وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 3536 - 2011 / 11 / 4 - 09:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في التوراة تكتسب الأخلاق و الوصايا فهما تلموديا ضيقاً و من هنا نجد هجوم يسوع على الكتبة و الفريسيين و علماء الشريعة . في فهمهم الخاص للتوراة أنتجوا كتاباً تفسيريا أسموه ( التلمود ) و كثيرا ما كان مضمونه يعاكس مضمون التوراة . بالنسبة ليسوع أعطى للنص التوراتي مضمونا إنسانيا قد لا يكون موجودا في التوراة أي ان المسيح و المسيحية أنتجوا ( تلمودا ) مسيحيا إنسانيا و هذا ما سنناقشه . ان المسيح و الإنجيل يقبلان أصناف البشر كافة بغض النظر عن انتمائهم الطبقي و الاجتماعي و الديني و المذهبي و العرقي . جاء في الإنجيل الشريف يحب البشير لوقا الإصحاح ( 16 / 1 – 13 ) : ( و قال أيضا لتلاميذه : و كان رجل غني و كان له وكيل , فجاء من اخبره بأنه يبدد أمواله . فدعاه و قال له : ما هذا الذي اسمع عنك ؟ اعطني حساب وكالتك , فأنت لا تصلح بعد اليوم لان تكون وكيلا لي . فقال الوكيل في نفسه : سيسترد سيدي الوكالة مني , فماذا اعمل ؟ لا أقوى على الفلاحة , و استحي ان استعطي .ثم قال : عرفت ماذا اعمل , حتى إذا عزلني سيدي عن الوكالة , يقبلني الناس في بيوتهم . فدعا جميع الذين عليهم دين لسيده , و قال لأحدهم : كم عليك لسيدي ؟ أجابه : مئة كيل من الزيت . فقال له الوكيل : خذ صكوكك و اجلس في الحال و اكتب خمسين ! و قال الآخر : و انت , كم عليك لسيدي ؟ أجابه : مئة كيل من القمح . فقال له الوكيل : خذ صكوكك و اكتب ثمانين . فمدح السيد وكيله الخائن على فطنته , لان أبناء هذا العالم أكثر فطنة من أبناء النور في معاملة أمثالهم . و أنا أقول لكم : اجعلوا لكم أصدقاء بالمال الباطل , حتى إذا نفد قبلوكم في المساكن الأبدية . من كان أمينا على القليل , كان أمينا على الكثير ) . في هذا النص يبين يسوع ان على الأغنياء التنازل عن فائض أموالهم و ممتلكاتهم لصالح إخوانهم من الفقراء و المحتاجين أي جعل أموالهم مشاعا للجميع .
مثل السامري الصالح
جاء في الإنجيل الشريف بحسب لوقا ( 10 / 25 – 37 ) : ( و قام احد علماء الشريعة , فقام له ليحرجه : (( يا معلم , ماذا اعمل حتى ارث الحياة الأبدية ؟ )) فأجابه يسوع : (( ماذا تقول الشريعة ؟ و كيف تفسره ؟ )) فقال الرجل : (( أحب الرب إلهك بكل قلبك , و بكل نفسك , و بكل قوتك , و بكل فكرك , و أحب قريبك مثلما تحب نفسك )) . فقال له يسوع : (( بالصواب أجبت . اعمل هذا فتحيا )). فأراد معلم الشريعة ان يبرر نفسه , فقال ليسوع : (( و من هو قربي ؟ )) فأجابه يسوع : (( كان رجل نازلا من أورشليم إلى أريحا , فوقع بأيدي اللصوص , فعروه و ضربوه , ثم تركوه بين حي و ميت . و اتفق ان كاهنا نزل في تلك الطريق , فلما رآه مال عنه و مشى في طريقه وكذلك احد اللاويين ، جاء المكان فرآه فمال عنه ومشى في طريقه . و لكن سامريا مسافرا مر به , فلما رآه أشفق عليه , فدنا منه و سكب زيتا و خمرا على جراحه و ضمدها , ثم حمله على دابته و جاء به إلى فندق و اعتنى بأمره . و في الغد اخرج السامري دينارين , و دفعهما إلى صاحب الفندق و قال له : اعتن بأمره , ومهما أنفقت زيادة على ذلك أوفيك عند عودتي . فأي واحد من هؤلاء الثلاثة كان في رأيك قريب الذي وقع بأيدي اللصوص ؟ )) فأجابه معلم الشريعة : (( الذي عامله بالرحمة )) . فقال له يسوع : (( اذهب انت و اعمل مثله )) . في هذا المثل الذي أعطاه يسوع تعرض يهودي لاعتداء و معلوم ان اليهود و السامريين كانوا اعداءا و لا يختلط احد بالآخر و نرى ان الذي أنقذ اليهودي هو السامري . لقد صب زيتا و خمرا على جراحه فضمدها و الزيت و الخمر أيضا يشير إلى البركة حيث بارك السامري اليهودي و بهذا المثل يقول لنا يسوع في إنجيله الشريف ان كل إنسان محتاج مساعدتك في العالم هو أخاك و قريبك . مهما كان عرقه و جنسه و دينه و طائفته و لونه و مرتبته الاجتماعية و الطبقية . انه يعلن المساواة و الأخوة الإنسانية بين البشر أجمعين متطابقا مع لائحة حقوق الإنسان الدولية .
