أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أم الزين بنشيخة المسكيني - الخوف من الديمقراطية















المزيد.....


الخوف من الديمقراطية


أم الزين بنشيخة المسكيني

الحوار المتمدن-العدد: 3539 - 2011 / 11 / 7 - 15:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



سؤال عن الخوف قد ينقلب سريعا الى سؤال مخيف لا يدري من قبلُ الى أين سيمضي به القلم ولا يدري من بعدُ أيّ منقلب سوف يعدّه للسائل و للمسؤول و للقارئ الذي يتربّص بحركات الحروف و سكناتها ..و في الحقيقة ثمّة ضرب من الرقابة الذاتية التي بدأت تندسّ بين النصّ و النصّ ..و حينما تصطدم النواقيس بالصوامع الشامخة لا شيء يُسعفنا غير الاتيان بالمعرّي ثانية كي نتعلّم منه فنّ الضحك .لكن حينما يسود الخوف و يستولي على بعض الألباب و على أولي الألباب من يستطيع الى الضحك سبيلا غير المهرّج ..طوبى لمن استطاع أن يُخبّئ شمسه في قلبه و طوبى لمن التفّ بجلده ..لكن بقية الشعب لم تتقن مهارة اللعب فاستسلمت للخوف و للرعب ..و حين تتجول في شوارع المدن ترى الرمادي يحوم على الوجوه ، و حتى حين تجول في مكانك بفكرك و قلبك في أعماق من تُحبّ و من ترى و من تحتسي معهم كل يوم قهوتك السوداء تشعر بالألوان القاتمة في كلّ درجات الطيف تتدرّج بك و تنحدر الى الأعماق الخفية للنفس البشرية في بلاد لم تنهزم لكنها لم تنتصر تماما ..و ترى الناس سكارى و في قلوبهم خليط عجيب من المشاعر المتناقضة ..لقد انتصر الشعب رسميا فسّوقنا عن أنفسنا صورة رائعة في الانتقال الديمقراطي ..و حتّى من لم ينتصر فتراه التزم عدم التشويش على الشعب انتصاره و قبل بنتائج الاقتراع بالرغم من أنّه يعرف جيّدا أنّ كثيرا من الألاعيب السياسية قد دُبّرت تدبيرا ..و ترى اليمين و اليسار يباركان معا هذا الانتقال الديمقراطي ..و هو ما يُحسب انتصارا لنُخب اليسار و أحزابه الذي قبل هذه النتائج و لم يصطدم مع اليمين الذي حاز على أغلبية نسبية في المجلس التأسيسي ..علما و أنّ اليسار الحقيقي لا يؤمن بالديمقراطية الليبيرالية التي لا تساوي بين أفراد الشعب الاّ حقوقيا أي في الحريات و الحقوق ، و أنّ هذه المساواة الحقوقية ليست سوى ديمقراطية ناقصة، ذلك أن المساواة الحقيقية انما تكون في العدالة الاجتماعية و في توزيع خيرات البلاد توزيعا عادلا و في تحرير الشعب من البؤس..فالكادحون الفقراء قد لا يغنموا من هذه الديمقراطية شيئا غير بعض الصدقات و القليل من الرأفة و الرحمة بحالهم و الكثير من الصلوات و الطقوس ..و ربّما لا يظفر هذا الشعب الفقير من هذه الديمقراطية الا برضا الذات الالاهية ..ظفروا بالله أكثر و هذا في حدّ ذاته انتصارا لشعب لا يحمل غير الله في قلبه و لا يملك غير صدقه و دعواته و صلواته ..لا أحد يحق له أن يحرم هذا الشعب من ايمانه مهما كان برنامجه الانتخابي ..
من هو الشعب ؟ هل هو المليون و نيف الذي سار وراء راية الاسلام مستبشرا برفعها ثانية على أرض استفحل فيها قبل الثورة طغيان العصابات و السرقات و المخدّرات و كلّ أشكال التنكيل بالانسان في طقوسه و حرياته و آماله ؟ أم الشعب هم ذلكم الذين امتنعوا عن التصويت امتناعا عن الدخول في السياسة أو استنكارا للعبة الديمقراطية التي رأوها زائفة و ركوبا على الثورة ؟ أم هو الشعب أولئك الذين لا يعرفون حتّى لمن صوّتوا و لماذا ؟ أم أولئك الذين صوّتوا فلم تُحتسب أصواتهم لأنها لم تُجمّع العدد الكافي للمقعد الواحد ؟ و رغم ذلك فان من صوّت فعل ذلك باسم الديمقراطية ..و كان الجميع فرحون بقدومها الى بلادنا سلميا و ليس على ظهور الدبّابات ..
