أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمل جمعة - العاشِقات















المزيد.....

العاشِقات


أمل جمعة
(Amal Juma)


الحوار المتمدن-العدد: 3552 - 2011 / 11 / 20 - 13:09
المحور: الادب والفن
    


المرأة الشرسة والتي تشتري النكد بدراهمَ فضة، كانت حائرةً في الظهيرة الهادئة،لا تفلح مخيلتها بإبرام أية مكيدة.بدأت تبحث عن شعرة تنتفها من ذقنها، هالها أن لا تجد ، تخبط كفّها بالتراب الساخن ، ضروري الإشارة أنها تسكن الصحراء ومعلومة أقل أهمية ،المرأة لم تنجب خلال سنوات زواجها الطويل إلا ولداً خيب ظنونها وجاء ساذجاً لا يُحسنُ رميَ النبال ،ويدْمى كلما تعارك وأبناء الجيران.
لا يتذكر صباها أحد، ولا ضحكتها بالتأكيد ،لكن الجارات يعترفن لها بفضل واحد ،قوة تذكرها للتواريخ ونظافة بيتها المفرطة (علي أن لا انسي )هي تسكن خيمة ،وعلى الجميع الاعتراف من الآن وصاعداً أن عينها الحادة والصغيرة جعلتهم جمعياً يحظون برؤية أمير البلاد.
أي قصد كان للراوي عندما منح هذه السيدة (الزرقاء) أن تسير دفة الحكاية ،والأزرق هنا لا يشبه السماء الصافية ولا يوحي برغبات شبقة ،الأزرق هنا هو احتقان الدم فقط في وجه غضوبٍ ونكد ،ولم يكن السواد الذي تلبسه حداداً على عزيز ما، بل كما كانت تردد:" هو أقرب الأشياء للحقائق" ،وربما كما يقول حكيم القبيلة هي تريده بالذات حتى تختلط بظل خيمتها فلا يراها من يَعبُر .
على كل تلك كانت سقطة الأمير وشوكة نهاره، فلا يكفي أنه تعثر بابنها السخيف وفجًّ رأسه بل لم يلحظْْها وهي تصرخ داعيةً و مُستدعية ‘مستغيثة ولاطمة،ومع ذلك كان الفرج قد أتى وصارت الظهيرة ذات شأن .
لاحقاً وبعد ألف عام كانت المرأة ذاتها تبيع العسل في سوق المدينة وتناكف التجار والعابرين وأشباه الأمراء من أثرياء ومدعين. وتقص في المساء كيف أطلقت دعواتها على أمير البلاد وهي تعصر قلبه بيديها:" لتقتلك الربّات عشقاً وتأكل عينيك وحوش فتنتها ،وليكون نومك محالاً أكيد، يبتليك ولا يشفيك حُبها ..فأنت أميري لا أدعو لك بشر ولو نزعت رأس ولدي".
سقط الأمير كما يقول الراوي وبكى واشتدت في قلبه لوعة الهوى فناح وناجى حبيبته شوقاً، وبكتهُ النسوة وشيوخ القبائل وركع خلفه الأطفال حيارى تائهون لا يفهمون بعد كيف يجن ُ الهوى ويعصر القلوب.
اثنان فقط كانا يعلمان الحقيقة: الراوي الذي جلب الجميلة من خيمة رثة والزرقاء التي احتارت والأمير يشد ثوبها ويطالبها أن تدله على قصر الجملية وأي درب يوصله لها، كان ينثر الجواهر والدراهم الذهبية ويفتقُ ملابسه الحريرية ويغسل قدميها بالدموع.
أنفقت الزرقاء الذهب والفضة والجواهر لتبني قصراً وجيشاً وخدماً وحاشية وبساتين وأحواض ماء، وتزرع جميلة هناك ليصلها الأمير ،بالمناسبة الأمير كان هائماً طوال هذا الوقت وقد خبّله الهوى ، ويقال أنه صاحب الوحش والليل وبنات آوى قبل أن توصله الحكايات والدرب الطويلة لقصر الجميلة ويسقط في الطريق مغشياً عليه مرات ومرات.
الزرقاء تبيع حكايات كثيرة عن جميلات وأمراء، وصارت الجميلات جميلات وصار الهوى ونضجت في السماء غيمة تمطر مكائد كل يوم ،فيسقط الأمراء عشقاً والأطفال حيارى والرواة يتجولون في البلاد.
-2-
بعد ألف عام كان العاشق موزعاً في أخيلة المراهقات كحبّات تينٍ ناضجة وعسليّة الطعم ،وكان العاشق اختمار الأحلام في شعرها الأسود اليانع ،وكانت تختار الصيف في أوج اشتعاله لتلقاه وتُحمص حكايتَها معه على نحو لاذع ،تمر من خناجر عائلتهاالدموية وتعرفُ أن دمها غسول خناجرهم الجديد ،ولكنها العاشقةُ ابنة عاشقة وحفيدة عجوز مخضبة بوشمها وبقلبٍ صَرَعهُ الهوى صغيراً وتاه عندما تاهت البلاد.
على مرأى من بداوتِهم تُؤسس للحب دولةً دائمة ،وعلى غفلة من خناجرهم يَمُرر قلبَه إليها لتطرزه باسمها وتعجنه بالياسمين .

