|
الذي رأى الاعماق كلها
مثنى كاظم صادق
الحوار المتمدن-العدد: 3553 - 2011 / 11 / 21 - 21:00
المحور:
الادب والفن
يعد فن كتابة السيرة الذاتية ، جنساً أدبياً قائما بذاته ، ولاسيما عندما بدأ الأدباء العراقيون يكتبون عن حياتهم بأنفسهم ، كما فعل ذو النون أيوب في سيرته الموسومة بـ ( قصة حياته بقلمه ) ، ويوسف الصائغ في سيرته ( الاعتراف الأخير ) والقائمة تطول بهؤلاء الذين التفتوا لأهمية هذا الفن من الناحية الثقافية والاجتماعية . تشير المعاجم العربية إلى أن السيرة لغة المضي والجريان ، أما اصطلاحا ، فتعني تاريخ حياة وترجمة ... ثمة أنواع لكتابة هذا التاريخ الحياتي ، فثمة سيرة موضوعية وهي أن يكتب شخص عن حياة شخص آخر وتسمى أحياناً ( غيرية ) ؛ لأنها تكتب من قبل الغير ، كما فعل ميخيائيل نعيمة ، عندما كتب سيرة حياة صديقه جبران خليل جبران ، أما السيرة الذاتية ، فهي نقل مباشر من داخل الذات ، فهي ـ إذن ـ تدور حول شخصية السارد ، على أننا هنا يجب أن نفرق بينها ، وبين كتابة ( المذكرات ) التي هي تسجيل آني للأحداث ، وبين ( الذكريات ) التي تعنى بالاسترجاع والتأمل ..... بين يدي (( الذي رأى الأعماق كلها ))(1) للقاص المبدع هيثم بهنام بردى ، كتب تحتها بمسافة كبيرة ( إنثيالات ) موضحاً للقارئ قدما ، أنها استذكار بشكل محطات زمنية ، شكلت نقاطاً مفصلية في حياته كقاص ، ويعد هذا العنوان دلالة مدخلية للنص ، وعنصراً مهما في توجيهه ، ولاسيما إذا علمنا أن العنوان أصبح مهما جداً اليوم مع نشأة علم العلامات ، فقد اختار بردى هذا العنوان ؛ لما له من جمال إيقاعي يرتبط بدلالة انتباهية لدى المتلقي ، ولاسيما أنه يحيل في حالة تناصية مع الموروث ، ونقصد بذلك بداية ملحمة كلكامش ( هو الذي رأى كل شيء ) بيد أن القاص قد جعل العنوان ( الذي رأى الأعماق كلها ) المتكون من المركب الوصفي ، الذي يبدأ بـ ( الذي ) الخبر للمبتدأ المقدر بـ ( هو ) حيث أنه من حيث الدلالة النحوية يفيد التخصيص ، تخصيص هذه الرؤية للأعماق ، ويدعم هذا التخصيص التوكيد المعنوي بكلمة ( كلها ) الذي جاء لتوكيد هذه الرؤية ، إذ إن هذا التوكيد يفيد التعميم والشمول بحسب علم النحو ، وتأسيسا على ذلك نستنتج أن هذه المحطات ، هي محطات رؤيوية عامة شاملة للأعماق ، بمعنى أنها إنثيالات ( تدفقات ) وسيولة ذهنية حدثت عند القاص ، ضمن محطات خاصة في حياته شكلت مدى تاريخيا مهما عنده ؛ لذا نجد هذه المحطات مختزلة بنسق حدثي معين له أثره الفاعل عند القاص ؛ لأنها ـ المحطات ـ عبارة عن لحظات راسخة في عقله ، نستنتج من خلالها سلوكه الشخصي مع ذاته ومع الآخرين ؛ فجاءت هذه الإنثيالات ذات طبيعة إنتقائية ، وبهذا نجد القاص قد نسج سيرته بصيغة ضمير المتكلم ، وبطريقة الوصف السردي ( الجمع بين الحدث والوصف ) بمعنى أن الوصف التفصيلي جاء قليلاً جداً ؛ لذا حل محله الوصف الإجمالي للشخصيات أو الأمكنة ، أما الحوار ، فقد جاء خارجياً / صائتاً ومختزلاً جداً ذاكراً الخطوط العريضة دونما تفاصيل ، ولعل ذلك ، بغية القاص في توثيق نقطة التحول ، وبيانها للمتلقي ، فالحوار المتناوب