أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد عنبتاوي - فيما هو أبعد من مُجَرَّد الدفاع عن سوريا، الدولة والموقف















المزيد.....


فيما هو أبعد من مُجَرَّد الدفاع عن سوريا، الدولة والموقف


عبد عنبتاوي

الحوار المتمدن-العدد: 3555 - 2011 / 11 / 23 - 20:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




إنها معركة على الوعي والإرادات
وحول طبيعة المستقبل وما هو آت

• حين تكون الانتقائية في خِدْمَة الدوغمائية..!؟
• الجامعة "العربية" باتت عِبْئًا على العمل الوطني والقومي والثوري، فلتسقط فورًا..

عبد عنبتاوي

غريبٌ جدًا أمر كثير مما كُتِبَ، تحليلا أو تعليقًا، حول المستجدات والأحداث الجارية في العالم العربي، سيّما حول المشهد السوري، من حيث استعراض المعطيات والحقائق والعلاقة فيما بينها وأدوات التحليل والتفكيك، ومن ثمَّ من حيث النتائج والاستنتاجات، وبالتالي بلورة الموقف منها وحولها.. فكل مناهج الكِتابة والتحليل، خصوصًا إزاء التفاصيل والحيثيات والمُؤشِّرات التي وَضَعَتْ أوْزارَها مُؤخرًا، إنما ينبغي أن توصِل صاحب العقل الحرّ والمتحرِّر، من سطوة الموقف المُسبَق والعقلية الدُوغمائية، الى نتائج ومواقف غير مُلْتَبِسَة على صاحبها وعلى حقائق الأمور وطبائِعِها..
فهنالك من لا يريد أن يقرأ، وإنْ قرأ لا يريد أن يفهم، وإنْ فَهِمَ لا يريد أن يُدْرِك، وإنْ أدرك لا يريد أو لا يستطيع أن يتخذ موقفًا مُنْسَجِمًا مع ذلك الإدراك ومُتناغِمًا معه، لأنه سجين القرار المسبق والذهنية الدوغمائية- المُعَلَّبة، أو رَهين السطحية والإنفعالية والحالة الشعبوية، أو دَفين المصالح الذاتية أو الانتماءات الفِئوية والقبَلية، أو هَجين الأحقاد والمَزاجية أو أسير الإنتهازية..
ولا يحتاج المرء إلى التعقيب او الردّ على كلِّ ما يُكتَب في هذا الصدد، لكن بعضه يستدعي الإشارة إليه، بالدلالةِ المُباشِرة أو المواربة، حين تستكتِبُكَ الأحداث الكبرى والحامِلة لتضاريس المستقبل، لِشِدَّة ما يتنافر مع العقل الفاعِل ويتناقض مع إعماله القويم، لتِبيان ملامح المشهد واستشراف المستقبل، إنْ لم يَكُن قادرًا على المساهمة في صناعته..!؟
وبما أن المعركة في حقيقتها، هي معركة على الوعي والإرادات وحول طبيعة المستقبل وما هو آت، فإن الوعي هنا، الفردي والجمعيّ، يغدو مُؤثِّرًا أو مساهِمًا في صناعة الآتي ورسم ملامحه، حتى لو كُنا بمنأى عن الأحداث مُباشرَةً..
فليست هذه "المادة" الموجَزَة، والسريعة دون تسرُّع، رَدًّا حصريًا او عينيًا على بعض المقالات والمواقِف التي أفرَطتْ في إنتقائيتها وتناقضاتها وإنفصامها، وفي دوغمائيتها وجمودها العقائدي والتحليلي والسياسي، وفي إفتقارها لأُسس الدايلكتيك الجدلي في استعراض الأحداث والحقائق والمواقف، ما يُؤدي بالضرورة الى تشويه معانيها وتحوير دوافعها واتجاهاتها ومقاصدها..
إنما هي محاولة إضافية لِسَبْر أغوار الحِراك الحاضر عمومًا، في عدد من الدول العربية، وخصوصًا في سوريا، ولإماطة اللثام عن بعض جوانبه، التي يبدو وكأن الغموض اعتراه، رغم أنه يتسَمَّرُ أمامنا عاريًا دون لَبوس، الى حدٍّ كبير.. فمن حقنا كأفراد ألاَّ نفكّر بذهنية سياسية فقط، تأخذ بعين الاعتبار، وتُفْرٍط في "عقلانيتها"، بل بعقلية ثقافية نقدية لا تعرف الحدود ولا الرّياء..
