أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - فريد العليبي - سيدي بوزيد التونسية : ماذا نملك ؟ لا شئ ، ماذا نريد ؟ كل شئ !















المزيد.....

سيدي بوزيد التونسية : ماذا نملك ؟ لا شئ ، ماذا نريد ؟ كل شئ !


فريد العليبي

الحوار المتمدن-العدد: 3536 - 2011 / 11 / 4 - 01:55
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    






عرفت سيدي بوزيد مجددا يومي الخميس و الجمعة 27 و 28 -10-2011 أحداثا دامية أُحرق خلالها قصر العدالة و مبنى البلدية و منطقة الحرس ، و بدا و كأن الأمر يتعلق بتسليط عقوبة قاسية على مدينة كان لها شرف إطلاق شرارة الانتفاضة التونسية و شقيقاتها العربيات .
و ما عرفته المدينة سبقته أحداث أقل وقعا في منزل بوزيان و المكناسي بشكل خاص ، حيث هُوجمت مقرات حركة النهضة الإسلامية ، وأتلفت محتوياتها كما أحرق جزئيا قطار ينقل الفوسفاط من منطقة المناجم الى صفاقس .
و جدّت هذه الأحداث على خلفية نتائج انتخابات المجلس التأسيسي ، و كان من بين الشعارات التي رفعت : يا إسلامي يا جبان البوزيدي لا يهان . و أُستهدف شخص الوزير الأول المُرتقب ، و هو من حركة النهضة بشعارات معادية ، بسبب ما راج من أخبار تقول إنه وصف سكان الجهة بأنهم رعاة جهلة ، فضلا عن وصفهم من طرف مسؤول آخر من نفس الحركة بأنهم في حاجة لطبيب نفسي لتفسير اختياراتهم السياسية .
في جهة سيدي بوزيد حصلت حركة النهضة على أقل نسبة من الأصوات ، و هي الوحيدة من بين بقية جهات تونس التي أحرقت فيها مقرات هذه الحركة ، بل إن أحد الغاضبين أطلق النار من بندقية صيد على مقرها في مدينة الرقاب .

و قد ازداد الاحتقان في الجهة على ضوء ما تخلل الانتخابات من تجاوزات ، و بدأت عدوى المسيرات الجماهيرية في الانتقال بسرعة من قرية إلى أخرى من قرى الولاية ، حتى وصلت سيدي بوزيد المدينة ، التي احتشد فيها الآلاف ، مطالبين برد الاعتبار و اعتذار من أساء إليهم .
و يبدو أنه خلال هذه المظاهرات تسللت بعض العناصر الإجرامية لكي تعيث فسادا في عدد من المؤسسات العامة ، و خاصة مقري البلدية و المحكمة ، فأضرمت فيها النيران ربما بهدف طمس بعض الملفات التي تدين رموز الفساد في الجهة ، و هناك من يتحدث عن عناصر جاءت من خارج المدينة لتنفيذ هذه الجريمة ، و يقول الأهالي أن عناصر الأمن و الجيش تركت مواقعها فجأة و توارت عن الأنظار ، و أن فرق الحماية المدنية لم تقم بإطفاء الحرائق في الإبان .
بدت المدينة يوم السبت 29 أكتوبر في وضع كئيب زاده الطقس المتقلب حزنا ، سحب دكناء تغطي السماء ، و رياح رملية ، و قطرات مطر ، و رائحة دخان ، و هنا و هناك كان البعض يحاول رفع أنقاض المكاتب و الكراسي و الملفات و هياكل السيارات المحترقة .
كانت المدينة تضمد جراحها و على مقربة من مقر الولاية توزع الناس في حلقات لمناقشة ما حصل و التوتر باد على الجميع ، و كان بالإمكان الاستماع إلى من يقول : " في عز الانتفاضة لم تحترق أي بناية في مدينتنا بينما يحدث ذلك الآن !، إنهم يعاقبوننا ، يعاقبوننا ! " ، " تظاهرنا من أجل حقوقنا المهدورة فوصفونا بميليشيات تجمعية دستورية ، نحن الذيـــن لولانا لكان هؤلاء الذين يشتموننا الآن في الجحور يرتعدون من جبروت بن على " ، " يقولون عنا إننا متسولون ، نحن الذين رفضنا أن تأتينا القوافل بأي مواد غذائية ، نحن الذين كنا نذبح الخرفان للضيوف القادمين من بقية الولايات للتضامن معنا " " نريد ممن أساء إلينا ان يأتي إلى هنا و يعتذر علنا و أمام الجميع " .