و رغم ذلك نقف اليوم على ظاهرة مخيفة انتشرت بين الناس : فلا تسمع من هنا و هناك غير "ربّي يقدّر الخير" أو "ربّي يستر" أو "ربّي معانا "..كلمات تسمعها على أفواه الجميع : من كان مؤمنا و من كان لائكيا من كان يمينيا و من كان يساريا ..و في لحظة رائعة اتفق الجميع على أن يوكلوا أمرهم بيد الله ..وحده الله كفيل بانقاذنا ..ممّ و ممّن ؟ و لماذا الخوف من الديمقراطية ؟ هل بدأنا نخاف منها قبل أن نشرع في انجازها ؟ هل بدأنا نستشرف مخاطرها قبل وقوعها ؟ ما الذي يحدث تحديدا للديمقراطية في بلادنا و نحن بالكاد نشمّ رائحتها ؟ هل مرضت ديمقراطيتنا قبل أن تشفي غليلنا ؟ أم ثمّة في حكايتنا مع الديمقراطية سرّ خطير و غامض يجعلنا لا نطمئن اليها بالرغم من سياسات الطمئنة التي نسمعها من الأعضاء الناجحين في الجلوس على مقاعد المجلس التأسيسي ؟
هذا المقال نسعى فيه ، بآسم القلم و ما يسطرون و بآسم الشعب الأبي الرائع الذي سيقاوم كل استبلاه له و بآسم المرأة العربية المسلمة التي تكتب من أجل أن تحفظ جيّدا عقلها و دينها ، الى تفكيك دلالات هذا "الخوف من الديمقراطية" لرفعه عن القلوب ، و ذلك من خلال ثلاثة محطّات اشكالية :
1)ما معنى أن نخاف بشكل جماعي على سياسة المدينة ؟
2)أيّة ديمقراطية يريد الشعب ؟
3)متى تصبح الديمقراطية نظاما يبعث على خوف الشعوب منها ؟

1) الخوف شعور طبيعي يتملك كل مناّ في لحظات مختلفة من حياته .فليس هو بالضعف البشري و لا هو مذمّة في المرء يُعيّر بها ..فنخن نخاف الغول و الأشباح و العفاريت و نحن صغار ثمّ نخاف من أن نكبر فنتعرف على الجنس الآخر ..و ما ان يبلغ منّا المرء الخمسين فهو يخاف الموت ..بوصفه دينا عليه و أمرا مقضيّا لا أحد يفلت منه حتّى الأنبياء و الحكماء و العلماء ..
لكنّ حينما يكفّ الخوف عن أن يكون حالة شخصية فردية حينها علينا أن نبدأ بالتساؤل و أن ندخل ورشة العقل البشري من بابها الواسع ..لماذا يخاف شعب برمتّه ؟ انّه لا يخاف من المارد و لا من العفاريت بل هو يخاف من الطاعون أو من الكوليرا أو هو من الزلازل أو من البراكين أو من الفيضانات و باقي الكوارث الطبيعية ..و حينما يخاف شعب ما على المستقبل فتلك حكاية أخرى ..فهو يخاف من الطغيان و قهر العباد و هو يخاف من قمع الحريات و قطع الأرزاق ..وهو يخاف حينما يعي بأنّ مؤامرة قد تُحاك ضدّ مصيره ..و حين يخاف شعب ما على مستقبل أبنائه بعد ثورة أنجزها بدمائه فثمّة في هذه القصّة أكثر من واو و أكثر من "حتّى" حين يحضر التوحيدي و المنطقي و ابن متّى ..
