أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - اكرم هواس - قوى التغيير و تحديات الثورة















المزيد.....


قوى التغيير و تحديات الثورة


اكرم هواس

الحوار المتمدن-العدد: 3567 - 2011 / 12 / 5 - 18:44
المحور: ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011
    


قوى التغيير و تحديات الثورة
الاستاذ فواز فرحان و الاستاذ رزكار المحترمين
اود قبل كل شيء ان اشكركم على تشريفي كأحد الكتاب الذين تسستطلعون ارائهم بشأن التطورات الحاصلة في العالم. مما لا شك فيه انكم بمثل هذا العمل و غيره الكثير مما يقدمه الحوار المتمدن تساهمون و بل تلعبون دورا ملموسا و مهما في حركة التغيير في العالم العربي.
و لعلي اتخذ من هذه النقطة منطلقا لللاجابة على اسئلتكم المهمة و بقدر احترامي و تقديري لهذه الاسئلة الا انني اعتقد ان الضرورة العلمية تستدعي ان نبدأ بوضع تعريف , ولو بشكل اولي, لما نعتبره مفهوم اليسار و القوى اليسارية قبل ان نولج في تحديد قدرتها على التفاعل و التغيير.
في هذا الصدد اود ان اطرح ملاحظتين اعتقد انهما قد تساعداننا في فهم المصطلح و تحديد قدرته. اولاهما ان اليسار يعاني منذ عقود من ازمة متعددة الابعاد يمكن ان نذكر بعض اهم ملامحها مثل التنظيم و الخطاب السياسي و التواصل الاجتماعي و الحشد الجماهيري وغيرها و في العقود الثلاث الماضية ظهرت هناك في الحقيقة المئات و ربما الالاف من الدراسات و الكتب و المقالت التي نشرها الباحثون و الكتاب و غالبيتهم يساريون تتحدث عن هذا الموضوع على المستوى العالمي و ايضا على مستوى المجتمعات العربية و المسلمة.
بناء على الاساس فاننا لا يمكن ان نعتقد ان قوى اليسار قد استطاعت بفترة قليلة تجاوز كل هذه الازمات و الانتقال الى مرحلة لعب دور فعال و مؤثر يتجاوز واقعها الاجتماعي و السياسي التاريخي.
ثانيا ان الانتماء السياسي لقوى اليسار المنظمة مثل الاحزاب و المنظمات الشيوعية و العمالية و غيرهما اي قوى اليسار التقليدي والكلاسيكي اصبح لدى البعض كما هو شأن الكثير من عمليات الانتماء التنظيمي الاخرى تعبر عن منهج نفعي يستند الى اسس مصلحية سواء كانت اقتصادية او سياسية او اعلامية او غيرها اكثر يدل على انتماء يستند الى هوية نضالية و اهداف مجتمعية.
في المقابل فان كثيرا من القوى الاجتماعية و الافراد قد ادت ادوارا ترقى و احيانا كثيرة تتفوق على المفاهيم الثقافية التي تعمل في ظلها قوى اليسار. فالتاريخ يخبرنا ان ليس كل الانبياء يعلنون عن نبوتهم و لا كل من ادعى النبوة كان نبيا. و عليه فان مصطلح قوى التغيير قد يكون اشمل بكثير من مفهوم قوى اليسار كما ان مفهوم القوى الديمقراطية يحوي في مضمونه الواقعي و التاريخي عناصر متناقضة بل و متحاربة مع بعضها البعض و ان استهدف خطابها السياسي بناء مجتمع يتسع للجميع. هذا الوصف يشمل بلا شك ايضا مفهوم قوى التغيير الذي لا يقدم تعريفا دقيقا للتغيير و عليه فانه قد يعني تغييرا سياسيا دون البعد الاقتصادي كما ان تغيير الاسس الاجتماعية لا يمكن ان يحظى بقبول الكثير من القوى الاجتماعية التقليدية و التقليدية المتجددة و غيرها مما ترتبط مصالحها و رؤاها السياسية بمفهوم اجتماعي استاتيكي و ليس بمفهوم اجتماعي تطوري كالذي تعتمده القوى اليسارية الكلاسيكية و الكثير من قوى المجتمع المدني.