فليس صدفة أن يقف هذا الحِراك عند المشهد السوري، ويُحْدِث هذا الكم النوعي من التساؤلات والخلافات بين أصحاب الرأي، من مُثفقين وسياسيين وإعلاميين وأشباههم، لأنَّ المسأَلة مرتبطَة عُضويًا بالدوافع والوسائل والغائيات والمصالح والخَيارات الحياتية، للأفراد كما للشعوب وللدول، الكُبرى منها كما الصغرى..
فإذا كان من غير الممكن التشكيك بأهمية وتاريخية ما حدث ويحدث، في الأشهر الأخيرة، في عدد من الدول العربية، كسقوط رأس النظامَيْن في مصر وتونس، على سبيل المثال لا الحصر، وانعكاسات ذلك وطنيًا وقوميًا على مستوى "الأمة العربية"، فلا رَيْبَ انه لا يُشكِّل حالة ثورية بمختلف المعايير والمقاييس، إذا ما كانت الثورية، بكل المفاهيم، تغييرًا وطنيًا جذريًا شاملا عميقًا، بِما يتعدّى مجرّد تغيير النظام السياسي، الى جانب دخول عناصر ومَصالح محلية وإقليمية ودولية على خطِّ هذه العملية وارتداداتها، حتى تغيير مسارها واقتناص مسيرتها، ومن ثمَّ لَجْمِ طموحاتها ومصادرَة أهدافها..
وإذا كان الوطنيون والثوريون والتقدميون وأصحاب الحقوق والمطالِب الحقيقيين، هم فعلا من أطلق شرارة التغيير وإسقاط بعض الأنظمة وزرعوا بذور ثورية في البدايات، وحتى في سوريا، فليس هم، للأسف، من يحسم ويُبَلْوِر النتائج ويضبط إيقاع النهايات..فصحيح ان الأمور مُرَكَّبة ومُتداخِلَة، لكنها ليست معقدة الى حدّ عدم الرؤية أو عدم الفهم، ولا تحتاج الى فائض ذكاء او وطنية زائدة لإدراك معالِم هذا الحراك، في كل دولة عربية على حِدَه، وفي مُجْمَلها عمومًا، الأمر الذي يستلزم مزيدًا من البحث والتمحيص، عبر الولوج الى مختلف الجوانب، في حَيِّزٍ أوسع وأشمل من مقالة..
إنني أدعو، في جوهر موقفي، ليس فقط إلى إسقاط الأنظمة السياسية، إنما الى إسقاط النظام الثقافي والاجتماعي، السائد مُنذ قرون، وسلطة المجتمع وقِيَمِه، التي تُحفِّز على الموت لا على إستنهاض الحياة، وعلى قيم السماء لا قيم الأرض، بحيث يكون البديل الثوري الحقيقي للحاضر من وَحْي المستقبل لا من أغوار الماضي السّحيق المظلِم..
فلا شك ان جميع الأنظمة العربية يجب ان تسقط، بأدوات وبديل ثوري تقدمي حقيقي، وتغيير الواقع العربي برمّته، وبما لا ينحصر في البعد السياسي، لكن آخر هذه الأنظمة التي يجب ان تسقط هي في سوريا، وتحديدًا في هذه المرحلة.. ليس لأنها، كدولة ونظام ومجتمع، ضالَّتي المنشودة ولا هي بإعتقادي النموذج المحتذى به والنهائي، بل هنالك الكثير مما يُنتقد عليه النظام السوري، داخليًا وحتى خارجيًا، سياسيًا وثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا ومدنيًا، إِضافة الى تلعثم علمانيته، التي لم يتمكن من تعميقها في الأبعاد الاجتماعية والثقافية والسياسية، وفي المُغالاة في دبلوماسيته "الناعِمَة".. ويمكن للمرء بالطبع ان يختلف مع النظام السوري وبعض مواقفه وسياساته، تاريخيًا وراهِنًا، وانه ارتكب في بعض المحطات خطايا وليس فقط أخطاء، وان هنالك حاجة وطنية داخلية للكثير من الإصلاحات الحقيقية ومواجهة الفساد المتراكِم والتكلــُّس في مختلف مناحي الحياة، وفي توسيع الحريات السياسية والتعددية الحقيقية وغيرها..
لكن النظام السوري، رغم الاختلافات والخِلافات معه، هو أكثر الأنظمة العربية وطنية وقومية وتنوّرًا وتقدمية وممانعة، لمشاريع الاستعمار والامبريالية والرجعية، في كل المحيط العربي، في العقود الأخيرة.. وقد اتخذ مواقفًا وسياسات هامة وتاريخية، لا يمكن تجاهلها، في ظروف دولية وإقليمية تسيطر فيه أمريكا على مجريات الأمور الأساسية، وفي ظل نظام القطب الواحد، وهذا ليس بالأمر السهل لنظام دولة عربية وشرق أوسطية.. هذا الى جانب انها الدولة العربية الوحيدة التي لا تإنّ تحت وطأَة القروض والديون المالية والمعونات الاقتصادية، ما ساهم في عدم تبعيَّتها..
والأهم من كل هذا وذاك، أن المستهدَف الآن، وفي الأشهر الأخيرة تحديدًا، وبعد سقوط نظام مُبارك خصوصًا، وما يعنيه هذا إقليميًا، وارتدادًا له، هو ليس فقط النظام السوري، إنما الدولة السورية، بموقفها وموقعها وخياراتها وبُنية مجتمعها وثقافتها، ولكونها محور تحالف الممانعة في المنطقة، إن لم يكن المقاومة، والمسّ في دورها الإقليمي والقومي، وبمدِّها المُقاوَمات العربية بكل مُقوِّمات القوة..
وبات جليًا أن المستهدف الآخر، والذي لا يقلّ أهمية إستراتيجية، هو المقاومة وثقافتها عمومًا، والمقاومة اللبنانية، المتمثِّلَة بـ"حزب الله"، خصوصًا، ومن ثمّ تفكيك محور المقاومة والممانعة في المنطقة، او إضعافه إذا أمكن ذلك، حتى تتمكن القوى الاولوغاركية والرجعية، الدولية والإقليمية، من تمرير مشاريعها ومخططاتها بِسَلاسة وسُكون، بالتعاون والتناغُم مع "النخب" الليبرالية والإسلامَوِية الجديدة..
ولعلّ الحملة المتصاعِدَة على إيران، في هذا التوقيت بالذات، تندرج في إطار هذا المشروع، ليس إلاّ.. وليس هذا بمعزل عن الانسحاب الأمريكي مهزومًا من العراق، وما يحمله هذا من معنى تاريخانيّ..
وعليه، فإن مَنْ يُؤيد ويدعم المقاومة، بكل تجلياتها، أو يدَّعي ذلك، لا بد له بالضرورة أن يقف الى جانب الدولة السورية ونظامها وقيادتها الوطنية ومواقفها..
كما تكَشَّف، من سيرورة حركة "الاحتجاج" في سوريا، ان الهدف ليس الإصلاحات، لا الديمقراطية ولا الحريات، دون أن يعني ذلك عدم وجود معارضة سورية داخلية وطنية حقيقية، ومنها ما هو ثوري وتقدمي، وتطرح رؤية تغيير حقيقي وشامل.. ومن حقنا ان نتساءَل بضعة تساؤلات استنكارية، لا تنتظر الأجوبة، على سبيل: هل باتت دول الخليج الثيولوجية، الأعرابيّة والمستعربة، مُحرِّكة "للثورات"، في حين انها مجموعة مستعمَرات امريكية، ودول من رخام تُدار بعقلية خيام، وهي أساسًا ليست أوطانًا إنما محطات وقود؟! وكيف لدول ومجتمعات لا يحق فيها حتى للمرأة أن تقود سيارة، أن توعظ على الآخرين في الحقوق والثورات؟! وكيف يمكن تفسير تلاقي الموقف، في المشهد السوري، بين النظام الأردني والإخوان المسلمين في الأردن؟! وهل غدتْ أمريكا، وما فيها من حكم السلطة الواحدة، برأسين، والثقافة الأُحادية، "نموذجًا" يُحتذى لما يسمى الديمقراطية؟!
