أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - معتز حيسو - دور اليسار السوري في النهوض الشعبي















المزيد.....


دور اليسار السوري في النهوض الشعبي


معتز حيسو

الحوار المتمدن-العدد: 3567 - 2011 / 12 / 5 - 19:11
المحور: ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011
    



نتيجة للأزمة العامة والمركبة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كنا نتوقع ومنذ عدة سنوات حدوث تغيّر كبير في الواقع السياسي السوري نتيجة لجملة من المتغيرات الاجتماعية التي ارتبطت بالمستويين السياسي والاقتصادي، لكن ما كنا نتوقعه لم يكن بالمستوى والشكل الذي يحدث في اللحظة الراهنة.
لكن ما كنا متأكدين منه، هو أن الأزمة العامة والمركبة التي يعاني منها المجتمع السوري سوف تفضي إلى تحركات شعبية لم نكن في حينها قادرين على تحديد شكلها أو مستواها ، لكن وبحكم واقع القوى السياسية المأزومة، كنا نؤكد بأن هذه القوى ستكون في مؤخرة الحراك الشعبي الذي توقعنا حدوثه،وكنا نؤكد بأن الحراك المتوقع سيفرز من رحمه قادته الميدانيين. وبحكم التناقض الاجتماعي والفوات السياسي فإن القيادات السياسية الجديدة لن تكون على درجة عالية من الحنكة والمرونة والقدرة السياسية التي تؤهلها لقيادة المرحلة الجديدة، مما يعني بأن المرحلة الانتقالية سوف يسودها التعقيد والتناقض والضبابية، وهذا يزيد من تعقيد الأوضاع، وعدم وضوح مآلات التغيير وتحديداً على المستويين السياسي والاجتماعي ... لكن ما يزيد من تعقد الأوضاع في اللحظة الراهنة،هو تقاطع وتداخل السياسات والمصالح الدولية والإقليمية مع الحراك الشعبي وعليه،وتتوضح حالات التقاطع والتراكب والتوظيف بشكل واضح كلما استطال عمر الانتفاضة السورية، ذلك بفعل الصراع والتنافس على منطقة الشرق الأوسط التي يعاد العمل على توضيبها نظراً لأهميتها الجيو سياسية في سياق إعادة توضيب كامل المنطقة العربية وفقاً لمصالح الغرب الرأسمالي، ويتجلى نتيجة لهذه السياسات تشدد المواقف الدولية بخصوص الشرق الأوسط وذلك لأكثر من سبب، وهذا ينعكس على تزايد حدة التعقيد السياسي والاجتماعي في الداخل السوري، الذي تتزايد في سياقه حدة الأزمة الاقتصادية التي تنعكس تجلياتها على بنية ومؤسسات الدولة وعلى كافة الفئات الاجتماعية التي عانت وتعاني الفقر والبطالة نتيجة للسياسات الاقتصادية التي اشتغلت على تحرير الاقتصاد في سياق تطبيق وصفات السوق الحر تحت مسمى اقتصاد السوق الاجتماعي..، إضافة إلى تمسك القيادة السياسية بالحل الأمني لتجاوز أزمتها المستعصية، وهذا يتقاطع مع الأزمة التي تعاني منها قوى اليسار خصوصاً والعلمانية عموماً، دون أن ننسى الدور الذي تلعبه التيارات السلفية والإسلام السياسي. لذا فإنه من الصعوبة بمكان توقع سيناريوهات تُخرج المجتمع السوري من حالته الراهنة، رغم تمسكنا بأن المخرج الوحيد الذي يضمن تماسك المجتمع السوري من التفتت والدخول في نفق التناقضات ذات البعد الأهلي والطائفي يكمن في الحل السياسي الذي يشكل الحوار السياسي بين كافة القوى السياسية والمدنية مدخله الأساس. لكن هذا المدخل يتراجع أمام تزايد حدة الأوضاع الأمنية والاجتماعية تعقيداً.