بعد هذه المقدمة اعود الان الى الاسئلة التي طرحتموها و التي اود ايضا ان انبه انني حاولت ان تكون اجوبتي عليها قصيرة و مركزة قدر الامكان لان كل سؤال من هذه الاسئلة يمكن ان يجاب عنه بكتاب او ربما بكتب.
1- من المؤكد ان مشاركة القوى اليسارية و النقابات في الثورات العربية كانت و ما زالت مؤثرة على الاقل فيما يتعلق بالمنتسبين اليها و لكن من المؤكد ايضا ان مساهمتها على مستوى المجتمعات التي شهدت الثورات لم تكن حاسمة كما ان اسس هذه المساهمة لم تكن بناء على الاسس و الاساليب الكلاسيكية المعروفة للعمل الجماهيري لدى قوى اليسار و النقابات تاريخيا, بل يمكن القول ان قوى اليسار و النقابات و غيرها قد تجاوزت بذكاء الاطر الكلاسيكية لديها و اعتمدت الاطر الجديدة التي حددتها قوى التغيير بصورة و خاصة القوى الليبرالية استنادا الى الامكانيات التي وفرتها التكنولوجيا الحديثة.
السؤال و التحدي الكبيرين الذين تواجههما القوى اليسارية الان و في مرحلة ما بعد التغيير السياسي هما لا يتلعقان بمستقبل التحالف مع القوى الليبرالية و انما يتعلقان بشكل رئيسي بالمنظومة الفكرية و المنهجية لقوى اليسار و التي تحتاج الى تطوير و تغيير يلمس الواقع بقوة و تلمسه الناس بوضوح.
2- كما اسلفنا فان الضعف التاريخي لقوى اليسار لا يمكن اختزاله في الاساليب القمعية للانظمة الحاكمة التي لاشك لعبت دورا مهما في اضعاف هذه القوى. لكن اساس ضعف قوى اليسار يعود بشكل جذري الى عجز سقيم في تجاوز الاطر الستاتيكية الكلاسيكية في المدرسة التقليدية الماركسية مما كان يضع بشكل متجدد قيودا حقيقية امام التواصل الاجتماعي مع واقع المجتمعات العربية. كما اننا يجب ان لا نغفل عن حقيقة مهمة و هي ان الواقع المجتمعي في المجتمعات العربية هو واقع هش ليس فقط فيما يتعلق بالعلاقة بين الدولة و المجتمع او بين مؤسسات الدولة و النظم السياسية الحاكمة وانما فيما بين المنظومات الاجتماعية المختلفة و بين الثقافة المهيمنة و امكانيات و معوقات التطوير اللاجتماعي. فقوى اليسار هم مجموعات سياسية تنتمي اجتماعيا الى مجتمعات تتمسك بنظم تقيليدية تقتقرب كثيرا من الاستاتيكية بينما تنتمي القوى اليسارية سياسيا و منهجيا الى عقائد و ايديولوجيات تمثل تجارب شعوب اخرى لها ذاكرة و تراث مختلف. حتى لا اطيل في هذ المسألة فان ما اريد قوله ان هذه العلاقة غير المنسجمة قد جعلت القوى اليسارية تعيش في حالة من الاغتراب الاجتماعي و السياسي و المنهجي دفعتها الى خوض صراع نفسي تحولت في مراحل تاريخية الى انشقاقات مستمرة بل و حتى الى صراعات دموية. و هذا ما سهل من مهمة الانظمة لتشدد قبضتها على المجتمع و قمع القوى المناهضة.