ما دلالات هذا الخوف الجماعي من الذي يحدث بآسم الديمقراطية في بلاد علّيسة ؟ ثمّة نوعين من المعالجة لهكذا تسآل بوسعكم أن تختاروا ديمقراطياّ أيّها الأصلح لكم : امّا أن تأخذوا خوفكم هذا على أنّه شعور سلبي ارتكاسي انتكاسي يعبر عن هزيمة أطياف كبيرة من هذا الشعب و شعورها بالاحباط و القلق على المستقبل و قد آل زمام الديمقراطية الى جهة حزبية بعينها ..و امّا أن تنظروا الى هذا الخوف نظرة أعمق وذلك عبر فرضية عمل ساقها أحد كبار المنظرين لاتيقا المستقبل هانس جوناس في كتاب له ترجم الى كل لغات العالم ، و كان أكثر الكتب بيعا في نهاية القرن السابق ، هي فرضية استكشافية الخوف ..و هنا يكفّ الخوف عن أن يكون مجرّد حالة نفسية و يكفّ عن أن يكون خوفا طبيعيا من الانسان الآخر في تصور للانسان بوصفه ذئبا للانسان (هوبز) ، انما نحن ازاء خوف جماعي من النتائج المجهولة لحدث سياسي لازلنا غير قادرين على تقييمه أو الحكم عليه قد لا نكون قادرين حتى على التفكير فيه أصلا ..ليس الخوف ههنا سوى خوف على المستقبل ..و من مجهول قد يأتي و قد لا يأتي ..انّ خوفكم اذن ليس مخجلا الى الحدّ الذي سوّقت اليه بعض الجهات التي تتوهم أنّها غير خائفة ..بل الخوف صار حالة عامة للجميع ..للمنتصرين انتخابيا و للمنهزمين ...أمّا سياسيا فلا أحد انتصر بعدُ ..ان "استكشافية الخوف " التي نستفيدها من كتاب جوناس تتمثل في الخوف بما هو استباق على الكارثة قبل وقوعها من أجل اتخاذ الوجهة الكفيلة بمنع وقوعها .و ذلك عبر فرضيات ثلاثة بوسعنا اختزالها فيما يلي : أوّلا ، أنّ التنبؤ بما سيحدث لهذا الشعب من جرّاء هذا النوع من الديمقراطية كفيل بأن يرشدنا الى نوع الشعب الذي بوسعه أن يُقاوم كل عملية قمع لحرياته أو استبلاه له أو النيل من مكاسبه التاريخية .ثانيا : طالما بقي الخطر غير معروف فانّنا سنبقى على جهل بما ينبغي تحصينه و حمايته ..فعلى عكس العلوم الصحيحة فان الوقائع الانسانية تبدأ من عين الضدّ أي من الشرّ الذي ينبغي أن نحمي أنفسنا منه .ثالثا : ذلك أنّ التعرّف على الشرّ لهو الأكثر ظهورا و كثافة و هو بذلك أكثر احراجا لعقولنا ..و قد يكون بوسع الانسان العيش في غياب الخير لكن ليس بوسعه العيش تحت قهر الشرّ .وانّ تخمينا أو تنبّؤا سيّئا في مجال سياسة الشأن البشري لأكثر نجاعة لنا من كل معرفة و تحذلق نظري طنّان بمقولات تجمّل الواجهة من قبيل "الخير و العدل و المساواة و العدالة و الكرامة" ..الشعب لا يريد الوجه و الوجاهة و الواجهات المزوقة .. كفّوا عن خداع الشعب بابتسامة الجوكندا فهو شعب يريد الوضوح في كل شيء ..و يريد منكم أن تضحكوا بوضوح أيضا ..و هو شعب لا يريد الحقوق و الحريات الشكلية انما يحلم بمساواة مادية حقيقية و حظوظ في العيش الكريم و نصيب من الرفاهة و السعادة الفعلية ..