إن النظام السياسي الشمولي الذي قاد البلاد من منظور الاحتكار السياسي والهيمنة الأمنية والتحكم بالموارد الاقتصادية وتجفيف التربة السياسية... ساهم في إلغاء دور القوى السياسية المعارضة في المجتمع يسارية كانت أو غير يسارية، وهذا يدلل على أسباب غياب دور هذه القوى في الانتفاضة الشعبية،الذي يتقاطع مع تخلى النقابات والمنظمات الشعبية عن دورها التاريخي في الدفاع عن مصالح الفئات الاجتماعية المهمّشة والمفقّرة،بحكم التحاقها بالحكومة منذ سنوات معتبرة بذلك أنها وهي يمثلان فريقاً واحداً، في لحظة تناسى فيه قادة الإتحاد العام لنقابات العمال..، بأن دورهم الحقيقي هو في مواجهة السياسات الرسمية وتحديداً عندما تتناقض هذه سياسات مع مصالح المواطن، وأتى هذا التحول بعد تحويلها إلى نقابات سياسية، لكن المفارقة اللافتة هي المحافظة على التزاوج القائم بين الحكومة والإتحاد العام لنقابات العمال،في وقت تتخلى فيه الدولة عن دورها الاجتماعي وتذهب بعيداً في تطبيق وصفة اقتصاد السوق الحر، دون ربطه بالليبرالية السياسية. إن ربط النقابات بالحكومة أنهى الدور النضالي للنقابات، وجرد العمال والفلاحين من سلاحهم السياسي في ظل تنامي قوة خصمهم الطبقي.
ــ فيما يخص القوى السياسية اليسارية والعلمانية، فإنها إضافة لكونها منقسمة على ذاتها بفعل التحاق بعضها بالنظام السياسي القائد للدولة والمجتمع،فإنها تعاني من الضعف والتشتت والنخبوية وانعدام القدرة التمثيلية للفئات الشعبية المُضَطهدة، هذا إضافة إلى أنها تعاني من التماهي مع التناقضات والسلبيات التي يعاني منها النظام السياسي الحاكم نفسه. والأكثر من ذلك تأثيراً على دورها السياسي،هو فقدانها للجذر الاجتماعي الذي هو من سيحوّل قوة الفكر السياسي لقوة مادية تغييريه، وهنا الطامة الكبرى. لذا يمكننا القول بأن الأحزاب التي انضمت إلى (الجبهة الوطنية التقدمية) والنقابات والمنظمات الشعبية .. إضافة إلى أنها تخلّت عن دورها التاريخي في الدفاع عن مصالح الفئات الفقيرة والمهمشة، فإنها تموضعت سياسياً في الحقل السياسي والاجتماعي والطبقي النقيض،وهذا ليس تحولاً في دورها بل نتيجة منطقية وموضوعية للموقع الطبقي الذي تموضعت فيه تاريخياً. بمعنى آخر، إن بقاء بعض القوى السياسية( اليسارية) بكنف النظام السائد حتى اللحظة، إضافة إلى كونها تعاني مع باقي قوى السياسية جملة من التناقضات الذاتية، فإن هذا يجعلها غير قادرة على التأثير في الحراك الشعبي،لكن هذا يجب ألا يُنسينا دور المثقفين والناشطين وبعض الأطراف السياسية،في مجريات اللحظة الراهنة، ومع هذا نؤكد على أن المنتفضين وتحديداً السلميين،هم من يجب أن يحدد شكل وآليات الفعاليات الميدانية،مع المحافظة على التنسيق مع بعض الرموز السياسية والثقافية القريبة من الحراك الميداني. ويجب التنويه بأن الضغوط الأمنية التي تُمارس بحق المحتجين والسياسيين والمثقفين والناشطين..وأحزاب المعارضة السياسية الوطنية في الداخل، ساهمت في تقييد وتحجيم الحراك السياسي الوطني السلمي في الداخل، وساهمت أيضاً في التفاف الشارع المنتفض حول المعارضة الخارجية..،لكن يجب أن نذكّر بأن المعارضة الخارجية وبحكم توجهاتها السياسية الراهنة فإن تأثيرها ينحصر على فئات محدودة،والسبب يكمن في جملة من الأسباب يعرفها جميع ممن في الداخل السوري.
