أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد عبد المجيد - إسلامك ناقص بتحريمك الموسيقى على أذنيك!















المزيد.....

إسلامك ناقص بتحريمك الموسيقى على أذنيك!


محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)


الحوار المتمدن-العدد: 3558 - 2011 / 11 / 26 - 04:52
المحور: المجتمع المدني
    


أراك الآن وقد رفعت حاجبيك دهشة، وضربت كفاً بكف، واستغفرت اللهَ على شبه الشرك، وربما دعوت أن يجعل الله كيدي في نحري، أو دعوت لي بالهداية على ضلال لم يدر بذهنك أن مسلماً يمكن لعقله أن استدعاء هذا التحليل الغريب!
خدعوك فقالوا إن خالق الكون والجمال والطبيعة وزقزقة العصافير، وتغريد البلابل، وتسبيح الطيور بحمده، يــُحـَرّم على أكرم خلقه استخدام معجزة الأذنين لاستقبال معجزة الحنجرة أو عبقرية الأنامل في الموسيقى!
أشفق عليك من صــِدْام مصطنع بين الدين والموسيقى، فأوحى إليك من يرهبونك آناء الليل وأطراف النهار بغضب الله، أن تلك الأنغام الجميلة، الموسيقى والغناء، التي تتسلل إلى الفؤاد فتهزه، ثم تنعشه، ثم تسري قشعريرة في الجسد توقظ أحاسيس جميلة ما كان لها أن تدلف لموطن تليين طباعك إلا عن هذا الطريق.
لو غادر النغم الكون لاصطدمت كواكبه، وانفجرت نيازكه في أرضه، وجفت أحاسيس الإنسان، ولم يعد قادرا على استقبال أي رسالة سماوية تمهد له الطريق للعبادة، فالكتب المقدسة لا يفهمها غير من يقوم أولا بتنظيف وجدانه من التصحر، فيرويه، ويطفئ ظمأه، ثم يبدأ في تلقي الكلمات السامية.
استمع بتأمل إلى شخص حرّم على نفسه الاستمتاع بالموسيقى والغناء وهو يدعو بعد صلاته، أو يختلف مع معارضيه، أو يصدر أحكاماً على مخالفيه، فلن تجد غير الكراهية، والتعصب، وتمنيات بأن يريه الله عجائب قدرته في تعذيب الآخرين بدلا من إنارة طريق الهداية والرحمة لهم.
ستراه يرجم الناس في يقظته ومنامه، في أحلامه وأحكامه، في عداوته وخصومته، فالروح في عاشق النغم تلجأ إلى كل جوانب النفس المضيئة بالحب والتسامح وإيجاد الأعذار للناس لعلها تقنعها أنها لن تغادر صاحبنا قبل أن يعود إلى نداء الطبيعة.
في الإنسان مكان إذا جــَفَّ، تراجعت القدرة على استدعاء الذكريات الجميلة، وازدادت مساحة استقبال الآلام والأحزان واليأس وكراهية الحياة.
إنــه القلب القادر على توطين العبادة والجمال معاً، الدين والنغم، التسامح تجاه الآخرين وتذوق حلاوة الإيمان.
النغم لا يسألك الخبرة ومعرفة اللغة والإلمام بالنوتة الموسيقية، فإذا فتحت له أبواب القلب دخل بهدوء، وقام بعملية إزالة الفيروسات التي تعترض طريقه، وألقى التحية على موطن المشاعر الدينية الشفافة، ولم يلمس أقدس وأجمل وأسمى القيم الإيمانية والعقائدية والخيرية التي يمر عليها.
إذا كنت مسلماً كارهاً للموسيقى، مقتنعاً أن الغناء بكافة أصنافه وأنواعه وأصواته حرام كحرمة الموبقات، والدماء، والأعراض، والاستبداد، فأنت في حاجة ماسة لعلاج نفسي وروحي وعقلي وعصبي، وكلما طالت فترة عداوتك للموسيقى والنغم جدبت نفسك، وتصحرت مشاعرك، وتضاعفت قسوتك، واتسعت الفجوة بينك وبين عباد الله الذين يمشون على الأرض هوناَ، والذين إذا جاءهم نبأ عن ذنب ارتكبه أحد عثروا له في أعماق نفوسهم المتسامحة على سبعين عذراً.
خدعوك فقالوا لك بأن " حديث الروح"و" يا ساكني مطروح جنيـّة في بحركم"و" همسة حائرة"و" لحن الوفاء"و" وسلوا قلبي"و" مصر التي في خاطري"و" يا ليلة العيد آنستينا" هي مزامير الشيطان، وأن العلي العظيم مالك المــُلك العزيز الرحيم يـُحـَرّمها عليك، والحقيقة أنها منظفات لمشاعر الإنسان، فإذا حاول الإيمان الدخول تيسرت له كل سبل الاستقرار في القلب.