فهنالك من لا يريد ممارسة العقل، ويكتب بطريقة تبدو عقلية "إفتراضيًا"، ولا يتوجّه الى عقول الناس بل إلى غرائزها البدائية.. وهناك مِنَ الدوغمائيين مَنْ يصبّون جلّ اهتمامهم ومواجهتهم للامبريالية والاستعمار ومشاريع الهيمنة والمؤامرات ومصالح الدول الكبرى، مُتجاهِلين او مُتناسين او مُتعامين، إلاَّ بما قَلّ وندر، عن الرجعية والتخلُّف والجهل، كعوامل ذاتية داخلية، في بنيتنا الاجتماعية والثقافية، الى جانب السياسية، كبُنية تحتية مُؤاتية لتمرير مشاريع الإستعمار والامبريالية حتى التبعية.. بالمقابل هنالك منهم من يعتبر الاستعمار والامبريالية ومشاريعهما "حَالة افتراضية ومُتخيّلَة باتت من الماضي"، لا حقيقة واقِعة، أَوَلَيْس التهكَُم على هكذا مواقف أجْدى؟! وهنالك مَنْ هم ما بعد الدوغمائية، من شِدة دوغمائيتهم، يكتبون بطريقة تكون اللغة فيها "بطل النصّ"، ويتوارى خلفها موقف معادٍ منهجيًا للمقاومة وثقافتها والحرية وتبِعاتها..
وفي المسألة الديمقراطية، وبالنسبة للديمقراطيين، الجدد منهم والمتجدّدين، فإني أُجاهر، قولا وكتابة وممارسة، ليلا ونهارًا، بموقفي النقدي من الديمقراطية، ومن دَوْرِها واستخدامها المعاصِرَيْن، ولرفضي لاعتباراتها العددية الحاسِمَة في كل الأحوال، وفقدانها قِيَمِيَّتها أمام قِيَم الحرية والتحرُّر والمقاومة، كقِيَمٍ أساسية أسمى من الديمقراطية وسابقة لها بالضرورة، لكونها غير ذي قيمة بمفردها....
فالديمقراطية هي عملية تنظيم ممارسَة الحرية، الفردية والجماعية، حرية ممارسة الحق في الاختيار والخيار وحتى التناقض. إذن فإن القيمة المُؤسِّسَة تكمُن في الحرية ذاتها وليست في الديمقراطية، كآلية تنظيم لها، لكن الكثيرين ما فتئوا يصرّون على "تقديس" الديمقراطية وجعلها هدفًا بحد ذاته.
والحرية، بكونها هدفًا ووسيلة معًا، هي التي تُنتِجُ ثقافة ووعيًا وليست الديمقراطية، كوسيلة لا هدف.. وكيف للديمقراطية أن تعمل وتُنتج، كآلية، بمعزل عن الحرية ودون التحرُّر من بُنى ثقافية واجتماعية موروثة، إنتمائية وطائفية ومذهبية وعائلية وقَبَلية، وصلت الى تُخوم الجّينات؟؟!!
ولمن يتشدَّق بالديمقراطية والشعب والجماهير، أقول لهم:
أليْس الملايين من السوريين، الذين خرجوا في الأيام والأسابيع الأخيرة، وبعد أكثر من ثمانية أشهر من "الأحداث"، في دمشق وحلب واللاذقية والسويداء والرقة وطرطوس وغيرها من المدن السورية، هم جزءًا من الشعب السوري، بل الجزء الأكبر والحاسم من هذا الشعب، الذي أثبت وعيًا استثنائيًا، سيّما ان صورتهم في تلك المظاهرات، المؤيدة للإصلاح والسيادة في ظل قيادتهم الوطنية برئاسة بشار الأسد، واضحة الملامح والشكل، واثقة ومُتحفِّزة، صَبوحَة وجميلة، على عكس صورة العشرات او المئات من أطياف " الرجال" المعارِضين للنظام، دون وجوه؟؟!! فعن أية "أنساق" من الديمقراطية و"قرار الشعب" يتحدثون ويكتبون ويتشدَّقون؟ّ! اين ديمقراطيتهم؟ّ! أم ان هؤلاء الملايين خرجوا بأمرٍ من النظام؟! فكفى تحايُلا على العقل واغتيالا للوعي..!!
وفي معركة الصورة، فإنّ في سوريا "ثورة".. نعم إنها "ثورة المؤخِّرات"، عشرات او مِئات المؤخِّرات تُهَرْوِل مسرعةً، في بعض المناطق المحدودة والمحددّة (في حمص وحماة وإدلب ودرعا، وليس صدفةً!!)، بلا وُجوه أو وِجْهَة، لا تعرف من أين أَتَتْ والى أين تتجه وماذا تريد، كما تظهر في الصورة التلفزيونية "الثورية"، بإخراج رديء.. وفي معركة الكلمة، حَدِّث ولا حَرج، فيكفي أن تقرأ شعارات وهتافات وعناوين حركة الاحتجاج في سوريا، ما ظهر منها وما ضمر، حتى تَفْقه المُنْطَلق والإتجاه والأهداف، خصوصًا عندما يتحدث "أباطِرَة الثورة" السورية ضد كل شيء، ضد النظام السوري والمقاومة تحديدًا، بِرَكاكَةٍ وسطحية لا نهائية، لكن ليس ضد إسرائيل وأمريكا والإمَّعة الأوروبية و"دول الملح" الخليجية وتركيا "وجمهورية" الأردن الهاشمية والرجعية والتخلُّف والماضَوِيّة..
