أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - نارت اسماعيل - حزب سوريا الجديدة















المزيد.....



حزب سوريا الجديدة


نارت اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 3567 - 2011 / 12 / 5 - 19:11
المحور: ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011
    


تشرفت بدعوة من إدارة الحوار المتمدن لكتابة موضوع حول دور القوى اليسارية والتقدمية في ثورات الربيع العربي وذلك بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن
قبل الشروع بهذا الموضوع أود أولآ أن أشير إلى أنني لن أستطيع الإحاطة به بالأسلوب التخصصي الأكاديمي الذي كتب به أساتذتي الكبار الذين سبق وكتبوا به، فأنا لم أنتسب في حياتي إلى أي حزب سياسي أو ديني، ، ولهذا السبب سأحاول كتابة هذا الموضوع من موقعي كإنسان غير حزبي، إنسان عادي من هذا الوطن تفاعل مع الأحداث الجسيمة التي نمر بها حاليآ في بلادنا العربية


حزب سوريا الجديدة
في المرحلة الثانوية والجامعية كنت ملاحقآ من جماعتين كانتا تحاولان دفعي للانتساب إليهما، وهما الإسلاميون والبعثيون، لم أنتسب للإسلاميين لأنني كنت أنفر من أفكارهم ولحاهم وصلواتهم التي لا تنتهي، والأهم من ذلك فصلهم العنصري، كيف أنتسب لحزب كله ذكور؟ بالإضافة إلى ذلك كنت أشعر بأنهم لا وطن لهم، فوطنهم في السماء وما توعدون، أما سوريا فهي دار فناء!
أما البعثيون فحالهم أسوأ، على الأقل الإسلاميون عندهم قضية، أما هؤلاء فقد كانت رائحة النفعية والوصولية عندهم تزكم الأنوف، وكذلك صراعاتهم المريرة فيما بينهم فكان كل واحد منهم يكتب تقريرآ بالآخر ليحطمه ويحل محله، ومع أن حزب البعث حقق نجاحات جيدة في بداياته كونه حزب سوري عربي وليس حزبآ مستوردآ من ضفاف الفولغا أو من شعاب مكة، إلا أن حافظ الأسد حوله إلى حزب للنفاق والمنافقين، حزب من يرغب بالحصول على وظيفة أو يسعى إلى ترقية في العمل، أو من يريد أن يمشي في الشارع مثل الطاووس ويتصادم مع هذا وذاك من الناس، فإذا أبدى أحدهم أي احتجاج سارع الطاووس إلى إطلاق العبارة الشهيرة (ألا تعرف أنت مع من تتكلم؟) ، كانت تلك العبارة تفتح الأبواب المغلقة فلا يقف الطاووس في طابور ولا عند إشارة مرور، الخلاصة، لم تكن تلك الأجواء تناسبني أبدآ.
كنت أميل فكريآ للتيار اليساري كتوجه عام من حيث أنه أولآ يقف مع الطبقات الكادحة التي كنت أنتمي إليها، ومن جهة ثانية كنا ننظر إليه على أنه حزب تقدمي. ففي ذلك الوقت كانت الثنائية (تقدمي- رجعي) شائعة الاستعمال كثيرآ، حتى أنها كانت تستخدم كمقياس عند النظر بطلبات التوظيف، وكنا نقيس مدى تقدمية أو رجعية حزب أو شخص بمقياسين، درجة التدين والعلاقة مع الأنظمة الملكية البترولية، بحسب هذه المقاييس كنا ننظر للتيار الإسلامي على أنه شديد الرجعية، بينما كان حزب البعث والحزب الشيوعي بنظرنا حزبان تقدميان
كان عندي أصدقاء ماركسيون وكنت أجدهم أفضل حالآ من البعثيين من الناحية الخلقية والانضباطية وكنت أشعر بأنهم مقتنعون بمبادئ حزبهم بعكس البعثيين الذين كانوا نفعيين وصوليين، إلا أنني كنت أشعر بإحساس دفين تجاه الحزب الشيوعي بأنه حزب روسي وليس حزبآ سوريآ وطنيآ، كنت أشعر أنه حزب مستورد، فما شأني أنا بلينين وستالين وبريجينيف وحاجبيه المرعبين والبروليتاريا وصراع الطبقات؟ ألا يكفي ما كان عندي من مصطلحات طبية معقدة عليّ تعلمها؟
بالإضافة إلى ذلك فإن ما يعيبهم هو كثرة اهتمامهم بنشر أفكارهم في العام كله ولو كره اليمينيون بدلآ من التركيز على قضايا وطنهم المحلية، تمامآ مثل الإسلاميين الذين كانوا يسعون لنشر الدين في المجموعة الشمسية كلها ولو كره المشركون ، كنت أشعر أن ذلك كله كان غريبآ عني وعن الواقع الذي أعيشه، على كل حال هذا التيار كان الجهة الوحيدة التي لم تسعى ورائي، مع أنهم لو أرسلوا لي في ذلك الوقت فتاة ماركسية جميلة تقدم لي طلب الانتساب وتشرح لي معنى البروليتاريا برقة ونعومة، كنت وقّعت من أجل عينيها ألف طلب انتساب، تمامآ مثل الشاعر الماغوط الذي انتسب للحزب السوري القومي الاجتماعي لكي ينعم ببعض الدفء في مقر الحزب وهو الفقير الذي لم يكن يملك ثمن المازوت، والذي سرعان ما ترك الحزب بعد انتهاء فصل الشتاء
أعتقد أنني وبعد أن وصلت إلى هذه المرحلة من حياتي، فإنني أصبحت الآن مستعدآ للعمل الحزبي إذا وجدت الحزب الذي يوافق تطلعاتي، وكثيرآ ما فكرت وحاولت أن أضع تصورأ للحزب الذي أتمنى أن أنتسب إليه ويتوافق مع توجهاتي في الحياة، مثل أشياء كثيرة أخرى في الحياة كنت أحاول إعادة صياغتها في أحلام يقظتي
من أكثر الأشياء التي أعملت فيها معولي محاولآ إعادة صياغتها بشكل أفضل كان ذلك الإله القابع في السماء والذي كنت أعتبره إلهآ صحراويآ يناسب شعبآ بدويآ يعيش في منطقة بعيدة ومعزولة عن الحضارة
الشيء الآخر الذي فكرت بتصميمه على مقاسي هو حزب سياسي يناسب توجهاتي، كنت دائمآ أحلم بحزب سوري وطني غير مستورد ويهتم بشكل أساسي بقضايا سوريا، يقدّس مواطنيه ويعيد الاعتبار لهم ويحافظ على كرامتهم، وأعتقد أن هذا هو بالضبط ما كنا نفتقده في حافظ الأسد وخليفته، فهم ينظرون إلى شعبهم وكأنه قطيع من البقر، وكل أخطائهم المتلاحقة تنبع من هذه النقطة الأساسية، وهذا هو الفرق بين قائد أمة ورئيس عصابة، ما فقدناه في سوريا منذ أربعين سنة هو قائد يحب وطنه، قائد يعتبر المواطن أعلى قيمة يمتلكها الوطن