إذا وصلت، قولا وفعلا، إلى تلك المرحلة المريضة من كراهية النغم، واعتباره من المــُحـَرّمات، فعليك بالعلاج دون تأخير، فأنت خطــِر على أهلك، وعلى أحبابك، وعلى المجتمع، وعلى زوجتك وأولادك.
إن كل الذين يفجرون أنفسهم في الأبرياء، ويقتلون من لم يؤذهم ببرود أعصاب، ويقومون بتكفير الآخر من أجل كلمة أو جملة أو حديث عابر أو رأي مخالف أو كتاب يسلك طريق العقل في صوابه وأخطائه، سلكوا نفس طريقك المــُعـَبـَّد بالشوك، والذي ينتهي حتماً بإعلان الحرب على الآخرين.
إذا حاولت قطعة موسيقية جميلة أن تخترق أذنيك مصادفة ونفرت منها ومن كل ما يعرفه النغم من أصوات وكلمات وآلات، فلن تجد حلاوة الإيمان ولو أقسم لك أولياؤك، وأرباب معارفك الدينية، ومفسرو الكتب الصفراء لموتى تفصلهم عنك مئات السنوات أن هذا يرضي الله، جلت قدرته وعظمته، فتذكر أن الكون الذي يــُســَبــِّح، يغني أيضا.
النفس المفرَّغة من بهجة استشعار مواطن الجــَمال في النغم والموسيقى والغناء سيكون الإيمان فيها غير سويّ، وتكون الأحكام على الآخرين كأنها مقصلة تعمل جنبا إلى جنب مع قناعة يحسبها المرء دينا، لكنها عبادة أقوال موتىَ لم يتحقق العقل من صحتها، فهو يغيب كلما غاب المرء مع تقديس عنعنات تضر و.. لا تنفع.
إسلامك ناقص إذا دخل قلبــَك نغمٌ ولم يجد فيه مساحة خالية ليضع ذكريات تستدعيها إذا مرَّت بك صورة أو تسللت إلى أنفك رائحة، أو إلى أذنيك أغنية تنقل لك مشهدا عائليا قديما، أو جلسة ســَمــَر مع أصدقاء الطفولة، أو يوم عرس أختك، أو ليلة استيقاظك فجأة لتجد أمك تستمع إليها قبل أن تقوم إلى صلاة الفجر، ثم تتأكد أن غطاء فراشك يغطي جسد فلذة كبدها، ثم تأوي هي إلى فراشها.
إسلامك ناقص وأنت تبحث بلذة مريضة عن كل المحرمات حتى لو كانت وردة حمراء في عيد الحب، أو عزف بيانو يصل إليك خافتاً من نافذة الجيران، أو أغنية لعزة بلبع عن السجون والمعتقلات وظلم الإنسان لأخيه الإنسان.
استحلفك بالله أن تــُعـَجــِّل في علاج نفسك، وأن تعيد ملء خزان إذا جف وقوده فلن تعرف إلا القسوة والوحشية والبغضاء وفرض سطوتك المستبدة على الآخرين، أو وضع رقبتك تحت سيف مخادعيك.
راقب حياة أيٍّ من زملائك الذين اقتنعوا فجأة بحــُرمة النغم، ودخلوا معركة خاسرة مع الأذنين، وجاهدوا في تحريم كل نغمة موسيقية أو غنائية خشية أن تصل إلى القلب، فستجد في الحقيقة قــَتــَلة ولو لم يقتلوا بعد، ومعتدين حتى بدا أنهم لا يكترثون، وخصوم للحياة في صورة مزيفة لعشاق الآخرة.
تأمل نعمة الله، وتدبر معجزته في مخلوقاته، وتعلــَّم من الطيور، فإذا كانت أول كلمة هي اقرأ، فإن أول لقاء الإنسان بالدنيا بعد سقوطه من بطن أمه هو صراخ جميل يصل إلى الأم والأب نغماً تصغر بجانبه كل أنغام الكون.
لا تصدّقهم فهم يصنعون في أعماقك سيارات مفخخة، وعلى لسانك ســِبـْابا وتكفيرا وكراهية، وفي قلبك منطقة متصحرة يدخلها الإيمان متردداً، ويقيم فيها علىَ مضض، ويهرب منها في أول امتحان للتسامح والحب والرأفة.
إسلامك ناقص ما لم تــُعــِدْ النظر والتدبر والتبصر والتأمل في الكون، والجــَمال، والطبيعة، وأسباب خلق الله، تعالى، لكل حاسة من حواسك المعروفة والزائدة والخفية.
لا تتأخر لئلا تذبل النفس، وتموت الأحاسيس، وتصعد الروح إلى بارئها حتى لو ظننت أنها لا تزال تنفخ فيك الحياة!