2)أيّة ديمقراطية يريد الشعب ؟
لنذكّر بدءا أنّ الديمقراطية كما يعلم الجميع تعني تحديدا "حكم الشعب للشعب من أجل الشعب".وهي نظام سياسي مناقض للنظام الملوكي و للنظام الأوليغارشي لأنّ السيادة فيه لا تكون لا للحاكم الملك و لا لمجموعة من الأفراد أو فئة معينة من أشراف القوم و عليتهم .انما تكون فيه السيادة للشعب يحكم نفسه بنفسه من خلال من ينتخبهم ممثّلين لارادته. لكنّ مفهوم الشعب يطرح علينا مشكلا أساسيا : من هو الشعب ؟ و أيّة ذاتية سياسية تطلبها الديمقراطية ؟ الرعية أم المواطن أم الفرد أم الطبقة أم الجموع الحرّة ؟ و حينما يقال الشعب على الرعية هل يطلب الراعي رأي رعيته في تدبير المدينة ؟ و حين نتوفّر على شعب من المواطنين هل نمنح حقّ المواطنة لكلّ السكّان أم فحسب للذين يحملون نفس الهوية و نفس الجنسية و نفس الديانة و الانتماء ؟ ألم يقع اقصاء النساء و العبيد من أوّل ديمقراطية في مدينة أثينا ؟ ألم يقع اقصاء النساء و الأطفال في العقل الحديث نفسه من لقب المواطنة ؟ ثمّة اذن من يعتبر أنّ العوام لا حقّ لهم في الحياة السياسية و هو كلام يصل لدى حجّة الاسلام الغزالي الى حدّ المطالبة حرفيّا ب"الجام العوامّ عن علم الكلام" ، و ثمّة من يحلم بالجموع الحرّة التي تقترع من أجل الحياة واختراع امكانيات الاشتراك في الكينونة بصرف النظر عن الهويات و الديانات ، واضعة الانتماء الكوني الى العالم بما هو حديقة رحبة تتسع للجميع ، هدفا لديمقراطية المشترك .(نيغري)
و علينا أن نذكّر أنّ الديمقراطية ليس مفهوما حديثا انّما هو مفهوم قديم جدّا ، يعود ظهوره الأوّل الى بلاد الهند القديمة و تحديدا في مدينة تُعرف اليوم ببيهار ، ثمّ نشأ ثانية في مدينة أثينا اليونانية حوالي القرن السادس قبل ميلاد المسيح .لكنّ الأثينيين حصروا حقّ المواطنة في الطبقة الأرستقراطية و حرموا العبيد و النساء من الحياة السياسية ..و يظهر أوّل برلمان في انغلترا سنة 1265 ثمّ برلمان ثان بعد الثورة الانغليزية مباشرة سنة 1688 ..ثمّ تتالت الأنظمة الديمقراطية الى أن صارت الديمقراطية الليبيرالية الغربية المعاصرة تنشر في النفوس نوعا من كراهية الديمقراطية التي فشلت ازاء مشكلات حارقة منها وضعية المهاجرين في الغرب و منها وضعية المسلمين بعد واقعة 11سبتمبر..
أيّة ديمقراطية يريد الشعب؟ ديمقراطية ليبيرالية أم ديمقراطية المشترك ؟ أم ديمقراطية حقيقية تحكم بين الناس بالقسطاس ؟ ليست هناك ديمقراطية واحدة و ليست كل الديمقراطيات عادلة و قد جرّبت الانسانية الكثير من الديمقراطيات بعضها فشل و بعضها نجح ..و بعضها صار مكروها مدحورا مذموما ..و في كل الحالات علينا أن نمرّ بالتجربة قد نخرج منها فئرانا مخبرية و قد نخرج شعوبا تاريخية ..و قد نبقى كما نحن بمعادننا زئبقيين مائيين لا نسبح أبدا في نفس الحزب مرّتين..
3) متى تصبح الديمقراطية مدعاة لخوف الشعوب منها ؟
انّ التوجّس من الديمقراطية و التنبيه على مساوئها قد ظهر منذ أفلاطون و عاود الظهور في العصور الحديثة مع ماركس ثمّ مع مفكّرين معاصرين لزماننا أمثال توكفيل و كستورياديس و رنسيار و دريدا ..و قد وقف أفلاطون موقفا معاديا للديمقراطية معتبرا أنّ الشعب غير قادر على حكم نفسه بنفسه لجهله بالسياسة و الحقيقة و انعدام تجربته في تدبير عقلي للشأن العمومي .و يعتبر أفلاطون أنّه من أجل أن نحكم نحن نحتاج الى الحكمة و معرفة بما هو الحقّ و ماهو الخير و ماهي العدالة ..