وهنالك من ينتقي أطراف أحداث أو أشباه وقائع ليُعَزِّز موقفه المسبَق.. وثمة مَنْ يحاوِل مُداعَبة "الموضوعية"، ويتحدث عن مخاوفه وخشيته من الفِتن الطائفية والمذهبية وسيطرة الرجعيين والاستعماريين وأدواتهما، فيقبضون على المستقبل والموقف السوري، لكنه بالرغم من ذلك وأكثر يُصِرّ على عدائه للنظام السوري وضرورة إسقاطه، الآن، وفورًا..!؟ اما بالنسبة للموقف الفلسطيني، الرسمي من جهة "والمقاوِم" من جهة قريبة منه، فلهو حكاية أُخرى دَنيئة.. لكن المواقف الرسمية لمصر وتونس وليبيا التي انتصرت فيها "الثورات" ، بعدما اغتصبها الجيش والإخوان المسلمون، فلها حكايات مختلفة..!!
وهنالك من يتهمنا بالتغريب، واستنساخ الثقافة الغربية، والأوروبية خِصِّيصًا، والانفتاح على الثقافة الغربية ومُفكريها وفلاسفتها والتأَثُّر بها، وكأنها ليست ثقافة إنسانية كوْنية، ويرفض العلمانية لـ"جذورها الغربية" (!؟)، في حين أنهم يتعاملون مُباشرة، ودون خجل أو وَجَل، مع الامبريالية والاستعمار الغربيَّيْن.. والخطر الداهم في قادم الأيام، يكمُن في بوادر ظهور تحالف جديد – قديم بين "الإسلاميين" والأمريكيين، ليُكمِّلان بعضهما البعض، بشكل أو بآخر، فيقوم أحدهما بمصادرة الإنسان ويقوم الآخر بمصادرة الأوْطان.. وهل نسينا الهدية الأولى "للثورة" الليبية، الى كل "الثوريين والوطنيين والتقدميين" العرب، حين اعتمدت لإنجاز ثورتها على حلف الناتو الأطلسيّ، كحليف "ثوري" جديد، وطالبت بتمديد مهامه وبقاء قُوَّاته العسكرية في ليبيا، وبإقرار الشريعة الإسلامية كمصدر أساس للدستور الليبي، وبإعتماد تعدُّد الزوجات، كأساس في قانون الأحوال الشخصية؟! وهل تناسيتُم كيف أن مجموعة من الدَّهماء، بمساعدة حاسمة أطلسية، اعتقلت الرئيس الليبي البائس، معمر القذافي، وقتلته بدلا من محاكمته، وهي التي تدّعي البَديل وتعلِن "رغبتها" في بناء نظام ومجتمع "مدني وديمقراطي"..؟! فهنيئًا لهم هكذا "ثورات"، وهكذا "ربيع" وهكذا "ثوريون"..!!
ويأتي موقف وقرارات جامعة الدول العربية، ولجنتها الوزارية برئاسة "جمهورية" قطر القرضاوية-الحداثية-الوهمية، بدورها الوظيفيّ والأداتيّ، وكحلقة حيوية في المشروع والمؤامرة، وبعد أن فشل مجلس الأمن في اتخاذ إجراءات ضد سوريا، بسبب الفيتو التاريخي الروسي الصيني المزدوج، ولاعتبارات دولية، ليقطع قول كل خطيب، وليؤكد صحة وجهة نظرنا مُنذ البدايات، وخطأ النظام السوري في التعامل مع هكذا لجنة وزارية، واستقبالها في دمشق، تحت إدِّعاءات "الحكمة والدبلوماسية"، فتقرر جامعة الدول البتراء "تعريب" قرارات هي في جوهرها إعلان عُدوانٍ أُخطبوطيّ- إستعماري - عربي- رجعي ضد سوريا، كمقدمة للتدويل وتمهيد لاستدعاء التدخُّل الخارجي، بكل وضوح وصَفاقة.. إن تراكُم التفاصيل، ونوعية الأحداث، أكدت وتُؤكد صِحَّة ما قلناه ونقوله، بأن ما تواجهه اليوم سوريا، الدولة والموقف والنظام والشعب، أكبر من مجرد مُؤامرة وأكثر من حرب إعلامية ونفسية، وهي تواجه حربًا، داخلية وخارجية، ومن يواجه الحرب عليه أن يُفكِّر ويتصرف وِفقًا لمُقتضيات الحرب ويستخدم أدواته.. حيث تبدأ هذه الحرب، ومواجهة مشاريع "سايكس – بيكو" الجديدة، بإسقاط جامعة "الدول العربية"، التي باتت عِبئًا ثقيلا وعائقًا، نظريًا وعمليًا، أمام العمل الوطني والقومي والثوري الحقيقي، والانتقال من مرحلة "إدارة الأزمة" إلى مرحلة "إدارة الصراع"..
