أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مثنى كاظم صادق - الصورة المشهدية في مجموعة مدن وحقائب















المزيد.....

الصورة المشهدية في مجموعة مدن وحقائب


مثنى كاظم صادق

الحوار المتمدن-العدد: 3540 - 2011 / 11 / 8 - 23:15
المحور: الادب والفن
    



عندما يفرغ المرء من قراءة مجموعة القاص المبدع سعدي المالح ، تبرز في ذهنه بداية معرفة الإنسان بالكون ، من خلال المدن التي يزورها ، والحقائب التي يحملها ، وإذ يركب القاص زورق القصة القصيرة ؛ فإنه يصل إلى شاطئ ( أبيقور ) اليوناني الذي يرى الخير في اللذة والشر في الألم ، ومن نصوص المالح ، يخرج العذب الفرات حين يمزج بأسلوبه ، الحكمة الدارجة ، والقول المأثور ، فضلا عن قلق مضمر ، يشي بالتوتر الذي تحكمه علاقات شخصياته القصصية . أن هذه الورقة النقدية المقدمة ارتأت أن تتناول الصورة المشهدية ، التي تقوم في تشكلها النهائي على المشهد ، وأن المشهد كما يرى ليون برميليان (( عبارة عن فعل محدد ـ حدث مفرد ـ يحدث في زمان ومكان محددين ، ويستغرق من الوقت الذي لا يكون فيه أي تغيير في المكان أو قطع في استمرارية الـــزمن ))(1) وعلى هذا الأساس ، تكــون الصورة المشهدية هي (( كل ما يعرض ؛ ليسترعي النظر ، ولاسيما إذا كان مثيراً غير عادي ))(2) من خلال اللحظات المكثفة ، والعلاقات الحيادية ، التي تنماز بتقريب اللقطة فتثير المتلقي بقابلية تخييلية ، فالصورة المشهدية تتكون من عناصر عدة ( شخصيات وحوار وحركة ) وهذا ما يفند الإعتماد على الشكل ، بوصفه علامة نصية ، واللجوء إلى طريقة تخلق تحريضاً لدى المتلقي(3) . وبعد فهذه(( مدن وحقائب ))(4) مجموعة قصصية للمبدع سعدي المالح المنتقل من برج الغربة ، إلى موطن الاغتراب ، تحوي المجموعة ثمان قصص قصيرة أو قل ثمان قضايا ، من قضايا الحياة والناس صيغت بلغة سلسة لا إسفاف فيها ولا تقعر. يوظف القاص سعدي المالح الصورة المشهدية التي ترد كثيرا في نصوصه السردية ؛ ليجسد فيها حقائق الحياة ومفارقاتها ، ومن ذلك ما جاء في قصة ( فتاة على كرة ) (( يتنقل الآن من أمام لوحة إلى أخرى ، مقتربا ، مبتعدا ، ممعنا النــظر في ألوانها ، متأملا مواضيعها )) ص 3 إن ما يثير الانتباه في هذه الصورة المشهدية ، الحركية التي تضيء لحظة تأمل ، متحركة بالانتقال عبر الأمكنة ، يستقطبها القاص من ضمير الغائب ؛ ليضفي رؤية مخضبة للوحات المعلقة ، أما في قصة ( الفأر ) فتتجلى عذوبة الوضوح الغامض في حضرة الحياة من خلال ما هو متداول (( تناولت مديرة القسم الداخلي باهتمام مفتعل دفترا من جرار منضدتها ، وراحت تسجل فيه بتكاسل اسمي ورقم غرفتي ، والطابق الذي أعيش فيه ، مثلما فعلت في المرة السابقة ، ثم رفعت عينيها الذابلتين ، وحدقت بوجهي ممتعضة متسائلة )) ص 15 إذ نرى في سياق النص بنية التفصيل الدقيق ، باستعمال الجمل الفعلية المتتابعة ، مجسدا لنا صورة مشهدية لفعالية يومية تعبر عما شاهده السارد ؛ لتكون أكثر حرارة وتأثيرا في تركيز المتلقي الذي ينتظر ما وراء هذه الصورة . وفي قصة ( مريم ) نجد الفضاء الحزين ، الذي فرض حضوره من خلال آلة التصوير الدقيقة ، والتي صور بها هذا المشـهد (( تدحرجت دمعة من عين الفتاة الجالسة قبالتي ، فتوقفت على خدها ، تبعتها ثانية من العين الأخرى ، فثالثة ... دمعة إثر دمعة ، تقف متحدية ، متوثبة ، رقراقة ، صافية ، وتناثرت الدموع ، كأنها لآليء عقد منفرط )) ص 22 حيث يتجلى المشهد بإيقاعات سريعة بتسارع نزول الدموع ، بتتابع ملحوظ ، وصولا إلى الانفجار ، نظرا لحدة الموقف ، وفعاليته ، فيغزل القاص بذلك مصير الأبطال ، بأدوات سردية ذات مرتسمات لغوية كتتابع الصفات ، وصولا إلى منح كل كلمة عدسة تلتقط حالة ما ، فيتحول السياق إلى نص تتنامى فيه الصورة ، فيسهم فضاء النص بتحريك بنية البكاء للدخول في مشهدية الحضور عن طريق المحسوس . وإذ نعطف على قصة ( أمل ) نجد الصورة المشهدية تنساب متتالية ؛ لغرض إبراز العلاقة بين الراوي والمكان ، فيظهر السياق ألفة بين أجزاء هذه الصورة (( تراقصت حزم من أضواء ملونة على نوافذ البيت ، فبدا زجاجها من الخارج ، كأنه فسيفساء كاتدرائية قديمة ، بينما اندفعت دفعات من موسيقى صاخبة تلطم وجهه ـ حالما فتح الباب ـ عابقة برائحة العرق والدخان والخمر والساعات الأخيرة من العام المتراكض نحو نهايته )) ص 31 هنا تعكس الصورة المشهدية صورة الاحتفاء بالعام الجديد عبر نسيج سردي موظفاً فيه قوة الاحتفاء من خلال الفعل ( اندفعت) الذي يدل على القوة فضلاً عن الصفة ، التي جاءت للموسيقى بأنهــا ( صاخبة ) فباغتته بصخبها عندما فتح الباب مستعملا الاستعارة الجميلة ( تلطم وجهه ) فيعرض القاص صياغاته المجازية المعبرة التي عززت القاص بيومه المعاش . ويرتقي القاص في بناء صوره المشهدية عبر تعامله مع الحياة التي يجيد القاص انتقاء المشاهد منها ، على وفق تقنية خاصة به كما في قصة ( دفء الثلج ) (( جاءت سيارة ، توقفت ، ظل سائقها جالسا فيها ، مر شاب وشابة ، كانت الفتاة تتأبط ذراع الفتى ، على نحو كأنها تخاف أن يهرب ، بينما الفتى يقذف لها بين هنيهة وأخرى ، ببضع كلمات ، فتضحك ، وتشد على ذراعه )) ص 39 تنتقل آلة التصوير بنا لترينا مشهدا عاطفيا حرص القاص على نقله إلينا بيد أن هذا المشهد ودقته ؛ جاء لأجل استيعاب العين للأبعاد الجمالية لمشاهد الحياة اليومية ، تلك الجمالية بإيجابياتها المريحة للنظر ، ونلاحظ عرض الصور المشهدية للحوار التعبيري للموقف أو التوصيفي له ، أما في المضمون ، فيطرح القاص شدة الشوق بين الذكورة والأنوثة والعلاقة الأزلية لهما . إن الصورة المشهدية ، تعد بؤرة الإثارة في بنية هذه القصص ، ولاسيما أن الجسد يتمظهر شاخصاً في غالبيتها ؛ لدوره في تدعيم الحدث وتحريكه فضلاًً عما تعطيه من عاطفة ، ولذلك يرى دي سي لويس في الصورة المشهدية بأنها (( رسم قوامه الكلمات المشحونة بالإحساس والعاطفة ))(5)وتأسيساً على هذا نجد أن الصور المشهدية المبثوثة في هذه المجموعة جاءت عن طريق تقنية التجسيد أو التشخيص أو التصوير أو تبادل الحواس ؛ لأن طبيعة النصوص السردية تتنوع بتنوع الأحداث التي غالباً ما تستعين بالصور بحسب الموقف ومن هذه ما جاء في قصة ( الحظ ) (( ثمة في وسط المقهى ، كان رجلان حول طاولة يتحدثان بصوت عالٍ ورجل ثالث يرتدي بذلة أنيقة ، ويبدو عليه أنه مسؤول كبير أو تاجر غني ، يجلس بعيداً في زاوية ، جلست في الزاوية الأخرى أصبح الرجل في مواجهتي كلما التفت يسارا ، رأيته يتحرك ، ويعتدل في جلسته )) ص 50 فالصورة تصف فضاء المقهى ، بعده مسرحاً لهذا المشهد الإنطباعي الذي يكشف فراسة الراوي وتخمينه لشخوص المقهى وانطباعه عنهم حين أراد أن يومي من خلال المشهد البانورامي في المقهى باستيعاب العين الباصرة للراوي ما موجود أمامها من محسوس ومحاولة تحليله واستكناه خباياه لاسيما أن القاص يصنع صوره المشهدية (( من معطيات متعددة ، يقف العالم المحسوس في مقدمتها ، فأغلب الصور مستمدة من الحواس إلى جانب ما لا يمكن إغفاله من الصورة النفسية والعقلية ))(6) ، وختاما إذا كان ( دستويفسكي) قد نصح من يريد أن يكتب قصة جيدة بقوله : ( شاهد وشاهد ... وشاهد ) فإنني أعتقد بأن المبدع ( سعدي المالح ) كان في مجموعته هذه مشــــاهداً ، ومتـــابعاً ، ومــــــراقباً جيـــداً .
الهوامش
ـــــــ
بناء المشهد الروائي ، ليون برميليان ، ترجمة : فاضل ثامر. مجلة الثقافة الأجنبية ع 3 / 1987م ص 78 .
معجم المصطلحات الأدبية ، إعداد إبراهيم فتحي ، الموسوعة العربية للناشرين المتحدين ، تونس ص 330.
ينظر : الصورة في شعر الرواد أطروحة دكتوراه علياء عبد الرسول الجامعة المستنصرية كلية التربية 2005 ص 225 .
مدن وحقائب ، د سعدي المالح ، دار الينابيع ، الطبعة الثانية 2009م سوريا / دمشق
الصورة الشعرية ، سيسل دي لويس ، ترجمة : أحمد نصيف الجنابي ، مالك ميري ، سلمان حسن إبراهيم ، مراجعة : د عناد غزوان إسماعيل ، منشورات وزارة الثقافة والإعلام ، دار الرشيد للنشر ، 1981م ص 23.
الصورة في الشعر العربي حتى القرن الثاني الهجري ـ دراسة في أصولها وتطورها ـ د علي البطل ، دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع ، ط 2 1980م ص 30 .