حزب سوريا الجديدة:
الحزب الذي أحلم بالمشاركة به، والذي أتمنى أن يكون إسمه" حزب سوريا الجديدة" يجب أن يكون حزبآ علمانيآ يدعو لدستور عصري متحرر من سطوة النصوص الدينية ومتماش مع مبادئ حقوق الإنسان الدولية
حزب يدعو لفصل السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية ويؤسس لدولة القانون
حزب له ملامح اشتراكية من حيث اهتمامه بتحسين أوضاع الطبقات الكادحة وإيصال الخدمات المختلفة إلى أبعد منطقة من الوطن
يجب أن يكون حزبآ وطنيآ ومعاديآ قويآ لإسرائيل ويكون من أول اهتماماته استعادة الجولان، ومطالبة إسرائيل بتعويضات عن استغلالها لتلك الأرض الرائعة وسرقة مياهها لأربعين سنة
يجب أن يولي الحزب اهتمامآ كبيرآ بحقوق المرأة ومساواتها الكاملة مع الرجل في كافة الميادين
أعادة الاعتبار للمواطنين الأكراد ولكل الأقليات الأخرى واعتبارهم جزءآ أساسيآ من الوطن، وإلغاء أي شكل من أشكال التمييز بين المواطنين على أساس العرق أو الدين أو الجنس
أخيرآ ما أتمناه هو أن يتوجه هذا الحزب بعلاقاته نحو الشمال والغرب الديموقراطي بدلآ من الجنوب وأن يحصن البلد من التيارات الدينية القادمة من الجنوب ويسعى لتطوير الاقتصاد ورفع مستوى معيشة المواطنين والحد الأدنى للأجور بحيث يغنيهم ذلك عن الاضطرار للعمل في السعودية والتأثر بالتيارات الدينية المتطرفة