ــ إن تأكيدنا على سلبية انعكاس التناقضات الذاتية للقوى اليسارية على دورها في الانتفاضة الشعبية، لا يعفينا من التأكيد على أن القمع والعنف الذي مورس بحق هذه القوى وبحق غالبية الكتّاب والمثقفين والناشطين المستقلين ... كان له الدور الأبرز في عدم تمكّن قوى اليسار من ممارسة دورها الحقيقي في النهوض الشعبي الذي يحمل بعض ملامح التغيير القادم. وهنا يجب التأكيد بأنه يجب على القوى السياسية اليسارية وتحديداً الأكثر جذرية منها، التعبير عن نبض الشارع والعمل على إنجاز مشرع سياسي متكامل يساهم في التغيير الوطني الديمقراطي السلمي، وبذات الوقت يعبّر عن ملامح المرحلة المقبلة. ‎
إن النهوض الشعبي في أشكاله ومضامينه الحالية انطلق من رحم المجتمع ومن تناقضاته التي أوصلت المواطن العربي لطريق مسدود نتيجة للسياسات الأمنية التي كرسها النظام السياسي المسيطر،والتي أسست لدولة أمنية أبعد ما تكون عن الدولة السياسية، ومن الواضح بأن الثورات العربية قامت بمشاركة شعبية عامة وشاملة عمادها الأساس الشباب، بذلك لم تعتمد على القوى السياسية، ولم تنتظر منها المساهمة في الحراك الشعبي، لكن وبحكم أزمة القوى السياسية المعارضة، فإننا نقّدر صعوبة أن تشكّل هذه القوى إطاراً سياسياً يمكن أن يكون بديلاً حقيقياً عن النظام السياسي السائد. لذلك يمكننا التأكيد بأن أشكال الثورات العربية أعطت دروساً هامة للقوى السياسية، وأهمها إن المواطن العربي انتفض لحظة وصول حدة التناقض الطبقي إلى مستوى الانفجار، دون أن ينتظر إعلان الثورة من القوى السياسية. وهذا يؤكد بأن التحولات الثورية التي تجتاح المنطقة العربية تتعمق بمفاعيل قوى اجتماعية لا ترتبط بأيٍ من القوى السياسية،وتحديداً ذات العمق الأيديولوجي المتعفن الذي لا يرى ولا يريد أن يرى اللحظة الثورية إلا من منظوره الأيديولوجي الضيق، وقد حذر ماركس وأنجلس من أن كثيراً من القوى السياسية يمكن أن تفّوت اللحظة الثورية بسبب عدم إدراكها لنضوج الظروف الذاتية والموضوعية، وهذا ما يحصل الآن. بمعنى أن من التقط اللحظة الثورية هو الشعب وليس الأحزاب السياسية التي تهرول حتى اللحظة خلف الشعب المنتفض. إن عجز هذه القوى في التعبير عن حوامل النهوض الشعبي وأهدافه الحقيقية، يستوجب منها أن تعيد النظر في نظرياتها السياسية والأيديولوجية، لأن الشعب العربي يضع الآن مقاييس ومعايير ثورية جديدة لا تنطبق مع الأيديولوجيات الكلاسيكية السائدة، وحتى لو كان ما يعمل على تجذيره المواطن العربي يقارب ما تنطوي عليه نظريات الأحزاب السياسية الموجودة، لكنّ عجز هذه الأحزاب جعلها تقف خلف الحراك الشعبي. ورغم أهمية دور القوى السياسية في تأطير وتوجيه الحراك الشعبي، لكن الشعب الذي انتفض لتحقيق أهداف ثورته السياسية والاجتماعية والاقتصادية لم يعد يثق بهذه الأحزاب وبدورها في قيادة ثورته، كما لم يعد يثق بقدرة الأنظمة السياسية المسيطرة على القيام بأي خطوة إصلاحية، لأن الإصلاح بالنسبة لهذه الأنظمة يعني نهايتها.
