أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد البدري - ثقافات وثورات















المزيد.....

ثقافات وثورات


محمد البدري

الحوار المتمدن-العدد: 3548 - 2011 / 11 / 16 - 19:14
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




الثورة هي جرعة الاوكسيجين لحظة احساس المجتمع بالاختناق، ولم يخلو منها مجتمع. الحاجة للثورة كحاجة البشر للمقومات الاساسية للحياة لحظة الخطر. فالثورات الحالية مردها الي الاحساس الغريزي لدي المجتمعات الثائرة بان الاستمرار بات مستحيلا في ظل هذه الاوضاع سياسيا واقتصاديا وحقوقيا وثقافيا. شد ازر الثورات حقائق معلوماتية لدي النخب التثويرية تدعم المطالبة بالحقوق. ففي مصر كان يجري توريث المصريين كالقطيع لمن لا اهلية له. قوضت الثورات الجارية الاستبداد العربي وأدخلتنا إلى العصر الديموقراطي من اوسع الابواب. فهو ليس حدثاً مؤقتا ففي الطبيعة كما في الاجتماع لا يتخلق شئ الا ليبقي، فهو كحدث لم ينشأ من فراغ، بل جاء لانهاء اوضاع و كبداية لمرحلة جديدة في مسار تراكمي ظل كجنين ينتظر الولادة لعقود طويلة، وشهدت أشكالا متنوعة تبدا باللامبالاه كنوع من الاحتجاج الصامت الي التمرد والإضراب والتظاهر. ورغم ذلك فطريق الديموقراطية وعر.
تاخرت الثورات في منطقتنا كثيرا لكونها مشبعة بمفردات الثقافة العربية و يسودها دين الاسلام، فضلا عن حرمان متعمد لقطاع عريض جدا من الشعب من تحصيل سليم للمعرفة العلمية وتعمد عدم اعادة ترتيب الاوضاع فيها علي اسس اكثر عقلانية ومدنية مقارنة بشعوب ومجتمعات اخري تم تصنيفها طبقا لثقافة العروبة والاسلام بانهم اعداء. فالظلم والاستبعاد والتهميش ظلت ثابتة ومناسيبها مستقرة مع إبقاء متعمد لمقومات التخلف بنصوص الاسلام أو بقيم العرب الماقبل اسلامية، وضختها النخب السياسية الحاكمة إعلاميا وتعليميا وعبر تقاليد الثقافة العربية الاسلامية في المساجد. وحققت النظم السياسية اللا عدل واللا كرامة واللا حرية، وارتهنت الشعوب لما بعد حل قضية الفلسطينين فاصبحت الاوضاع علي حالها ولصالح جماعات حاكمة ليس لها دور في الانتاج بقدر ما لها من دور كموروث حضاري هائل في النهب والسلب. فعندما قامت الثورة في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن رفعت جميعها شعارات " الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية". ومعناها بكل بساطة ان هذه الثلاث مطالب كانت هي الغائبة تماما في ظل النظم التي تنتمي الي ثقافة العروبة ودينيا الي الاسلام ورفعت اعلام التحرر والاستقلال ويجلس زعماؤها بانتظام في جامعة الدول العربية وتبدا كل اجتماعاتها بالبسملة والحوقلة.
كشف "إميل دوركايم" الفيلسوف وعالم الاجتماع حقيقة أن افكارنا حول انفسنا وحول العالم وكيفية التعامل معه تسير وفقا لما نستمده من علاقاتنا الاجتماعية علي ارضية الثقافة السائدة. وتبعه عالم الاجتماع الفرنسي "بيير بورديو" بقوله في كتابه "الرمز والسلطة" أن النقد الاجتماعي لا بد وأن يصاحبه النقد الابستمولوجي.