رأيي بالثورات العربية ودور قوى اليسار فيها:
كنت قبل الثورات التي اجتاحت بعض الدول العربية منشغلآ بذلك الإله القابع في السماء مثل كثير من الناس المحيطين بي، وكان شغلي الشاغل معاتبة ذلك الإله وتأنيبه في الصباح والمساء على نتائج ما فعلته كتبه ورسله في الناس
هذه الثورات جعلتني مثل من تلقى ضربة قوية على رأسه، صرت أكلّم نفسي:
يا رجل ألا تستحي؟ متى ستنضج؟ أليس عندك غير تلك المعزوفة المكررة؟
هذه الثورات جعلتني أخجل من نفسي، ولو عاد الزمن للوراء لتخلصت من نصف ما كتبته قبل الثورات، الثورات جعلتني أنتقل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ
هذه الثورات بما يرافقها من دماء وأشلاء ودموع غزيرة وآلام تفوق قدرة البشر على التحمل، وبما فيها من مشاهد تأخذنا إلى الحدود القصوى للهمجية البشرية، وذلك التضاد المريع ما بين أقصى درجات البطولة وأقصى درجات الخسّة، كل ذلك يهز الإنسان هزآ عنيفآ ويجبره أن يرفع الغطاء ويعود إلى أعماقه، إلى ضميره، إلى إنسانيته محاولآ أن يجد إجابات ويفهم ما يحدث
هذه الثورات تزيل غشاوة كبيرة من أمام العين، غشاوة تشكلت من كثرة الصراخ والضجيج والهياج والتكرار حول توافه الأمور
بعض الناس يعتقدون أن الثورة ستنقلنا وبقفزة واحدة من جبال عسير وقاسيون والأطلس إلى جبال الألب، لا تقفز الشعوب هكذا إلا في خرافات الكتب السماوية، ولا تصنع الأوطان بأيام وأسابيع، والحقيقة إن هذه الثورات ليست إلا البداية، وهي ليست إلا ثورة أولى ستتبعها ثورات أخرى وما يحدث في مصر ليس إلا دليل على ذلك حيث نشاهد هناك ثورة ثانية تستكمل الثورة الأولى، من الواضح أن الشعب لن يتوقف حتى يصل إلى غايته النهائية بدولة ديموقراطية حرّة، ولن يتوقف في منتصف الطريق
ما يميز هذه الثورات أنها لم تصنع في مقرّات الأحزاب ولا في دوائر المخابرات الأجنبية، وهي فاجأت كل هذه الأحزاب والدوائر كما فاجأت الأنظمة الحاكمة، وما يجمعها أنها عفوية ووطنية، وهي بالأساس ثورات كرامة وحرية ضد استبداد وفساد الأنظمة الحاكمة، ثورات لم تتلوث بألاعيب السياسيين، قام بها شباب لا يميزون ما بين اليسار واليمين، ولا يعرفون معنى البروليتاريا ولا صراع الطبقات ولا بقية المصطلحات الحزبية المستوردة، ولكنهم يعرفون كيف يستخدمون الكومبيوتر وكيف يتواصلون عبر الفيس بوك وينقلون مشاهد الثورة الموجعة والمؤثرة عبر اليوتيوب وخلال دقائق إلى كل وسائل الإعلام
لا شك أن هناك دورآ كبيرآ قام به كثير من المفكرين والكتاب والنشطاء اليساريين والليبراليين، هذا الدور كان توعويآ ونضاليآ، والتاريخ النضالي لكثير من هؤلاء المناضلين معروف وتشهد عليه سنوات الاعتقال والتعذيب والملاحقة، كما أن كثيرآ منهم واكبوا الثورات منذ بدايتها ونذكر كمثال على ذلك الاعتصام الذي قامت به مجموعة منهم أمام وزارة الداخلية في دمشق في البدايات الأولى للانتفاضة في سوريا والتي تم قمعها بشدة، ولكن علينا الاعتراف أيضآ بأنه على الرغم من هذه اللمحات النضالية، فإن الأحزاب اليسارية بشكل عام قد أصيبت بالشيخوخة وصارت بعيدة عن نبض الشارع وعزلت نفسها عن الحراك الاجتماعي والسياسي
لا شك أن هذه الثورات قد أدت إلى صعود الإسلام السياسي في الدول التي أنجزت ثورتها مثل تونس وليبيا وكذلك في الدول التي ماتزال تستكمل ثورتها مثل مصر وسوريا واليمن، ويبدو أن قدرنا أن يحكمنا الإسلاميون، وأن علينا أن نتجرع ذلك الكأس المرير على أمل أن يتغير الوضع لاحقآ بفضل العولمة وتطور وسائل الاتصال، والأهم من ذلك كله بفضل جهود التنويريين من يساريين وليبراليين وعلمانيين
على تلك القوى التنويرية أن تحاول كسب عطف الجماهير بخطاب راق متحضر وإنساني بعيد عن التشنج والتعالي والتأثيم، عليها أن تظهر نفسها كبديل له مصداقية عن التيار الإسلامي، و أن تكون مستعدة لاستلام المبادرة عندما ينهار المشروع الإسلامي في وقت لاحق والذي بوادر فشله واضحة للعيان يمكن أن نراها في نماذجه في إيران وغزة والسودان والصومال وغيرها
برأيي إن المشروع الإسلامي سيفشل حتمآ إلا إذا أدخل تعديلات جسيمة على برامجه تصل إلى أعماقه بحيث يفقد ميزاته الأصلية ويصبح إسمآ على غير مسمى، أي إسمآ تاريخيآ مثل الأحزاب الاشتراكية في الدول الغربية والتي لم تعد اشتراكية بالمعنى التقليدي.
قال الشاعر عمر الخيام رضي الله عنه :
غد بظهر الغيب واليوم لي – وكم يخيب الظن بالمقبل
وأرجو أن لا يخيب ظني بالمقبل في بلدي سوريا، فأنا أصبحت أستشف المستقبل القريب، كرتي السحرية تجعلني أرى سيدة غير محجبة ترأس "الحزب الإسلامي السوري الديموقراطي" ؟! وأرى أيضآ فتيات وشبابآ في رحلة جامعية، أصواتهم تتعالى وهم يرقصون الدبكة، وهناك فتاة ترتدي جينزآ ضيقآ وتضع على رأسها إيشاربآ ملونآ جميلآ لا تكترث لو انزاح عن شعرها، يدها تتشابك مع يد شاب ماركسي واليد الأخرى مع آخر مسيحي، وتشارك بفرح زملاءها حلقة الدبكة.
لا أستطيع أن أستشف أبعد من ذلك، لأن كرتي السحرية لا تأخذني أبعد من عشرين سنة، ولا أعتقد أن أحدآ عنده كرة سحرية تنقله أبعد من ذلك.


