الجنس والشهوة

فريد يحي

الحوار المتمدن-العدد: 3544 - 2011 / 11 / 12 - 20:55
المحور: العلاقات الجنسية والاسرية
    

الرجال الأميركيون يبحثون في كوستاريكا على السياحة الجنسية،. فلماذا يتوافد مئات الآلاف من الرجال إلى كوستاريكا لغرض ممارسة الجنس؟...وبالأخص الرجال، ويدفعون المال مقابل الحصول عليه... أيضا ممارسة الجنس مع القائمين عليه من نفس الجنس؟ الإجابة ليست بسيطة، ومحاولة الفهم يلفها شيئا من التعقيد.

فكوستاريكا هي بالتأكيد دولة لها أعلى معدل تنمية في وسط القارة الأمريكية،فهي تتمتع بأفضل سمعة على العديد من المستويات ،مقارنة بجيرانها الــ26 ، وكذلك بتاريخ طويل من الديمقراطية والتسامح والمسالمة والجمهورية ، مستوى التعليم متقدم ،والتطور الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة فيها أرفع من البلدان الأخرى في المنطقة. منذ نشأتها باعتبارها دولة مستقلة ، أرادت كوستاريكا عزل نفسها عن العذاب الاجتماعي والسياسي الموجود عند جيرانها.

ولعقود... كانت واحة من الهدوء النسبي والاستقرار في وسط المنطقة التي مزقتها الحرب
بواسطة العسكر ، ولعبت دورا أساسيا في عملية التهدئة المنتشرة في أمريكا الوسطى ابتداء من منتصف الثمانينات منذ القرن الماضي ، قادة كوستاريكا كانوا قلقون حول كيفية الاستفادة من المزايا الاجتماعية للبلد ، والتي قد أصبحت جزءا من الأساطير المتعارف عليها، ويتضح هذا من خلال الأسماء التي وصفت بها كوستاريكا ، كسويسرا أميركا الوسطى وحديقة السلام..
بعد أن كانت جزءا من الإمبراطورية الاسبانية ما يقرب من ثلاثة قرون ، تحصلت كوستاريكا
على الاستقلال في العام 1821. سكان ما يعرف الآن كوستاريكا لا يتجاوز 2.5 مليون نسمة ، مما يجعلها واحدة من أقل المناطق المأهولة في أمريكا الوسطى.

يعتبر العمل في مجال الجنس بكوستاريكا ، عملا قانونيا،خاصة وان البلد لديه تقليد قوي في التسامح تجاه البغاء. ففي العام 1894، تم سن القوانين الأولى لتنظيم ومراقبة النشاط في إطار المنطق القائل إن من المهم ضمانا للنظافة، والآداب العامة. ومنذ ذلك الحين ، فأن المشتغلين بالجنس يخضعون لفحص طبي أسبوعي، من أجل الكشف عن الأمراض المنقولة جنسيا.
بتقنين الدعارة ،فأن الدولة أخذت على عاتقها حماية المجتمع من تأثير شر البغاء عليه وأصبحت تشارك مشاركة مباشرة في الجنس، على الرغم من أن الدعارة غير القانونية في كوستاريكا ، بالإمكان ان توجد عبر العديد من ممارسات القوادة غير القانونية. وفقا للقراءة الصارمة لهذا القانون ، فأن الفرد الذي يملك ملهى ليليا والذي يعزز فرصة القوادة، يمكن مقاضاته على هذه المهنة ،وليس على البغاء. جميع مراكز التدليك والفنادق تلبي احتياجات المومسات ،كذلك الحانات المزودة بغرف خاصة، علاوة على ذلك ،لا يمكن الدفع للعاملين في مجال الجنس مباشرة،استنادا على الاعتبار القانوني أو خلافه. على سبيل المثال ، عندما يقوم موظف الاستقبال ، بجمع الأموال من العملاء،الذين يقومون بالدفع نقدا ،فأن السلطات تعتبر هذا العمل نوعا من القوادة.