إن أكثر ما يقتل في السياسة، كما في الحياة، هو الموقف الوَسَطيّ، عند المحطات التاريخية الحاسِمَة، في حياة الأفراد كما في حياة الشعوب والأمم..
إننا أمام مرحلة حسم مفصلية تتطلب الحزم والفرز في المواقف والخيارات، إزاء معطيات الواقع وحقائقه، وبعد اضمحلال ترف "الاعتدال" وأُفول الخيارات الافتراضية الوهمية، وغياب ترجمة التمنيات لكل الواقع الراهن، وطنيًا وقوميًا وثقافيًا وكونيًا، خصوصًا بصدد المشهد السوري وما يعنيه.. فالعروبة والتنوُّر (وإن كانا بمعانيهما النسبية) قد ينبلجان من دمشق الشام، ولكن بالتأكيد ليس من الدوحة والرياض ودول اللّواط..
وما عاد الموقف والزمن يَحْتَمِلان أكثر، فمن واجب القيادة الوطنية السورية، الآن الآن، وقطعيًا، وبعد أن تحصَّنت شعبيًا، أن تحسِم الموقف الأمني والعسكري داخليًا مع الجماعات والخلايا المسلحة والمشبوهة في سوريا، وأن تواصِل تعزيز وتطوير مسار الإصلاح والتغيير والتقدم، عبر الحوار الوطني الشامل، ولاعتبارات وطنية داخلية، وليس نزولا عند تشدُّقات الخارج، وفي إطار التمسّك بالمواقف والخيارات الإستراتيجية، وأن تعلن قريبًا عن انتخابات برلمانية ورئاسية، سيحصل فيها بشار الأسد ونهجه، باعتقادي الواثق، على أكثر من 66% من أصوات الشعب السوري، أي بشرعية تفوق شرعية أي "زعيم" غربي وعربي، وليتحصَّن بشرعية جديدة، وينطلِق.. وأن تعتمد سوريا دبلوماسية "ناعمة" جديدة وترفُس قرارات جامعة الدول العربية-الأمريكية، وما ينتج عنها من سموم، بدون تلكُّؤ، وأن تنتقل من مساحة ردّ الفعل والدفاع، الى حَيِّز المبادَرة والهجوم، على مختلف الجبهات وبمختلف الوسائل، وإعداد العدة والعتاد لكل الاحتمالات في المواجهة الخارجية، بحيث تنشُر أيضًا مخالبها الطويلة، هي وحلفاؤُها، في "دول الملح" الخليجية ودول مصطنعة أخرى، كرأس حَرْبة في هذا المشروع الاستعماري- الرجعي، وكأسواق عالمية وليست أوْطانًا، وليحترق النفط وثقافته ولنبدأ من جديد..
ولأنّ الحياة مخاطرة، وليست مقامرة، ولأنّ المعركة على سوريا، وليس فيها، فإن لهذه المعركة إسقاطات وتداعيات على ميزان القوى الإقليمي والدولي، ومعان أبعد من سوريا وجغرافيتها، بحيث تدنو من معركة الفصل بين الماضي وبين ماهية المستقبل. فلا خيار أمام سوريا، وأمامنا، إلا الانتصار أو الاندثار. وعليه، يجب ألا تسقط سوريا..
وتبقى الإشكالية المحورية، والتي تلامس أهداب البعد الوجودي، ليس في كيف يتصرف "الآخرون"، من مستعمرٍ او إمبراطوريّ او طامع او طامح، إنما في كيف نفكر ونتصرف نحن، كأفرادٍ وكجماعة.. والزمن ليس رديئًا، وليس هنالك عصرًا رديئًا، إنما يوجد بشر رديئون، والواقع ليس نهائيًا مَهْما بَدا راسِخًا، وتعاليم الأرض والحياة تقتضي وَعْيًا إرادِيًا قادِرًا على القيام بما يبدو مُستحيلا....!!؟؟

