أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - الكتاب رقيباً لا مراقباً: مكتبة في جيب قميص















المزيد.....

الكتاب رقيباً لا مراقباً: مكتبة في جيب قميص


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 3558 - 2011 / 11 / 26 - 04:53
المحور: الادب والفن
    



إذا كانت الحياة، ذلك الشريط من الاحتمال بين دفتي كتاب واحد، فإن من شأن هذا الكتاب نفسه، أن يتحول إلى كتب لا نهاية لها، ضمن ذلك الخط الذي يربط بين دفة وأخرى، أو لنقل:"ضفة وأخرى"، أو برزخ وآخر، حيث لكل امرىء "كتابه"، في الحياة، كما أن هذا الكتاب نفسه، هو البرزخ بين عالميه، كسيرتين إحداهما معلومة، والأخرى مجهولة، تتعلق بما تسطره هرولاته الحياتية، محطة محطة، أو رمشة عين تلو أخرى، حين تكون الرمشة، أو صنوها"خفقة القلب" معياراً زمانياً، نحتكم إليه، ونحن نتناول الشخص، في عرف التقويم.
والكتاب، في هذا المعنى، رديف الكائن البشري، في لحظة وعيه نفسها، سجل الأنفاس، في زفراتها وشهقاتها، كإعلان عن ديمومة المرء، وهو المتناسل" كتباً" رمزية، وأخرى متخيلة، إلى جانب هاتيك الكتب التي يمكننا صناعتها، حين نجعلها وعاء لعصارة الرؤى، أية كانت، وإن كان الكتاب هنا مفتوحاً على سدم التأويل، يستدعي اقتناص أنموذج منه، على اعتبار أن علامته الفارقة تكمن في اختلافه، بيد أن مواته ليكمن في تشابهه مع سواه، كأحد أسراره التي لا مناص منها البتة.
هكذا يصبح الكتاب ميداناً للعارف، كي يترك أثر خطوه، وهو يسوح على امتداد شريط زماني، لا يمكنه أن يستقدمه أو يؤخره البتة، بل ويصبح ميزاناً يلجأ إليه العيارون، من كل صوب وحدب، وفي أيديهم موشورات الضوء يقرؤون بوساطتها الحبر على اختلاف ألوانه، وإن كنا لنقع على أحبار استثنائية تشبه دواخل الكائن البشري، متفرداً، من دون نفسه، أو الآخرين معاً، حينما يذرذر حكمته الشاهقة، يربطها إلى اسم عال، هو اسمه تحديداً. بيد أن الكتب الشبيهة-وما أكثرها- تستعير ملامح الكتاب الأصل، أدوات، وإهاباً، وحجماً، بل قد تبزه في الكثير العرضي، لكنها سرعان ما تعلن عن عريِّ الداخل، وتشوهها الخلقي، كي تعود في قليل من الوقت إلى مبتدئها، فلا يستغرق احتضارها طويلاً، وهي تتلاشى، مسيئة إلى أصحابها، أية كانت قاماتهم، كأنهم الأهزوءة الفريدة، في دورة النسيان الأكيد...!.
لبنة لبنة، يهندس معماري الكتاب، قلعة عالمه، أخطوطة، يوازن بين بياضها وسوادها، في معاينة أكيدة، كي يقف على بعد منها، بعد حين، يعاينها، يسوي الأبعاد، في كتل من مفردات مدوية، أو صماء، أو هامسة، كما يريد لها في قدر سابق، يمحو ما نتأ منها، لداع من عجلة، أو سهو، ليضيف –في المقابل-ما برق من إيماضة لهبية، من أعماق النفس، فكرة، أو إلماعة مهيبة، يشير إلى مكانها، ذاته، قائلاً: ها هناك..!،فلا يندم على خسارة في جملة مرمية، إلى جانبه، أو رعونة أخرى تبخترت في بذخها ودلِّها السرمدي، مادام الكتاب التالي، إلماعة الكتاب الأول، وارتداد وقع الحروف وهي تشي برائحة أصابع كلتا يديه، وهما تباغتان الصلصال، في لحظة الولادة، فلا يغرنَّك بريق أصم، و لا يرعبنك خفوت أرعن، صارخ، مادامت الخيوط كلها موثوقة إلى أصابعك نفسها، وهي اللحظة التي ستقف فيها، أمام ما تشامخ من بناء، هو أنت-تماماً-هو أنت في لحظة المخاض والولادة، في حضرة هذا الطفل الذي سيدل عليك أنّى كنت.
لكل امرىء كتاب، في حياته، بيد أن الكاتب له كتابه المختلف، حيث يعصي كتابه الأول، جانحاً إلى تدبيج كتابه الأكثر شبهاً بروحه، كي تبلغ حريته أوجها في تخومه، أنَّى تمرد على ما يثبِّط من همته، ويربطه إلى مجرد حبر سابق على ولادته البيولوجية، كي يصنع ولادته الثانية، بيده، حلماً حلماً، وانكساراً انكساراً، يطمئن إلى ديمومته في كتاب يشبه عوالمه الداخلية، لئلا يتكرر ويتناسخ مع غيره، في مغامرة إعلان الذات، بالطريقة الأكثر تماهياً، مع خبايا نفسه الأمَّارة بالحياة، ولكي يكون كل كتاب له، عالماً خاصاً، لا يتقاطع فيه كتاب مع كتاب، لئلا يلغي اللاحق السابق، للخروج من ِربقة التنميط، وطمأنينة التكرارالباهت..
وإذا كان أُسُّ الكتاب مفردةً، أو لبنة، فإن الكتاب ليتحول بدوره إلى لبنة أو أسًّ، في مكتبة، وتتحول المكتبة نفسها إلى أس، أو لبنة، في معرض كتاب، بل إن معارض الكتب الصغيرة، قد تتحول إلى لبنات أو أسس في معرض أكبر، ليكون الكتاب مدارذلك العالم، والكتاب هنا بحر، أمواجه رؤى المبدعين، والكتاب، والمفكرين، وأهل المعرفة، والثقافة، على مختلف ، أهوائهم، ومشاربهم.
الكتاب سرُّ كاتبه، المنكشف-بغتة- من قبل المتلقي، أنًّى أيقظته أصابعه، كي تبدأ الدورة بين: المرسل والمرسل إليه، يقف الأخيرعلى جنى الأول، يتناولها-بحسب طريقته-أو يلتزم بضوابط القراءة الصارمة، أو يخرج عليها، ليحقق أمنية المرسل، العبقري، الفذ، وهو لايريد لمتلقيه، أن يراوح في دائرة ظلِّه، بل أن يخرج إلى المدى المفتوح، يصنع خطواته، وظله، وقامته، من دون أن ينال ذلك من جدوى خطابه، بل ليعزز ذلك الحضور، من خلال كسر شرنقة أفكاره، والتلاقح مع بذرتها الجديدة.
يبتعد الكاتب عن كتابه، فرسخاً زمانياً بعد آخر، وقد يتحول جسده إلى رميم، بيد أن حبركتابته، لايجفُّ، وإنَّما يظل دائم الخضرة، وعلى امتداد شريط الروزنامة، تلك، في دورتها الأبدية، يشيرإليه، كي يكون معاصر اللحظة التالية، أعلى من حجاب الوقت، كي نعرف أساطين المعرفة، والفن، والأدب، تدوِّي كلماتهم في آذاننا، بل تنوب الكلمات عن أصحابها، ترسم ملامحهم، كي نعرف أفلاطون وشكسبيروغوتة، كما نعرف ابن عربي والسهروردي والحلاج والخاني والجزري، نتفق معهم هنا، ونختلف هناك، ننتشي بعبارة هذا، وتستفزنا جملة ذاك، كي تعلق صورة في الذهن، وتمر الأخرى بِِدلِّ، وسلاسة، وعذوبة،ضمن الكتاب الواحد.
وللكتاب"بصمته" التي تجعله مختلفاً عن سواه، وهي"علامته الفارقة" أو هويته، وهذا ما يجعلنا نتعرف على أفكار أي كاتب قرأناه، في أحد كتبه، حتى وإن تسللت إلى كتاب سواه، حيث نحتكم إلى مقياس السبق الزمني، نستذكر الكتاب، والكاتب، أنَّى ابتعدا عن لحظة القراءة. كما أننا نعد شخوص القصص والروايات أصدقاء،أو معارف، نستظهر صورهم، وأشكالهم، وقد يبكي أحدنا مع غابرييل غارسيا ماركيز، عندما يقتل بطل روايته"وقائع موت معلن" سانتياغو نصار، فنظن أن هذه الشخصية تقتل أمام أعيننا للتو، كي تلتقي صرختنا،مع صرخة "غابو" ونحن نشم رائحة عصير "الليموناضة" تقدمه مرسيدس لزوجها.