بالإضافة إلى القوادة ، غالبا ما تتم مقاضاة المؤسسات والأفراد لأسباب أخرى. فيجوز للشرطة ووزارة الصحة، اتخاذ إجراءات صارمة بشأن فيروس نقص المناعة البشرية في الأماكن التي توظف العاملين في مجال الجنس والمقيمين بصورة غير قانونية ،بالإضافة إلي احتجاز السياح الأمريكيين الذين لا يملكون أوراقهم في متناول اليد، وسجن أصحاب أو مديري
المباني التي يوجد بها قصارين. إن المضايقات والتعرض للابتزاز من قبل الشرطة، تعتبر واحدة من أسوأ المخاوف بين الضالعين في صناعة الجنس.

التحذير الأول عادة ما يتأتي من المقالات الصباحية المنشورة في الصحف. فالصحف تخبر تجار الجنس ،بأن وزارة الصحة،تعمل على التأكيد بأن عملية التدليك لا يجب استغلالها للدعارة،وتجنب التمويه في أماكن الدعارة التي تعمل تحت اسم التدليك... أيام قليلة من هذا التحذير، قامت الشرطة بشن غارة على احد أماكن المساح، وقامت بسجن الزبائن.

سياح الجنس في كوستاريكا ،يقيمون وزنا واعتبار للشرطة نظرا لأسباب وجيهة ،فالخوف منهم حاضرا طوال الوقت ،مثل ... الذي قام بالاختباء في القمامة، لتجنب الشرطة، والأخر الذي قفز عبر السياج، وكسرت ساقه لتجنب القبض عليه داخل بيت للدعارة.

السياحة الجنسية في منطقة البحر الكاريبي ، جزء من الثقافة المهيمنة،والذين يشتغلون في صناعة الجنس بصورة قانونية، يعاملون باحترام من قبل شرطة البلاد ،علما بأن معظم المزاولين لهذا النشاط هم من البيض ، هولاء الأعضاء المتميزين يتمتعون بنفوذ قوي،نتيجة توفير العمل للملايين من الناس.

خلافا للتجربة في منطقة البحر الكاريبي ، حيث أن للأبيض حق تاريخي ، فهو له الحق في جواز سفر لممارسة السلطة في كوستاريكا. نظرا لان الكنيسة الكاثوليكية "دين الدولة" لها تأثير في السياسة أقوى من الكنائس البروتستانتية الانجليزية في منطقة البحر الكاريبي.

الخطوط الجوية الأمريكية ،رحلة 971 من ميامي إلي سان خوسيه عبارة عن علبة سردين،فأكثر من 200 سائح ،معظمهم من الأمريكيين،يتوجهون إلي بلد لم يعرفوا عنه الكثير في أمريكا ، إلا منذ سنوات قليلة. الأمر صار ليس مقتصر على وجود 12 رحلة يومية من أمريكا إلي كوستاريكا،ولكن الناس تعلموا كيفية التعرف على هوية البلد من على الخريطة،ومعرفة على الأقل شخص ما كان هناك ، أو متوجه إلي هذا البلد لقضاء العطلة.
إذا كان في أمكاننا ، أن ننظر داخل حقائب السياح ،فأننا سنجد السبب الذي جعلهم يختارون السفر لهذا البلد الوسط أمريكي: أقنعة للغطس ، زعانف ، معدات غوص ، معدات ركوب الجبال،وبند واحد لا يمكن السفر بدونه: كاميرا التصوير.

كل مطوية متعلقة بكوستاريكا تشرح للسائح ما الذي عليه القيام به:الطيران عبر الغابات المطيرة،الذهاب إلي التجمع الكبير على الشاطئ،تسلق الجبال البركانية،الاستلقاء على الرمل الأبيض لشاطئ البحر،مراقبة الحياة البحرية الملونة في أعماق البحر،أو محاولة صيد السمك.
فكوستاريكا بلا شك تعطي للسائح ،العديد من الخيارات مثل الذي ذكر سابقا،خصوصا متى كان هذا السائح مهتما بالطبيعة ،والأشياء الجذابة الموجودة في الهواء الطلق،لهذه الأسباب فأن الكثير من البشر يختار التوجه إلي هذا البلد...خلال العقد الماضي تضاعف عدد الزوار إلي 4 أضعاف،والسياح أصبحوا جزء كبير من اقتصاد الأمة.

