أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صاحب الربيعي - إعدام شيخ الفلاسفة بكأس القانون وسَّم السياسة















المزيد.....

إعدام شيخ الفلاسفة بكأس القانون وسَّم السياسة


صاحب الربيعي

الحوار المتمدن-العدد: 1053 - 2004 / 12 / 20 - 09:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن التراكم الحضاري الذي شهدته الإنسانية يدين بولائه إلى مئات من الفلاسفة والعلماء...الذين أفنوا حياتهم في المعرفة والعلوم للوصول للحقيقة لأجل تقديم نماذجاً وصيغاً عادلة من النظريات والقيم التي تحدد أسس العلاقة بين سائر البشر. ولم تتخذ تلك النظريات والقيم مسارها التاريخي دون تضحيات وشلالات من دماء الفلاسفة والعلماء الذين جانبوا قيم الخير، وفي الجهة المضادة والمناصرة لقيم الشر التي ضمت في صفوفها السياسيون والجلادون...الحاملين للواء التخلف والانحطاط وأحكام القتل والتدمير لإعاقة مسيرة التطور ولأجل إحكام سيطرتهم على المجتمع لأمد طويل.
فقبل خمسمائة سنة قبل الميلاد وقف ((سقراط)) أمام إحدى محاكم أثينا ليعري تلك الشريحة السياسية، ولم تكن محاكمته سوى محاكمة سياسية قادها الحزب الديمقراطي الحاكم ضد شيخ الفلاسفة بتهمة إفساد أفكار الشباب وتحريضهم ضد قيم وتقاليد وحكام أثينا.
وقد خاطب ممثل الحزب الديمقراطي الحاكم ((انيتوس)) عضو هيئة المحلفين في محاكمة سقراط المحكمة قائلاً:" ليس أمامنا إلا أمران هما ألا نقدم أصلاً سقراط للمحاكمة، وإما وقد قدمناه فمن الواجب أن تحكموا عليه بالإعدام فالأفضل له ولنا أن يموت".
يعد سقراط أحد المحاربين الأشداء الذي دافع عن أثينا ضد أعداءها، وكان يؤمن بها إيماناً مطلقاً. ويجد أن بقاء النظام على ما هو عليه دون تغير سيحط من مكانة أثينا أمام العالم. وقد توجه بعدة مذكرات وأفكار للسياسيين من أجل التغيير والتحديث، ولم تلقَ أرائه أذان صاغية من قبل حكام أثينا، مما دفعه لتبشير بآرائه في صفوف الشباب واخذ ينتقد الحكام ويسفه آراء السياسيين وأصحاب النفوذ المالي والسطوة وكشف عن جهلهم في شؤون الدولة والمجتمع.
مما دفع أصحاب النفوذ السياسي والمالي لكيل التهم المتعددة إليه أمام السلطات، وبحكمته وإدراكه الواسع كان يفند تلك التهم ولكن التهمة الأخيرة التي وجهت له بتسفيه القيم وتحريض الشباب ضد النظام كانت قد أعدت بشكل دقيق لتجعله يقف وجهاً لوجه أمام المحكمة ليدافع عن نفسه قائلاً:" بمقدوركم أن تفعلوا (أيها السادة القضاة) ماتحبون وترغبون، وسواء برأتم ساحتي أم لم تفعلوا. فأنكم تعلمون حق المعرفة بأنني لن أبدل مسلكي ولن أغيره حتى لو حكمتم عليَّ بالموت مئة مرة".
لقد كان إيمان شيخ الفلاسفة ((سقراط)) بالعدالة إيماناً مطلقاً، أنه نبي عصره وأول من فجر براكين المعرفة الإنسانية. وكان يدعو لعصر وعالم جديد، تسوده العدالة والمحبة والمساواة بين البشر. عاش هذا الفيلسوف معدماً وفقيراً، لايجد قوت يومه وعائلته ونذر نفسه للتبشير بالمبادئ الجديدة.
وكان يعتقد أن القوى الخيرة (الخفية) في هذا العالم، اختارته مبلغاً ومبشراً لها لإنقاذ البشرية من براثن الأشرار. وإن انتهت حياته في هذا العالم، فستجد لها مكاناً أخراً في العالم الأخر الذي يجمعه وأنصاف الآلهة والقوى الخيرة الخفية التي كلفته بتبليغ رسالتها بين البشر.
لذا لم يخشَ الموت، لأنه مبلغ لرسالة جديدة ستنقذ البشرية من براثن الشر. وإن خصومه مجرد أقزام اختارتهم القوى الشريرة الخفية في هذا العالم من أجل تدمير البشرية.
ويتنبأ ((سقراط)) بقرار المحكمة مسبقاً ويوجه كلامه للقضاة قائلاً:" إن المحكمة ستحكم عليَّ بعقوبة الإعدام، يا سادة أن الحقيقية ستدينكم وخصومي بالفساد والشر، لذا اعتقد أن النتيجة ستكون عادلة بما فيها الكفاية".
لقد طالب أصدقاء ((سقراط)) ومنهم أفلاطون منه، أن يتراجع عن آرائه لإنقاذ نفسه من الموت. وإن يعلن خضوعه لرغبات سلطات أثينا ويكف عن مواقفه المنتقدة لفساد السلطات وتحريضه ضدها. ولكن ((سقراط)) رفض طلب أصدقائه لاعتقاده أنه مكلف بتبليغ رسالة قوى الخير الخفية في هذا العالم، ولايمكنه أن يخذل من أولاه الثقة والاختيار دون الآخرين.
وكتب إلى أفلاطون يقول:" أن الخوف من الموت لن يجعلني أبداً أن أخضع دون وجه الحق، لاية سلطة من السلطات بل سأرفض ذلك حتى لو أدى ذلك إلى هلاكي".
وعندما عجز أصدقائه عن تغير موقفه واختار طريق الهلاك من أجل أن تنعم الإنسانية بالخير، اقترحوا عليه بعد الحكم عليه بالموت أن يتم تهريبه من السجن قبل تنفيذ حكم الإعدام به. فرفض المقترح وقال لهم:" إذا هرب ((سقراط)) من وجه العدالة وخرق قوانين أثينا فما قيمة لدعواه للعامة من الناس لاحترام القوانين والأنظمة وإن كانت تلك القوانين والأنظمة غير عادلة".
إن دعوة ((سقراط)) لاحترام مبدأ القانون بالرغم من كونه جائراً، يوحي بمدى إيمانه بالقيم والمبادئ السلمية لإنقاذ البشرية من براثن الشر. وإن الشر يجب أن لا يواجه بالشر ذاته، وإنما يواجه بقيم الخير التي تؤسس لمنظومة فكرية تجتاح مع الزمن مساحات الشر في العالم لتزرع مكانها قيم العدالة والمساواة والمحبة بين البشر.
لقد اعتقد ((سقراط)) أن نقطة التحول العظمى في مسيرة البشرية، ستبدأ لحظة انتقال روحه إلى العالم الأخر، وأن رسالته تقتضي أن يضحي بنفسه لأجل أن يشهد العالم تحولاً في مساره خاصة أن عمره قد تجاوز السبعين ولم يعد يأسف على ما تبقى من حياته القادمة.
قبل تجرع ((سقراط)) للسَّم بساعات تنفيذاً لقرار المحكمة خاطب الجلادون في أثينا قائلاً:" إنه حالما يطوينا الردى فأن القدر سينزل بكم عقوبة أشد ألماً بكثير من قتلكم لي، لقد تسببتم في قتلي اعتقاداً منكم بأنكم ستنجون من النقد والانتقاد. ولكني أوكد لكم أن النتيجة ستكون تماماً عكس ما ترغبون وتسعون، فنقادكم سيزدادون عدداً وهم الذي كنت أحاول أن أكبح من جماحهم ضدكم دون أن تدركوا. ونظراً لأنهم أصغر مني سناً، فأنهم سيكونون أشد عنفاً ضدكم وسوف يسببون لكم من المتاعب أشد بكثير مما تتوقعون أنه قد سببته لكم".
وحين قدم طبيب السجن كأس السَّم لـ ((سقراط)) وهو محاط بين أصدقائه ومحبيه الذين أجهشوا بالبكاء، فنظر إليهم النبي الأول للفلسفة وقال:" لم أكن أتصور أنكم تخافون من الموت إلى هذا الحد. دعوني أسكب قطرات من هذا السَّم على الأرض تحية للآلهة الخير".
ثم تجرع باقي الكأس من السَّم وتمدد بكل هدوء على سريره واستكان لوقاره كشيخ مُسن حتى أخذ مفعول السَّم يتحرك ببطئ شديد من قدميه إلى قلبه الكبير الذي أحب جميع البشر، لكنهم بخلوا عليه بما تبقى له من سنوات العمر التي تجاوزت السبعين.
لقد ودع ((سقراط)) العالم بجسده المسجى لكن روحه العظيمة، استنسخت إلى أرواح عديدة طافت في هذا العالم لتجد مكانها في أجساد أخرى من الفلاسفة والأنبياء والعلماء ومازالت قوى الخير الخفية تمنح روح سقراط لكل أبناءها الأوفياء لقيم الخير لاستكمال رسالتها ودعواها للعدالة والمساواة بين البشر.
ومازال الصراع قائماً بين قوى الخير والشر في هذا العالم، ومازال العلماء والفلاسفة والأنبياء رُسل قوى الخير ومازال السياسيون والجلادون والحكام هم رُسل قوى الشر.



#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم الثقافة والمثقف
- الادعاء والتهويل المعرفي في الوسط السياسي والثقافي
- صدر كتاب جديد للمؤلف صاحب الربيعي بعنوان (المثقف بين المهادن ...
- البعد الثالث في التوجهات الجديدة في العالم
- رؤية فكرية في النظرية والتطبيق
- شرعية استخدام العنف في النظم الشمولية والديمقراطية
- مفهوم الثورة والتحديث في المجتمع
- التوجهات الأساسية في الفكر الليبرالي
- الانتخابات وعملية إرساء أسس النظام الديمقراطي
- العلاقة بين السياسة والاقتصاد في النظم الشمولية والليبرالية
- ظاهرة النزاع والعنف في المجتمع
- وزارة الموارد المائية العراقية ما لها وما عليها
- العلاقة بين الكاتب والقارئ
- مهام الكاتب ومسؤوليته كمثقف
- دور المثقف والسياسي في الثورة والاحتلال
- موقف السلطة الفاشية من الثقافة
- السياسية والعنف في المجتمع
- السياسة والثقافة في المجتمع
- الأحزاب السياسية وجماعات الضغط
- الأحزاب الشمولية وقياداتها الديناصورية


المزيد.....




- شاهد ما كشفه فيديو جديد التقط قبل كارثة جسر بالتيمور بلحظات ...
- هل يلزم مجلس الأمن الدولي إسرائيل وفق الفصل السابع؟
- إعلام إسرائيلي: منفذ إطلاق النار في غور الأردن هو ضابط أمن ف ...
- مصرع 45 شخصا جراء سقوط حافلة من فوق جسر في جنوب إفريقيا
- الرئيس الفلسطيني يصادق على الحكومة الجديدة برئاسة محمد مصطفى ...
- فيديو: إصابة ثلاثة إسرائيليين إثر فتح فلسطيني النار على سيار ...
- شاهد: لحظة تحطم مقاتلة روسية في البحر قبالة شبه جزيرة القرم ...
- نساء عربيات دوّت أصواتهن سعياً لتحرير بلادهن
- مسلسل -الحشاشين-: ثالوث السياسة والدين والفن!
- حريق بالقرب من نصب لنكولن التذكاري وسط واشنطن


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صاحب الربيعي - إعدام شيخ الفلاسفة بكأس القانون وسَّم السياسة