحين للثورة البرجوازية ...
- استراتيجيات خداع الجماهير
- ميكانيزمات التمرد الشعبي في البلدان المغاربية والعربية ودور ...
- الوعي الثوري في المغرب


المزيد.....




- في نطاق 7 بنايات وطريق محدد للمطار.. مصدر لـCNN: أمريكا ستقي ...
- المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي يستقيل ويعتبر أن -ل ...
- لجنة أممية تتهم إسرائيل بعرقلة تحقيقها في هجمات 7 أكتوبر
- فيديو: -اشتقتُ لك كثيرًا يا بابا-... عائلات فلسطينية غزة تبح ...
- برلين ـ إطلاق شبكة أوروبية جديدة لتوثيق معاداة السامية
- رئيسي: ردنا المقبل سيكون أقوى وأوسع
- نتنياهو: حرب غزة جزء من تهديد إيرن
- -حزب الله- يستهدف مقرات قيادة ومراقبة جوية للجيش الإسرائيلي ...
- الجيش الأردني يكثف طلعاته الجوية
- مناورات تركية أمريكية مشتركة


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد السلام أديب - عودة نظرية المصدر الإلهي للسلطة