كان النقاش غير منظم ، و لكنه كان يُعبر عن غليان شديد ، قطع أحدهم حبل الحديث الذي كان يجري و أشار إلى شيخ بلباس تقليدي ، مرتديا الجبة و " اللحفة " ، قائلا اسألوا هذا الرجل ، سيحدثكم عما جرى لهذه الجهة عبر التاريخ ، تكلم الشيخ قائلا : لقد اضطهدنا الحكام دائما و تم إقصاؤنا من المشاركة في السلطة السياسية ، فبعد مشاركتنا بآلاف المقاومين ، و مئات الشهداء و الجرحى ، في حرب التحرير ضد فرنسا ، طلبنا من بورقيبة في الخمسينات أن يكون منا وزراء فرفض لأنه كان يخشانا ، فهو يعرف أننا نحن من تجرأنا يوما على سلطة الباي ، فهاجمنا حامية له كانت تجمع الضرائب من السكان المقهورين ، فصادرنا ما كان بحوزتها ووزعناه على بعضنا البعض بـ" الكبوس " )طربوش ( .
كانت تلك حادثة مشهورة تحتفظ بها ذاكرة الشيوخ ، جدت وقائعها في منطقة " الفج " حيث تلتقي سلاسل من الجبال الوعرة ، و كان الشبان المتحلقون حول الشيخ يهزون رؤوسهم و علامات الغضب و الحسرة بادية عليهم ، و علق أحدهم بحدة : " إنهم يكرهوننا ، حتى الوزير الأول المُرتقب من جهة الساحل ، موطن بورقيبة و بن على ، هل هي مجرد صدفة ؟؟؟؟ "
و اللافت حضور الشعر في حلقات النقاش تلك ، فهناك كهل معدم أشبه بـ"مجنون المدينة " كان يتنقل من حلقة إلى أخرى ليلقي قصائده ، و عندما يلتف حوله الناس و يصبح عددهم كبيرا يختم شعره بشعار مصحوب بضحكة ماكرة : يسقط الجميع و يحيا أنا !
لأهالي سيدي بوزيد حساسية خاصة إزاء جهتي الساحل و العاصمة ، و هي حساسية منتشرة في الجهات المحرومة خاصة في الشمال الغربي و الجنوب الغربي ، و ليست هذه المرة الأولى التي ينتشر فيها بينهم الإحساس بالغبن و الاحتقار، ففي عهد بورقيبة كان هناك برنامج تلفزي عنوانه " أرضي وفاء و وعود " تنتقل صاحبته من ولاية الى ولاية للتسبيح بحمد المجاهد الأكبر ، و عندما حط بها الرحال في سيدي بوزيد كان من بين ما نطقت به أن أهالى الجهة رعاة أغنام ، مما استثار ردا سريعا من أحد شعرائها الذي كتب قصيدا عنوانه : نعم أنا راعي ، من بين ما جاء فيه هذه الكلمات التي يمتزج فيها الغبن بالكبرياء :
نعم أنا راع.. وألف نعم
ولولا الشموس التي أحرقتني
بكل السفوح وكل القمم..
لما كنتمُ في الشواطئ تلهون
والموج من لهوكم يرتطم..
ولولا عصاي ولولا شياهي
لما كنت تدرين معنى النِّعم
ولولا شحوبا ترين بوجهي..
لما كاد وجهك يقطر دم .
و اليوم أيضا يعود ذلك الوصف " الرعاة " إلى الظهور لا ليُشعل غضب شاعر فقط بل غضب شعب بأكمله ، ففي لحظات الانتفاض عندما يُوصف الثوار بـ"رعاة المواشي الجهلة " فإن وقع الاحتقار يكون أكبر ، و ما تعجز عنه القصائد تُعبر عنه الحناجر الهادرة و القبضات العالية ، والانتفاضات عند تظل طريقها تتطلب تعديل بوصلتها حتى لا تتيه في الظلام ، و ليس هناك أجدر من سيدي بوزيد برمزيتها التاريخية لتقوم بهذا الدور ، حتى أن الصغير أولاد حمد ، و هو شاعر آخر من هذه الجهة توعد بارتداء اللباس العسكري ، و حمل السلاح ، للقيام بانتفاضة ثانية ، في حال انتكست الانتفاضة الأولى .
لقد انطلقت الانتفاضة الأخيرة مثل كثيرات غيرها من الأرياف ، و من الجهات الأشد بؤسا و كان وقودها أبناء فقراء الفلاحين ، و عندما وصلت المدن الكبرى تمكن منها أباطرة المال و السياسة فحولوا وجهتها ، و تشبه تونس اليوم امرأة غنية ضاع زوجها فجأة ، فراح رجال متملقون يخطبون ودها للفوز بثروتها ، و الزوج المفقود مؤقتا ليس إلا الشعب الذي أزيح بشكل غادر جانبا ، بينما يمثل المتملقون قادة لأحزاب سياسية جاؤوا في أغلبهم من وراء البحار، لكي يتصدروا المشهد السياسي ، تسندهم مؤسسات مالية و إعلامية نافذة و علاقات عربية و دولية مُريبة .
غريب أمر هؤلاء الغرباء الذين أصبح معهم الشعب غريبا في غربته غريب فقد استولوا على كل شئ ، في بلد أنهكه حكم بن على ، و عندما بحثت بوزيد الشعبية عمن يمثلها في انتخابات الأباطرة الغرباء ، وجدته في ملياردير من أبنائها المغتربين أيضا ، و بغض النظر عن سوء أو حسن اختيارها فإن أصوات " البوازيد " التي وضعت في صناديق الاقتراع سرعان ما رميت في المزبلة ، بدعاوى لو طُبقت على بقية القائمات لتم إسقاط معظمها ، و لتبين أن الانتخابات لم تكن سوى فصل من فصول مسرحية هزلية لا يزال الشعب يعيش على وقعها منذ 14 جانفي ، عندما عمد قُطاع طرق محترفون إلى وضع حد للانتفاضة بالتضــــــحية برأس النظام لإنقاذ جثته ، و زرع رؤوس أخرى مكانه بسرعة فائقة .
قصة هذه الجهة مع الحرمان طويلة ، أثناء دراستي فيما مضى من السنين بالمعهد الثانوي الوحيد بولاية بوزيد الذي كان به قسم للباكلوريا ، كنت و أصدقائي القادمين من أطراف الولاية الفتية نشتاق لأكل اللحم المشوي ، و بسبب الفقر كنا نتلذذ بشم رائحة الشواء ، و في يوم من الأيام اقتربنا من المكان الذي تنبعث منه تلك الرائحة ، فوجدنا كهلا يشوي قطعا صغيرة منه على قارعة الطريق ، و هو يُنادي القطعة بعشرين مليما ، فانتبهنا إلى أن الثمين زهيد ، و عندما اشترينا بضاعته تبينا أنه لم يكن يبيع لحما بل شحما ، و قد كان لذيذا على أي حال .
و اليوم لا يزال البوزيدي المعدم يشرب الخمر الرديئة مع حويصلات و كبد الدجاج المشوي ، الذي ينتصب شّواؤوه أمام البارات ، فهو يصنع متعته على طريقته ، و يبدو في نفس الوقت مصمما على امتلاك العالم ، بما يذكر بذلك الشعار ماذا نملك ؟ لا شئ ، ماذا نريد ؟ كل شئ !