فقدرة الحكام على حجب مصالح المحكومين امر يسير لو تم استخدام الدين بقدر ما فيه من عنف عقلي وبدني قديم وراسخ قدم الدين وقدم البشرية ذاتها واصبح ضمن العلاقات الاجتماعية. وهو ما يفتح بابا للسؤال عن المسؤولية عن سهولة نشأة كل هذه الاتجهات السلفية الجهادية العنيفة في مجتمعات هي مسلمة ومسالمة لقرون طويلة؟
في هذه البيئة الثقافية لم يكن من دور للقوى اليسارية والتقدمية الا نزع اسلحة السلطة ونزع عنف التراث الديني وكشف فساد طرقهما في اصلاح المجتمع قبل القول بتغييره الي مجتمع افضل. فالحالة اليسارية في مجتمعات لغة الضاد والصلاة خمس مرات يوميا هي ضعيفة وواهنة لاسباب تكمن في طبيعة الثقافة الدينية التي نشات علي اسسها علاقات اجتماعية تدعم ضعفها وتوهن تطور قوي العمل والانتاج، فقولة "دوركايم" وقول "بير بورديو" يكشفان لماذا تم الضخ التعليمي والاعلامي لكل ما هو غير يساري ومعرفي. فهل ستسعي سلطات النهب والسلب لتغيير الاوضاع؟ فاي ثقافة يسارية هي ثقافة تحريرية بالخصم من ثقافة العبودية الدينية، والفساد والطفيلية. ففي مناخ مشبع بالعروبة والاسلام كما هو حادث حاليا تصبح مطالب الليبرالية يسارا، ولهذا يجري الهجوم حاليا علي الليبرالية تماما مثلما جري الهجوم علي اليسار بكل مدارسه وتنوعاته في الماضي القريب.
فكيف يمكن للناس أن يعرفوا ويدركوا ما ينبغي لهم معرفته عن انفسهم الا في بيئة ليبرالية أو يسارية، في ظل هذه العتمة العربية الاسلامية؟ يقول "بورديو" الفرصة متاحة للجميع بالتساوي لمعرفة نفس الطبيعة البشرية والمادية، لكنهم لا يصلون الي نفس النتائج بسبب تباين كل ثقافة ومدي عجز كل جماعة من موروثها المعيق لتقدمها؟ فإذا كان البشر هم البشر في كل مكان ولا يختلفون الا في البناء الثقافي العام لكل مجتمع علي حدة، يصبح دور القوى اليسارية والتقدمية في مجتمعات الشرق الاوسط صعبا وهزيلا مقارنة بدور اقرانهم من اليسار في المجتمعات الاخري. ويصبح علي اليسار العربي واجبات ربما تكون اضعاف ما بذله اليسار في ثقافات أخري. فالفقر كان قاسما مشتركا اعلي بين جميع المجتمعات في فترات مختلفة من تواريخها، لكنه تضائل كثيرا في مجتمعات تحولت كليا الي اليسارية نسبة لوضعيتها في زمن تثويرها التاريخي. فنهضت لتقاوم الدين والسلطة في آن واحد.
في اليابان قامت الصفوة بثورة من نوع آخر، ففي العام 1868 اقسم امبراطور اليابان (الصفوة عندهم) امام الشعب القسم الرسمي منهيا إياه بالعبارة التالية: "سنبحث عن المعرفة وسناتي بها اينما كانت في العالم". وصدق الرجل. ما لم يوضع هذا القسم موضع التنفيذ لم يكن لليابان ان تكون هي اليابان التي نعرفها الان. فالمعرفة العلمية طبيعية أو انسانية في وحده واحده ولا تتجزأ، وساهم تقدم المعرفة في سد الفجوات بين العلوم بعضها البعض. لهذا فان سرعة التقدم بعدالة وحرية وكرامة تصبح رهينة إرادة كل مجتمع، ومدي استعداده لنقد ما لديه من ارث عليل وسعيه بجدية لاكتساب الجديد. تولدت لدي اليابان الحالة الثورية من أجل المعرفة لحساب المكتسب الثقافي المحلي بالنظريات الفكرية والمعرفية في العالم الخارجي وعبر تبيئتها والانخراط في هيكلية انتاجية تسعي لنشوء وعي عام بالتحرر او علي الاقل احساس بان هناك حرية مفقودة يمكن اكتسابها يوما ما. ظل الامبراطور امبراطويا والشعب شعبا والتراكيب الطبقية في حراك، مثلما ظل شيخ القبيلة عند العرب شيخا لها والقطيع المسمي بالشعب قطيعا والطبقات في تآكل وانحدار. فاين يكمن الفارق بين الشرق الاوسط وبين اليابان؟
استورد العرب الاقحاح كل وسائل المتعة والتكنولوجيا عدا المعرفة. استحضروا العبيد والاقنان وبنوا الابراج، وصكوا كل انواع العملات وتبادلوها في الاسواق مقابل اللذة والمتعة والرفاهية. لكنهم لم يثوروا ولم يشعروا بالحرج من جاهليتهم، ولم يتحرك لهم ضمير من جراء بدائيتهم. لم تتطور لديهم قوي تسعي للديموقراطية بشكل ثوري لنفس السببين السابقين، بل وقفت نظمها وكثير من نخبها حائلا بين المجتمع وبين المعرفة، بين العقل وبين العلم، وزيفت كثير من المفاهيم والاقوال وضخت كل الخرافات والاساطير واطلقوا المشايخ لينسجوا أعشاشا من خيوط الجهل علي عقول الناس لتكون متناسبة مع الثقافة العربية الاسلامية الحاملة لمجمل عيوب التاريخ وفضلات البشرية الاجتماعية والسياسية حماية للسلطة المفترض طاعتها. فلم تولد الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.