لهذا نرى أن من الضروري بمكان أن تبادر القوى اليسارية وباقي القوى السياسية العلمانية إلى إعادة صياغة بنيتها الداخلية نقدياً،وعلى أسس سياسية ونظرية جديدة تتناسب مع مضامين النهوض الشعبي، وتعبّر بذات اللحظة عن توجهاته.وإلا فإن الشعب سيرمي بهذه القوى خارج التاريخ.أي يجب أن تعيد هذه القوى صياغة ذاتها وفق معايير سياسية ونظرية تعبّر بشكل حقيقي وموضوعي عن المهمات التي يطرحها الشارع العربي المنتفض.ولن يكون لهذه القوى دوراً في الخارطة السياسية المستقبلية دون أن يكون لها دور حقيقي وفاعل في اللحظة الراهنة، وإن لم تبادر القوى اليسارية والعلمانية لقيادة المرحلة،فإن قوى الإسلام السياسي سيتحكمون بموجة التغيير،وسيكون لهم الحظ الأوفر في المرحلة المقبلة.وحينها يمكن أن تتجدد المواجهات بين شعب يرفض منذ اللحظة الأولى لانتفاضته الإسلام السياسي،وبين القوى الإسلامية،وأيضاً بين القوى العلمانية واليسارية، وبين الإسلام السياسي الذي يرى إن اللحظة الراهنة هي اللحظة المناسبة لصياغة شكل الدولة من منظور إسلامي،وهذا ما يتجلى ظاهرياً حتى اللحظة من خلال محاولات الإسلام السياسي للتحكم في سياق و مآلات النهوض الشعبي تحت سلطة العسكر والبوليس(مصر، ليبيا..) ويتقاطع هذا مع ميول دولية لإعادة تشكيل وتوضيب المنطقة العربية وتحديداً الشرق أوسطية على أسس دينية ومذهبية وعشائرية وإثنية..بنفس الوقت الذي تحاول فيه ذات الأطراف بالتنسيق مع أصحاب القرار في الداخل على إلغاء دور الدولة التنموي وفرض أشكال اقتصادية تقوم على تحرير الاقتصاد واعتماد اقتصاد سوق حر يقوم على تمكين البرجوازية الريعية الطفيلية التجارية غير المنتجة والتابعة للمراكز الرأسمالية العالمية.
ــ إن بنية الأحزاب السياسية اليسارية والعلمانية بشكل عام،تعاني من التناقض والضعف والتشتت..، لذا فمن الممكن أن يكون الشكل المناسب للممارسة السياسية حالياً هو بناء تجمعات سياسية،تيارات،تحالفات، تكتلات..إن هذه الأشكال من الممارسة السياسية يمكن أن تعبّر عن التنوع الذي يضمن حرية التفكير السياسي.ولضمان عدم تمزق وتشظي هذه التجمعات في لحظات معينة من الممكن أن تتشكّل من قوى سياسية متقاربة نظرياً وسياسياً. ونعلم بأن كثيراً من التجارب السياسية التي تشكلت على قاعدة تجميع خليط سياسي متناقض لم تحقق الأهداف التي قامت من أجلها،بل تفجرت في لحظات سياسية معينة.والسبب في ذلك يعود إلى أن التشكيلات ذات البنية السياسية الهلامية،غير قادرة وتحديداً في اللحظة الراهنة على الحسم السياسي.لكن هذا يجب ألا يقود إلى محاربة التنوع داخل التجمعات السياسية. لذا من الضروري أن تتأسس التجمعات السياسية حالياً على برنامج سياسي واضح ومهمات سياسية محددة، يتوافق عليها جميع المشاركين، مع الحفاظ على البرامج الخاصة لكل الأحزاب السياسية المشاركة.