أسئلة الملف:
1- هل كانت مشاركة القوى اليسارية والنقابات العمالية والاتحادات الجماهيرية مؤثرة في هذهِ الثورات؟ و إلى أي مدى؟
ج- سأتحدث عن سوريا، مشاركة قوى اليسار كانت على شكل نشاطات فردية قام بها مناضلون ينتمون لليسار بالمشاركة مع رفاقهم من الليبراليين وحتى من التيار الإسلامي من خلال كتاباتهم ونشاطاتهم الإعلامية الأخرى ومشاركتهم ببعض فعاليات الثورة، كثير منهم دفع ثمنآ غاليآ من قتل وسجن وتعذيب وملاحقة، ولكن اليسار كأحزاب فإن أداءه كان متفاوتآ وبعض فصائله كانت وللأسف مع النظام
بشكل عام ، النشاط الحزبي في سوريا مقموع منذ عهد حافظ الأسد ومصاب بالشلل والضمور ولم تعد له قاعدة شعبية
في سوريا لا يوجد دور للنقابات العمالية ولا للاتحادات الجماهيرية، فهذه التنظيمات خاضعة تمامآ للنظام وهي تنظيمات صورية يتم توجيهها من قبل النظام، وهي لا تعبر عن مصلحة الشعب مثلها مثل مجلس الشعب السوري الذي صار فرقة فنون شعبية للترفيه عن رئيس النظام

2- هل كان للاستبداد والقمع في الدول العربية الموجه بشكل خاص ضد القوى الديمقراطية واليسارية دوره السلبي المؤثر في إضعاف حركة القوى الديمقراطية واليسارية؟
ج-كما ذكرت في الجواب السابق فإن هناك شللآ في نشاط الأحزاب السياسية في سوريا منذ أكثر من أربعين سنة، والأحزاب صارت شكلية وبعض الأحزاب انقسمت على نفسها وتشرذمت ولم تعد تملك قاعدة شعبية مؤثرة يمكن تنظيمها وتحريكها، صار ناشط شاب صغير يستطيع أن ينظم ويحرك مجموعة من الناس بواسطة الفيس بوك أكثر من قدرة أكبر الأحزاب على ذلك
مثل كل عضو لا يستعمل فإنه يصاب بالضمور، وكذلك فإن الأحزاب في سوريا أصيبت بالضمور والشيخوخة وعدم التجديد، وصارت بعيدة عن تطلعات الناس العاديين ولهذا السبب لم تستطع التنبؤ بهذه الثورات، بل فوجئت بها مثلما فوجئ بها النظام