"الحكمة ضالة المؤمن، هو اولي بها اينما وجدها" قول ماثور من اقوال العرب، ربما قالوها من أجل الوجاهه الانسانية. لكن حتي يومنا هذا نجد السلطة العربية والثقافة العربية تقاوم وتعاند البحث بسياج من التعتيم والظلامية. فليس من الحكمة أن ندعي امتلاك كتب لا ياتها الباطل وانها لم تفرط في شئ بينما المجتمع كله يغلي بالثورة علي اوضاعه وعلي جهله. حتي الحوار والمساءلة بين الفرقاء المتحدثين بلغة الضاد ضعيفة ان لم تكن مفقودة. الافدح أن ثقافة العرب الاسلامية ايضا تقاوم بشده البحث عن ضالة المؤمن. فاذا وجدتها فتبحث عن عورات المجتمع الحامل لها او المنتج لها لتصفه بصفات مرزولة اسلاميا، فهذا صليبي كافر لو انه ليبرالي ديموقراطي. وذاك ملحد كافر لو انه ماركسي اشتراكي. بهذا نجد قولتي عالمي الاجتماع المذكورين متحققة في فكر النخب العربية والاسلامية ومستعينة بالدين وبثقافة العرب في التضليل لضمان عدم حيازة وامتلاك الحكمة او المعرفة أو العلم علي عكس ما اتبعه امبراطور اليابان.
في هذه البيئة الحضارية للعرب والمسلمين تصبح الثورة عملا اقرب للمعجزة والخوارق. الحركة اليسارية برمتها لم تكن علي نضج كاف لتشكيل راي عام او فكر جديد يقاوم العنصرية القومية او السلفية الدينية بحكم ضعف قواعدها الاجتماعية والعمالية. فكثيرين من قوي اليسار كانوا مقلدين او تابعين قياسا علي مدرسة اهل السنة الاسلاميين. عنعنة منقولة وتقليد لسلف صالح حتي ولو كانت تطبيقاتهم خاطئة. الحالة الاسلامية خاطئه نظرية وتطبيقا وفي حالة اليسار العلمي الماركسي انحاز بعضهم بتشدد الي تطبيقات انهارت في روسيا والصين بعد عدة عقود من القرن الماضي. انهار التطبيق اللينيني والستاليني والماوي وبقيت النظرية تنتظر كوادر متخلصة من منهج تقليد السلف وفهم جديد لمعني العلم.

فإذا كان هدف اليسار هو تحقيق العدل عبر اعادة تشكيل وتنظيم الهيكلية المجتمعية وتقسيم جديد للعمل، فان اليسار تشكل علي قاعدة من ثقافة العرب المعيبة وتبني القول الاشهر والبائس وهو "إعادة توزيع الثروة". بينما القول المبني علي رؤية يسارية علمية تقوم علي "إعادة تقسيم العمل". وهي ذاتها التي علي اساسه قامت الراسمالية علي انقاض الاقطاع وقامت الاشتراكية علي انقاض الراسمالية. هنا تتحقق قولة عالمي الاجتماع مرة اخري. فالعرب وباستخدام الدين منذ انطلاقهم لنهب المجتمعات وسلب ثرواتها ادعوا العدل في توزيع المنهوب وليس النزوع لتقسيم العمل لانتاج الثروة في دورات تراكمية. هنا تكمن اشكالية المعرفة التي تغلب عليها امبراطور اليابان الذي انقلب الي يسار مخلص بعد اعترافه بانه في حاجة للمعرفة. فالوزير اليساري الذي عينته حكومة مصر الانتقالية بعد الثورة لازال يسعي ويمني نفسه باعادة توزيع الثروة، لكنه لم يسال نفسه وماذا بعد نضوبها مرة أخري؟
وشاركت القوي القومية التي نسبت نفسها لليسارية زمن التحرر من الاستعمار التقليدي وشرعت بالمد القومي العنصري العروبي في تأكيد قلب قولة اليسار الاوروبي "إعادة تقسيم العمل" لتكون "إعادة توزيع الثروة". لقد قاموا بتزييف المقولة اليسارية العلمية لتتناسب مع مفهوم النهب والسلب كموروث كامن في لغة العرب وسلوكهم القديم بتوزيع ما تم نهبه طبقا لاسلوب استحضار الثروة عبر الغزو والعدوان. لقد اثبتواصدق "بورديو" و "دوركايم" في وقت واحد بقلبهم للحقيقة التي اتفق كلا من "آدم سميث" و "كارل ماركس" علي ان العمل هو المصدر الوحيد والرئيسي للثروة.
لم تتعرف ثقافة العرب طوال تاريخها علي الليبرالية او الماركسية الا بعد ان تداخلت اقطار المحيط العربي مع الثقافة الاوروبية الحديثة، ورغم ذلك ظل الدين داعما لسلوك القبيلة والدولة وايديولوجية نخبها لعملية السطو والتوزيع فانطلقت الاشعار تمجدها، وغني البعض لرسول الاسلام بان الاشتراكيين انت إمامهم. وصاغها اليسار العربي العليل بشرعية دينية مضمرة فيما بين السطور بقول "إعادة توزيع الثروة" واستدعاء حديث نبوي بان الناس شركاء في الماء والنار والكلأ. فهل شكل توزيع الثروة علي طريقة الاشتراكية العربية وعي يضمن إعادة إنتاج الماء والنار والكلأ. فالانتاج والعمل هو ما يضمن التحول الاجتماعي الي حرية وكرامة وعدالة اجتماعية بل والمشاركة في السلطة ان لم يكن حيازتها بالكامل. فتلك المفردات هو ما خرج الشباب كجيل تالي لجيل الثورات العربية المهزومة من داخلها لتصحيح اقوال اليسار العربي الذي رقص علي ايقاع القومية العربية والاسلام. ولن ننسي قولة "ميشيل عفلق" الذي دعي كل عربي ان يكون "محمدا" وجعل من الاسلام فلسفة خلاص. لم يكن "عفلق" علي دراية كافية وبخطر ما يدعو اليه. اليست السعودية كدولة تطبق الاسلام وعربية من النخاع توزع الثروة علي طريقة العائلة المالكة (اولي الامر)، وفي نفس الوقت تقاوم الثورات وتدافع عن الحكام الفاسدين. وجائت ثورة الشباب - كثير منهم لا ينتمي لليسار العربي ببنائه التقليدي الابوي ولا ينتمي الي الفكرة القومية العنصرية أو علي تقاليد الدين بكل تخلفه - مطالبا بنقله نوعية وبمنجزات المجتمع السليم من كرامة وحرية وعدالة اجتماعية وانجز مفهوما ثقافيا جديدا بنسخ نص ديني كان يقول بطاعة اولي الامر باسقاط السلطة والنظام. ليتولي هو الادارة لعدم تكرار مآسي تاريخه المشبع بالعروبة والاسلام.