و انّ الناس العاديين من البشر لا تهمّهم غير الحياة اليومية فتراهم منشغلين بمصالحهم العاجلة الفردية لذلك لا يمكن للمدينة اذا أرادت أن تكون مدينة عادلة الاّ أن تتّخذ من الحكيم الفيلسوف ملكا عليها لمعرفته بالفضيلة و الحقيقة .أمّا التصوّر العربي الوسيط فانّه بالرغم من اقراره بأنّ "أمرهم شورى بينهم " غير أنّه يحرص حرفيّا على قيمة العلماء و حكماء القوم في تدبير شؤون الملّة ،اذ "هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون ". و قد حرص العقل العربي الاسلامي الوسيط على التمييز دوما بين العامّة و الخاصة و خاصة الخاصة ..و في العصور الحديثة علينا أن نقف بخاصّة عند نقد ماركس للديمقراطية البرجوازية بوصفها ديمقراطية مزيّفة و وهمية .ذلك لأنّ مقولة المساواة السياسية التي تقوم عليها الديمقراطية الليبيرالية مقولة متناقضة تماما و فاشلة بحكم التفاوت الطبقي بين الناس .و أنّ المساواة الحقوقية الليبيرالية هي مجرد مساواة شكلية و كاذبة لأنّ المساواة الفعلية هي في توزيع عادل للثروات بين أبناء الشعب الواحد و ليس في مجرّد التنصيص الحقوقي في الدساتير الليبيرالية على مساواة في الحريّات ..لأنّ الحرية تبدو حاجة للمترفهين و المترفين أكثر منها للفقراء و الكادحين .فماذا يفعل الذي يبيت على الطوى بحرية شكلية و بحقّه في الملكية و في الحريات السياسية ..؟
وفي الفكر السياسي المعاصر اتفق ثلة من المفكرين على مخاطر الديمقراطية بالمعنى الليبيرالي الحالي ..ومن بين هؤلاء كاستوراديس و كرنوليوس و رنسيار ..هؤلاء يعتبرون أنّ الديمقراطيّات التمثيلية ليست سوى ديمقراطيّات زائفة ، حيث يقع فيها حرمان الشعب فعليا و بشكل ملموس من السلطة السياسية .و بالتالي أنّ هذه الديمقراطيّات ليست سوى أنظمة أوليغارشية يحكمها جملة من الأفراد و الأسماء الصنمية من قبيل شارون أوباما و ساركوزي..أباطرة جدُد ..ثمّة اذن على حدّ اعتبار شومسكي وهم سياسي تنشره الديمقراطية الليبيرالية بين الشعوب وهو أنّ الشعب سيّد نفسه و أنّه يحكم نفسه بنفسه.
و يعتبر جاك رنسيار بعد تجربة قرن من الديمقراطية الغربية أنّ ثمّة احساس ينتاب الجميع هو كراهية الديمقراطية .لكن لماذا صار الغرب يشعر بنوع من الكره للديمقراطية و هو الذي استمات بثوراته و شعوبه في انجازها ؟ يذكّرنا رنسيار بأنّ الديمقراطية في عشرينات القرن العشرين كانت تناهض الارهاب الكلّياني ، لكنّ الثوريين طالبوا رغم ذلك بديمقراطية آتية ..و في حين كانت الدول الكبرى في نهاية القرن العشرين توزّع الديمقراطية على العالم الاسلامي و العربي على ظهور الدبّابات فانّ المثقّفين الغربيين لم يملّوا من نقد "النزعة الفردانية الديمقراطية " التي سادت المجتمعات الغربية .و رغم كل هذا النقد للديمقراطية الليبيرالية لا شيء يدعو الى كره الديمقراطية .لو وضعنا تعريفا مغايرا لها يقترحه علينا هذا المفكّر الفرنسي في الدلالات التالية : أوّلا : ثمّة ديمقراطية واحدة بوسعها أن تجنّبنا مخاطر الديمقراطية هي ديمقراطية المشترك .ثانيا أن الديمقراطية هي الاعتراف بقدرة أيّ كان على الحياة السياسية .ثالثا : ضرورة الاعتراف بأنّ كل سلطة هي مؤقّتة و أنّه لا حقّ لأيّ كان مهما كانت جهته الحزبية أن يستولي على سياسة الشعب كأنّه يملك ذاك الأمر أبدا ..رابعا : لا تتمثّل الديمقراطية في العمل على المصلحة العامّة للجميع ، ، بل هي قدرة الجميع على الاشتغال بالشأن العام .خامسا : الديمقراطية مطلب أساسي ضدّ كل أنواع حكومات القمع و الطغيان لذلك فلا أحد يكره الديمقراطية غير من لم يتعود على الاشتراك مع الآخرين في تقاسم السياسات و الخيرات و الفضاءات ..