المختزل شكل جزءاً مهماً من لحمة هذه المحطات ؛ لأنه أسس لوقفات مفصلية في بنية النسيج السيري الذاتي . تصدرت في هذه السيرة خمس محطات ( دراسية ) بدأً من السادس ابتدائي عام 1966م إلى المحطة الخامسة عام 1974م ـ 1975م في معهد الصحة ، حيث شكلت هذه المحطات تكوين خميرته الثقافية الأولى ، بعد ذلك تأتي محطات إنتاجه الإبداعي ، يردفها نصان مفتوحان وسما بـ ( الذي رأى الأعماق كلها ) و( حين مات الشاعر ) ثم وضع القاص قصة قصيرة بعنوان ( أوف ... لن أستطيع كتابة قصة قصيرة ) وأشار تحتها إلى أنها تمثل بداياته الأولى التي اشترك فيها بمسابقة مجلة الفكر المسيحي ، وفازت بالجائزة الثانية إذ ذكر أعضاء لجنة التحكيم ، وأحمدُ في القاص هيثم بردى ذلك ، إذ إننا كباحثين أكاديميين كثيراً ما نعاني من البحث عن البدايات النصية الأولى للمبدع ، ولاسيما إذا كانت نصوصه الأولى منشورة قبل عقود طويلة في مجلة أو صحيفة قد لا تتوافر حتى في المكتبات العامة أو الخاصة ، وبعد هذه القصة يأتي مفصل موسوم بـ ( السيناريو ) حيث وضع القاص سيناريوهين الأول بعنوان ( تقويم ) والثاني ( الكتب ) ثم يختم القاص هذه الإنثيالات ببحث واف عن المسرح السرياني في نينوى ، وثلاث حوارات صحفية معه ، وتعريف بنفسه من حيث الولادة والإبداع . ــــــــــــــــــــــ (1) الذي رأى الأعماق كلها ... إنثيالات ، هيثم بهنام بردى مطبعة ميديا / أربيل ، ط1 ـ 2007
#مثنى_كاظم_صادق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الصورة المشهدية في مجموعة مدن وحقائب
-
صورة الرجل الفنية في مجموعة الليلة الثانية بعد الالف
-
بانوراما الذات في شعر علياء المالكي طوق الفراشة انموذجا
-
عشاء لملائكة نظرة نحو الوجود وتأسيس الذات
-
مع الجاحظ على بساط الريح سيرة قصصية للفتيان
-
مؤسسة شهداء ديالى صورة للتناغم الابوي
-
تجليات التناص في شعر إبراهيم الخياط
-
الزواج من موظفة حلم الكثيرين
-
هيثم بردى يؤرخ للأدب السرياني
-
مؤسسة شهداء ديالى و(العرف الفوك)
-
تراتيل على دم الشهداء
-
جيل جديد لايجيد كتابة الانشاء
-
ثقافة القيادة
-
كتاب مدينة الخالص بعد التغيير
-
تأهيل الناقد
-
سيميائية العنوان في مجموعة لمن هذه الحرب
-
ياسين النصير يعيد لقيصر مالقيصر
-
القومية مشروع فاشل إنتهى بكرة قدم !!
-
ثقافة الاحذية رؤية سايكولوجية
-
إقتناص الذات الذات الضائعة قراءة في قصص تليباثي
المزيد.....
-
ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024
...
-
-صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل
...
-
أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب
...
-
خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو
...
-
في عيون النهر
-
مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة
...
-
”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا
...
-
غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم
...
-
-كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
-
«بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|