|
جميل النوري
ثامر إبراهيم الجهماني
الحوار المتمدن-العدد: 3543 - 2011 / 11 / 11 - 21:36
المحور:
الادب والفن
كان صاحبنا يقطع الطريق شارداً، ساهما ، عما حوله ... ومن البعيد تطل شمس الصباح ، ترسل اشعتها الدافئة ، تشق الكساد ، وتخترق الأشجار الباسقة ، أما صاحبنا فكان يمشي الهوينة قرب السور الخفيض ، وينشب إظفاره في أرنبة انفه ، يبحث عن شيء يتسلى به ، ويمسك بيده الأخرى رغيف يقضمه بلهفة . صاحبنا اسمه "جميل النوري" اشتهر بهذا الاسم ، الكل يعرفه ، ولا يوجد أحد في المدينة إلا وسمع عنه ، أو رآه أو تندر بتصرفاته ... هو بحد ذاته لغز .... أو لنقل أن عقول الناس وأذهانهم حاكت حوله الاساطير والحكايات التي تثير المتعة والدهشة . فتارة تحمل احاديثهم بين طياتها المغامرة والبطولة .... وتارة أخرى تروى عنه الحوادث بلغة بهيجة مترعة بالعاطفة . ولم يسلم جميل من ألسنة الأطفال اللاذعة . جميل النوري بكل بساطة رجل في العقد الرابع من عمره حسب التقديرات ، قصير القامة ، مدور الوجه صغيره ، يعتمر رداءً طويلاً من الصوف ، صيفاً شتاءً .......لم يكن أحد يعرف من أين جاء ، ومن يكون ، إلا أنه كان يسكن في الوادي ، داخل كوخ حقير ، جدرانه بقايا التنك الصدئ . كنا نشاهده كل يوم يقف متأملاً ...... يضغط أعصابه كي لا ينفجر من الحسرة ....... وبالرغم من الوساخة البادية عليه ، إلا أن قسماته تدل على الانشراح والحبور ، فجأة يقف ، يرفع يده اليمنى في الهواء ، ويأخذ بالصراخ بفوضوية غريبة ، كزعقات الصافرة . وحين أنظر ظلال صوته تنساب الى أذني ، وتقع نظراته الملتهبة على صفحة وجهي .. لاأفهم منه شيئاً سوى الصراخ . سألنا رجال الحي ، ونسائه كثيرا عن جميل النوري ..... أصله فصله ... ابن من هو ؟ وكيف جن ؟ . هل حدث له طارئ ؟ أم ولد على هذه الحال؟ فتأتي الاجابات متضارية .لا ندرك أي الاجابات أقرب للصواب . واليكم بعض منها : -قال ابو سعيد العجوز ، أكبر رجال الحي: إن جميل النوري كان مقاتلاً من الطراز الأول ، ضابطاً في الجيش ، وأثناء الحرب أخذه الأعداء أسيراً وأخضعوه لجهاز مسح الدماغ - الذي نسمع عنه بالروايات فقط - لكشف الأسرار والتي يعرفها وكشف الكذب كذلك .. لكنه ولحسه الوطني رفض الانصياع لهم وشد حبال الجهاز ، فلسعته الكهرباء ، كأفعى صحراوية ، بتوتر عالٍ ففقد أعصابه وعقله... فأطلقوا سراحه في تبادل للأسرى . - أما الحاجّة خيرية حين سألناها عن جميل تأوهت وقالت :يا ولداه كان جميل زينة شباب الحي ! وأذكاهم ، أحب فتاة غاية في الجمال ..... وفي إحدى ليالي السمر ، ذات حميمية خالصة ، غمرته رائحتها ، وأغمض عينيه لما مالت اليه ، واستسلم لقبلاتها واجماً ، حين فاجأه شخص بلكمات وركلات ، وأخذت الدماء تسيل من كل مكان . صاحبنا ملحمة عشق لا تنتهي . - أما أكثر الأراء اعتدالاً ، فكان رأي خالد الصادق موظف البلدية ، فقد أكد أن جميل النوري من أسرة فقيرة أصلاً لكنه عامل ماهر ، وتاجر موهوب . مات أهله ولم يبقي له الدهر إلا أخته جميلة ، التي اشتهرت بجمالها . فقط كانت الدم الجديد الذي يخترق شرايين الشباب كلما تخمرت . - المهم أن جميل كان مجداً بعمله ، فخلال سنوات قليلة استطاع اقتناء بيت جميل وتكوين رأس مال محترم . -لكن عقله طار منه حين خدعته أخته وباعت كل شيء وتنكّرت له وهربت مع عشيقها . الرأي الأخير كان لشخص ليس من أهالي الحي أصلاً . إنه الطبيب الذي انتقل من القرية إلى المدينة ، منذ عقد من الزمن ، فهو يقول : إن جميل النوري هو إبن سفاح بين الأقارب ، فكان ثمرة خطيئة ألقيت في الطريق . جميل النوري لم نعد نراه ، لا في الوادي ولا في أزقة الحي . عدت من السفر ، فقالوا لي : مات ... دهسته شاحنة مجهولة ، وقالوا أيضاً : إن جنازته كانت كبيرة ، وحضرها فقراء المدينة ، وأرباب المهن الحقيرة ، وكل متسولي المدينة وكان أحد المجانين المعروفين يصيح بأعلى صوته كما قالوا: "ياحبيبي جميل ، قد تتكسر أمواج البحر وتموت أمواج أخرى ، لكن البحر جامد وحي لا يموت .... لكنه يفرّخ آلاف الأمواج "
#ثامر_إبراهيم_الجهماني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوعي والاحتراز // أوراق من دفاتر الثورة (( 1))
-
كذبة بيضاء
-
المبادرة العربية ...مراوغة النظام السوري بالقبول و خسارة فيت
...
-
لحظة ولادة
-
المريض رقم مليون / مونولوج داخلي
-
الثالوث المقدس في المعادلة السورية !! النظام ... المتظاهرون
...
-
النصيحة بجمل
-
الدراق .... الشاطر حسن ..... زورو وأشياء أخرى !!.
-
بطاقة هوية // شعر
-
هل كان قمراً ؟
-
القرار ..!!!! أو الرجل الصغير
-
ضربة حظ
-
الصلاة الاخيرة
-
أين صديقنا حسن
المزيد.....
-
فنانون روس يسجلون ألبوما من أغاني مسلم موغامايف تخليدا لضحاي
...
-
سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
-
وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي
...
-
-كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟
...
-
ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق
...
-
رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة
...
-
الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
-
صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
-
بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء
...
-
-كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ
...
المزيد.....
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
-
الهجرة إلى الجحيم. رواية
/ محمود شاهين
المزيد.....
|