أواخر نوفمبر- تشرين الثاني/ 2011
الجليـــــــل



#عبد_عنبتاوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- * دِفاعًا عن: سوريا الدولة والموقف، المقاومَة والحرية، ابن ا ...
- شَذرات - غير أدبية - : تأمُّلات إغترابية ...خارج مَنْفى المع ...
- شذرات -غير ادبية- - تأملات اغترابية - وصايا غير لاهوتية
- في المسأَلة العلمانية، كمَنْزِلَةٍ بين مَنْزِلَتَيْن..


المزيد.....




- رصدته كاميرا بث مباشر.. مراهق يهاجم أسقفًا وكاهنًا ويطعنهما ...
- زلة لسان جديدة.. بايدن يشيد بدعم دولة لأوكرانيا رغم تفككها م ...
- كيف تتوقع أمريكا حجم رد إسرائيل على الهجوم الإيراني؟.. مصدرا ...
- أمطار غزيرة في دبي تغرق شوارعها وتعطل حركة المرور (فيديو)
- شاهد: انقلاب قارب في الهند يتسبب بمقتل 9 أشخاص
- بوليتيكو: المستشار الألماني شولتس وبخ بوريل لانتقاده إسرائيل ...
- بريجيت ماكرون تلجأ للقضاء لملاحقة مروجي شائعات ولادتها ذكرا ...
- مليار دولار وأكثر... تكلفة صد إسرائيل للهجوم الإيراني
- ألمانيا تسعى لتشديد العقوبات الأوروبية على طهران
- اكتشاف أضخم ثقب أسود في مجرة درب التبانة


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد عنبتاوي - فيما هو أبعد من مُجَرَّد الدفاع عن سوريا، الدولة والموقف