3- هل أعطت هذه الانتفاضات والثورات دروساً جديدة وثمينة للقوى اليسارية والديمقراطية لتجديد نفسها وتعزيز نشاطها وابتكار سبل أنجع لنضالها على مختلف الأصعدة؟
ج-لا شك بأن هذه الثورات فاجأت القوى اليسارية والديموقراطية وأظهرت كم كانت بعيدة عن نبض الشارع، على هذه القوى أن تستوعب الدروس وأن تقوم بإعادة بناء الذات وإعادة تحديد الأهداف والوسائل، وأن تبتعد عن الصيغ القديمة التي لم تعد مناسبة لهذا العصر، من الملاحظ أنه في الثورة السورية كان الوقود الأكبر للثورة هم من الشباب وكذلك كان انتشارها أكثر في المناطق المهملة، ولاحظنا أيضآ التركيبة المتنوعة للشباب الثائر من مختلف الأطياف ولهذا السبب على اليسار أن يستفيد من هذا الدرس، وأن يجدّد خطابه
أولآ عليه أن يقدم مشروعآ للنهوض بالوطن يأخذ بعين الاعتبار الدفاع عن مصالح الطبقات الكادحة في كل شؤون حياتهم، فهناك مناطق شاسعة في سوريا تعاني من الإهمال الشديد وأنا رأيت ذلك بأم عيني خلال المعسكرين الطبيين الصيدلانيين الذين شاركت بهما خلال دراستي الجامعية وكان أحدهما في منطقة الجولان والآخر في منطقة الجزيرة السورية، بعض هذه المناطق برأيي هي مناطق منكوبة وليست فقط مهملة حيث لا يتوفر فيها أي شكل من أشكال الخدمات، لا مياه شرب، ولا تصريف صحي، و لا أية رعاية صحية وتجد الأطفال هناك محاطين بالذباب الذي يقف على شفاههم وعيونهم وفتحات أنوفهم من كثرة المفرزات المتراكمة لعدم وجود مياه ولا خدمات
إذا كان اليسار يعتبر نفسه حزب الفقراء والكادحين فهناك مجال كثير للعمل، فليشمّر عن سواعده بدل أن ينتظر جولينا جولي لكي تأتي وتزور تلك المناطق المنكوبة وتحاول مساعدة الناس
ثانيآ على اليسارأن يعدّ كوادره الإعداد الصحيح، وأن يهيئهم ليؤثروا في الناس بالمثل الصالح وليس بكثرة الجدال والصراخ، قد تجد فتاة ماركسية تسير جنبآ إلى جنب وبانسجام تام مع زميلتها المحجبة في الكلية، ومن المعقول جدآ أن تحدث تغييرآ في صديقتها بسلوكها ونزاهتها وثقتها بنفسها، ولكن في اللحظة التي تصرخ بزميلتها: لماذا تضعين هذه الخرقة على رأسك؟ لماذا تصلّين؟ أوف على رائحة صيامك، عندها ستكون النتيجة نفورآ وانسحابآ وتخندقآ وراء خطوط الدفاع وبالتالي مفعولآ عكسيآ تمامآ، يجب الابتعاد عن لعب دور الناصح والمرشد في كل الأوقات والاستعاضة عنه بدور القدوة والمثل
اليسارعنده قدرة تجميعية وتوحيدية أكبر بكثير من أي حزب آخر فهو صوت الفقراء والكادحين، وهو صوت المرأة وصوت الأقليات، بينما الاسلام هو صوت الذكور والأغنياء، صوت الفرقة الناجية وكل واحد يعتبر نفسه من الفرقة الناجية وغيره في النار، كل ما على اليسار أن يفعله هو أن يعرف كيف يصل لقلوب الناس، يحتاج الأمر لقيادات جديدة شابة مرنة تتفهم حاجات الشباب وهم الفئة الأكبر في المجتمع
على اليسار أن يثبت أنه مع الطبقة الكادحة فعلآ وليس بالشعارات، فبدلآ من أن نفكر بإزالة سوق شعبي عمره مئات السنين وبناء سوق حديث متعدد الطوابق مكانه كما يفكر الشخص الرأسمالي، علينا أن نبقي هذا السوق ونحاول تحسينه وتلبية حاجات البائعين البسطاء والناس الكادحين الذين يلبي هذا السوق احتياجاتهم، من يريد بناء سوق حديث فأرض الله واسعة
بدلآ من بناء مستشفى خمس نجوم في مدينة دمشق أو حلب، علينا التفكير ببناء مستوصفات ومراكز رعاية صحية أولية في الأرياف والمناطق المحرومة والمنسية وما أكثرها، عاينا أن نهتم بالبشر قبل أن نهتم بالحجر، بالسوفت وير قبل الهارد وير



4- كيف يمكن للأحزاب اليسارية المشاركة بشكل فاعل في العملية السياسية التي تلي سقوط الأنظمة الاستبدادية ؟ وما هو شكل هذهِ المشاركة ؟
ج-على الأحزاب اليسارية أن تهتم بإعادة بناء الذات ولا تشغل نفسها كثيرآ بالعملية السياسية بهدف الوصول إلى الحكم، وأعتقد أن فرصتها بالوصول إلى الحكم بعد سقوط النظام الحاكم هي فرصة ضعيفة نتيجة التوازنات الحالية التي تصب في مصلحة التيار الإسلامي، وأعتقد أن هذا لمصلحة اليسار لأنها برأيي غير مؤهلة في هذا الوقت لقيادة البلاد، فالأفضل لها أن لا تغرق نفسها بوحول السياسة قبل أن تعيد بناء نفسها ويشتد عودها، كما أن استعجالها المشاركة في السلطة قد يضطرها لإقامة تحالفات مع قوى أخرى مختلفة عنها عقائديآ مما يؤدي بها لتقديم تنازلات في منهاجها، فتصبح مثل القابض على الجمر
برأيي من الأفضل أن يلعب اليسار بالأحجار السوداء الآن و يترك الإسلاميين يلعبون بالأحجار البيضاء ويبدؤوا هم اللعب وبالتالي معرفة ماهية خطتهم وكيفية الرد عليهم، وجود اليسار في المعارضة في المرحلة الأولى سيسمح لهم باستغلال الوقت ببناء الذات، وبناء قاعدة شعبية واسعة، وكذلك لعب دور المعارضة الذكية الواعية بمراقبة أداء التيار الإسلامي وإظهار تهافت برامجه، وعلى الأغلب سيرتكب الإسلاميون أخطاءآ كثيرة لأنهم هم أنفسهم منقسمون متشرذمون ولا يملكون برنامجآ عصريآ قادرآ على قيادة بلد متعدد الأعراق والأديان والمذاهب في عصر العولمة وتطور وسائل الاتصال، وفي عالم لم يعد يحتمل مناظر السلفيين ونقابهم ولحاهم ومآذنهم العالية
هذه فرصة للقوى اليسارية والعلمانية لكي تستفيد من هذا الوضع وتعزز مكانتها وتستعد لقيادة السفينة في مرحلة لاحقة
أشعر أن الشعب متلهف بأغلبيته لتجربة الحكم الاسلامي ولن يهدأ حتى يمنح هذه الفرصة، حسنآ دعونا نمنحه هذه الفرصة و ليحكم بنفسه على التجربة من خلال نتائجها الفعلية على حياته ومستوى معيشته


5- القوى اليسارية في معظم الدول العربية تعاني بشكل عام من التشتت. هل تعتقدون أن تشكيل جبهة يسارية ديمقراطية واسعة تضم كل القوى اليسارية والديمقراطية العلمانية ببرنامج مشترك في كل بلد عربي, مع الإبقاء على تعددية المنابر, يمكن أن يعزز من قوتها التنظيمية والسياسية وحركتها وتأثيرها الجماهيري؟
ج-لا شك أن في الاتحاد قوة، ولكن الأهم برأيي وكما ذكرت سابقآ أن تستفيد هذه الأحزاب من الدروس والعبر، وأن تعيد بناء ذاتها، وتضع منهاجآ وطنيآ شاملآ مناسبآ للعصر وأدواته، منهاجآ يؤدي لإزالة الاستبداد ويعيد الكرامة والاعتبار للإنسان، ويعيد الجولان المحتل، ويحقق العدالة والمساواة ويحقق التنمية

6- هل تستطيع الأحزاب اليسارية قبول قيادات شابة ونسائية تقود حملاتها الانتخابية وتتصدر واجهة هذهِ الأحزاب بما يتيح تحركا أوسع بين الجماهير وأفاقا أوسع لاتخاذ المواقف المطلوبة بسرعة كافية ؟
ج-على الأحزاب يسارية كانت أم غير يسارية أن تجدد شبابها، وأن تستفيد من الطاقات الهائلة للشباب الذين أثبتوا قدرة تنظيمية وتحريكية كبيرة بسبب امتلاك شريحة كبيرة منهم لدرجة جيدة من التعليم ومعرفة اللغات الأجنبية وقدرتهم على استعمال وسائل الاتصال الحديثة،الأحداث الأخيرة جعلتنا نرى (وكما ذكرت سابقآ) كيف أن شابآ صغيرآ يملك حساب فيس بوك، صار قادرآ على التأثير وعلى تنظيم وتحريك مجموعة من الناس أكثر من قدرة كثير من التنظيمات الحزبية التقليدية، استطاع هؤلاء الشباب التغلب على أعتى الأجهزة الأمنية والتي تملك قدرات كبيرة، لقد انتصر الشباب الثائر انتصارآ كبيرآ بالمعركة الاعلامية والتنظيمية، وجعلوا النظام الأمني السوري ومعه وسائل إعلامه يبدو قزمآ ومهزلة من المهازل

7- قوي اليسار معروفة بكونها مدافعة عن حقوق المرأة ومساواتها ودورها الفعال، كيف يمكن تنشيط وتعزيز ذلك داخل أحزابها وعلى صعيد المجتمع؟
ج- يجب أن لا يقدم اليسار أية تنازلات بشأن مواقفه المعروفة والداعمة لقضايا المرأة والتي تعاني ظروفآ سيئة وتأتيها الضغوط من كل الجهات، من المفاهيم الدينية المجحفة بحقها، ومن المفاهيم والعادات الاجتماعية البالية، وأخيرآ من نصوص في الدستور مستندة للشريعة الإسلامية تنال من حقوقها الإنسانية، ولكن من جهة أخرى عليه اتباع الأساليب المناسبة والمتدرجة وغير التصادمية، فالموضوع حساس ويحتاج لجهود كل القوى التنويرية يساريين وغير يساريين
وضع المرأة هو جزء من الوضع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي العام في المجتمع، وهو يحتاج إلى جهود متواصلة وإلى وقت

8- هل تتمكن الأحزاب اليسارية والقوى العلمانية في المجتمعات العربية من الحدّ من تأثير الإسلام السياسي السلبي على الحرّيات العامة وحقوق الإنسان وقضايا المرأة والتحرر ؟
ج-أنا متفائل بالمستقبل، ومتفائل بأن الإسلام السياسي سيتراجع لاحقآ لصالح القوى العلمانية من يساريين وليبراليين، بالمناسبة هنا، أنا لا أعتقد أن الإسلام بشكله التقليدي متوافق مع مبادئ العلمانية، وما محاولات أردوغان وغيره بعلمنة الإسلام إلا شكل من محاولات التطويع ولي عنق مفاهيم الإسلام
برأيي، الإسلام السياسي سيجد صعوبة بقيادة بلد متعدد الأعراق ومتعدد الديانات والمذاهب في هذا العصر الجديد، عصر لا يعرف الجمود ويتحرك بسرعة هائلة، تعاليم الإسلام تتصف بالجمود وعدم المرونة وعلى الأغلب سيفشل التيار الإسلامي بتطبيق نموذجه التقليدي وسيكون ملزمآعلى التنحي أو تقديم تنازلات هائلة صميمية تفقده خصائصه الأولية

9- ثورات العالم أثبتت دور وأهمية تقنية المعلومات والانترنت وبشكل خاص الفيس بوك والتويتر..... الخ، ألا يتطلب ذلك نوعاً جديدا وآليات جديدة لقيادة الأحزاب اليسارية وفق التطور العملي والمعرفي الكبير؟
ج- أنا من أول الناس الذين بشّروا بثورات الفيس بوك وكنت قد كتبت مقالة عن هذا الموضوع في الحوار المتمدن قبل عدة أشهر من بدء الثورة في تونس
في الحقيقة أنا لم أنتسب إلى أي حزب في حياتي ولم أدخل أي مقر حزبي ولا أعرف كيف تجري الأمور هناك، ولا اعرف إذا كانوا يستخدمون هناك الكومبيوتر وتطبيقاته الحديثة من انترنت وفيس بوك ويوتيوب وغيرها، ولكن من الواضح أن إدارة شؤون الأحزاب بالطرق التقليدية القديمة عن طريق النشرات والاجتماعات الدورية التي لا عادة لا يحضرها إلا قليل من الأعضاء والباقون متغيبون لأسباب جاهزة وكثيرة، هذه الأساليب لم تعد صالحة لهذا الزمن ولا بد من الاستفادة من وسائل العصر
لم يعد أحد يتداوى هذه الأيام بالكحل والكي والحجامة، وكذلك لم يعد أحد يتداعى إلى اجتماع حزبي مهم بطريقة:
(أبو مصطفى، جمعلي الشباب بكرا بالمقر لنحكي كلمتين)

10- مناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن، كيف تقيمون مكانته الإعلامية والسياسية وتوجهه اليساري المتفتح ومتعدد المنابر؟
ج-لاشك أن موقع الحوار المتمدن قد حقق نجاحات كبيرة في مسيرته التي تمتد لعشر سنوات، ويشهد على ذلك الأرقام المذهلة بعدد قرائه وعدد مقالاته وكذلك هذا التجمع الكبير لخيرة الكتّاب والمثقفين والمفكرين وعلى مختلف اتجاهاتهم الفكرية، وكذلك الجوائز الرفيعة التي حصل عليها الموقع وكان آخرها جائزة ابن رشد للفكر الحر
أعتبر موقع الحوار المتمدن قصة نجاح إعلامي وثقافي وفكري متميزة، وأعتقد أن يساهم مساهمة كبيرة بتوعية الناس ليس فقط بالمادة الفكرية التي يقدمها لهم، ولكن أيضآ بتقديم نموذج راق للحوار وتبادل الرأي في جو من التعددية والحرية
على الصعيد الشخصي، صار الحوار المتمدن بيتي الثاني، وصار ضرّة لزوجتي التي هددتني يومآ بتكسير الكومبيوتر على رأسي إلى أن صارت هي الأخرى مدمنة على الموقع
المشكلة أنه عندما أجدها تتصفح الموقع وأسألها: هل قرأت مقالتي فإنها دائمآ ما ترد: بعدين بعدين
صدق من قال: مزمار الحي لا يطرب



#نارت_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعطوبون من الناس
- استبداد الحكام واستبداد السماء
- رسالة وداع
- هذا ما جنيناه من الحكم الوراثي
- أراغون ومحور الشر
- مزّقي ياابنة الشام الحجابا
- نريد سورية حديقة أزهار
- الجمهورية السورية
- قلق ما بعد الثورة
- كيف يكره إنسان شعبه؟
- شكرآ لكم أيها الحكام المجرمون
- مغالطات الدكتورة وفاء سلطان
- غرسة الوطن
- الطيبات للطيبين في زمن الثورة السورية
- أضواء على خطاب الرئيس السوري
- دكتور أم دكتاتور؟
- فرقة البرلمان السوري للفنون الاستعراضية
- رد على مقال السيد نضال نعيسة
- نريد أن يعود اسم بلدنا سورية
- لن يشفي غليلي إلا سقوط شيوخ الجهل


المزيد.....




- نقار خشب يقرع جرس منزل أحد الأشخاص بسرعة ودون توقف.. شاهد ال ...
- طلبت الشرطة إيقاف التصوير.. شاهد ما حدث لفيل ضلّ طريقه خلال ...
- اجتياج مرتقب لرفح.. أكسيوس تكشف عن لقاء في القاهرة مع رئيس أ ...
- مسؤول: الجيش الإسرائيلي ينتظر الضوء الأخضر لاجتياح رفح
- -سي إن إن- تكشف تفاصيل مكالمة الـ5 دقائق بين ترامب وبن سلمان ...
- بعد تعاونها مع كلينتون.. ملالا يوسف زاي تؤكد دعمها لفلسطين
- السيسي يوجه رسالة للمصريين حول سيناء وتحركات إسرائيل
- مستشار سابق في -الناتو-: زيلينسكي يدفع أوكرانيا نحو -الدمار ...
- محامو الكونغو لشركة -آبل-: منتجاتكم ملوثة بدماء الشعب الكونغ ...
- -إيكونوميست-: المساعدات الأمريكية الجديدة لن تساعد أوكرانيا ...


المزيد.....



المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - نارت اسماعيل - حزب سوريا الجديدة