#فريد_العليبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- منير العوادي سلاما !
- الانتفاضة التونسية : شيئان في بلدي خيبا أملي !
- مصر : الدم و الحرية أبناء عم !
- عرس الدم التونسي
- ماذا يحدث في كلية الآداب بالقيروان / تونس ؟
- الفلسفة والتاريخ
- رسائل ماركس وأنجلس حول الديانة الإسلامية
- رسائل متبادلة بين كارل ماركس وفريدريك أنجلس حول الديانة الإس ...
- اعلام النقابة الأساسية لأساتذة كلية الآداب و العلوم الانساني ...
- معروف الرصافي ............ شيوعيا !!!
- الماركسية و الداروينية
- علمنة التفكير
- موقف ابن رشد من المراة بين الشريعة و الفلسفة
- ابن رشد : ليس للمرأة حق الإمامة في المسجد بينما لها حق رئاسة ...
- للتاريخ صهوته و صهيله


المزيد.....




- نقل الغنائم العسكرية الغربية إلى موسكو لإظهارها أثناء المعرض ...
- أمنستي: إسرائيل تنتهك القانون الدولي
- الضفة الغربية.. مزيد من القتل والاقتحام
- غالانت يتحدث عن نجاحات -مثيرة- للجيش الإسرائيلي في مواجهة حز ...
- -حزب الله- يعلن تنفيذ 5 عمليات نوعية ضد الجيش الإسرائيلي
- قطاع غزة.. مئات الجثث تحت الأنقاض
- ألاسكا.. طيار يبلغ عن حريق على متن طائرة كانت تحمل وقودا قب ...
- حزب الله: قصفنا مواقع بالمنطقة الحدودية
- إعلام كرواتي: يجب على أوكرانيا أن تستعد للأسوأ
- سوريا.. مرسوم بإحداث وزارة إعلام جديدة


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - فريد العليبي - سيدي بوزيد التونسية : ماذا نملك ؟ لا شئ ، ماذا نريد ؟ كل شئ !