أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إكرام يوسف - ضابط ابن ناس















المزيد.....

ضابط ابن ناس


إكرام يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 3538 - 2011 / 11 / 6 - 19:51
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


جاءني صوته عبر الهاتف.. هادئا، مهذبا، توقعت أن يكون صديقا لأحد ولديَّ يبحث عنه وفشل في الاتصال به.. لكنه عرف نفسه بأنه الرائد محمد عبد الهادي، من العلاقات العامة والإعلام بوزارة الداخلية.. ولا أملك ـ بالطبع ـ التحقق من دقة المعلومة..فلم يكن أمامي إلا تقبل التعريف.. وإن لم أمنع نفسي من وضع احتمال أن يكون منتحلا للصفة؛ فأسلوبه الدمث في الحديث، وقدرته على الاستماع باحترام .. وبلا غطرسة أو حتى تأفف.. لم تعد من السمات المعتادة لضباط الشرطة في بلدنا منذ سنوات طويلة.
بدأ حديثه بداية تدفعك لاحترامه: "نحن نتقبل النقد ونستفيد منه" ثم استطرد مشيرا إلى مقالات كتبتها مؤخرًا، انتقدت فيها ممارسات ضباط الشرطة؛ موضحا أن الحالات التي تحدثت عنها في مقالي الأخير ـ عصام عطا قتيل سجن طرة، ومعتز سليمان قتيل الشيخ زايد، وإطلاق أمين الشرطة الرصاص على شخصين وإصابتهما في شارع القصر العيني ـ ليست سوى حالات فردية، من الخطأ تعميمها كممارسات لكامل الجهاز!
شجعني أسلوبه المهذب، على مواصلة الحديث معه على أساس هويته التي عرف نفسه بها.. فأقر بأن جهاز الشرطة يحوي فاسدين، مثلما هو الحال في جميع القطاعات، ولكن هناك آخرين محترمين، و شهداء من أبناء الشرطة سقطوا في مواجهات مع مجرمين. أكدت له اقتناعي بخطأ تعميم صفة ما على أي مجتمع.. لكن ممارسات الداخلية على مدى عشرات السنين، تركت أثرا أليما لدى المواطنين.. فمن يشاهد ضابطا ينهال على مواطن ـ اضعف منه ـ ضربا وركلا وهو يسبه بأقذع الشتائم بالأب والأم، ربما يخاف هذا الضابط لكنه لن يحترمه، كما سينسحب عدم الاحترام على البيئة التي تربى فيها الضابط.. فمن تربى على احترام أبيه وأمه لن يسب آباء وأمهات الآخرين بمجرد أن يمتلك سلطة قهرهم!.. لذلك، عندما تحين الفرصة لمواطن كي ينتقم من ضابط شرطة، لن تجد تعاطفا من المواطنين في أغلب الأحوال..وسألته في محاولة للتبسط "انت متجوز؟" فرد بالإيجاب. قلت له " نفدت! غالبية الأسر الآن لاتقبل تزويج بناتها من ضباط الشرطة". قال إن هذا الحال بعد الثورة.. فأكدت إن هذا الاتجاه سائد منذ سنوات.. وأنني كتبت قبل سنوات مقالاً بعنوان "الباشا عريس!".. حكيت فيه أن زميلا طلب تدخلي لدى زميلة شابة ،لأقنعها بمجرد قبول زيارة قريب له ضابط شرطة، طالبا يدها.. موضحًا لي أن الأسر بمجرد أن تعرف مهنته، ترفض حتى قبول الزيارة.. مؤكدًا إنهم لو سمحوا له ـ فقط ـ بالجلوس معهم في الصالون، سوف يكتشفون كم هو ابن ناس ومهذب!
وأوضحت لمحدثي الشاب أنني ـ شخصيا ـ لو كان لدي بنت، لن أقبل أن أزوجها ضابط شرطة: "إيه اللي يخليني أرمي بنتي لواحد، لو اختلف معاها ممكن يعذبها، ويعذب أهلها، ويعذب الجيران كمان!"..
قلت له أيضًا أن الوضع صار خطيرًا بالفعل.. وأن شرخا كبيرا حدث بين الشرطة والشعب.. وبالطبع لم يكن الشعب هو المتسبب فيه.. وأن "المسألة وصلت للدم"..وجرح المواطنين المكلومين بفقد أبنائهم مازال مفتوحًا..وهناك مماطلة في عقاب القتلة.. فقال إن الأدلة ربما لاتكون غير كافية، ولا تعاقب المحكمة المتهمين من الضباط، فهل يعقل أن نفصلهم؟ فأكدت إن هذا بالفعل هو التصرف المطلوب.. إظهار الاحترام لمشاعر هذا الشعب.. حتى لو لم تكن هناك أدلة كافية لإقناع المحكمة، على الداخلية أن تطهر صفوفها، لتبرد قلوب أهالي الشهداء، وتلقن بقية الضباط درسا في احترام كرامة أهلهم مواطني مصر..وليعلم كل ضابط أن كرامة المصري خط أحمر، تعمد بدم شهداء.. ولينته العصر الذي كان فيه الأشقاء في بلاد أخرى يعايروننا بما يتم مع المصريين في سجون وأقسام مصر.
قلت له إن أي محب لهذا الوطن لا يرضى بهذا الوضع.. وإننا كنا نتمنى أن يكون اخوتنا وأبناؤنا في الشرطة ظهرا وسندا لنا، يحمون أرواحنا وممتلكاتنا ويصونون كرامتنا.. لكن عقودا من ممارسات اقتصرت على حماية الفاسدين والتستر عليهم، مع ملاحقة الشرفاء والتنكيل بهم، تحتاج جهدًا كبيرًا للمعالجة.. واقترحت عليه أن تكون البداية بيانا رسميا صريحا من وزارة الداخلية.. يعترف صراحة بأن الجهاز تورطت في السنوات السابقة في أخطاء "جسيمة".. ويتعهد بعدم تكرارها، وأن يكون همه الأول هو الحفاظ على كرامة المصريين قبل أرواحهم وممتلكاتهم.. بيان يتبرأ من جرائم ضباط فاسدين كانوا "خدما" عند اللصوص وناهبي ثروات الشعب، بينما يعلنون أنفسهم "أسيادًا" على المواطنين!.. على ألا يكون في البيان أي محاولة تبرير..وإنما نقد ذاتي صريح.. فالأمر بالفعل يتجه نحو مسار لا نتمناه جميعا.. وصبر المصريين المعهود نفد بالفعل.. وما كانوا يتحملونه من قبل، لم يعد من الممكن احتماله بعدما سال دم! الوضع قبل سقوط شهداء في شوارع المدن وميادينها شيء، وبعد نزف الدم شيء آخر.. على العقلاء أن يتفهموا الوضع على حقيقته. وليتذكروا أن الشعب المصري أطيب شعوب الأرض وأكثرها صبرا.. لكن كرامته صارت خطا أحمر مصبوغا بدماء أبنائه الأطهار، وأي مساس بها بعد ذلك لن يمر بسهولة.. والاعتذار كما شهدنا في مناسابات سابقة لا يقلل من هيبة صاحبه، بل يرفع المعتذر في عيون الناس، ويخفف الاحتقان.. ولنتذكر استقبال المصريين لتحية أرواح الشهداء التي أداها اللواء الفنجري.. ولنقارنها برد فعلهم عندما لوح بإصبعه في وجوههم!.. ولنتذكر أيضا موقف المصريين من بيان اعتذار المجلس العسكري، وعبارة "رصيدنا لديكم يسمح".. ثم نقارن ماحدث بعد ذلك ورد فعل المصريين تجاهه.
على الداخلية التعهد بمعاقبة الجناة حتى لو كانت الأدلة الرسمية والمستندات غير كافية لإدانتهم قضائيا..فالمواطنون يعلمون قتلة أبنائهم.. ويعلمون أن قياداتهم وزملاءهم يعرفونهم.. ولا يصح استفزاز المكلومين بدعوى أنهم لم يستطيعوا إثبات الجرم على قتلة فلذات أكبادهم.. حتى لا يشعروا بالتقصير، فيحاولون القصاص بأيديهم..على الداخلية أن تتعهد في بيانها بالضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه مس كرامة مواطن مصري.. فلم يعد المصريون يقبلون أي تبرير.. أو تهوين من مثل هذه الجرائم، أو الزعم بأنها فردية.. الوضع صار خطيرا بالفعل. وصار الناس يتندرون على أن الشرطة "تتشطر" على النشطاء السياسيين، وتعجز أمام البلطجية!
ولو تحلى جميع ضباط الشرطة بدماثة أخلاق الرائد محمد عبد الهادي وتهذيبه في الحديث لتأكد المواطنون أن ضباط الشرطة اخوتهم وأبناؤهم بالفعل، فأسلوبه يؤكد أن بين أفراد الشرطة من هم "أبناء ناس" حقًا! وعلى هؤلاء أن يبادروا بإعادة هكيلة جهازهم، ليستعيدوا ثقة ومحبة المواطنين.. نتمنى أن يأتي اليوم الذي يبتسم فيه المواطن ـ بحب ـ عندما يشاهد ضابطا أمامه ويبادله التحية؛ لأنه يشعر بالاطمئنان في وجوده، لا أن يخشاه وهو يضمر له الكراهية وعدم الاحترام، ويتطلع إلى يوم يستطيع الانتقام منه.. على افراد الشرطة أن يثبتوا للشعب أنهم أبناؤه ليسوا "أسياده".. وهي مسئوليتهم الأولى، فإن من بدأ المأساة ينهيها..ومن أشعل النيران يطفيها، كما قال نزار قباني.



#إكرام_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- للصبر حدود
- احذروا غضب الشعوب
- متى ترتوون من دمائنا؟
- غضب آخر سوف يجيء!
- علموا أبناءنا في إيطاليا!
- الدبة.. وصاحبها!
- بوادر جولة ثانية
- عصام وحسن ..ورأب الصدع
- حتى الرمق الأخير
- شعب واحد
- خطاب مفتوح إلى السيد المشير
- ثورة عالمية في الأفق
- وانهمرت دموعي
- رمضان .. وهدى
- عجلة الإنتاج .. وسنينها!
- المشككون.. بين الثوار والجماهير
- كرامة المصريين خط أحمر
- عفوا.. يرجى إعادة شحن الرصيد
- قبل الحساب
- الداخلية.. وثورة صارت ضرورية


المزيد.....




- ما هي صفقة الصواريخ التي أرسلتها أمريكا لأوكرانيا سرا بعد أش ...
- الرئيس الموريتاني يترشح لولاية رئاسية ثانية وأخيرة -تلبية لن ...
- واشنطن تستأنف مساعداتها العسكرية لأوكرانيا بعد شهور من التوق ...
- شهداء بقصف إسرائيلي 3 منازل في رفح واحتدام المعارك وسط غزة
- إعلام إسرائيلي: مجلسا الحرب والكابينت يناقشان اليوم بنود صفق ...
- روسيا تعلن عن اتفاق مع أوكرانيا لتبادل أطفال
- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - إكرام يوسف - ضابط ابن ناس