تأكد أن المرض لم يستفحل بعد، ولم يصل إلى مرحلة اللاعودة، وإذا كنت تكره الموسيقى والنغم والغناء بكافة صوره فينبغي أن نأخذ حذرنا منك، فأنت خطر علينا جميعاً، وعلى القيم والمباديء والخير ومحبة الآخرين.
قبل أن تلقمني بحجر، قم برحلة إلى أعماقك، إذا كنت كارها للنغم والموسيقى، وستجد أن التصحر لم يستقر في قلبك فقط، لكنه أصاب العقل أيضا!


محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 26 نوفمبر 2011
[email protected]



#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)       Mohammad_Abdelmaguid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجنرالات لا يعتذرون .. الشباب لا يخافون!
- رسالة من ثائر مصري إلى أُمِّه!
- لماذا لا تنضم البحرين إلى دولة الإمارات؟
- من يصنع ذاكرة الشعوب؟
- لا تحاول أن تفهم المشهد المصري!
- الثورة بين مصيدة المليونية و .. عبقرية الاعتصام!
- رسالة مفتوحة إلى المشير طنطاوي!
- الانتخابات التشريعية ثورة مضادة
- محاولة لفهم وحشية الليبيين!
- رسالة مفتوحة من الرئيس غير المخلوع
- مقتل الأسد .. أقصد عبد الله صالح .. أعني القذافي!
- الإصلاح يبدأ من نزع القداسة
- لماذا لا نتخلص من الأقباط و .. نستريح؟
- أفكار في استرجاع ثورة مسروقة
- الحمد لله .. كان كابوساً!
- لماذا لا نرقص فوق جثث السوريين؟
- رسالة مفتوحة إلى المستشار أحمد رفعت
- أيها العراقيون: انتفضوا، يرحمكم الله!
- المطالب العادلة لتجديد الثورة في 9 سبتمبر 2011
- أيها السوريون: دعوني أقَبِّل رؤوسَكُم


المزيد.....




- تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت ورئيس ...
-  البيت الأبيض: بايدن يدعم حرية التعبير في الجامعات الأميركية ...
- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - محمد عبد المجيد - إسلامك ناقص بتحريمك الموسيقى على أذنيك!