3- اعتقد ان تعلم الدروس و تطوير اليات العمل جزء مهم من الفلسفة الماركسية لكن الواقع التاريخي للحركات الماركسية و اليسارية بصورة عامة يشير بشكل واضح الى جمود دوغماتي لا يختلف كثيرا عن الدوغماتية التدينية و الدوغماتية التقليدية القبلية و العشائرية. من جانب اخرفانه لاشك ان ارث الدولة المتمثلة بشكل خاص في مؤسسات الاتحاد السوفيتي و النظم الاشتراكية الاخرى قد لعبت دورا كبيرا في خلق اسبقية تفوقية ولدت جمودا فكريا و و تحصنا سايكولوجيا يمكن تصورهما على اساس ان الاسباب النفسية الذاتية للافراد و المجموعات التي ارتبطت بهذه المؤسسات بشكل مباشر او غير مباشر قد وضعت اليساريين في وضع كان يمنعهم من التفكير خارج اطار هذا الارث السياسي و التنظيمي و المنهجي.
اما ما حدث خلال الثورات العربية فهو قفزة نوعية حيث ان اليسار يكتشف نفسه من جديد او بكلام اخر ان اليساريين او على الاقل الذين ساهموا منهم في هذه الثورات يبدون و كأنهم قد تحرروا من هذا الارتباط النفسي و الانغلاق التاريخي. اليسار بدأ و كأنه قد صحى من غفوته التاريخية و انه بدأ يتعرف على قدرته الحقيقية في بيئة هي اكبر كثيرا من حدود مفاهيمه وواقع يحتاج الى عمل جذري وواسع معا بدلا من الانغلاق على المفاهيم الفوقية للحتمية التاريخية و صراع التناقضات التي لا يفهمها المواطن العادي كما انها لا تجد حلولا انية للمشاكل و التحديات اليومية مثل الفقر و الجوع و البطالة و ادارة الازمات او ادارة الدولة و المؤسسات و هكذا.
4- مما لاشك فيه ان هذا الاكتشاف الجديد للذات و امكانياتها الواقعية سيعطي اليسار ليس فقط القدرة على المشاركة مع الاخرين بل ايضا على تفعيل دوره من خلال خلق قتوات جديدة للعمل الجماهيري المرتبط بالواقع المادي للمجتمات التي تتواجد فيها القوى اليسارية. اي ان اهم تغيير في عمل القوى اليسارية يمكن ان يلخص في الانتقال من مرحلة التنظير والنقد السلبي الى مرحلة الولوج الفعلي في التحديات اليومية و من العمل وفق المناهج الكلاسيكية لفترة بدايات القرن العشرين الى مناهج جديدة تتفق مع التطور الاجتماعي و السياسي الذي يؤسس لواقع القفزة النوعية الحاصلة في وسائل الاتصال في مواجهة تراكم هائل في المشاكل البيئية و قلة رهيبة في الموارد و زيادة غير مسبوقة في عدد سكان الارض و ازمات اجتماعية و سياسية و اقتصادية متلاحقة مع كل ما تحمله هذه التطورات من شدة في الصراع و تراجع في ثقافة السلام رغم الدعوات الكثيرة في هذا الاتجاه.
على هذا الاساس فان فاعلية مشاركة القوى اليسارية في العملية السياسية ستبقى محدودة لحين اعادة بناء هياكلها الفكرية و التنظيمية وعلاقاتها مع القوى الاخرى خاصة قوى التغيير التي لعبت الدور الاكبر في قيادة الثورات ثم بشكل اهم انخراطها في التعامل العملي في المشاكل و التحديات المجتمعية لحياة المواطن.