جرت تحركات العرب القديمة كلها بالانقلاب المدبر في ظلام الليل علي اولي الامر، اي بالمؤامرة. ووصفوها بالثورة، بدءا من احداث سوريا في نهاية الاربعينات الي حركة يوليو الي انقلابات العراق مرورا بالقذافي واليمن والسودان. كلها جرت علي طريقة الامويين والعباسيين والمماليك وقبلهم السلف الصالح باغتيالات لابن الخطاب وعثمان وعلي وبنوه. اما ثورات اليوم فهي اعلان صريح وفي وضح النهار للحاكم بانه مرفوض وعليه التنحي واستبداله ووضع قيم بديلة لا طاعة فيها واساسها الكرامة والحرية والعدالة والشفافية. بتحليل الخطاب الديني والسلوك السياسي الاسلامي والعربي طوال تاريخه كانت مطالب الثوار الثلاثة غائبة في بيئة يحكمها خليفة مسلم أو قومي عروبي. ولم تنتشر الجماعات السلفية ومظاهر التدين من حجاب ولحي واقوال وتكفير وسلوكيات طفيلية بتسارع غير معتاد الا في ظل هاتين المنظومتين الفاسدتين التي قامت الثورة لاقتلاعها، وكانهم البديل الذي تم تخميره ليكون جاهزا إذا ما حدثت ثورة. فهل تم حل لغز ظهور كل هذه الجماعات الاسلامية بعد الثورة؟
اليس هذا تطبيق آخر لاقوال " بورديو" حيث انتقد تغاضي التطبيق الماركسي اليساري للعوامل غير الاقتصادية لان الفاعلين المسيطرين علي مقدرات المجتمع بإمكانهم فرض منتجاتهم الثقافية أو الرمزية ، مما يحرف اي اتجاهات اصلاحية او ثورية عن اهدافها ويحبط اي عمل تقوم به قوي الثورة من اجل التغيير. وهو تماما ما جري منذ نشأة اليسار العربي في القرن الماضي وما يجري حاليا في زمن الربيع العربي.
الثورات وهو امر يناقض الثقافة العربية الاسلامية ويناقض اي منظومة محافظة تقليدية لكن الثورة ضرورة لتفادي موات المجتمع. ودرس التاريخ يقول ان التغيير الثقافي ممكنا لكن ليس سهلا. وتغييرها وتبديل مفرداتها هو من اجل البقاء حسب المفهوم الدارويني الذي ينطبق علي الاجتماع كما ينطبق علي البيولوجيا. وللثورة – الحل الصعب - أن تضع بصمتهما كثقافة جديدة لمجتمع يبحث عن الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية. طريق الثورة هو طريق معاكس لاتجهات ثقافة العرب والاسلام. فالعقل الانساني بالعلم يمكن ان يصيب وان يخطئ. لكن اليس هذا افضل من عقل لاهوتي إسلامي عربي قومي عنصري متكلس لا يقبل جديدا ويدافع عما اصبح كله خطأ. وليس معني قيام الثورة ان الامور ستسير في خط بياني صاعد باطراد لا اعوجاج فيه فالقديم سيقاوم وهو ما نكتشفه في البروز المفاجئ لقوي اسلامية تقليدية بل اكثر محافظة من اكثر النظم بدائية وتخلفا. يتطفلون لحساب تآكل الكرامة ووأد الحرية. في 11 نوفمبر جرت مناقشة مستفيضة مبددة لحوالي ساعتين علي فضائية علي قمر صناعي مصري بتكنولوجيا حديثة، قال احد رموز القوي السلفية الاسلامية المرشحة في الانتخابات عارضا رايه بانه لا يجوز كشف وجه المرأة للتعرف علي شخصيتها اثناء عملية الانتخاب فهذا حرام حرام حرام، وجاء الحل الشرعي من زميله ذو اللحية الاطول لتجعله الاكثر علما بان تضحي الاخت الناخبة بقفازها بقطع ما يخفي طرف السبابة بما يمكنها لوضع بصمتها عملا بتسوية البنان الاعجازية في القرآن وعدم اختلاط البصمات، وهو ما يكفي للتعرف علي الهوية بدلا من استثارة الغرائز امام صندوق الانتخاب بكشف الوجه. وليغفر لها الله فالضرورات تبيح المحظورات ولكل مجتهد نصيب. لم يكن الخطاب الديني بهذه الفجاجة والقبح ومعيب بلا خجل ولا كرامة وقت ان قال عفلق قولته. ولم يسعفني مقدم البرنامج بعد اتصالي لعمل مداخلة لابدي رايي باختصار: ولماذا لا يتم صرف عازل طبي لكل مشرفي اللجان الانتخابية حتي نضمن عدم الانجاب لو قدر الله وجري ارتكاب الفاحشة علي قارعة الصندوق؟
بعدها بيوم واحد ظهر احد الذين شاركوا في قتل السادات في برنامج تقدمه سيده اعلامية شهيرة ومعها مثقفون من العيار الثقيل فطلب هو وضع حجابا بينها وبينه هو فاصبح هو الذي يتحدث ويطلب متاعا من وراء حجاب مع المجتمع بما فيه من رجال. لم يصل الحوار الجاري باللغة العربية بينهم لان يقولوا له الا يمكنك ايها المسلم السلفي ضبط غرائزك وشهواتك وتجلس معنا حتي تكمل حوارك معنا في السياسة وليس الجنس، ومنا العلمانيين و منا من هو مسلم مثلك ونحن رجالا ولسنا غلمانا؟!!