#مثنى_كاظم_صادق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صورة الرجل الفنية في مجموعة الليلة الثانية بعد الالف
- بانوراما الذات في شعر علياء المالكي طوق الفراشة انموذجا
- عشاء لملائكة نظرة نحو الوجود وتأسيس الذات
- مع الجاحظ على بساط الريح سيرة قصصية للفتيان
- مؤسسة شهداء ديالى صورة للتناغم الابوي
- تجليات التناص في شعر إبراهيم الخياط
- الزواج من موظفة حلم الكثيرين
- هيثم بردى يؤرخ للأدب السرياني
- مؤسسة شهداء ديالى و(العرف الفوك)
- تراتيل على دم الشهداء
- جيل جديد لايجيد كتابة الانشاء
- ثقافة القيادة
- كتاب مدينة الخالص بعد التغيير
- تأهيل الناقد
- سيميائية العنوان في مجموعة لمن هذه الحرب
- ياسين النصير يعيد لقيصر مالقيصر
- القومية مشروع فاشل إنتهى بكرة قدم !!
- ثقافة الاحذية رؤية سايكولوجية
- إقتناص الذات الذات الضائعة قراءة في قصص تليباثي
- هواية احزاب وشوية الحياطين


المزيد.....




- مظفر النَّواب.. الذَّوبان بجُهيمان وخمينيّ
- روسيا.. إقامة معرض لمسرح عرائس مذهل من إندونيسيا
- “بتخلي العيال تنعنش وتفرفش” .. تردد قناة وناسة كيدز وكيفية ا ...
- خرائط وأطالس.. الرحالة أوليا جلبي والتأليف العثماني في الجغر ...
- الإعلان الثاني جديد.. مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 الموسم ا ...
- الرئيس الايراني يصل إلي العاصمة الثقافية الباكستانية -لاهور- ...
- الإسكندرية تستعيد مجدها التليد
- على الهواء.. فنانة مصرية شهيرة توجه نداء استغاثة لرئاسة مجلس ...
- الشاعر ومترجمه.. من يعبر عن ذات الآخر؟
- “جميع ترددات قنوات النايل سات 2024” أفلام ومسلسلات وبرامج ور ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مثنى كاظم صادق - الصورة المشهدية في مجموعة مدن وحقائب