أيتها المسلمة أيها المسلم : ان المسيح هو قريبك و أخوك حيثما تحتاج إلى مساعدة ستجدها من يسوع و من المسيحيين أما من يقول خلاف ذلك فهو عدو للمسيح .
الشاب الغني
جاء في الإنجيل الشريف حسب متى ( 19 / 16 – 24 ) و اقبل إليه شاب و قال له : (( أيها المعلم , ماذا اعمل من الصلاح لأنال الحياة الأبدية ؟ )) فأجابه يسوع : (( لماذا تسألني عما هو صالح ؟ لا صالح إلا واحد . إذا أردت ان تدخل الحياة فاعمل بالوصايا )) . فقال له : (( أي وصايا ؟ )) فقال يسوع : (( لا تقتل , لا تزن , لا تسرق , لا تشهد بالزور , أكرم أباك و أمك , أحب قريبك مثلما تحب نفسك )) . فقال له الشاب : (( عملت بهذه الوصايا كلها , فما يعوزني ؟ )) أجابه يسوع : (( إذا أردت ان تكون كاملا , فاذهب و بع ما تملكه و وزع ثمنه على الفقراء , فيكون لك كنز في السماوات , و تعال اتبعني ! )) . فلما سمع الشاب هذا الكلام , مضى حزينا لأنه كان يملك أموالا كثيرة . و قال يسوع لتلاميذه : (( الحق أقول لكم : يصعب على الغني ان يدخل ملكوت السماوات .بل أقول لكم : مرور الجمل في ثقب الإبرة أسهل من دخول الغني ملكوت الله )) . السؤال المطروح الآن لماذا قال له يسوع اذهب و بع ما تملكه , و وزع ثمنه على الفقراء ؟ الجواب هو ان يسوع أراد ان يقول له انك لم تطبق الوصايا فالوصية تقول ( أحب قريبك مثلما تحب نفسك ) و القريب مثلما شرحناه في مثل السامري هو كل إنسان محتاج للمساعدة بغض النظر عن الدين و الطائفة و القومية و لون البشرة و الجنس و العرق و ان تكون أموالك مشاعة لجميع المحتاجين مثلما شرحنا مثل الوكيل الخائن .
أيها المسلمون المستضعفون و الفقراء و المحتاجون و المرضى ان المسيح يدعوكم ليمد لكم يد المساعدة ان المسيحيين هم إخوتكم في الإنسانية الشاملة و حيث احتجتم إلى المساعدة ستجدونها عند المسيح و أتباعه هذه المساعدة لا يشترط فيها المسيح الإيمان من عدمه و لا الدين و لا الطائفة و لا الجنس ولا العرق و لا المرتبة الاجتماعية و لا الطبقية . فالكل إخوة يسوع مسلمون و مسيحيين و بوذيون و هندوس مؤمنون و ملحدون . هذه هي الأخوة الإنسانية الشاملة قال يسوع في إنجيله الشريف بحسب يوحنا 8 / 32 : ( تعرفون الحق و الحق يحرركم ) .
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