اللغة مبتسرة والمواجهة معتلة والحوار مريض مع افتقاد لشجاعة القول يشترك فيها الجميع لانها البيئة الثقافية الغارق فيها الجميع. هذا نموذج واحد من الاف النماذج وضعته واقامته السلطات العربية تامينا لها في مواقعها خوفا من ثورات ربما تاتي لزعزعة النظم الراسخة عروبيا واسلاميا وتروج للغرائز عبر لحي ونقاب. ورغم ذلك فقد جاءت الثورات لتعلم الناس شيئا جديد يقال عنه بدعة، فهل كون البدعة ضلالة كمأثور من ماثورات السلف الصالح أم تعتبر وثيقة تامين لصالح الشعوب حتي لا تنقرض في سموم بيئة عربية اسلامية؟
فالاسلاميون هم خط ما جينو الدفاعي الاخير لحماية التخلف والجهل، وليسوا قوي ثورية باي معني من المعاني. بل ان النظم العربية ومثالها السودان قامت باستباق مبكر فاعدمت برعاية من السعودية بشكل علني وسافر مفكر إسلامي هو الاستاذ محمود محمد طه. قبلها وبتاييد من السادات أول من رعي الطفيلية واطلق السلفية أعدموا قامة فكرية من كوادر اليسار السوداني هو الاستاذ عبد الخالق محجوب. كلها خطوط دفاع لثقافة افل زمانها وكانت سببا في افشال اي تغير لصالح الانسان، ولن نصل لضحي اليوم الجديد الا بوضع نهاية للخطاب القومي التعس والسلفي الغرائزي والخطاب اليساري الابوي الذي تعايش مع الاستبداد وخسر الكثير من جراء مداهناته.



#محمد_البدري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دستور مصر الجديد المحترم
- الهروب الابستمولوجي
- اليسار بين الوحده والتشتت
- السلفيون والعفو عن قتلة الشهداء
- الشريعة الاسلامية في خدمة اسرائيل والفساد
- السلفية والوهابية واسرائيل
- حتي لا تتكرر كارثة يوليو
- أضغاث احلام بالخلافة القديمة
- دستور آل سعود المطبق عمليا على بلاد نجد والحجاز
- رسالة الي المصريين
- الوصايا العشر للسلطة الفاسدة
- حديث الذكريات المبكر
- إحذروا هؤلاء
- الوكر
- وسقطت الابوه السياسية
- عندما يصاب المفتي بالهلع
- جلد الحية... وقبل ان يرحل الدكتاتور
- تونس وخرائط النوايا والاولويات
- الفتنة الطائفية صناعة محلية
- علي ماذا اقسم البشير؟


المزيد.....




- جبريل في بلا قيود:الغرب تجاهل السودان بسبب تسيسه للوضع الإنس ...
- العلاقات بين إيران وإسرائيل: من -السر المعلن- في زمن الشاه إ ...
- إيرانيون يملأون شوارع طهران ويرددون -الموت لإسرائيل- بعد ساع ...
- شاهد: الإسرائيليون خائفون من نشوب حرب كبرى في المنطقة
- هل تلقيح السحب هو سبب فيضانات دبي؟ DW تتحقق
- الخارجية الروسية: انهيار الولايات المتحدة لم يعد أمرا مستحيل ...
- لأول مرة .. يريفان وباكو تتفقان على ترسيم الحدود في شمال شرق ...
- ستولتنبرغ: أوكرانيا تمتلك الحق بضرب أهداف خارج أراضيها
- فضائح متتالية في البرلمان البريطاني تهز ثقة الناخبين في المم ...
- قتيلان في اقتحام القوات الإسرائيلية مخيم نور شمس في طولكرم ش ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محمد البدري - ثقافات وثورات