5- من المؤكد ان طبيعة التحولات الحاصلة في النظام العالمي تفرض تنسيقا و تعاونا مكثفا بين مختلف قوى التغيير في العالم. يجب ان لا ننسى اننا نعيش مرحلة تاريخية زالت فيها الحدود التقليدية بين الدول و المجتمعات و كذلك بين الافراد و المجموعات الاجتماعية و السياسية. قوى العولمة و السوق قد انشات شبكات متينة تسهل لها التنقل و السيطرة و تحريك الاموال و الاستفادة من الامكانيات المتوفرة في هذه البقعة او تلك من العالم, و عليه فان قوى التغيير لابد لها ايضا ان تقيم شبكاتها بشكل عابر للحدود القديمة سواء كانت هذه الحدود تتعلق بالمفاهيم الدوغماتية كما اسلفنا سابقا او بأليات العمل. و هذا يعني بالنسبة الى قوى اليسار التخلي عن الاساليب التقليدية التاريخية في تنظيم شبكات التعاون و التنسيق و القيادة و غيرها. على هذا الاساس فان الكلام عن جبهة يسارية قد يعيدنا الى المربع الاول و كما ذكرت فاني افضل الكلام عن شبكات لقوى التغيير لكن من الضروري الحفاظ على القيم و الهوية الاخلاقية بحيث انها لا تصبح سلعة سوقية فالهدف لابد ان يكون فتح الافاق التي اقفلتها ثقافة التسلط امام ايجاد بدائل تسعى الى الجديد و في الوقت نفسه تحافظ على روح التعاون و السلام و نشر العدالة و المساواة وليس الركض وراء المصالح و ان كانت مجتمعية ضيقة.
6- اذا كان الهدف من منح قيادات شبابية و نسائية يختزل في الوصول الى الجماهير فاعتقد اننا نواجه اشكالية اخلاقية لاننا في هذه الحال نتبنى نهجا نفعيا يتعامل مع هؤلاء الشباب و النساء كسلعة سوقية راجئة و هذا اجحاف واضح بحق هؤلاء. كما اسلفنا سابقا يجب الابتعاد عن سلعنة القيم و الامكانات و هؤلاء الشباب و النساء يمثلون بلا شك امكانات كبيرة كما انهم يحملون قيمية تتعلق بعملية البناء و النظر الى المستقبل و تواصل الحياة. و عليه فالهدف من اعطاء الفرصة لهؤلاء الشباب و النساء بالبروز و القيادة يجب ان يمثل تحولا مفاهيميا يستدرك حقيقة ان هؤلاء الشباب و النساء هم نتاج تحولات اجتماعية و وعيوية و سياسية جذرية و بالتالي فهم اولى بتمثيلها و قيادة عمليات التغيير فيها.
7- المرأة هي رمز للانسان الذي يئن بشكل ابدي من سوط الظلم و الاضطهاد و الاجحاف التي مارستها و ما زالت تمارسها قوى التسلط عبر التاريخ في كل المجتمعات. و عليه فان الدفاع عن المرأة هو في الواقع دفاع عن القيمة الانسانية ذاتها و هو دفاع عن كل مظلوم و مضطهد بغض التظر عن اسباب و درجة الظلم و الاضطهاد, فالوضع الاجتماعي للمرأة يمثل تاريخيا اعلى مراحل الاضطهاد و الظلم الذي تعرض له الانسان من قبل الانظمة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية بل من قبل الانسان ذاته الذي صنع هذه الانظمة لغرض تحقيق هذا الهدف او ذاك.
لكن المهم الذي ينبغي ان لا يغيب عن وعينا ان النضال من اجل المساواة لا يعني و لا يجب ان يمر من خلال بوابة صراع المرأة ضد الرجل كما حصل و يحصل في الكثير من المجتمعات الغربية. المساواة يمكن يمكن تحقيقها عن نشر ثقافة المساواة و هنا لابد للمرأة و الرجل ان يعملا معا من اجل الوصول الى توازن اجتماعي يضمن للجميع ذات الحقوق. و القوى اليسارية و اعتمادا على تجاربها التاريخية يمكنها بلا شك تفعيل عملية التوازن في علاقة المرأة و الرجل ليس فقط داخل احزابها و منظماتها بل بشكل اوسع في علاقتها مع كل القوى الاخرى و داخل المجتمع بصورة عامة و بالتالي لعب دور كبير في نشر ثقافة التغيير الاجتماعي باتجاه المساواة.
هناك امر مهم يتعلق بالعلاقة بين الثورات العربية و حرية المرأة. من المؤكد ان المرأة و خاصة الشابات منهن قد لعبت دورا ملحوظا في بعض هذه الثورات و خاصة في تونس و مصر و بدرجة اقل في اليمن و البحرين بينما كان دورها الى حد ما هامشيا في ليبيا. لكن لكي نفهم هذه العلاقة بشكل اوضح لابد من ابداء بعض الملاحظات المهمة منها اولا ان مشاركة المرأة في الفعاليات المجتمعية الكبرى هي ليست بظاهرة جديدة ابدا و هذا ينطبق على جميع النماذج الاجتماعية بما فيها المحافظة و في كل المراحل التاريخية و التاريخ اللاسلامي ليس استثناء. ثانيا ان الثورات العربية انفة الذكر هي في مجملها هي ثورات مدينية و في المدينة فان اختلاط المرأة و الرجل هي اوسع بكثير من المناطق الاخرى و هذا ينطبق ايضا على جميع المجتمعات. ثالثا ان مجتمعي تونس و مصر و التي شهدت اوسع مشاركة للمرأة كانت تتمتع مدنها بدرجة كبيرة من التحرر عبر العقود الخمسة الاخيرة. رابعا رغم ان بعض الاصوات النسائية قد دعت الى جعل تحرر المرأة جزء من العملية الثورية الا ان اي من الثورات لم تقدم نموذجا فكريا لتحرر المرأة اجتماعيا كما ان المشاركة النسائية في العمل السياسي لم تتعدى الا نادرا و بشكل خجول المساهمة الواجبة وفق منطق مشاركة الجميع في الفعاليات المجتمعية كما ذكرنا سلفا.
ما اريد ان ان اؤكده بهذه الملاحظات السريعة هو ان الثورات العربية قد تشكل منطلقا للعمل على تحرر المرأة لكنها لا تقدم بالضرورة نموذجا ناجحا. و عليه فان القوى اليسار و قوى التغيير عموما مدعوة لتقديم نموذج فكري و تنظيمي يرسخ مفهوم التحرر من خلال اليات عمل و منظومة مبنية على التوازن في الامكانيات و المساواة في الحقوق.
8- مصطلح الاسلاميين يغطي مساحة واسعة من مجموعات سياسية و ثقافية و اقتصادية تعاني من اختلافات و خلافات مفاهيمية و صراعات ضد الذات وضد الاخر كما انه اي المصطلح يعني كذلك مجموعات تؤمن بالتنمية و التطور و التغيير. بكلام اخر, ان مصطلح الاسلاميين لا يختلف كثيرا عن مصطلح اليساريين و الليبراليين ,,,الخ حيث ان التجارب التاريخية لكل من عمل تحت ظل هذه المصطلحات تحمل بصمات الكثير من الاشياء و تناقضها. الحقيقة التاريخية التي لعبت دورا اساسيا في تقويض اداء اليساريين في المجتمعات العربية و المسلمة هي انهم بوعي او غير وعي رسموا لدى الناس انطباعا عاما مؤداها ان اليسار هو الشيوعية التي منظومة فكرية تناهض القيم و المباديء الاسلامية. خطأ الكثير من اليساريين كان و ما يزال هو انهم يبدون و كأنهم يتمتعون بهذه الصفة لانهم بشكل او باخر يحملون فكرا ارقى من الفكر الديني التقليدي و جعلوا من هذه الحالة غير الواقعية متراسا انغلاقيا تحمي النخبة المقدسة من اكثر انواع البشر تطورا. العديد من المفكرين اليساريين حصر امكانياته الفكرية في زاوية ضيقة و اختزل مشاكل الكون في ما يسمى بالقوى الظلامية اكثر بكثير من البحث عن بدائل يتوافق مع الواقع الاجتماعي للمجتمعات العربية و المسلمة. هذه الحالة يمكن ان نطلق عليها الاستغلال السلبي للطاقة الفعلية و الكامنة لانها ببساطة ابعدت اليساريين عن الاكثرية المطلقة في هذه المجتمعات بل و جعلتهم اعداء للواقع الاجتماعي بدلا من الاندماج في المجتمع و محاولة تغييره من الداخل. اي ان اليساريين اعتمدوا منهج الصدمة الخارجية التي استخدمتها القوى الاستعمارية الغربية في قرون الصراح المفتوح مع العالم الاسلامي و التي لم تنجح الا في انتاج قوى اسلامية اكثر انغلاقا و تشددا تصب غضبها على قوى المجتمع اكثر من معاداتها للقوى الغربية. اي ان المجتمعات العربية و المسلمة عموما عانت في العقود الاخيرة صراعا فكريا و دمويا احيانا كثيرة بين تكوينات منغلقة بناء على اسس دينية او فلسفية جعلت من مناهضة بعضها البعض هدفا اخلاقيا ساميا يزيد من تخلف المجتمع و ازماته بينما ظلت القوى العالمية المهيمنة تتمتع بالربيع الطويل الامد.
هذا الواقع المؤلم لابد ان يعطي لمفهوم الحرية و التحرر معنى اخر و يرسم لها مسارات مختلفة عن ما تعلمناه لحد الان لان بناء المجتمع لا يتم الا بالتعاون و التنسيق و ليس بالصراع. لابد من الانتباه الى التفريق بين الصراع و التنافس, الاول مدمر و الثاني يسرع من عملية البناء و هذا ماقام عليه التقدم غير المسبوق تاريخيا في المجتمعات اللاوروبية و الغربية والاتحاد السوفيتي و اليابان و دول شرق اسيا وغيرها ليس صناعيا و تكنولوجيا فحسب و انما ايضا في بناء منظومة تكفل الحقوق و الحريات.
لا شك ان الدفاع عن الحريات العامة و حقوق الانسان و المرأة و التحرر ينبع من قيم اخلاقية يجب ان لا تستخدم باي شكل من الاشكال في علاقات صراعية كما ان القوى اليسارية يجب ان تكون واعية في عدم الدخول في اي صراع مع اية قوى لان الصراعات هي مناقضة بشكل اساسي لقيم السلام و المساواة و العدالة التي تناضل من اجلها. القوى اليسارية يجب ان تتعلم من تجارب عزلتها التاريخية و ينبغي لها الاستفادة من اللحظة التاريخية للثورات في بناء علاقات اوطد مع المجتمع. كما ان هناك واقع تاريخي مهم و هو ان الانظمة التي قامت الثورات ضدها بنت شرعية وجودها و قبولها دوليا على الاقل اعلاميا و ايديولوجيا على اساس محاربة القوى الاسلامية فكيف يمكن الجمع بين نقيضين واضحين اي محاربة انظمة تتهم بالاضطهاد و في نفس الوقت القبول بايديولوجياتها و بمناهج عملها و ادارتها للمجتمع؟
الاسلام السياسي مثله مثل الكثير من القوى السياسية و الاجتماعية الاخرى هو واقع سياسي يمثل تطورا مجتمعيا تاريخيا لا يمكن الغاؤه او تغييره بالعنف او المواجهة الصراعية و بشكل عام فان القوى اليسارية و غيرها و التي تؤمن بالسلم لابد ان تقف ضد العنف و الظلم و الاضطهاد و كذلك بالدكتاتورية و التسلط و الاحتكارالسياسي و الاقتصادي بغض النظر عن الجهة التي ترتكب او حتى تتبنى مثل هذه الاليات المجحفة فكريا و ايديولوجيا و لكن من المهم جدا عدم معاداة اية قوى مهما كانت هويتها السياسية و الفكرية.
9- اهمية وسائل الاتصال الحديثة شيء لم يعد بالامكان انكارها او تجاهلها بعد الدور الكبير الذي لعبته في تنسيق عمل الثورات العربية. في الحقيقة يمكن اعتبار الثورات العربية نتاجا حيا للثورة الكبرى في مجال الاتصالات, او بكلام اخر ان القيام بهذه الثورات العربية هو بشكل او باخر تطبيق عملي للامكانيات العظيمة للثورة التكنولوجية خاصة في وسائل الاعلام و الاتصال.
لكن من المؤكد ان هذه الوسائل الحديثة تفرض اسسا جديدة للعلاقة بين الافراد و المجموعات من حيث ادارة التنسيق و القيادة و هذا يتطلب تغييرا جوهريا في المفاهيم و اسلوب العمل, و لعل هذا يعيدنا الى مسئلة دور القيادات الشابة و النسائية حيث انه من المؤكد ان الشباب نساء و رجالا هم اكثر قدرة و اوسع رؤى للتعامل مع هذه الوسائل الحديثة كما انهم اكثر كفاءة للتعبير عن الواقع الجديد الذي هو نتاج للازمات الكبرى و امكانيات ايجاد اية حلول لها اعتمادا على التطور الهائل في التكنولوجيا و وسائل الاتصال.
لكن يجب الانتباه الى الحقيقة المرة و هي ان مشاكل الشباب هائلة و ان وسائل الاتصالات تلعب دورا كبيرا في هذا الاتجاه و لعل ان واحدا من اهم اسباب مشاكل الشباب هو ان هذه الوسائل المتطورة قد جردت الشباب من الوثوق بالقيم الاخلاقية التقليدية و هنا يبرز دور القوى اليسارية و قوى التغيير عموما التي يجب عليها قبل كل شي ان تتخلى عن الدور الابوي التقليدي و من ثم يمكنها ان تؤسس لمنظومة متطورة تستطيع من جهة ان تتوافق مع متطلبات الواقع الجديد الذي يعيشه الشباب و من جهة اخرى توفر اليات تطورية للالتزام الاخلاقي.
10- كما ذكرنا في المقدمة فان عمل الحوار المتمدن هو عمل بناء نحتاجه جميعا و من المؤكد ان الاليات التي يعتمدها المركز و طبيعة انفتاحه الفكري قد لعبت دورا هاما في التقدم و التوسع الكبيرين الذين حققهما. نهنئ المركز و العاملين و نشد على ايديهم على الاستمرار.



#اكرم_هواس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثورة ديمقراطية ام ثورة الثنائيات..؟؟
- خاطرة المشهد... الثوار يصنعون من ضحاياهم قديسين..
- بيروستريوكا متأخرة ؟


المزيد.....




- لماذا أعلنت قطر إعادة -تقييم- وساطتها بين إسرائيل وحماس؟
- ماسك: كان من السهل التنبؤ بهزيمة أوكرانيا
- وسائل إعلام: إسرائيل كانت تدرس شن هجوم واسع على إيران يوم ال ...
- احتجاز رجل بالمستشفى لأجل غير مسمى لإضرامه النار في مصلين بب ...
- برازيلية تنقل جثة -عمها- إلى البنك للحصول على قرض باسمه
- قصف جديد على رفح وغزة والاحتلال يوسع توغله وسط القطاع
- عقوبات أوروبية على إيران تستهدف شركات تنتج مسيّرات وصواريخ
- موقع بروبابليكا: بلينكن لم يتخذ إجراء لمعاقبة وحدات إسرائيلي ...
- أسباب إعلان قطر إعادة -تقييم- دورها في الوساطة بين إسرائيل و ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - اكرم هواس - قوى التغيير و تحديات الثورة