من جانب آخر، يجب التركيز على الكتل البشرية المستقلة التي لم تلتحق حتى اللحظة بأي حزب سياسي، وهذه الكتل تمارس نشاطها السياسي في سياق النهوض الشعبي بعيداً عن الأحزاب السياسية،وهذا يستدعي تكتّل المستقلين في تيارات وتجمعات تضمن استقلاليتهم السياسية، وتضمن حرية التعبير على قاعدة التنوع.وللعلم فإن المستقلين يشكّلون حتى اللحظة الكتلة الوازنة، ويمتلكون القدرة على تغليب أياً من الأطراف السياسية.ونؤكد في هذا السياق على أن المستقلين يشكلون أحد مصادر القوة الحقيقية للقوى السياسية،وبنفس الوقت الحاضنة الاجتماعية. إن الواقع السياسي يفترض مقاربة القوى السياسية للمستقلين،والعمل على تأطيرهم ،ونعلم مدى صعوبة هذا العمل.لكنه يشكّل امتحاناً للممارسة السياسية الناجحة،وبذات اللحظة فإن العمل على هذا المستوى،يحقق توازن في المعادلة السياسية حالياً وفي المستقبل القريب.
ــ إن النهوض الشعبي كشف عن قدرة الشباب وإمكانياتهم السياسية والتنظيمية، ورفع الغطاء عن تناقضات القوى السياسية، والضعف والترهل الذي تعاني منه بسبب عدم مشاركة الشباب فيها، ويتحمل نسبياً المسؤولية عن هذا الجانب القوى السياسية. لذا من الصواب طرح ضرورة العمل على قبول القوى السياسية لمشاركة الشباب في قيادة العمل السياسي، قبل الكلام عن قبولهم كقيادات للحملات الانتخابية لأنهم يشكلون صلة الوصل مع القاع الاجتماعي.
وللعلم فإن فتح أبواب الأحزاب اليسارية للشباب يشكّل اختباراً حقيقياً للبنية السياسية والفكرية و النظرية للقوى السياسية القائمة حتى اللحظة على النخبوية وتضخم الأنا الشخصية للقيادات الهرمة، وعلى غياب الحياة الديمقراطية في أوساطها. وهنا نتساءل: كيف لقوى سياسية يسارية تفتقد للديمقراطية داخل بنيتها السياسية أن تقّدم نفسها على أنها البديل الديمقراطي والإنساني. لذا فإن اللحظة الراهنة تشكّل اختباراًَ حقيقياً لقدرة قوى اليسار والعلمانية على إجراء هدمٍ ديمقراطيٍ في بنيانها السياسي والفكري.لذا فإن دخول الشباب على ميدان الحياة السياسية يعني تغيير المناخ السياسي السائد. وهذا يعني بأن القوى السياسية اليسارية الكلاسيكية أمام اختبارٍ صعب وحقيقي فإما أن تهدًم ذاتها ديمقراطياً،وبهذا التحول تكون أبوابها مفتوحة للشباب الذي يريد بناء تجربته السياسية بعيداً عن الأشكال السياسية والأيديولوجية القديمة.وإما فإن الانقراض البيولوجي ينتظرها.وهذا يعني بأن شباب الثورة سيقومون بنقض كافة القوى السياسية المتعفنة وليس نقدها.وهنا يجب أن نطرح التساؤل التالي:هل يقبل الشباب الثائر العمل السياسي في هذه القوى.أم أنهم سيبنون ذاتهم السياسية والفكرية في بنى سياسية جديدة بعيدة كل البعد عن القوى السياسية الكلاسيكية وتناقضاتها الهدامة لأي ممارسة ديمقراطية.؟؟؟؟