وكما أن عدوى الكتب، يتباين مدى الإصابة بها، بين شخص وآخر، فإنه قد تكون درجة الإصابة في حدودها العادية، لدى بعضهم، وإن لها الحد الأعظمي، الأقصى، حين يغدو الكتاب لدى قارئه رفيق درب، تكاد صفحاته لا تفارق يديه، بل قد يضعه برفق قرب رأسه، أنى هدَّه النوم، أو أنه يفرد له مساحات الصدر- والعلم عنوانه الصدر لا السطر في عرف المتصوفة-لأن ما يتسرب عبر اشتراك حركات الأصابع والعين، والمخيلة، والوعي، هو الأنفع، ولعل أبا عمر الجاحظ هو مثال من دفع حياته ثمن هيامه العالي، بالكتب، إذ لم يقصه شلل، أو ملل، عن كراريسه، إلى أن دفع حياته، ثمناً لذلك الحب الجم، بعد أن تساقطت عليه أكداس مجلدات كتبه عليه، كي يلفظ أنفاسه الأخيرة، وإن كان سينظر إليه كأحد عناوين الكتب والكتابة والقراءة، في خريطة المعرفة.
وإذا كان هناك من اشترى كتب مكتبته، على حساب أشياء كثيرة، حرم نفسه منها، فهي ليست مجرد ديكور منزلي، كما قد يتوهم بعضهم، فيقتني" مجلدات كتب" لمجرد تشابه ألوان أغلفتها مع "ديكور منزله، فإن الكتب تجد نفسها أسيرة، مهمشة، جريحة، مادام أن ليس هناك من يمِّسد فضاء صفحاتها، بحنو وإجلال.
لقد كان الكتاب مستهدفاً –أبداً-من قبل الطغاة، والمحتلين، فلكم من كتب أمم أحرقت، أو رميت في نهرهادر، فلونت ماء النهر إلى وقت بلون الأحبار، ولعل بعض هؤلاء الآثمين لم يكتف بحرق الكتاب، بل تجاوزه إلى حرق صاحبه، من دون أن يشفي له غليل، وها هي هجرة العقول-في العالم- تشي بمأساة كاتب مبدع، ضاقت به أرض بلده، على اتساعها، مادام أنه لم يتورع عن قولة الحق، بل أن هناك كتباً تمت مصادرتها، كما تمت مصادرة حريات، بل حيوات أصحابها العظام، من دون أن تلين لهم قناة البتة.
وها هو الكتاب، في زيه الورقي، يتسيد مشهد القراءة، وإن كان في المقابل ثمة كتاب إلكتروني، أو مكتبات إلكترونية عالمية، يمكن حفظها" أو وضعها في الجيب" من خلال أقراص مدمجة، في وزن لا يتجاوز وزن "الريشة" نفسها، بل ويمكن تناقل هذه المكتبة، لتكون بين أيدي قارئيها، أينما كانوا، كي يدق الكتاب"مسماراً"أخيراً، في نعش الرقابة، ليشكل التحدي الأكبر في مواجهة ذلك الرقيب العتيد، ذاهباً بسطواته إلى مدياتها الأبعد...! .



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكاتب والصدمة الاستثنائية
- بين الناقد والشاعر
- بشار الأسد: قراءة -سيميائية- في ملامح وجهه
- -نقد النقد- في أسئلته الجديدة
- برهان غليون في-بروفة-سياسية فاشلة:
- مشعل التمو يحاكم قتلته
- -البيانوني- في دوَّامة تناقضاته
- مشعل التمُّو يرثي
- صديقي مشعل التمو فارساً للموقف
- : صورة فوتوغرافية لمدينة أحبها مشعل التمو
- سنة كاملة دون مشعل التمو
- مشعل التمو عقل كردي لا يتكرر
- سقوط مدو لشبيح إعلامي آخر
- إبراهيم اليوسف:علينا أن نعيد صياغات مصطلحي (النظام) و(الأمن)
- نوستالجيا2
- صناعة المستقبل:في ثنائية الطفولة والإبداع
- الشاعر بين حدي السطوع والسقوط
- خاصية التجاوز الإبداعي
- ثقافة ما بعد11 سبتمبر
- جوهر رسالة الإبداع في ضوء الثورات الشعبية


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - الكتاب رقيباً لا مراقباً: مكتبة في جيب قميص