خاتمة : و ما ذا بعدُ ؟
لا بعدُ يمكننا استباقه قبل وقوع الفعل الديمقراطي علينا ..و في كل الحالات سنسير معا حذو النعل بالنعل الى نهاية الطريق .لكنّنا سنرافق هذا المسار الديمقراطي ليس بمخاوفنا فقط بل بأسئلتنا التي تدفع بالديمقراطية نحو ما يريده الشعب ..لكن حذار من "الشعب يريد " لأنّ هذا الشعار ليس له دوما دلالة موجبة بالمعنى الذي نرتضيه ..بل يبدو أنّنا ازاء شعار ملغّم بالارادات و السورات و أنّه لا أحد بوسعه التنبّؤ بمدى ارادة الشعب ..فالشعب لا يريد دوما ما نراه سليما و عادلا ..قد يريد ما نراه مهزلة ..و قد يريد ما قد يتحول الى مقصلة ..و قد يريد البهجة و الحياة ..و في كل الحالات لا أحد وصيّ على "الشعب يريد" و حتّى الشابّي لم يكن قد تنبّأ بالأبعاد القصوى التي ستبثّتها قصائد ارادة الحياة في هذا الشعب ..و لا الى أيّ الطرق في الغابة الكبرى سوف تُؤدّي ..لكن حذار من الظلام ..و علينا أن ندرك جيّدا أنّ الديمقراطية مسار طويل و شاقّ و لا أحد بوسعه أن يدّعي أنّه انتصر بمجرّد جمع الأعداد من الأصوات ..بل هو مصير شعب يمتلك ارادته و عقوله و شوارعه و حناجره التي لن تصمُت وفاء لدماء شهدائه ..اضافة الى أنّ حصول جهة حزبية ما على الأغلبية النسبية في الانتخابات لا يعني بالضرورة أنّها تملّكت قلوب كل أفراد الشعب حتى تنفرد لوحدها بوزاراته و سياساته ..و الاّ سقطنا ثانية في الاستبداد باسم الديمقراطية و ذاك مسيء جدّا في حقّ الثورة و في ذاكرة الدماء.
من تخيفه الديمقراطية اذن ؟
من تخيفه الديمقراطية هو أوّلا من لا يريد العيش المشترك وفق احترام حق الاختلاف. و هو ثانيا من يعتقد أن بانهزامه في الانتخاب قد انهزمت الديمقراطية . وهو ثالثا من يتوهّم أنّه بانتصاره انتخابيا قد انتصر سياسيا .و هو رابعا من يعتبر انتصاره في صناديق الاقتراع يخول له نصيب الأسد في سياسة البلد .
كفانا خوفا من الديمقراطية و ممن انتصر في الانتخابات ..الكثير من الأعمال و الورشات تنتظرنا من أجل انجاح المسار الديمقراطي ..و الى كل من يحبّ هذا الوطن و الى كل من تعزّ عليه دماء الشهداء أن يساهم في تجاوز هذا الخندق و التحرر من هذا المناخ التخويفي.. لا مكان بيننا للعفاريت فلنمسك انفعالاتنا و لنتصالح مع شعوبنا و لنسكن عميقا جلودنا ..قليل من الحكمة و كثير من المحبّة تكفينا لاختراع وطن أجمل ..غلّقوا أبواب الكراهية و البغضاء سننجح في العيش معا ..اجعلوا تاريخكم عُرسا ..سئمنا المهزلة ، هيّؤوا لأطفالكم بعض الحدائق ..
.



#أم_الزين_بنشيخة_المسكيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نهاية الطاغية
- من أساء الى الذات الإلهية أم من أساء الى الثورة ؟
- شعر الثورة
- الشيوعية ليست إلحادا..
- بحث في التفكيكية
- قراءة جمالية في الشهادة
- مقالة في الجماليات
- أية ذاتية سياسية بعد الثورة ؟
- نص في الثورة
- نص


المزيد.....




- تمساح ضخم يقتحم قاعدة قوات جوية وينام تحت طائرة.. شاهد ما حد ...
- وزير خارجية إيران -قلق- من تعامل الشرطة الأمريكية مع المحتجي ...
- -رخصة ذهبية وميناء ومنطقة حرة-.. قرارات حكومية لتسهيل مشروع ...
- هل تحمي الملاجئ في إسرائيل من إصابات الصواريخ؟
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- البرلمان اللبناني يؤجل الانتخابات البلدية على وقع التصعيد جن ...
- بوتين: الناتج الإجمالي الروسي يسجّل معدلات جيدة
- صحة غزة تحذر من توقف مولدات الكهرباء بالمستشفيات
- عبد اللهيان يوجه رسالة إلى البيت الأبيض ويرفقها بفيديو للشرط ...
- 8 عادات سيئة عليك التخلص منها لإبطاء الشيخوخة


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أم الزين بنشيخة المسكيني - الخوف من الديمقراطية