أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الهجابي - قناعٌ مدنيٌ وعقلٌ انقلابيٌ














المزيد.....

قناعٌ مدنيٌ وعقلٌ انقلابيٌ


محمد الهجابي

الحوار المتمدن-العدد: 3556 - 2011 / 11 / 24 - 00:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



قرأتُ مؤخراً في صحف ومواقع إلكترونية مغربية ما معناه أنّ "الاتجاهات الإسلامية" لا تعارض الدعوات التي تصدر عن الحراك الشعبي والمطالبة ب"دولة مدنية". وفي أخبار أخرى، ورد بأنّها لا تمانع في إنشاء "دولة مدنية حديثة".
إنّ المثير حقاً في هذه الأخبار، هو أن تشاطر هذه الاتجاهات الشعار نفسه الذي تنادي به القوى الديموقراطية. ولست هنا بصدد تحليل دواعي هذه المشاطرة للشعارات ذاتها، قدر ما يهمّني الإشارة إلى أنّ الدعوة إيّاها لا تستقيم مع البنية الفكرية والسياسية والتنظيمية التي تؤطر حياة هذا القبيل من الاتجاهات السياسية. ذلك أنّ التنظيمات الإسلامية، شأنها في ذلك شأن العديد من التنظيمات اليسارية أيضاً للأسف، قامت على إلغاء قيم المدنية.
ولست هنا معنياً كذلك بالتأريخ لمفهوم "المدنية" الذي لم يجر تحقّقه العملي سوى إثر نضالات طويلة ومريرة شهدتها أوروبا بخاصة من طرف شعوبها ونخبها المتنورة ضد العبودية والإقطاع والرأسمالية المتوحشة. القول بالمدنية معناه القول بحرية الفرد الكاملة في الاعتقاد والرأي، وفي التمتّع بالمساواة بين جميع الأفراد في الحقوق والواجبات.
إنّ ثقافةً تقوم على رهن الفرد إلى سندٍ إيديولوجي براني، ثقافة تعطل لدى الفرد أسباب امتلاك شروط التقرير في مصيره بنفسه، والاحتكام إلى التفكير بحرية بعيداً عن إكراهات "الشيوخ" وفتاوى "الفقهاء" وأقانيم اللوائح التنظيمية الداخلية المركزية والأحادية والخطية؛ ثقافة بهذه المواصفات، إنّما هي ثقافة تتأسّس على التمييز بين الجنسين، وتشيع لثقافة المحارب une culture guerrière، وتحرض على إيديولوجية القتال والعسكرة..إنّ ثقافة من هذا الطراز لا يمكن أن تكون ثقافة مبشّرة ب" المدنية"، وبالتالي ليس باستطاعتها أن تكون ثقافة ل"المدنية المواطنة".
لن يكون مصطلح "المدنية"، في مثل هذه الثقافة، سوى مصطلح يحتفظ في بنيته العميقة، وفي تجلياته العديدة، بكل مقوّمات التحريض على الاتباع والاستسلام والخنوع والانقياد الأعمى.
تلك هي ثقافة التنظيمات السياسية التي تشيد بناها التنظيمية على قاعدة العمل الخلوي المركزي (الأشبه بالعمل العسكري)، والقائم على الامتثال والتنفيذ على حساب النقاش والداول والإقتناع. إنّها ثقافة تولدت ضمن شروط الاحتراب والقتالية ضد الآخر، الذي قد يكون النظام القائم، وقد يكون خصماً سياسياً حاصلاً أو مفترضاً. وفي العادة، تنمو هذه الثقافة في إطار من العمل السري أو شبه السري. وفي الغالب أيضاً، يكون جوهر تصوراتها الفكرية والسياسية انقلابياً، أي ذي عقل انقلابي، لا يعتمد الشرعية السياسية ركناً في العمل داخل المشهد السياسي، ولا يميل إلى الشرعية الديموقراطية في الحياة الحزبية الداخلية.
إنّ ثقافة سياسية تنشأ في ظل هذه الشروط من السرية والانقلابية لن تكون غير ثقافة تدعو إلى ثقافة العبودية. هذه الثقافة ليست بثقافة حرية ومواطنة مدنية. لن تكون مع الإبداع، وإنّما مع الاتباع. وهي بهذا بعيدة عن العناصر التي تمثّل قاعدة كلّ مدنية وتحضّر وحداثة. إن المدنية مع الشرعية، ثمّ إنّ المدنية تحضّرٌ، حبٌّ للإبداع والجمال والخلق والعدل والإنسان.
إنّ الدولة المتحكمة والمتسلّطة مثلها مثل التنظيم أو الحركة السياسية المتحكمة والمتسلطة ، فكلاهما يلغي من فلسفته مفهوم "المدنية".
ليست المدنية قناعاً نلبسه أثناءما نكون أمام عدسات الكاميرا، ونزيله أثناء ما نكون بمنأى عنها. وليست بذلة مكوية وربطة عنق وحذاءاً أسود لامعاً وهاتفاً محمولاً حتّى، بل المدنية فلسفة فكر وممارسة تعمُّ العلائق في المجتمع والدولة. المدنية في الدولة والأسرة والحزب والمدرسة والشارع.. وهلمجراً.
إنّ القول بالدولة المدنية هو قولٌ يرومُ التأسيس لدولة القانون، أي لقوانين تنتظمُ عمل كافة المؤسسات المنظّمة وغير المنظّمة، المشكّلة وغير المشكّلة، في الدولة والمجتمع على حد سواء، ومن ذلك الفصل بين الدين والسياسة، والفصل بين السلط كما هو معروف، واحتكام الجميع إلى دستور من صياغة البشر وباتفاق منهم، وليس دستوراً منزّلاً من سلطة عليا غير مرئية وملموسة. والقول بالمدنية هو احتكام إلى الشرعية المؤسساتية السياسية في العلن، والقول بالمدنية هو ترسيخ لمبادئ المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، وعلى رأسها المساواة بين الرجل والمرأة. لا شيء في الدولة المدنية يشتغل خارج القانون؛ القانون المدني الوضعي.
*كاتب وروائي



#محمد_الهجابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قريباً من الواقع الجديد، بعيداً عن لغة الخشب!
- دروسٌ منَ الانتخاباتِ التونُسيةِ
- في -النموذج السياسي التركي-
- في كيف يجري ابتذال مفهوم -البرنامج السياسي-
- أي معنى للتحالفات الحزبية الجارية بالمغرب في أفق الانتخابات ...
- في مناهضة الفساد والاستبداد بالمغرب
- النشر في المواقع الإخبارية الإلكترونية/ بين الإمكان والمانع
- سياسيونا والكتابة
- في عملية -تفريخ الأحزاب- بمغرب اليوم


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد الهجابي - قناعٌ مدنيٌ وعقلٌ انقلابيٌ