أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جورج حداد - اميركا: رجل العالم المريض















المزيد.....


اميركا: رجل العالم المريض


جورج حداد

الحوار المتمدن-العدد: 3541 - 2011 / 11 / 9 - 15:43
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


إعداد: جورج حداد*

لا تزال اميركا تمارس دورها بوصفها الدركي العالمي والقوة العظمى الاوحد في العالم التي تريد ان تفصّـل العالم بأسره على قياس مصالحها المشروعة وغير المشروعة، وبالاصح على قياس مطامعها الامبريالية. ويزيد في الطين بلة الاندماج الستراتيجي القائم بين مصالح الاحتكارات الاميركية والتركيبة الصهيونية العالمية، مما يضاعف ردود الفعل السلبية من قبل جميع شعوب العالم ضد تمسك الامبريالية الاميركية بالزعامة العالمية. وفي الوقت نفسه تواجه اميركا ازمة اقتصادية عميقة لم تستطع الى الان الخروج منها، وبدأت هذه الازمة تنعكس على الحياة السياسية والاجتماعية داخل البلاد. هذا بالاضافة الى المصاعب الجمة التي تعترض السياسة الدولية لاميركا نتيجة الحروب العدوانية على الشعوب العربية والاسلامية خاصة، وسياسة الهيمنة الدولية التي تنتهجها.
وبعد سقوط الاتحاد السوفياتي السابق والمنظومة السوفياتية السابقة توقع الكثير من المحللين الدوليين ان الدولة الاميركية ستصبح في بضع سنوات الزعيم الاوحد المعترف به للعالم بأسره. وقد سايرهم وماشاهم في هذا الاستنتاج الميكانيكي الخاطئ غالبية الشيوعيين المسوفتين (الستالينيين والنيوستالينيين) السابقين، الذين اصبحوا "اميركيين اكثر من الاميركيين" انفسهم.
ولكن الوقائع (العنيدة، كما يقول الانكليز) تثبت يوما بعد يوم كم كان هذا الاستنتاج خاطئا وضارا وضد مصلحة الشعوب قاطبة، بمن فيها الشعب الاميركي ذاته.
ونعرض فيما يلي (بتصرف) ثلاث "لقطات صحفية" لثلاث صحف هي: المونيتور البلغارية، والفايننشال تايمز والدايلي تلغراف البريطانيتين، لنرى عن قرب الفوضى التي تتخبط فيها اميركا:
XXX
المونيتور: اميركا الاخرى

جاء في تحقيق "المونيتور":
"هاك أنظر، لهذا انا هنا"، قال جون هيتون ذو الـ58 سنة لاحد الصحفيين وهو يدس يده في جيب بنطاله الجينز الفارغ ويقلبه رأسا على عقب. "ليس معي شيء، انه خاوٍ". اضاف مع شبه ابتسامة حزينة. كان يرفع لافتة مكتوبة باليد، وعليها عبارة "اوقفوا جشع الاحتكارات"، وسار لينضم الى جمهرة من الناس الغاضبين كانوا يحتلون زاوية احد الشوارع بين بورصة السلع والفيديريال ريزرف (البنك المركزي الاميركي) في وسط مدينة شيكاغو. وهيتون هو احد الاف سكان شيكاغو، الذين يشاركون منذ اكثر من شهر في نشاطات الاحتجاج على مضاربات البنوك والاحتكارات التي ادت الى الازمة الاقتصادية العالمية. وفي نيويورك بدأت الاحتجاجات تحت شعار "احتلوا وول ستريت". وتجري الاحتجاجات الان في عشرات المدن في مختلف انحاء العالم. وفي مدينة الرياح صارت الاحتجاجات تجري تحت شعار "احتلوا شيكاغو".
نار الاحتجاجات
وفي شيكاغو يتم منذ اسبوع استدامة نار الاحتجاجات من قبل بضع مئات الاشخاص، وفي ايام العطل الاسبوعبة يرتفع عدد المتظاهرين الغاضبين من سكان شيكاغو الى بضعة الاف. وحينذاك تبدو المدينة حقا وكأنها مدينة محتلة.
ويوم السبت في 22 تشرين الاول بدا وكأن هدف تظاهرة الاحتجاج هو السيطرة على مساحة في الحديقة المركزية لشيكاغو "غراند بارك"، وتحويلها الى قاعدة رئيسية للمضربين، على غرار ما جرى في "زوكوتي بارك" في نيويورك. وكان قد أعلن ان المسيرة ستبدأ في الساعة السابعة مساء. ولكن منذ ساعات الظهر بدأ الوف الناس من مختلف الاعمال يتجمعون وهم يلوحون بالاعلام وباللافتات الاحتجاجية.
الناس هم فوق الارباح
وقفوا جميعا على الرصيف امام البورصة وبدأوا يهتفون احد الشعارات، الذي تحول الى ما يشبه "لازمة" للمحتجين في شيكاغو وهو: "الناس هم اعلى من الاحتكارات".
"نحن أولاء الـ99%، الذين لا يحصلون على شيء، بالمقارنة مع جماعة الـ1% الجشعين الذين يحصلون على كل شيء، والذين تتجمع في ايديهم اكثر من 40% من ثروة البلاد"، هذا ما اجاب به هيتون تلقائيا لدى سؤاله من هم المحتجون.
انهم الناس الذين يقفون حائرين امام معضلة: هل سيشترون الطعام، ام يدفعون ايجار مساكنهم. الناس المضطرين لأن يقطعوا دراستهم لانهم غير قادرين على دفع تكاليفها. الناس الذين يحرمون من الحصول على المساعدة الطبية، لانهم يعجزون عن دفع رسوم الضمان الصحي. الناس المجبرون على ان يعملوا ساعات طويلة جدا مقابل اجور متدنية جدا. هؤلاء الناس هم ممثلو اميركا الاخرى. تلك الاميركا التي لا تـُرى على الصفحات البراقة للمجلات والاعلانات. اميركا الاكثرية التي لم يتبق لها شيء، الغارقة في الديون، والتي يتزايد غضبها يوما عن يوم. ويدخل في تعداد هذه الاكثرية معلمون، بروفسورات، محاربون قدماء، عمال، نقابيون، متسكعون، هيبيون وفوضويون. وبخلاف "حزب الشاي" الممول من قبل الجمهوريين والاحتكارات، فإن هذه الاكثرية الغاضبة لا تسير خلف اي حزب او حركة سياسية. وجوابا على السؤال "من هم قادتكم؟" فإن هؤلاء المحتجين يهزون اكتافهم قائلين انهم يأتوت بمحض ارادتهم. فهم لا يقف خلفهم احد، سوى الرغبة في تغيير الطريق الذي تسير فيه البلاد منذ عهد ريغان حتى الان. وقال مارك روي ذو الـ40 عاما "يحاولون ان يدعوا اننا هيبيون او فوضويون يساريون او راديكاليون. ولكننا نحن لسنا كذلك. نحن وطنيون حقيقيون ولهذا نحن هنا". وهو يحمل لافتة كتب عليها "طبقة متوسطة قبل 30 عاما ـ اليوم عمال فقراء".
واضاف روي "في السابق، قبل ان يأتي ريغان الى السلطة، كان المليارديرية في الولايات المتحدة الاميركية يدفعون من الضرائب بقدر ما يدفع اليوم الاغنياء في فرنسا، السويد والمانيا. ولهذا انظروا اين هم الان واين نحن". وقطع الحديث رجل اسود متوسط العمر قائلا: "وفي المانيا يقول المليونيرية: "ارفعوا الضرائب علينا، لاننا لا نريد ان نكون اغنياء وسط شعب فقير".
وتدخل احد المتظاهرين عرف عن نفسه باسم رون نيومان من ووندر ليك (ايلينويس) موضحا "ان الناس في اميركا هم غاضبون، لان اموال الاحتكارات تقوم بواسطة جماعات الضغط الخاصة بها بشراء وادارة السياسيين الحاليين. وهذا ليس من الدمقراطية بشيء، انما هو دكتاتورية الدولارات".
وفيما عدا استبداد "البانكستريين" (لعب على الالفاظ تشبيها بالغانغستريين)، كما يسميهم الناس المرابطون على متراس الغاضبين في شيكاغو، فإن هؤلاء الناس يعبرون عن استياءهم من الرأسمالية المنفلتة من عقالها.
وعلق رجل طويل القامة في حوالي الستين من العمر موضحا "ان احد اكبر اعداء الشيوعية في العالم، وهو البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، كان يعلمنا ان الرأسمالية المنفلتة هي على النقيض من تعاليم الكنيسة المسيحية".
"اليوم لا يوجد مستقبل لجيل الشباب في اميركا"، هذا ما قاله جوي، الشاب ذو الـ28 عاما، وهو جندي سابق، شارك في القتال في بغداد. وهو اليوم عاطل عن العمل وغارق في كومة من الديون والمستحقات. ولا تزال احدى الطلقات تقبع في عظم خاصرته. وقالوا له في المستشفى انه لا توجد لديهم الاعتمادات المالية الكافية لاجراء العملية الجراحية له، وهم لا يعلمون متى تتوفر الاعتمادات. ويشارك جوي في الاحتجاجات لانه يعارض النظام الانتخابي الساري في الولايات المتحدة الاميركية، الذي يسمح بعدم تسليم مركز الرئاسة للمرشح الذي ينال العدد الاكبر من الاصوات. وهو ما جرى مثلا في الانتخابات الرئاسية في السنة الـ2000 حينما دخل جورج بوش الابن البيت الابيض، مع ان الشعب اعطى العدد الاكبر من الاصوات للمرشح الدمقراطي ال غور.
"نريد اخراج المال من السياسة، والغاء جنة الضرائب للمليونيرية، كما فرضتها حكومة بوش"، قال باختصار باتريك، الشاب ذو الـ23 سنة، وهو طالب في السنة الاخيرة في جامعة شيكاغو، وكان يحمل لافتة كبيرة كتبت عليها معطيات، مأخوذة من السي آي ايه ومؤشر "جيني"، عن البلدان ذات التوزيع غير المتوازن الاكبر للثروات في العالم. ويبدو من هذه المعطيات ان الولايات المتحدة الاميركية تشغل المرتبة 98 من اصل 135 دولة شملها هذا الاحصاء. اي انها تشغل المرتبة 37 في الدول ذات التفاوت الاكبر في الثروات.
وقال هذا الطالب "لا ادري اذا كان احتجاجنا سينجح، ولكنني لا اريد ان يأتي يوم، بعد عشرين سنة مثلا، انظر الى الوراء وارى انه قد فات الاوان على امكانية تغيير وضع البلاد نحو الافضل. ولهذا انا هنا!".
وفي الساعة المحددة شبك حوالى 3000 شخص ايديهم وساروا ككتلة متراصة في المسيرة نحو "غراند بارك" تحيط بهم النظرات الغاضبة للشرطة.
الفايننشال تايمز: الغروب الممسوك
ولا بد ان نذكر ان هناك انقساما حادا بين السياسيين الاميركيين حول مسألة الدور القيادي لاميركا، بوصفها قطبا عالميا، اقتصاديا، سياسيا وعسكريا. وتختلف الاراء حول: هل ان اميركا تسير نحو الانحدار او الصعود. وفي جميع التحليلات حول هذه النقطة المفصلية يلاحظ تارة بشكل موروب وطورا بشكل صريح الاعتراف بواقع ان الصين هي المرشحة للحلول محل اميركا في وقت ليس ببعيد بوصفها القوة الاقتصادية الاولى في العالم.
ولا يوجد اليوم اي دبلوماسي، ولا سياسي اميركي يجرؤ ان يتحدث عن "الغروب المتحكم به" لاميركا. لانه اذا اعترفت اميركا على المكشوف ان قدرتها وتأثيرها العالميين يضعفان، من غير الممكن اجراء نقاش عقلاني حول كيفية التصرف في هذه الحالة. ان نفي الوقائع ليس ستراتيجية رابحة. لقد قال باراك اوباما ان هدفه هو المحافظة على مكانة الولايات المتحددة الاميركية بوصفها القطب رقم واحد في العالم. ومع ذلك يتهمه خصومه بـ"الانهزامية". وللمثال فإن الإعلامي المحافظ تشارلز كراوتخامر يتهم اوباما بأنه يستسلم امام فكرة اميركا الضعيفة. وهو يقول "ان السقوط ليس حالة، بل هو خيار". وفي هذا الصدد فإنه يتم شجب "الانهزامية" ليس فقط من قبل المحافظين. وللمثال فإن البروفسور جوزف ناي، عميد المحللين المختصين بالسياسة الخارجية الاميركية يعتبر ان الاقاويل حول انهيار الولايات المتحدة الاميركية هي موضة فكرية، وهو يذكر بالمخاوف العصابية التي تقول بأن اليابان تسبق اميركا.
ومن المؤكد ان الانحدار النسبي للولايات المتحدة الاميركية لن يكون حادا، كما كان انحدار بريطانيا بعد الحرب العالمية الثانية. ان الولايات المتحدة الاميركية هي القوة الاقتصادية والعسكرية الاولى في العالم، وهي تحتل المرتبة الاولى في النفوذ الدبلوماسي. وفي الوقت ذاته فإن اللحظة التي تصبح فيها الصين القوة الاقتصادية الاولى في العالم لم تعد بعيدة، ويتوقع ان يتم ذلك قبل نهاية العقد الحالي.
وحتى بعد ان تفقد سيادتها الاقتصادية، فإن الولايات المتحدة، وبفضل قدراتها العسكرية، الدبلوماسية، الثقافية والتكنيكية، سوف تبقى القوة السياسية الاولى في العالم. وبالرغم من ان النفوذ السياسي والاقتصادي هما امران مختلفان، الا انهما شديدا الارتباط فيما بينهما. وتحتاج اميركا اليوم الى مناقشة جادة حول ماذا يعني "الغروب النسبي"، ولماذا يمكن لبريطانيا ان تقدم لها دروسا ثمينة، بالرغم من الاختلاف الكبير بينهما.
فبعد الحرب العالمية الثانية ادرك البريطانيون ان إضعاف جبروت الدولة هو مطابق تماما لنمو مستوى معيشة الناس العاديين وهو ملائم تماما لضمان الامن القومي. ان الانحدار لا يعني ابدا نهاية السلام والازدهار. وفي الوقت نفسه فهو يفترض اتخاذ قرارات غير سهلة وتكوين تحالفات واتحادات مع دول اخرى.
واليوم، حينما يتراكم عبء عجز الميزانية الضخم على اميركا، في حين ان الصين تزداد قوة، فإنه ينبغي على واشنطن ان تفكر بجدية في اولوياتها. ومنذ وقت قريب صرحت وزيرة الخارجية الاميركية انه يتوجب على اميركا ان تحافظ على نفوذها في آسيا، ولهذا الهدف من الضروري تأمين نفقات عسكرية غير قليلة.
حسنا! ولكن ماذا يعني ذلك بالنسبة للنفقات الضرورية للحاجات الداخلية؟
ان غالبية السياسيين غير مستعدين لاجراء مناقشة من هذا النوع. وفي معسكر الجمهوريين بالاخص يفضلون ترداد الشعارات الطنانة حول "عظمة" الولايات المتحدة الاميركية.
وبالنسبة لاولئك الذين يتهربون من اجراء مناقشات حول موضوع "الغروب"، فإنهم يغامرون حتى بتسريع هذه العملية من حيث يقصدون او لا يقصدون.
ان الاعتراف بواقع ان مواقع اميركا في العالم هي تحت التهديد، يجب ان يكون حافزا لاجل اتخاذ خطوات فعالة في العديد من المسائل ـ من الاصلاح في قطاع التعليم الى العجز في الميزانية.
وبنتيجة عدم اهلية النخب الاميركية للشروع في مناقشة جدية للغروب النسبي لاميركا فإن المجتمع سيبقى غير مهيأ لمواجهة المرحلة الجديدة. وردة الفعل على عدم النجاحات في داخل البلاد وفي المسرح الدولي يمكن ان تكون غير هادئة، بل غاضبة و"لاعقلانية"، قريبة الشبه من "نمط مذعور" للعملية السياسية الاميركية.
ان القدرة على "التحكم بالغروب" هي مرتبطة الى حد كبير بالبسيكولوجيا. فإنه من الصعب جدا على اميركا ان تتنازل عن موقعها للصين. واليوم يقرأ البريطانيون برضى عناوين كتب مثل "كتاب عن الهزائم البطولية". ومشجعو فرق كرة القدم الخاسرة يصرخون بحماسة: "اننا شيء مقرف، ونحن نعلم ذلك". اما في الولايات المتحدة الاميركية فلا يوجد شيء من هذا القبيل. ولكن حينما يتعلق الامر بادارة الغروب، فإن إذلال الذات لن يكون ضروريا.
الدايلي تلغراف: العودة المظفرة الى القمة
ان طائر الفينيق الاميركي يرفع رأسه من جديد وان ببطء. وفي غضون 5 سنوات سيكون بامكان الولايات المتحدة ان تؤمن ذاتها بذاتها حاجاتها من الوقود والطاقة. وميزات تفوق الصين في الصناعات المفصلية سيتم التفوق عليها. ويمكن حتى التوصل الى تحقيق فائض في الحساب الجاري.
ولذلك فإن الافتراضات بأن اميركا هي محكومة بهبوط حلزوني الشكل، اقتصادي وستراتيجي، لا تعدو كونها ثرثرة على ضفاف التايمز او السين، تماما كما كان الامر في نهاية العقد الثامن من القرن الماضي، حينما كان تنتشر موضة الاحاديث عن تفوق اليابان.
الان بات من الامور المعروفة "ثورة الغاز الصخري (او الحجري)" (shale gaz)، الذي سيحول اميركا الى الرقم 1 في انتاج الوقود الازرق، وازاحة روسيا. وان اميركا تؤمن ذاتيا 72% من حاجاتها النفطية، وقبل 10 سنوات فقط كانت هذه النسبة 50%. وفي الوقت الذي تخفض فيه اميركا حاجتها الى نفط الشرق الاوسط، فإن اوروبا تصبح اكثر تبعية واكثر ضعفا امام مسلك اللاعبين الباحثين عن مصالحم الخاصة الذين يتناقص عددهم يوما بعد يوم.
وفي الوقت ذاته يبدو ان ارجوحة علاقات البزنس بين اميركا والصين سوف تبدأ بتغيير اتجاهها. فقد انتهى عهد تصدير الشركات (ومن ثم اماكن العمل) من اميركا الى الصين، واصبحت على الموضة الان "العودة". وفي تقريره المعنون "صنع في اميركا"، فإن "المجموعة الاستشارية البوسطونية" (BCG) اشارت ان النمو السنوي للاجور في الصين بمقدار 16% خلال السنوات العشر الماضية قلص بشكل ملحوظ الفارق في سعر العمل. كما لاحظ ان الصين لم تعد "مكانا افتراضيا" لعمل المعامل الرخيصة، التي تزود اميركا بالسلع. فقريبا سوف تبدأ بالظهور "نقطة التحول" فيما خص انتاج "الكومبيوترات، التجهيزات الكهربائية، انتاج الآلات ، السيارات وقطع غيارها، اللدائن والاثاث...
وفي كل سنة يزداد تقلص الفارق في الاجور في الصين واميركا، مسحوبة على انتاجية العمل. واذا اضفنا نفقات النقل، والقرصنة التكنولوجية، وجودة السلعة، فإن أفضلية الانتاج ستعود ايضا الى اميركا. ويتوقع (BCG) انه حتى منتصف العقد الحالي فإن عدد مؤسسات الانتاج التي ستعود الى اميركا ستؤمن 800000 فرصة عمل مباشرة، و3،2 مليون فرصة عمل غير مباشرة.
وتوضع بكين امام الخيار: اما ان ترفع السعر التبادلي لليوان، او ان تربطه بالدولار التجاري، مما يعني استيراد السياسة العملوية. الا ان اقتصادها سيبقى حرا تماما كاقتصاد محموم. ولكن كلا الخيارين المذكورين آنفا سيقوض ميزة الصين الخاصة بالاجور الرخيصة. وستدخل الصين في دويخة السياسة العملوية التي ستؤثر حكما على الصادرات والانتاج الصينيين.
واوروبا ذاتها لمست نتائج اليورو القوي في التوظيفات المباشرة. وتشير احصاءات الاتحاد الاوروبي ان نسبة التقلص بلغت 63% بين سنة 2007 وسنة 2010، اما في ايطاليا فبلغ الانخفاض 77%. في حين ان اميركا سجلت نموا مقداره 5%.
وقد وظفت فولسفاكن 4 مليارات دولار في اميركا، وشرعت "سامسونغ" في توظيف 20 مليار دولار. وفي الوقت ذاته اختارت شركة "اينتيل"، "جنرال موترز"، "كاتر بيلر" وغيرها من الشركات الاميركية ان تبقى في بلدها بدلا من ان تتوجه للتوظيف خارجه. ان اوروبا يمكن ان تتهم نفسها فقط انها "تفرغ " من الانتاج.
وقد حولت الصين وغيرها من الدول قسما كبيرا من مبلغ الـ10000 مليار دولار من الاحتياطات الى سندات من دول منطقة اليورو، من اجل الحد من خسائرها بالدولار. وبالنتيجة اصبح اليورو قويا جدا بالنسبة لنصف عدد بلدان منطقة اليورو ذاتها.
ان الركود العالمي سوف يقوض الاقتصادات، في حين ان العالم الغربي يشدد سياسته المالية ويفي ببطء الديون، اما الصين فأفرغت بالون الإقراض. ولكن اميركا تحتفظ بأوراق قوية. وهي ليست فقط الـ16 من اصل افضل 20 جامعة في العالم. فالولايات المتحدة هي تقريبا القوة الاقتصادية الوحيدة التي تملك مُعامل )"المولودية"
(fertility coefficient of ( (العدد المتوسط من المواليد لكل امرأة) بمعدل يزيد عن ،2،0؛ مما هو في تعارض حاد مع الانهيار السكاني في اليابان، الصين، كوريا الجنوبية، المانيا، ايطاليا وروسيا. وان نمو السكان يعطي الامكانية للتغلب على الديون. ومن الاهمية بمكان ان الولايات المتحدة الاميركية تمتلك مؤسسات فاعلة عمرها اكثر من 200 سنة، وبنكا مركزيا قويا يمكنه ان يدعم النظام في اللحظة الضرورية. ولهذا كله فإن القرن الـ21 يمكن ان يكون ايضا قرنا اميركيا كالقرن الـ20.
XXX
في القرن التاسع عشر اطلق احد القياصرة الروس على الامبراطورية العثمانية تسمية: "رجل اوروبا المريض".
واليوم يعتقد اردوغان ان تركيا شفيت على يد الاتاتوركية وهو يحاول ان يقدم لاوروبا والعالم "امبراطورية عثمانية جديدة"؛ ولكنه ينسى الحكمة القائلة "الطبع يغلب التطبع" وان جلد الافعى الجديد لا يصلح، هو ايضا، الا للاحذية.
وان افضل وصف يمكن ان توصف به اميركا الحالية هو: رجل العالم المريض.
وهي غير قادرة ان تجد الطريق الصحيح لنفسها، فكيف لها ان تقود العالم سوى الى الازمات الاقتصادية والحروب والخراب والدمار والجوع والتشريد.
وعلى غرار الاردوغانية في تركيا، فإن الوقائع في اميركا يصح فيها المثل القائل: "يا طبيب، طبّب نفسك".
اننا لا نستبشر ان اميركا المتشربة بالعنصرية، والتي قامت على جماجم مئات ملايين الهنود الحمر والزنوج، يمكن ان تقدم لنا "نسخة اميركية" من الثورة الفرنسية الكبرى او الثورة الروسية الكبرى.
وفي الوقت نفسه فإن اميركا المركنتيلية ـ الخدماتية هي اعجز واصغر واحقر من ان تقدم لنا نسخة هتلرية او موسولينية او حتى بن ـ غوريونية جديدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كاتب لبناني مستقل



#جورج_حداد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاتحاد الاوروبي يعمل لحل الازمة على حساب الشغيلة
- الاقتصاد الروسي ينهض من الازمة والغرب يفشل على الصعيد الاجتم ...
- قادة الحزب الشيوعي في سوريا ولبنان يتبادلون الاتهام بتسليم ف ...
- اميركا تترنح واوباما والكونغرس يتابعان البهلوانيات فوق هاوية ...
- ارباب -الاموال الوظيفية- يطبعون العملة ويراكمون الديون والمو ...
- الامبريالية والصهيونية في إشكالية -الثورات؟!؟!- العربية
- هل ستعترف صربيا باستقلال كوسوفو؟!
- اميركا المفلسة تسرق العالم كله عن طريق طباعة الدولار الرخيص
- الحرية للمفكر الاسلامي الثوري المصري مصطفى حامد المعتقل في ا ...
- القفزة الجديدة لصناعة التسلح الروسية
- اميركا تتخبط في مستنقع الازمة
- تعمق الازمة الاقتصادية العالمية
- اوباما يواصل نشر الدرع الصاروخية باسم الناتو وبلغاريا تنضم ل ...
- الامبريالية والصهيونية تحضّران لحروب الابادة الجماعية الجيني ...
- -الفوضى البناءة- الاميركية في البلقان: مرحلة التركيب الجديد ...
- الامبريالية الاميركية و-الارهاب-
- جرثومة رأسمالية (اميركية؟) جديدة تضرب موسما زراعيا آخر في او ...
- الديماغوجية والمأزق الذاتي للبراغماتية الاميركية
- شبح -الباشبوزوك العثماني- و-الفوضى البناءة- الاميركية يجول م ...
- اميركا دولة استعمار ذاتي (ATOCOLONIALISM)


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - جورج حداد - اميركا: رجل العالم المريض