نعود لنلقي نظرة أخرى داخل الحقائب ،سنجد مخاوف الناس واضحة... وقد اتخذت أشكال أدوية تتراوح من أدوية للحساسية،للبرد،شراب للسعال،أقراص للصداع،مرهم للجروح،طارد للحشرات،مرهم للتخفيف من الحكة،غسول،ملقط ،عدسة مكبرة،بلسم الشفاه،وزيت الشمس المستحضر،واقي ذكري للرجال والنساء،فازلين،زجاجات فياجرا،حبوب منع الحمل ...ولكن يبقى الغريب في الأمر إن معظم حاملي هذه الأشياء ليسوا متلي الجنس،أو خليلات...ولكن أجداد يبلغون الستين أو السبعين من العمر، يأخذون مظهر الرجل اللعوب أو الصديقة.

كثيرا من السياح أتوا إلي كوستاريكا أكثر من مرة ،لتتراوح هذه المرات من 2 إلي 14 مرة،علما بأن المستقر دائما في هذه المرات هي "سان خوسيه " كما أشرت سابقا.هذا المراد يبين أن الرحلة هي لغرض المغامرة أكثر منها لغرض قضاء إجازة،خاصة متى كانت الوجهة فندق"دل بوي"... هنا لا تحتاج لمعلومات أكثر،كي تعرف بأن مثلي الجنس يكشفون عن ميولهم الجنسية،فهذا الفندق ،هو اكبر منشأة سياحة للجنس في "سان خوسيه"،يكاد لا يفوقه في هذا المجال إلا "كامبو اليغري"في كوراساو.

المقالات في الصحافة والأوساط الأكاديمية قارنت ازدهار كوستاريكا في مجال السياحة الجنسية مع جنة تايلاند المصنوعة للأجانب .ففي العام 1980 كتبت مارييلا خيمينيز في الاشوسيتد برس "إن كوستاريكا تناضل من أجل تكبير سمعتها الدالة على أنها بلد سياحة جنسية،لتكتب بعد فترة،بأن كوستاريكا أصبحت معلما سياحيا ، يعمل على زيادة الدخل القومي ، بفضل شواطئها البكر والبراكين المذهلة،كوستاريكا الآن تكتسب سمعة باعتبارها واحة هادئة في منطقة غير مستقرة،ولكن السلطات فيها أسوة ببعض دول جنوب شرق آسيا كتايلاند والفلبين صارت تضييق الخناق على السياحة الجنسية.المدافعون عن الأطفال يقولون أمريكا الوسطى أحد البقع الساخنة جدا في تجارة الجنس.

في سنة 2002 ،قدم إلي كوستاريكا 1.113.360 سائح ،كان عدد الأميركيين فيهم 422.222 ،في 2004 زار كوستاريكا 1.5 مليون سائح، أما في العام 2005 وصل العدد إلي 1.9 مليون، أغلبهم من الولايات المتحدة الأمريكية، أوروبا... من مطار ميامي،تستغرق الطائرة ساعتان وعشرين دقيقة،علما بأن سعر التذكرة يتراوح بين 300 و 330 دولار.

دار العهد (كاسا اليانزا) ، منظمة غير حكومية تناضل من أجل عدم الاستغلال الجنسي للأطفال. هذه المنظمة تزعم بأن هناك 40 موقعا مخصص لتشجيع السياحة الجنسية
في كوستاريكا. بروس هاريس، المدير التنفيذي لهذه المنظمة،صرح بأن منظمته قد حاربت من أجل وضع حد ،لاستخدام كوستاريكا كبلد سياحة جنسية...ولكن لسخرية القدر، ألقي القبض مؤخرا على هاريس،وأودع السجن،وليعفى من مهامه...والتهمة هي" استغلال الجنس في الأعمال التجارية."

خدمات الجنس يمكن تعزيزها بواسطة ،كل من الفنادق،وكالات الأسفار،وخدمات الحراسة،حتى رحلات الصيد يمكن أن تقوم بهذا،عمال الجنس بأماكنهم توصيل خدماتهم حتى باب الفندق،والزبون في مقدوره أن يطلب أمرآة لرحلة داخلية،أو واحدة لكل ليلة في فندق يطل على شاطئ البحر...