ــ أما بخصوص كيفية تنشيط وتعزيز دور المرأة داخل الأحزاب اليسارية وعلى الصعيد الاجتماعي. فإننا نعلم بأن قضية المرأة و اجتذابها للحقل السياسي،يشكل هاجساً للقوى السياسية، لكن من الواضح بأن المرأة ما زالت تنأى بنفسها عن الممارسة السياسية الحقيقية. دون أن يعني هذا نسيان التضحيات التي قدمتها المرأة على مذبح الحرية أمام أنظمة القمع. لكن بالشكل العام وحتى اللحظة ورغم كل محاولات القوى اليسارية لجذب المرأة إلى حقل السياسية فإن المنظومة القيمية والسياسية السائدة على المستوى الاجتماعي تحد من إمكانية عمل المرأة في القضايا العامة ومنها الممارسة السياسية. ونعلم كما يعلم الجميع كيف ساهمت بعض الأطراف الأمنية في تشويه سمعة الأحزاب الشيوعية على المستوى الأخلاقي، مما أوجد حاجزاً أخلاقياً ودينياً واجتماعياً،من الصعب على المرأة أن تتخطاه،وتجاوزه يعني بأنها ستتحول بالمنظور الاجتماعي إلى امرأة عديمة الدين والأخلاق.وعلى قاعدة انعدام الديمقراطية والحريات الأساسية، فإن شرط حرية الرجل يشكل أساس حرية المرأة. أي أن المناخ الاجتماعي والسياسي العام يشكل الأساس الموضوعي للممارسة السياسية بالنسبة للمرأة. مما يعني بأن المجتمعات الشرقية الاستبدادية القائمة على عقل تكفيري إقصائي أحادي ذكوري متخلف يشل حرية المرأة،ويمنعها من ممارسة حقها السياسي. لذا فإن تحوّل المجتمعات الشرقية إلى مجتمعات ديمقراطية،يشكّل المناخ المناسب لممارسة المرأة لحقوقها السياسية والاجتماعية.ولعلمنا بأن الأحزاب السياسية اليسارية لم تقطع مع العقل الشرقي الذكوري المستبد والمتخلف، فإنها تشكّل محرقة للمرأة. لذا نشدد على ضرورة أن تقوم قوى اليسار بنقد تجربتها السياسية والنظرية على أسس وقواعد معرفية ديمقراطية وعلمانية حقيقية تكون قادرة ليس فقط على تمثيل المرأة والدفاع عنها، بل لتكون قادرة على أن تشكّل الحاضنة الحقيقية للمرأة، التي من خلالها تكون صنواً حقيقياً للرجل وليست تابعة له، وعلى هذا الأساس تكون قادرة على الدفاع عن حقوقها. لكن يجب التأكيد على ضرورة التجديد الثقافي الذي يجب أن يقوم على قاعدة النقض المعرفي لثقافة الاستبداد الشرقي في أشكالها ومضامينها كافة.
ــ إن النهوض الشعبي بسمته الديمقراطية السلمية يفتقد نسبياً إلى الدور الفاعل لقوى اليسار والعلمانية. وهذا ما يزيد من خشية المواطن العربي من تهديم الأنظمة العربية الديكتاتورية وبناء أنظمة إسلامية لا تمتلك القدرة الفكرية والسياسية لبناء تجربة ديمقراطية تعبّر عن أهداف الانتفاضات العربية.لذا فإننا نرجح بأن الثورة الديمقراطية الحقيقية لن تكون إلا بعد تجاوز أنظمة الاستبداد. ولهذا فإننا نؤكد بأن التغيير الوطني الديمقراطي السلمي يشكل البوابة الحقيقية للانتقال إلى أنظمة ديمقراطية.ويجب التنويه بأن الأغلبية الإسلامية لم تشكل حتى اللحظة أغلبية سياسية،وهذا يمكن أن يشكّل مدخلاً للبناء الديمقراطي الذي لا يقوم على الأغلبية الدينية. ومع هذا يجب الاعتراف بأن التنوع الذي تزخر به المجتمعات العربية يمكن أن يشكّل أساساً لبناء مجتمعٍ ديمقراطي،لكنّ هذا يفترض التحوّل في بنية الوعي العربي من وعي إقصائي تكفيري إلى وعي ديمقراطي يعترف بأن التنوع والتعدد يشكّل ضرورة حتمية لبناء المجتمع الديمقراطي.ونشدد على أن التحولات الثورية الراهنة ستساهم في تمكين اليسار الديمقراطي اجتماعياً.إن هذا التحول يشكّل الأساس الموضوعي الذي يحد من الدور السلبي لقوى الإسلام السياسي التي ما زالت تستند في بنيتها الفكرية على مفاهيم التكفير ورفض الاختلاف والتنوع على قاعدة امتلاك الحقيقة المطلقة، مما يعني الرفض لأبسط المعايير الديمقراطية.
ــ أما ثورة الاتصالات والمعلومات، فإن تضع على كاهل القوى السياسية والمدنية مسؤولية تجاوز أشكال العمل السياسي القديمة. أي يجب على القوى السياسية توظيف ثورة الاتصال والمعلومات في آليات عملها السياسي. وجميعنا بات يدرك قدرة الشباب على الاستفادة من التقانة المعلوماتية في مواقع التواصل الاجتماعي الذي كان لها الدور الأبرز في نجاح عمليات التخطيط و التنسيق بين قيادات الثورات العربية. لذا يجب التأكيد على أن دخول الشباب إلى حقل الممارسة السياسية سوف يرفد الأحزاب السياسية بطاقات جبارة يمكنها أن تُحدث تحولاً كبير في مفاهيم وآليات الممارسة السياسية التقليدية، إن لم نقل إنه سوف يُحدث انقلاباً جذرياً في آليات العمل السياسي.
ــ و لا يسعنا في النهاية إلا أن نثمّن الدور الذي يقوم به موقع الحوار المتمدن، لكونه يشكّل مدخلاً مهماً ومنبراً يعلو فيه صوت اليسار الديمقراطي الحر المنفتح على الحوار والقائم على التنوع والتعدد .



#معتز_حيسو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوامل النهوض الشعبي في سورية
- تأثير الإنتفاضة السورية على الوعي الشعبي
- تأثير الانتفاضة السورية على التفكير الاجتماعي
- عتبة التغيير الوطني الديمقراطي في سوريا
- الطبقة العاملة السورية في اللحظة الراهنة
- التغيير في سوريا ( قراءة أولية)
- دور المثقف السوري في اللحظة الراهنة
- حماية السلم الأهلي في سوريا واجب وطني
- المجتمع السوري : واقع جديد: آليات علاجية
- رسالة اليمن السعيد
- الثورة الليبية : واقع وآفاق
- تحولات ثقافية
- المواطن العربي يفتح أبواب المستقبل
- بحث أولي في إشكاليات الشباب
- هل نسي المواطن السوري الفرح ؟؟؟
- تجليات اقتصاد السوق الاجتماعي في سوريا
- المواطن العربي يفتح باب التغير
- ثورة الفقراء في تونس
- في ذكرى تأسيس الحزب الشيوعي السوري
- حوار في فضاء التقرير الفكري للحزب الشيوعي السوري


المزيد.....




- فيديو صادم التقط في شوارع نيويورك.. شاهد تعرض نساء للكم والص ...
- حرب غزة: أكثر من 34 ألف قتيل فلسطيني و77 ألف جريح ومسؤول في ...
- سموتريتش يرد على المقترح المصري: استسلام كامل لإسرائيل
- مُحاكمة -مليئة بالتساؤلات-، وخيارات متاحة بشأن حصانة ترامب ف ...
- والدا رهينة إسرائيلي-أمريكي يناشدان للتوصل لصفقة إطلاق سراح ...
- بكين تستدعي السفيرة الألمانية لديها بسبب اتهامات للصين بالتج ...
- صور: -غريندايزر- يلتقي بعشاقه في باريس
- خوفا من -السلوك الإدماني-.. تيك توك تعلق ميزة المكافآت في تط ...
- لبيد: إسرائيل ليس لديها ما يكفي من الجنود وعلى نتنياهو الاست ...
- اختبار صعب للإعلام.. محاكمات ستنطلق ضد إسرائيل في كل مكان با ...


المزيد.....



المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - معتز حيسو - دور اليسار السوري في النهوض الشعبي