كان العاشق يلاعب الموتَ والأماني يتلو لها في الظهيرة القائضة صفيراً صار مع الوقت آذاناً خاصاً لتكبر الطفلات على غير ميعاد وينضجهن الحب دفعة واحدة ،يبكي الصغار من قلة الإدراك والمعرفة .
الحبُّ حكاية الآخرين دوماًً، حزنهم بهجتنا، ووجعهم خيط الوصال الدائم لنتذكرهم، كلما افترقوا وغصّوا في البعاد اقتربوا وسكنوا الذاكرة ، على نحو شديد الحيرة نتعلق في قصص الحب المنفرطة من نهاياتها السعيدة ،نحب من الحب ما تعثر وتبعثر ،لأنه يليق بالحكاية أكثر ويليق بدمعتنا .
لا مقدس بالحكايات إلا ما رفعة الحنين لرتبة الخلود، الحنين هو الفاعل الأهم في الحب، وهو الراوي الأخير، والحنين يرى أشياءه على هواه، مسقطاً الزمان والوقت ومحتفظاً بالمكان كبوابة عبور.
في ذات المسافة وقف العاشق بين بيتها وبيت جده ،كل متعلقات حكايته ضاعت،هي وشجرة التين العتيقة ،ظهر العجوز المنحي بيد مقصوصة من الكتف وعيبٍ في النظر يجعله يرى العاشقة على شرفتها ولا يرى حفيده الناظر إليها ،فيحسب أن الشباب اليانع يغازله،عندما هاجمته العائلة بخناجرها حسب أن أمر شغفه قد كشف ،وعندما عرف الحكاية بكى وأحس بألم شديد في فراغ يده المقطوعة وطرد الحفيد من البيت ،كان يكرر بلا انقطاع :"هذا الولد منعَ الشمس عني ،فليرحل " .
يعزق بانتظام بيده السليمة أرض حاكورته ،ولا يشدد في الصراخ كلما مزق طفل السياج الخشبي واختطف حبة تين،ويضحك في سره :"كلوا ما تبقى كان الموسم عامرا هذا الصيف " فالتينة الشهية قطفها عابر ضخم كان يفكك حقائب السفر ويوزع الهدايا على شقيقاته عندما عبرت بيتهم جميلة باكية هاربة من خناجر مرعبة،اقتصد بتوزيع الهدايا ،وخلع عن كرشه الكبير قميصه الحريري ليريهم حزام الذهب الثقيل ولمعانه الصارخ،فارتدت خناجرهم لأغمادها ،وأطلقوا الزغاريد.

رحل العاشق ،انتهت إجازته الصيفية ،تقول أمه لتداري فضول النسوة المتحلقات أمام فرنها الطيني وتحصي الحاضرات فتجدهن أكثر من كل مرة ،وصار الجد يبتسم للصغيرات كلما تحلقن يحجلّن بصخب تحت شجرة التين ويتجهم باتجاه الشرفة البعيدة لن يخذله النظر مرتين .
في البيت جلست الجدة الغارقة بذكرياتها، ترتب الخناجر حسب تاريخ شرائها_وجدتها كثيرة وكلها بجودة عالية _ تمسح الغبار عن آنية كحل فضية،تمرر مشط العاج في شعرها الأشيب ،على الأقل شاب الشعر وبقيت الخناجر نظيفة،تمازح امرأة تبكي ،البارحة رحلت من بيتها ابنتها العاشقة تاركة مشطها العاجي لصندوق الجدة ،ورزمة رسائل معطرة وغصن تين صغير .
في السوق اشترت الزرقاء ضفيرتين طازجتين جُزتا على عجل ،لم تقايضها الفتاة طويلاً رمت بحجرها الضفيرتين مجدولتين بعناية تفوح منهما رائحة العنبر ،وقالت بسرعة وحسم :"فلتكن حكايتك حقيقية هذه المرة ،لا تشتري قصصاً فاسدة للمراهقات ، سيكون لك نصيب من الثأر كل مرة وستجدين أمراء كثر وعشاقاً أكثر وخناجر َ كثيرة أنهت وظيفتها ".
20/11/2011



#أمل_جمعة (هاشتاغ)       Amal_Juma#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مات أبي
- كوابيس بأخطاء نحوية فادحة
- في صباح حار
- أرتجلُ الحب
- كأنها قلادة من الماس
- إعتزال
- سِر الغَجرية
- تلك الأشياء الصغيرة
- الذي لا يأتي
- ندم الخميس
- الطائرة ألقت بكومة رسائلي
- نص - مملكة اليمامات
- الخوف


المزيد.....




- شاهد: فيل هارب من السيرك يعرقل حركة المرور في ولاية مونتانا ...
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- مايكل دوغلاس يطلب قتله في فيلم -الرجل النملة والدبور: كوانتم ...
- تسارع وتيرة محاكمة ترمب في قضية -الممثلة الإباحية-
- فيديو يحبس الأنفاس لفيل ضخم هارب من السيرك يتجول بشوارع إحدى ...
- بعد تكذيب الرواية الإسرائيلية.. ماذا نعرف عن الطفلة الفلسطين ...
- ترامب يثير جدلا بطلب غير عادى في قضية الممثلة الإباحية
- فنان مصري مشهور ينفعل على شخص في عزاء شيرين سيف النصر
- أفلام فلسطينية ومصرية ولبنانية تنافس في -نصف شهر المخرجين- ب ...
- -يونيسكو-ضيفة شرف المعرض  الدولي للنشر والكتاب بالرباط


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أمل جمعة - العاشِقات