ألا يعجبك ما أحضرنه لك؟...لا توجد مشكلة "هذا ما تقوله المطوية في إحدى معلوماتها... بإمكانك أن تستبدلها بدون تكلفة إضافية.

رجال ونساء ،شيوخ و شباب، مثلي الجنس ومزدوجي الجنس، كلهم يتشاركون في التجارة الجديدة للجنس في كوستاريكا،المشتغلين بالجنس في هذا البلد، يكاد يكونوا متخصصين في الشباب الأمريكي، الخجولين جدا في في التعامل مع الفتيات المحليات... الشباب الكوستاريكي يؤدي دوره هو الأخر بشكل جيد مع النساء الأميركيات اللائي يرغبن في تجربة شيء مختلف –وسيكون هولاء الرجال سعداء،عند مغادرة السائحات ،لأنهن سيتمكن من الحصول على رجالهم مجددا.

العديد تحول من السياحة البيئية إلي السياحة الجنسية في هذا البلد...لماذا ؟،هذا التساؤل أجاب عليه أستاذ علم النفس ياكوب شيفر بقوله "هذا طبيعي جدا ومألوف،فالجسم يشارك بأكمله في السعي وراء الملذات...من التدليك في مياه المحيط الهادئ الدافئة، إلي المداعبة، والإحساس باللمس...الأمر لا يستغرق ولا يأخذ إلا وقت قصير"، فحمام الشمس لا يجلب فقط إمكانية اسمرار البشرة، ولكن أيضا بمعنى أخر الحصول على الدفء منها...هذا من دواعي سرور الجلد ،الذي يعمل على الشعور بالشهوانية إلي الجنس.

معدل الإشغال بالفنادق في كوستاريكا يصل إلي 70%،وهذا معدل ليس بالهين في الصناعة الفندقية،كما أن المشتغلين في المجال السياحي يفوق عددهم عدد السياح بثلاثة أضعاف،ويتراوح عدد سياح الجنس من مجمل عدد السياح،ما بين 50000 إلي 80000 سائح.المصابون بالايدز فقط 4%،هذه النسبة تم الحصول عليها من خلال مسح لعينة يقدر عدد افرادها بـــ 64 فرد،أي أن عدد المصابين كانوا ثلاثة فقط. ان عملية التبادل الجنسي، للمرأة ذات الجاذبية، يمكن أن يكسبها ما بين 1.000 إلي 2000 دولار في الليلة الواحدة.أما الفتيات اللائي يعملن في صالونات التدليك، فهن لسن بمحظوظات، فمتوسط دخلهم الشهري يصل الي 1600 دولار، مقابل 6 ساعات عمل يوميا.

العاملون في مجال تلبية متطلبات سياح الجنس ،يحصلون على المزيد من المال ،مقارنة بالمتورطين فيه ،فالطبيب الكوستاريكي ،والمحامي والأستاذ الجامعي أو حتى رئيس البلاد ، من الناحية النظرية، يوضعون في أعلى سلم الدخل.

عندما يكتب سائح الجنس ألأمريكي ، بان العاملين في مجال الجنس بكوستاريكا ، يرتكبون أفعال غير عقلانية، أو يقومون بفعل الكذب كشيء إلزامي في حياتهم ، فهذه المشكلة لها تفسير.حسب قول "ياكوب شيفر" ،فالثقافة الجنسية في أمريكا اللاتينية مختلفة عن نظيرتها الأنجلو ساكسونية ، لذلك يمكن أن يساء فهمها من قبل أولئك الذين يجهلون تاريخها. فنحن بحاجة إلى الأخذ في الاعتبار، إن اسبانيا تمكنت من السيطرة على أميركا اللاتينية لمدة ثلاثة قرون دون الحاجة إلى استخدام قوة عسكرية قوية. على الرغم من فرض ضرائب باهظة،بالإضافة إلي الحظر المفروض على تطوير الصناعات المحلية ، لقد كان هناك القليل من المقاومة السياسية المسلحة ضد اسبانيا.

#فريد_يحي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل