أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - غازي الصوراني - المجتمعات العربية وأكذوبة المجتمع المدني















المزيد.....



المجتمعات العربية وأكذوبة المجتمع المدني


غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني


الحوار المتمدن-العدد: 3533 - 2011 / 11 / 1 - 19:27
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    



في مقدمة الطبعة الأولى من »رأس المال«، كتب ماركس في عام 1867 يقول: »إلى جانب الشرور الحديثة، أو الآلام في العهد الحالي، علينا أن نتحمل سلسلة طويلة من الأمراض الوراثية الناتجة عن بقاء أساليب إنتاج بالية، تخطاها الزمن، مع ما يتبعها من علاقات سياسية واجتماعية أضحت في غير محلها زمنياً، والتي تولدها تلك الأساليب، ففي مثل هذه الأحوال، ليس علينا أن نعاني فقط الآلام بسبب الأحياء، وإنما بسبب الموتى أيضاً: فالميت يكبل الحي«[1]، هذا التحليل الذي قصد به ماركس الدولة الألمانية آنذاك، ينطبق على الوضع العربي الداخلي عموماً، وعلى جوهر الأزمة الاجتماعية فيه بشكل خاص.
والإشكالية الكبرى أن المجتمع العربي يتعرض اليوم لهذه الأحوال المأزومة بكل أبعادها، في اللحظة التي انتقل فيها العالم من مرحلة تاريخية سابقة، الى المرحلة الجديدة أو العولمة، بتسارع غير مسبوق، وبمتغيرات نوعية تحمل في طياتها، في الحاضر والمستقبل تحديات غير اعتيادية، لا يمكن امتلاك القدرة على مواجهتها إلا بامتلاك أدواتها العلمية والمعرفية أولاً عبر أحكام سيطرة الحي (المدينة) على الميت (الصحراء)، »فالاستلاب الأيديولوجي بشكليه السلفي والاغترابي هو أبرز الآليات الداخلية التي تعيد إنتاج التأخر، وتعيد إنتاج الاستبداد، وتحافظ على البنى والعلاقات والتشكيلات القديمة ما قبل القومية، فالعلاقة بين المستوى الأيديولوجي السياسي، والمستوى الاجتماعي الاقتصادي، هي علاقة جدلية، تُحوِّل كلاً منهما الى الآخر في الاتجاهين، آخذين بالحسبان أيضاً أن المستوى السياسي محدد ومحكوم بطابع الوعي الاجتماعي السائد«[2].
بهذا المدخل، نبدأ في الحديث عن أزمة المجتمع العربي، التي نرى أنها تعود في جوهرها إلى أن البلدان العربية عموماً لا تعيش زمناً حداثياً أو حضارياً، ولا تنتسب له جوهرياً، وذلك بسبب فقدانها، بحكم تبعيتها البنيوية، للبوصلة من جهة، وللأدوات الحداثية، الحضارية والمعرفية الداخلية التي يمكن أن تحدد طبيعة التطور المجتمعي العربي ومساره وعلاقته الجدلية بالحداثة والحضارة العالمية أو الإنسانية.
فعلى الرغم من دخولنا القرن الحادي والعشرين،إلا أننا –في البلدان العربية- ما زلنا في زمان القرن الخامس عشر قبل عصر النهضة، أو في زمان »ما قبل الرأسمالية« وبالتالي ما قبل المجتمع المدني، على الرغم من تغلغل العلاقات الرأسمالية في بلادنا، والشواهد على ذلك كثيرة، فالمجتمع العربي لم يستوعب السمات الأساسية للثقافة العقلانية أو ثقافة التنوير، بمنطلقاتها العلمية وروحها النقدية التغييرية، وإبداعها واستكشافها المتواصل في مناخ من الحرية والديمقراطية، ففي غياب هذه السمات يصعب إدراك الوجود المادي والوجود الاجتماعي والدور التاريخي الموضوعي للقومية أو الذات العربية في وحدة شعوبها، ووحدة مسارها ومصيرها، إدراكاً ذاتياً جمعياً يلبي احتياجات التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي العربي.
و لعلنا نتفق أن السبب الرئيس لهذه الإشكالية الكبرى، لا يكمن في ضعف الوعي بأهمية التنوير العقلاني، أو ضعف الإدراك الجماعي بالدور التاريخي للذات العربية، فهذه وغيرها من أشكال الوعي، هي انعكاس لواقع ملموس يحدد وجودها أو تبلورها، كما يحدد قوةَ أو ضعفَ انتشارِها في أوساط الجماهير، وبالتالي فإن الواقع العربي الراهن، بكل مفرداته وأجزائه ومكوناته الاجتماعية وأنماطه التاريخية والحديثة والمعاصرة، هو المرجعية الأولى والأساسية في تفسير مظاهر الضعف والتخلف السائدة بل والمتجددة في مجتمعاتنا، إذ أن دراسة هذا الواقع، الحي، بمكوناته الاجتماعية والاقتصادية تشير بوضوح إلى أن العلاقات الإنتاجية والاجتماعية السائدة اليوم في بلداننا العربية هي نتاج لأنماط اقتصادية /اجتماعية من رواسب قبلية وعشائرية وشبه إقطاعية، وشبه رأسمالية، تداخلت عضوياً وتشابكت بصورة غير طبيعية، وأنتجت هذه الحالة الاجتماعية /الاقتصادية المعاصرة، المشوهة، فكيف يمكن أن نطلق على هذا الواقع صفة المجتمع المدني؟
فالمعروف أنه على الرغم من تطور بعض أشكال العلاقات ذات الطابع الرأسمالي في بعض المجتمعات العربية، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر عموماً، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بشكل خاص، إلا أن هذه العلاقات الرأسمالية الجديدة لم تستطع إزاحة العلاقات شبه الإقطاعية، والقبلية السائدة، والمسيطرة، وبقيت حيازة وامتلاك الأراضي الزراعية، مصدراً أساسياً للوجاهة والمكانة الاجتماعية والسلطة السياسية في بلدان الوطن العربي حتى منتصف القرن العشرين، حيث »تدنت هذه المكانة، بتدني أهمية ملكية وحيازة الأرض باعتبارها العمود الفقري للتكوينة الطبقية، وذلك بسبب تتابع الانقلابات العسكرية (وأهمها حركة 23 يوليو 1952 في مصر) في العديد من البلدان العربية … وقيام الأنظمة الوطنية وما تبع ذلك من تصفية للإقطاع، وتطبيق الإصلاح الزراعي من ناحية، وبسبب اكتشاف النفط وبروز أهمية رأس المال (التجاري والخدمي) في التكوين الطبقي«[3]، من ناحية ثانية وأشكاله الجديدة التي تداخلت بدورها مع الأنماط القبلية، شبه الإقطاعية السابقة، بل إننا لا نبالغ في القول إن هذه الأشكال أو التكوينات الطبقية شبه الرأسمالية الجديدة، انبثقت في جزء هام منها من رحم التكوينات الاجتماعية القديمة، وهذه بدورها استطاعت التكيف مصلحيا مع »العلاقات الرأسمالية الجديدة«، من حيث الشكل أو التراكم الكمي الرأسمالي فقط، من دون أن تقطع علاقاتها مع جوهر التشكيلات الاجتماعية القديمة، وموروثاته القيمية والمعرفية المتخلفة، التي وجد فيها الاستعمار الغربي، مناخاً مهيَّأً وجاهزاً لتحقيق أهدافه ومصالحه في بلادنا، فلم يتعرض لأي من هذه الموروثات ورموزها الطبقية، التي شكلت في معظمها سنداً للظاهرة الاستعمارية ولرأس المال الأجنبي في عملية دمج بلداننا العربية وتكريس تبعيتها للنظام الرأسمالي العالمي، خلالَ الحربِ العالمية الثانية وبعدها وإلى اليوم، دون أن نغفل بالطبع، مرحلة النهوض الوطني والقومي في خمسينات وستينات القرن الماضي، التي قادها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، منفرداً عبر شخصيته ودوره الكاريزمي وإيمانه الشديد بالمبادئ التحررية، والقومية، ولاحقاً بالاشتراكية، دون الاستعانة بالمؤسسات الديمقراطية، والتعددية الحزبية، وتفعيل العمل السياسي في أوساط الجماهير التي وقف حياته من أجلها، ولذلك كانت هزيمة حزيران 1967 بداية النهاية لمرحلة التحرر القومي الديمقراطي، خلقت المناخ العام، والمقومات اللازمة لإعادة إحياء التشكيلات والتكوينات الاجتماعية الطبقية القديمة والمستحدثة، بصور وأشكال معاصرة، تتوافق مع شروط الانفتاح والتحالفات السياسية العربية الرسمية التي تولت قيادتها أو توجيهها الأنظمة الأكثر رجعية وتخلفاً وتبعية في بلادنا، وبالتالي يصعب في بلادنا -إن لم يكن متعذرا-تلمس أو إدراك الوجود المادي والدور الموضوعي التاريخي للطبقة البرجوازية عموما، والبرجوازية الوطنية خصوصاً *.
و اليوم ونحن في مطلع الألفية الثالثة، تتعرض مجتمعاتنا العربية، من جديد، لمرحلة انتقالية لم تتحدد أهدافها النهائية بعد، على الرغم من مظاهر الهيمنة الواسعة للشرائح والفئات الرأسمالية العليا، بكل أشكالها التقليدية والحديثة، التجارية والصناعية والزراعية، والكومبرادورية والبيروقراطية الطفيلية، التي باتت تستحوذ على النظام السياسي، وتعوق أيَّ تحول ديمقراطي حقيقي في مساره، عبر اندماجها الذيلي التابع للنظام الرأسمالي المعولم الجديد من جهة، وتكريسها لمظاهر التبعية والتخلف والاستبداد الأبوي على الصعيد المجتمعي بأشكاله المتنوعة من جهة أخرى، من خلال التكيف والتفاعل بين النمط شبه الرأسمالي الذي تطور عبر عملية الانفتاح والخصخصة خلال العقود الثلاثة الماضية، وبين النمط القبلي /العائلي، شبه الإقطاعي، الريعي، الذي ما زال سائداً برواسبه وأدواته الحاكمة أو رموزه الاجتماعية ذات الطابع التراثي التقليدي الموروث.
إن مخاطر هذا النمط المشوه من العلاقات الاقتصادية تنعكس بالضرورة على العلاقات الاجتماعية العربية بما يعمق الأزمة الاجتماعية، واتساعها الأفقي والعامودي معاً، خاصة مع استشراء تراكم الثروات غير المشروعة، وأشكال »الثراء السريع« كنتيجة مباشرة لسياسات الانفتاح والخصخصة، والهبوط بالثوابت السياسية والاجتماعية الوطنية، التي وفرت مقومات ازدهار اقتصاد المحاسيب وأهل الثقة، القائم على الصفقات والرشوة والعمولات بأنواعها، حيث يتحول الفرد العادي الفقير إلى مليونير في زمن قياسي، وهذه الظاهرة شكلت بدورها، المدخل الرئيسي لتضخم ظاهرة الفساد بكل أنواعه، في السياسة والاقتصاد والإدارة والعلاقات الاجتماعية الداخلية، بحيث تصبح الوسائل غير المشروعة، هي القاعدة في التعامل ضمن إطار أهل الثقة أو المحاسيب، بعيداً عن أهل الكفاءة والخبرة، ودونما أي اعتبار هام للقانون العام والمصالح الوطنية، مما يحول دون ممارسة الحد الأدنى من مفهوم المجتمع المدني أو تطبيقاته السياسية بحكم استعمال الاستبداد الناجم عن استفحال الفساد.
و مما هو جدير بالحس بالمسؤولية، أو بالتأمل –كحد أدنى- ليس الخطر الناجم عن هذه الظواهر فحسب، بل أن تصبح هي القاعدة التي تحكم أو تحدد مسارَ العلاقات الاجتماعية والسياسية في مجتمعاتنا العربية وطبيعتها، حينئذ تصبح »مؤسسة« الفساد هي التي تملك السيطرة على دفة القيادة في هذا البلد أو ذاك، وتوجيهها وفق قواعد إدارة الأزمة بالأزمة، وهنا ينتقل الحس بالمسؤولية، إلى ضرورات التغيير الديمقراطي المطلوب في مواجهة هذا الوضع المأزوم، الذي تفرضه طبيعة أزمة التحرر الوطني والقومي، بحكم أنها تعبير عن أزمة هذا التطور المشوه الذي فرضته حالة التبعية البنيوية للإمبريالية، حسب تعبير المفكر الشهيد مهدي عامل –بحيث »تصبح الطبقة المسيطرة أو نظامها في تناقض بين السير في منطق الحركة التحررية الديمقراطية، وهو منطق معادٍ لها، وبين السير ضده (و النتيجة واحدة)، حيث بات السير في منطق التحرر يضع هذه الطبقة (أو التحالف أو النظام) في تناقض مع مصالحها الطبقية، فيقتضى بالتالي بضرورة زوال سيطرتها الطبقية، وكذلك الأمر بالنسبة لسيرها ضد منطق الحركة التحررية حيث تفقد هذه الطبقة التي هي البورجوازية الكولونيالية كل مبرر لوجودها في موقع القيادة«[4].
ولكن الإشكالية الكبرى، أنه في موازاة هذه الأحوال والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية المحلية الداخلية المأزومة، تراجعت أحزاب وقوى التغيير الديمقراطي في بلداننا (وهي أهم مكونات المجتمع المدني)، إلى الخلف بصورة مريعة، وبخاصة القوى القومية واليسارية منها، التي لم تستطع –حتى اللحظة- بلورة أو إنتاج صيغة معرفية، سياسية اقتصادية اجتماعية، علمية وواقعية، قادرة على رسم مستقبل المجتمع العربي والخروج من أزمته، وقد ترك هذا التراجع آثاره الضارة في أوساط الجماهير ووعيها العفوي، التي وجدت في الحركات السياسية الدينية ملاذاً وملجأ يكاد يكون وحيداً، يدفعها الى ذلك نزوعها الى النضال ضد العدو الرئيسي إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من جهة، والنضال من أجل الخلاص من كل مظاهر المعاناة والحرمان والفقر ومواجهة الظلم الطبقي والاستبداد السياسي الداخلي من جهة أخرى.
ففي هذا الزمن الذي يعيش فيه العالم، زمن الحداثة والعولمة وثورة العلم والمعلومات والاتصال، يشهد مجتمعنا العربي عودة الى الماضي عبر تجديد عوامل التخلف فيه، لم يعرف مثيلاً لها في تاريخه الحديث منذ مائة عام أو يزيد، فهو الى جانب ترعرع الأنماط القديمة القبلية والحمائلية والطائفية، والأصولية والتعصب الديني، يوصف اليوم بحق على أنه »مجتمع شديد التنوع في بنيته وانتماءاته الاجتماعية، أبوي، يعاني النزعة الاستبدادية على مختلف الصعد، مرحلي، انتقالي، تراثي، تتجاذبه الحداثة والسلفية، شخصاني في علاقاته الاجتماعية يعيش حتى الوقت الحاضر مرحلة ما قبل المرحلة الصناعية والتكنولوجية، وبالتالي مرحلة ما قبل الحداثة«[5]
أما على الصعيد الداخلي الاجتماعي، فإن »الفجوات بين الطبقات الثرية والميسورة والمحرومة، تزداد اتساعا وعمقا، وفي ظل هذه البنية الطبقية الهرمية التي تحتكر فيها القلة السلطة وثروات البلاد، وتشغل الطبقة الوسطى وسط الهرم، وتتكون القاعدة من غالبية السكان (الجماهير الشعبية الفقيرة)، يعاني الشعب حالة تبعية داخلية شبيهه بالتبعية الخارجية ومتممة لها، فتمارس عليه وضده مختلف أنواع الاستغلال والهيمنة والقهر والإذلال اليومي«[6].
وفي ظل هذه الأوضاع أو السمات الاجتماعية »يعيش الإنسان في المجتمع العربي على هامش الوجود والأحداث لا في الصميم، مستباحاً معرضاً لمختلف المخاطر والاعتداءات، قلقاً حذراً باستمرار من احتمالات السقوط والفشل والمخاطر، تحتل السلع والمقتنيات والاهتمامات السطحية روحه وفكره، يفكر، لكن ليس بقضاياه الأساسية أو العامة، ينفعل بالواقع والتاريخ أكثر مما يعمل على تغييرهما، إنه إنسان مغَّرب ومغترب عن ذاته، ولأن إمكانات المشاركة نادرة وضيقة، فهو لا يجد مخرجاً سوى الخضوعِ أو الامتثالِ القسريِّ أو الهرب«[7].
هذا التعميم في وصف حياة الإنسان العربي، والقريب من الواقع الى درجة كبيرة، تكمن قيمته –من وجهة نظر موضوعية- في تحفيز القوى القومية التقدمية العربية لدراسة واقعها الاجتماعي ومسار تطوره الاجتماعي وخصوصياته التي اختلفت من حيث النشوء التاريخي للشرائح والفئات الرأسمالية بين هذا القطر أو ذاك، ولكن هذا الاختلاف في ظروف النشأة لهذه الشرائح ومنابعها وجذورها، لم يعد قائما في لحظة معينة من التطور المعاصر للبلدان العربية، الذي بات متشابها الى حد كبير في هذه البلدان كافةً.
 فعلى الرغم من الاختلاف في ظروف النشأة التاريخية للشرائح الرأسمالية العربية العليا وتباين أشكالها كما يقول د.محمود عبد الفضيل »حيث نشأت في مصر من أصول زراعية وإقطاعية واضحة، بينما نشأت في سوريا عبر ارتباطها أساسا بالتجارة في المناطق الحضرية والمدن الكبرى، وفي السودان ارتبطت نشأتها بنمو التجارة القافلية البعيدة المدى في أفريقيا، ونشأت في العراق من تداخل التجارة والإقطاع معاً«[8]، إلا أن »تزاوج رأس المال الأجنبي مع الدولة الكولونيالية، وكذلك مع دولة »ما بعد الاستقلال«، لعب أدواراً مهمة في تسهيل عمليةِ نموِّ البورجوازيات المحلية في معظم البلدان العربية وتوسّعِها، الى جانب الدور الهام الذي لعبه رأس المال الأجنبي تاريخياً، »ورأس المال الدولي« حديثاً، خاصة فيما يعرف بحقبة البترودولار، التي شكلت العنوان الأبرز لتبلور العلاقات البرجوازية المشوهة، وكل هذه العوامل هيأت الظروف الموضوعية لنشأة جناح مهم (وخطير) من أجنحة الرأسمالية العربية، المعروف بجناح »البورجوازية الكومبرادورية«[9] التي بات التداخل بينها وبين أجهزة الدولة البيروقراطية –في كل بلدان النظام العربي-، وثيقاً وعضوياً الى درجة أن بعض التحليلات تقول بظهور »الدولة الكومبرادورية«، التي تحكمها »بورجوازية الصفقات« أو اقتصاد المحاسيب والأقارب أو ما أطلق عليه الاقتصادي الإنجليزي المعروف »جون ماينارد كينز« »اقتصاد الكازينو« في إشارته الى الفساد الذي ساهم في تفجير الأزمة الرأسمالية العالمية عام 1929.
إن ظهور هيمنة البورجوازية الكومبرادورية والطفيلية وتحالفها مع البيروقراطية المدنية والعسكرية الحاكمة، ورموز الأنماط القبلية وشبه الإقطاعية في بلادنا العربية، في الظروف الراهنة، يشير الى الدور الثانوي للاختلاف التاريخي في نشأة الشرائح الرأسمالية العربية العليا، التي توحدت اليوم في شكلها ومضمونها العام وأهدافها المنسجمة مع مصالحها الأنانية الضارة، عبر نظام استبدادي، تابع، ومتخلف، يسود ويتحكم في مجمل الحياة السياسية والاجتماعية، كظاهرة عامة، تتجلى فيها بوضوح، الأزمة الاجتماعية العربية الراهنة، بتأثير هذا التداخل العميق والمعقد لرموز الأنماط القديمة والحديثة، ومصالحهم المتشابكة في إطار من العلاقات الاجتماعية الفريدة التي تمتزج فيها أشكال الحداثة وأدواتها مع قيم التخلف وأدواته، ساهمت في إضفاء شكلٍ ومضمونٍ خاصٍ ومتميز للواقع الاجتماعي العربي وتركيبته وخارطته الطبقية، بحيث بات من المفيد مراجعة استخدامنا للمصطلحات الغربية، مراجعة موضوعية ونقدية كي لا نعيد تطبيقها على واقعنا بصورة ميكانيكية، كما فعلنا في المرحلة السابقة، خاصة مصطلح »البورجوازية«، عند تناول الشرائح والفئات الرأسمالية العربية التي تشكلت تاريخياً –و إلى الآن- من هذا المزيج أو التنوع الاجتماعي غير المتجانس أو الموحد سواء في جذوره ومنابعه القديمة، أو في حاضره ومستقبله، فمصطلح »البورجوازية« وغيره من المصطلحات التي تحدثت عن تطور التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية وتسلسلها من المشاعية الى العبودية الى الإقطاع الى الرأسمالية، والتي تطابقت مع مضمون التطور الرأسمالي في البلدان الصناعية الغربية، تكاد تكون مصطلحات غريبة في واقعنا وشكل تطوره المشوه، خاصة وأنها لم تتغلغل في الوعي العفوي أو الاعتيادي للجماهير، وكذلك في صفوف القواعد الحزبية العربية كمفاهيم تحفيزية أو رافعة للوعي السياسي والطبقي، لكون هذا المصطلح أو المفهوم مصطلحاً يكاد يكون وافداً، غريباً، نظراً لعدم تبلور الإطار أو الطبقة في بلادنا بصورة محددة، التي يمكن أن يجسدها أو يعبر عنها أو يشير إليها ذلك المصطلح من جهة، ونظراً لما ينطوي عليه أو يتضمنه هذا المفهوم من إعلان ولادة وتشكل طبقة جديدة هي »البورجوازية« كطبقة قائدة لمرحلة جديدة، حملت معها مشروعاً نهضوياً حضارياً عقلانياً تطورياً مادياً هائلاً، عجّل في توليد التشكيلة الاجتماعية الرأسمالية ومفاهيمها المتطابقة معها من جهة أخرى، وفي هذا السياق نؤكد أن المطالبة بمراجعة المصطلحات ذات الطابع التطبيقي لا يعني مطلقا التطرق الى النظرية الماركسية ومنهجها، والتي نشعر بالحاجة الماسة الى إعادة دراستها وتعميق الالتزام بها في هذه المرحلة وفي المستقبل!!
إن تناولنا لهذه الرؤية التحليلية، لا يعني أنها دعوة إلى وقف التعامل مع هذه المصطلحات، بقدر ما هي دعوة للبحث عن مصطلحات ومفاهيم معرفية أخرى إضافية تعكس طبيعة ومكونات التركيب الاجتماعي /الطبقي في بلادنا العربية، بما يلغي كل أشكال الغربة أو الاغتراب في المفاهيم التي سبق استخدامها بصورة ميكانيكية أو مجردة، بحيث نجعل من التحليل النظري والاجتماعي لواقعنا، في سياق العملية السياسية، أمراً واضحاً ومتطابقاً في كل مفاهيمه ومصطلحاته مع هذا الواقع الشديد التعقيد، الذي يشير إلى ان التطور في بلادنا –كما يقول د. برهان غليون- »ليس بنياناً عصرياً على الرغم من قشرة الحداثة فيه، وهو أيضاً ليس بنياناً قديماً على الرغم من مظاهر القديم، ولكنه نمط هجين من التطور قائم بذاته، فقد عنصر التوازن وأصبحت حركته مرهونة بحركة غيره«، لذلك لا بد من إزالة اللبس والخلط في المفاهيم، الذي ساد طويلاً في الكتابات العربية، وأسهم –إلى حد ما- في تكريس حالة الإرباك الفكري في أوساط القوى اليسارية العربية وعَزَلها عن الجماهير، وليس معنى ذلك، أننا ندعو إلى تكيف الوعي الطليعي العربي المنظم، لمتطلبات الوعي العفوي الجماهيري، بالعكس، إنها دعوة –أو وجهة نظر- تستهدف التعامل مع الوعي العفوي بمنهجية ومفاهيم تعكس تفاصيل الواقع المعاش وتعبِّر عنه بصورة جدلية تدفع به الى التطور والنهوض، انطلاقاً من قناعتنا بمقولة ماركس -في مقدمته لرأس المال- »قل كلمتك وامشِ ودع الناس يقولوا ما يقولون«.
و في سياق الحديث عن طبيعة ومكونات التركيب والمتغيرات الطبقية في بلدان وطننا العربي، وضرورات إزالة الخلط أو اللبس في مصطلحاتها أو مفاهيمها، نتوقف أمام طروحات اثنين من المفكرين العرب هما د.حليم بركات، والراحل د. رمزي زكي، فالأول يطرح في كتابه »المجتمع العربي في القرن العشرين« المشار إليه في هذه الدراسة، مسألة التكون الطبقي في المجتمع العربي ويعيدها إلى »الأصول الرئيسة المتشابكة التالية: ملكية الأراضي والعقارات، والتجارة وملكية رأس المال، النسب العائلي المتوارث، المنصب أو الموقع في السلطة، مع الإشارة الى عدم تساوي هذه العوامل في الأهمية«[10]، ومع تقديرنا لصحة هذا التحليل وانسجامه مع الواقع، إلا أن د. بركات في تصنيفه للطبقات الاجتماعية العربية المعاصرة، يقر بوجود ثلاث طبقات رئيسة: »الطبقة البورجوازية، الطبقة الوسطى، الطبقة الكادحة«، وهي قضية بحاجة الى النقاش، نظراً لشدة التنوع في البنية والانتماءات الاجتماعية العربية التي أشار إليها في مقدمة كتابه.
أما المسألة الثانية فهي ترتبط بتعريف »الطبقة البورجوازية« التي تتضمن كما يشرح د. بركات »شرائح اجتماعية قديمة من الأرستقراطية وكبار الملاك وشيوخ القبائل وكبار علماء الدين، الى جانب كبار الرأسماليين التجاريين والصناعيين والأثرياء الجدد من الأطباء والمحامين«[11]، وهو في تقديرنا، تعريف ملتبس يتناقض مع مصطلح »البورجوازية« المتعارف عليه، كمصطلح حديث، عبّر عن طبقة جديدة تكونت في التاريخ الحديث في سياق صراعها مع الطبقات والشرائح القديمة الأرستقراطية وكبار الملاك ورجال الدين، وبالتالي، لا يجوز القفز عن كيفية تكون الطبقة البرجوازية، وسياقها التاريخي في مرحلة محددة، وكذلك في إطارها العام كطبقة لا مكان فيه للرموز والشرائح القديمة.
المسألة الثالثة، التي ندعو الى تأملها والتفكر فيها ومناقشتها بصورة موضوعية، فهي مسألة »الطبقة الوسطى«، والالتباس حول مفهوم هذه الطبقة وشكل تطورها ووجودها ودورها، وذلك على ضوء كتاب المفكر الراحل د.رمزي زكي »وداعاً للطبقة الوسطى«، ونتناول هنا هذه المسألة عبر الملاحظة التالية:
  لا بد من تحديد المقصود بالطبقة الوسطى وماهيتها منعاً للالتباس والإرباك، تحديداً وإيضاحا للمفهوم ومغزاه أو دلالاته الاجتماعية والسياسية، لأننا نعتقد في ضوء قراءتنا لكتاب »وداعاً للطبقة الوسطى« ان موضوع الكتاب يتناول الطبقة البورجوازية الصغيرة بصورة مباشرة، التي تختلف بكل مكوناتها عن »الطبقة الوسطى« أو ما يعرف عندنا »بالرأسمالية الوطنية« التي لم يبق لها دورٌ رئيسًٌ أو مركزيٌ في مسار التطور الاقتصادي والاجتماعي في البلدان العربية أو في العالم الثالث، ارتباطاً بطبيعة التطور الرأسمالي المعولم الراهن، وشروطه وضغوطاته على بلدان العالم الثالث واحتكاره لأسواقها المحلية المفتوحة بلا أية قيود أو ضوابط، لذلك، فإننا نرى أن استخدام مصطلح »البورجوازية الصغيرة« بشرائحها الثلاث: العليا، والمتوسطة، والدنيا. هو الأكثر دقة واقتراباً وتفسيراً للواقع الاجتماعي في بلادنا، ولا سيما أنه يتفق مع التحليل الماركسي للمجتمع البورجوازي، وهو تحليل يستند –كما هو معروف- إلى المقولة التالية: »في المجتمعات البورجوازية ثمة طبقتان رئيستان متناحرتان: البورجوازية، والبروليتاريا، وتشمل البورجوازية على ثلاثةَ أقسام هي: البورجوازية الكبيرة، والبورجوازية المتوسطة والبورجوازية الصغيرة، وهذه الأخيرة تتوزع على ثلاث شرائحَ: العليا، والمتوسطة، والدنيا، وهي الطبقة الأقدم في التاريخ، والأكثر تعقيداً في أوضاعها الداخلية وتركيبتها، وقد تناولها بالتعريف والتشخيص ماركس وانجلز ولينين وغيرهم من المفكرين الماركسيين، نذكر منهم في بلادنا، المفكر الماركسي الراحل د. فؤاد مرسي، الذي أكد على أن »الحرفيين وصغار المنتجين وأصحاب الحوانيت وصغار الفلاحين والموظفين، يشكلون جميعاً ما يسمى بالبورجوازية الصغيرة، أكثر الطبقات عدداً وأوسعها نفوذاً وأبعدها أثراً في مجتمعنا«[12]. والمفارقة هنا ان هذا التعريف لا يختلف من حيث المضمون مع ما قدمه د. رمزي زكي الذي ينبهنا في كتابه إلى أنه »يستخدم مصطلح الطبقة الوسطى تجاوزاً، لأنه مصطلح هلامي وفضفاض يفتقدُ الدقة العلمية، ولأن هذا المصطلح يضم في الواقع كتلة واسعة من الفئات الاجتماعية التي تتباين في حجم دخلها، وهي طبقة غير منسجمة، يسودها مختلف ألوان الفكر الاجتماعي والسياسي، لأنها تضم مختلف الشرائح الاجتماعية التي تعيش بشكل أساس على المُرتَّبات المكتسبة من الحكومة والقطاع العام والخدمات والمهن الحرة، ويطلق على أصحابها: ذوي الياقات البيضاء يتوزعون على ثلاث شرائح: عليا ومتوسطة ودنيا«[13].
إن تسجيلنا لهذه الملاحظة، شكل من الاجتهاد يستهدف العودة بمفهوم كل من »الطبقة الوسطى« و»البورجوازية الصغيرة« ووضعه* في إطاره الصحيح، منعاً للإرباك في تحليلنا للأوضاع الاجتماعية ومكوناتها وأزمتها في بلادنا.
المسألة الأخيرة التي نتناولها في سياق الحديث عن الأزمة الاجتماعية في الأوضاع العربية الراهنة، تتعلق بمفهوم »المجتمع المدني« -موضوع هذه الدراسة- الذي انتشر في بلادنا خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين.
فعلى الرغم من تداول هذا المفهوم في الأوساط النخبوية الحكومية وغير الحكومية، في بعض البلدان العربية، إلا أن هذه الظاهرة -كما أشرنا من قبل- لا تعني وجوداً أو تبلوراً لمجتمع مدني عربي كما يروج البعض، إذ أننا ما زلنا في مرحلة ما قبل الحداثة أو ما قبل المجتمع المدني، وإنّ كلَّ ما يتبدى على السطح، في الواقع المادي أو في المفاهيم، من مظاهر حداثية لا يعدو أن يكون شكلاً فقط بدون أي محتوى حقيقي يعبر عنها، والشاهد على ذلك بصورة حية، مسار التطور الاجتماعي العربي في سياقه التاريخي العام، القديم والحديث، هذا المسار لم يستطع حتى اللحظة، بسبب عوامل خارجية وداخلية مهيمنة، فرز أو بلورة طبقات بالمعنى الحقيقي، والواسع للكلمة، أي »طبقات بذاتها« تستطيع التعبير عن مصالحها الاقتصادية والسياسية، وتدافع عنها ككتلة طبقية موحدة مدركة لوجودها الموضوعي، ففي غياب هذا التبلور الطبقي، واستمرار سيطرة الأنماط القديمة، تشكلت في بلادنا حالة طبقية مشوهة، امتزجت فيها، كل العلاقات الاجتماعية المرتبطة بالأنماط القديمة والحديثة معاً، تبدو واضحة اليوم عبر ما نشاهده في كل مجتمعاتنا من استمرار وجود وتأثير العلاقات البدوية القبلية والحمائلية والعائلية والطائفية، والعلاقات شبه الإقطاعية التي اختلطت بالعلاقات الاجتماعية الرأسمالية الحديثة، وكونت هذا المزيج أو التشكل الطبقي المشوه والسائد –حتى اليوم- في كل مكونات البنية المجتمعية، الفوقية والتحتية بهذه الدرجة أو تلك، وبالتالي فإن الحديث عن مجتمع مدني، في إطار هذا المزيج أو الشكل المرقع من »الجماعات« ما قبل الحداثة أو المدنية، مسألة تحتاج إلى المراجعة الهادئة التي تستهدف تشخيص الواقع الاجتماعي العربي، وأزمته المستعصية الراهنة، تشخيصاً يسعى إلى صياغة البديل الديمقراطي القومي وآلياته الديمقراطية وصولاً إلى تفعيل مفاهيم وأدوات ومؤسسات المجتمع المدني في إطار النضال الوطني والقومي، التحرري والديمقراطي المطلبي معاً، ففي هذا السياق وحده، نستطيع نفي الطابع الطارئ والمستحدث الوافد لمفهوم المجتمع المدني من جهة، ونستطيع أيضاً نفي واقع الإبهام والغموض الذي يشوب الحديث عنه في هذا المناخ المهزوم والمأزوم، حيث ترعرع مفهوم »المجتمع المدني والديمقراطية الليبرالية« وبات مألوفاً من كثرة تداوله في معظم »الحوارات والندوات وورش العمل التي تعقدها بعض القوى السياسية وتروج لها المنظمات غير الحكومية، وهي »حوارات وورشات عمل« استطاعت الانتشار والتوسع في العديد من الدول العربية في أوساط نخبة يتكرر حضورها في هذه الندوة أو الورشة أو تلك بصورة شبه دائمة، وهي ظاهرة تدعو إلى إثارة الانتباه والتأمل، وليس الاستغراب، من حيث أن هذه »الورش والندوات« التي »نجحت« في القفز بمفاهيم المجتمع المدني والديمقراطية الليبرالية، والوصول بها إلى أعلى سلم الأولويات في الإطار الضيق »للنخبة السياسية« التي تخلى معظم رموزها عن مواقفهم اليسارية السابقة، لم تنجح –بالمقابل- في الوصول أو التغلغل بأي شكل من الأشكال إلى الأوساط الجماهيرية الشعبية، وإن دل ذلك على شيء، فإنما يدل على غربة هذه المفاهيم بطابعها وجوهرها الليبرالي عن الواقع من جهة، وغرابة صيغها وعناوينها الفرعية المتعددة، وشكل عباراتها المركب بصورة لا يمكن للجماهير أن تستوعبها، نورد بعضاً منها على سبيل المثال: »التمكين في المشاركة« »الشراكة الجديدة بين الدولة والأسواق«، »تنمية قدرات الإنسان«، »تقدير الفقر بمشاركة الفقراء في وضع استراتيجيات تخفيف فقرهم!« »تنمية المبادرات المحلية«، »المنظمات الأهلية والديمقراطية والتنمية المستدامة«، »دور المنظمات الأهلية مع القطاع الخاص«، »التنمية البشرية من منطلق الأطفال«، »الجندر«، »عمليات التشبيك«، »الليبرالية والخصخصة واقتصاد السوق«.. الخ. وهي عبارات غريبة في معظمها عن واقعنا، مما جعل منها عبارات عامة ومبهمة و»جديدة« حلت محل المفاهيم المعادية للإمبريالية والصهيونية ومفاهيم التحرر القومي والوحدة والعدالة الاجتماعية والاشتراكية، وأضيفت إلى مفردات اللغة والخطاب السياسي الهابط، الذي حدد النظام الرأسمالي المعولم الجديد، أسسه ومنطلقاته الليبرالية، الفكرية والسياسية العامة، وترك هامشاً للمنظمات غير الحكومية في العالم العربي، والعالم الثالث لتمارس دورها أو قناعاتها الجديدة، أو مشاريعها ومخططاتها المرسومة لها والتي قد تحمل في طياتها -في اللحظة الراهنة من الهبوط السياسي المريع- توجه بعض هذه المنظمات (عبر تأثير ودور شخوصها السياسية الكاريزمية) لتأسيس أحزاب سياسية ليبرالية اجتماعية جديدة في بلدان الوطن العربي عموما، وفي فلسطين بشكل خاص، تبتعد بصورة أساس عن جوهر المشروع الوطني المقاوم للاحتلال الصهيوني تحت غطاء البرنامج الاجتماعي الديمقراطي الداخلي، وحقوق الإنسان والتنمية، وبدعم تمويلي خارجي كبير لمساعدة هذه »الأحزاب الوليدة« وضمان فوزها في أية انتخابات قادمة، بعد إسدال الستار على المشهد الوطني في المرحلة الماضية لكي تكون هذه الأحزاب عنوانا للمشهد القادم.
وفي هذا السياق لا بد من الإشارة الى تلك الازدواجية أو المفارقة الغريبة، التي تمارسها دول النظام الرأسمالي الغربي، فهي من جهة تساند وتدعم جميع الأنظمة والمؤسسات الاستبدادية المتخلفة في بلادنا بصورة منهجية واضحة، وتقوم عبر هذا الزيف الليبرالي بدعم المنظمات غير الحكومية دفاعاً عن الديمقراطية وحقوق الإنسان من جهة أخرى!؟ أية ديمقراطية هذه؟ وما طبيعة هذا المجتمع المدني الذين يروجون له وما أهدافه؟ إنها الديمقراطية المغربة، النخبوية، الفوقية، والمعزولة عن الجماهير، ما يؤكد على ذلك أن جميع المنظمات غير الحكومية –في البلدان العربية- لم يستطع أي منها الاعتماد في تمويل مشاريعه على المجتمع المحلي ولو بنسبة 20% فقط؟! بسبب اعتماد هذه المنظمات على الآخر الأجنبي من جهة، وفشلها في إقامة أي شكل من أشكال العلاقة الواسعة والثابتة مع الجماهير أو المجتمع المحلي من جهة ثانية، مع أن عدد هذه المنظمات يزيد -كما أشرنا من قبل عن- (75) ألف منظمة [14]  تنتشر في بلدان الوطن العربي على السطح بلا أي جذور أو تمدد، بما يؤكد تقويم المفكر العربي سمير أمين لهذه المنظمات بقوله »إن الطفرة في المنظمات غير الحكومية، تتجاوب الى حد كبير مع استراتيجية العولمة، الهادفة الى عدم تسييس شعوب العالم، وهي انسجام أو إعادة تنظيم لإدارة المجتمع من قبل القوى المسيطرة«.
و في هذا المشهد الملتبس داخلياً، في إطار النظام العربي المأزوم والمهزوم، وخارجياً على الصعيد العالمي، وخاصة بعد انهيار الثنائية القطبية ومعادلاتها وضوابطها السابقة، يصبح الحديث عن مفاهيم المجتمع المدني، نتاجاً مباشراً لهذا المشهد الجديد، وعوامله ومحدداته الخارجية، وليس نتاجاً لمعطيات وضرورات التطور الاجتماعي –الاقتصادي-السياسي في بلادنا، إذ أن الحديث عن المجتمع المدني العربي، هو حديث عن مرحلة تطورية لم ندخل أعماقها بعد، ولم نتعاطَ مع أدواتها ومعطياتها المعرفية العقلانية التي تحل محل الأدوات والمعطيات المتخلفة الموروثة، مثالنا على ذلك صارخٌ في وضوحه لمن يريد أن يستدل عليه، فالبورجوازية الأوروبية –التي كانت ثورية في مراحلها الأولى- في عصر النهضة أو الحداثة، جابهت الموروث السلفي اللاهوتي الجامد، بالعقل والعقد الاجتماعي، وجابهت الحكم الثيوقراطي والأوتوقراطي الفردي بالعلمانية والديمقراطية، وجابهت الامتيازات الأرستقراطية والطبقية بالحقوق الطبيعية، كما جابهت تراتبية الحسب والنسب واللقب بالمساواة الحقوقية والمدنية، بين جميع المواطنين، فأين نحن العرب من كل ذلك؟ ونجيب بوضوح، ان مجتمعنا العربي اليوم، هو »مجتمع بلا مجتمع مدني«، فطالما كانت بلادُنا في زمنٍ غير حداثيٍّ / حضاريٍّ ولا تنتسب له، بالمعنى الجوهري، فإن العودة إلى القديم أو ما يسمى بإعادة إنتاج التخلف سيظل أمراً طبيعياً فيها، يعزز استمرار هيمنة المشروع الاستعماري المعولم على مقدراتنا واستمرار قيامه فقط بإدارة الأزمة في بلادنا من دون أي محاولة لحلها سوى بالمزيد من الأزمات.
أمام هذا الواقع المعقد والمشوه، وفي مجابهته، ندرك أهمية الحديث عن المجتمع المدني وضروراته، ولكن بعيداً عن المحددات والعوامل الخارجية والداخلية، المستندة إلى حرية السوق والليبرالية، لأننا نرى أن صيغة مفهوم المجتمع المدني وفق النمط الليبرالي، فرضية لا يمكن أن تحقق مصالح جماهيرنا الشعبية، لأنها تتعاطى وتنسجم مع التركيبة الاجتماعية-الاقتصادية التابعة والمشوهة من جهة، وتتعاطى مع المفهوم المجرد للمجتمع المدني في الإطار السياسي الاجتماعي الضيق للنخبة ومصالحها المشتركة في إطار الحكم أو خارجه.
المسألة الأخرى التي ندعو الى إعمال الفكر فيها، تتمثل في تلك الفجوة بين الإطار الضيق لأصحاب السلطة والملتفين حولها من جهة، والإطار الواسع للجماهير الشعبية الفقيرة من جهة أخرى، وهي ظاهرة قابلة للتزايد والاتساع والتفاقم، عبر التراكم المتصاعد للثروة، الذي يؤدي –كنتيجة منطقية أو حتمية- إلى تزايد أعداد الجماهير الفقيرة المقموعة والمضطهدة تاريخياً، وتعرضها إلى أوضاع غير قابلة للاحتمال أو الصمت، مما يضعها أمام خيارين: إما الميل نحو الإحباط أو الاستسلام واليأس، أو الميل نحو المقاومة والمجابهة السياسية الديمقراطية، أو العنيفة، تحت غطاء اجتماعي أو ديني،- كما هو الحال في الانتفاضات العربية - أكثر بما لا يقاس   من ميلها نحو الاقتناع بالهامش الليبرالي وشكله المحدود، للخلاص من وضعها وأزماتها المستعصية.
  إن إدراكنا لهذه الفروق الجوهرية، يدلنا على كيفية التعامل مع مفهوم المجتمع المدني، وأية مفاهيم أخرى، وفق خصوصية تطورنا الاجتماعي التاريخي والمعاصر، المختلفة نوعياً عن مجرى وطبيعة التطور في البلدان الغربية، وما يتطلبه ذلك الإدراك من تحويل في المفاهيم بحيث تصبح مقطوعة الصلة مع دلالاتها السابقة، التي تمحورت فقط عند الإشارة إلى المجتمع المدني كضرورة في خدمة عمليات التنافس الاقتصادي بين الأفراد على قاعدة حرية السوق في إطار الليبرالية الجديدة وآلياتها المتوحشة في نظام العولمة الراهن.
وفي هذا السياق، فإن رؤيتنا لمفهومِ المجتمعِ المدني وتطبيقاته في بلادنا، تتجاوز التجزئة القطرية لأي بلد عربي، تتجاوزها كوحدة تحليلية قائمة بذاتها (مع إدراكنا لتجذر هذه الحالة القطرية ورسوخها)، نحو رؤية اشتراكية ديمقراطية قومية -تدرجية- تنطلق من الضرورة التاريخية لوحدة الأمة -المجتمع العربي، وتتعاطى مع الإطار القومي كوحدة تحليلية واحدة، ثقافياً واجتماعياً وسياسياً، في بنيتها التحتية ومستوياتها الجماهيرية الشعبية على وجه الخصوص. على أن الشرط الأول للوصول الى هذه الرؤية -الهدف، يكمن في توحد المفاهيم والأسس العامة، الأيديولوجية، والسياسية، والاقتصادية-الاجتماعية، للأحزاب والقوى والفصائل اليسارية الديمقراطية العربية داخل الإطار الخاص في كل دولة قطرية عربية على حدة كخطوة أولية، تمهد للتوحد المعرفي والسياسي العام الذي يسبق التوحد التنظيمي المطلوب تحققه كضرورة تاريخية، في مرحلة لاحقة، بعد توفر وإنضاج عوامله الموضوعية والذاتية، وذلك »بإيلاء الأيديولوجيا أهمية وصلاحية غير عاديتين في المقاربة الماركسية العربية للتجريبي والممكن، فالماركسية العربية -كما يقول مهدي عامل- لم تكن في جملتها سوى فلسفة أخلاقية للتعبئة، وأنها كانت تبعا لذلك قاصرة عن ان تبدع برنامجها النظري السياسي، من هنا أهمية التركيز على حقل المعرفة كحقل مميز من حقول الصراع الطبقي«[15] ذلك إن وحدة المفاهيم أو الإطار المعرفي السياسي، ووضوحها لدى هذه الأحزاب والقوى، ارتباطاً بوضوح تفاصيل مكونات الواقع الاجتماعي -الاقتصادي-الثقافي العربي، ستدفع نحو توليد الوعي بضرورة وحدة العمل المنظم المشترك، وخلق »المثقف الجمعي العربي« عبر الإطار التنظيمي الديمقراطي الاشتراكي الموحد من ناحية وبما يعزز ويوسع إمكانيات الفعل الموجه نحو تحقيق شروط »الهيمنة الثقافية« في أوساط الجماهير الشعبية من ناحية ثانية، وذلك إدراكا منا لهدف جرامشي الحقيقي، أو البعيد، من استخدامه لمقولة »الهيمنة الثقافية«، فهو  " رغم إضافته الهيمنة الثقافية وجعلها ساحة الصراع الأساسية في المرحلة ما قبل الثورية، إلا أنه بعيد كل البعد عن إحالة مهمات التغيير على عاتق المجتمع المدني القائمة، فالأدوات الأساسية للتغيير التي يجب أن يعمل من خلالها، المثقفون العضويون الذين يحملون فكر التغيير، هي الحزب الاشتراكي من أجل تحقيق الهيمنة الأيديولوجية الكفيلة بإزالة الفرق بين الدولة والمجتمع، ذلك إن مفهوم المجتمع المدني عنده، ليس هو مفهوم الاتحادات والجمعيات الطوعية والمؤسسات المدنية القائمة على التواصل العقلاني، على العكس من ذلك، يعتقد جرامشي أن مسألة الهيمنة الثقافية لا يمكن حسمها عقلانياً، وإن الحزب القادر على الهيمنة الثقافية هو »الحزب الاشتراكي«، القادر بمثقفيه العضويين، أي الذين يتحزبون بوضوح لفئة اجتماعية بعينها، على التحول من ثقافة النخبة الى ثقافة الجماهير، وعلى تملك مشاعر الجماهير وأحلامهم، والتحول الى مُركّب من مركبات هويتها الثقافية، والتحول الى »دين جديد« (أو فكرة مركزية توحيدية) يزود الناس بمعنى لحياتهم، ويجندهم باتجاه التغيير نحو مجتمع أفضل«[16]، يكون هدف النضال السياسي فيه كسر وانهاء استبداد الأنظمة وتجاوزها، وإخراج الجماهير الشعبية من حالة الإحباط والركود، وتفعيل دورها الذاتي المدرك لوجوده، كميدان رئيس للفعل الجماعي والارادة الشعبية الخلاقة لتحقيق أهدافها في التحرر القومي والديمقراطي، عبر التصدي ومقاومة العدوانية الصهيونية الإمبريالية على بلادنا، وإزاحتها من جهة، في موازاة النضال من اجل التحرر الديمقراطي الاجتماعي الداخلي وفق قواعد الاعتماد العربي على الذات للخلاص من التبعية والتخلف وتحقيق الديمقراطية وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية من جهة ثانية.
بهذا التصور، يصبح تعاملنا مع مفهوم المجتمع المدني، مرحلياً، وبعيداً عن المشروع الرأسمالي وحرية السوق والليبرالية الجديدة، وبالقطيعة معها، دون أن نتخطى أو نقطع مع دلالات النهضة والحداثة في الحضارة الغربية من الناحية المعرفية والعقلانية والعلمية والديمقراطية وجميع المفاهيم الحداثية الأخرى، وتسخيرها في خدمة أهدافنا في التحرر القومي والبناء الاجتماعي التقدمي بآفاقه الاشتراكية كمخرج وحيد لتجاوز أزمة مجتمعنا العربي المستعصية، مدركين أن هذه الأهداف تتشابك وتترابط بشكل وثيق مع الأهداف الإنسانية بصورة عامة، ومع أهداف الشعوب الفقيرة في العالم الثالث خصوصاً من اجل إخضاع مقتضيات العولمة لاحتياجات شعوب هذه البلدان وتقدمها الاجتماعي، ومن أجل الإسهام في بناء النظام السياسي العالمي الجديد الرافض لسلطة رأس المال الاحتكاري. لقد حانت اللحظة للعمل الجاد المنظم في سبيل تأسيس عولمة نقيضة من نوع آخر عبر أممية جديدة، ثورية وعصرية وإنسانية.
 
 


[1] كارل ماركس-رأس المال –الجزء الأول –ترجمة محمد عيتاني-مكتبة المعارف-بيروت –1975 –ص7.
[2] جاد الجباعي –التبعية وإشكالية التأخر التاريخي- كتاب جدل – العدد الثالث-مؤسسة عيبال-قبرص-1992 –ص145.
[3]  د. محمود عبد الفضيل –التشكيلات الاجتماعية والطبقية في الوطن العربي- مركز دراسات الوحدة- بيروت-1988 - ص99.
* المعروف أن »مصطلح البرجوازية« هو مصطلح له دلالة اجتماعية-سياسية-ثقافية، إذ أن كلمة برجوازية -كما يقول د.محمود عبد الفضيل- تفيد معنى »التمدن« في نمط وأسلوب الحياة والأفكار والنظرة، (محمود عبد الفضيل -مصدر سبق ذكره- ص144) فعلى سبيل المثال: إن مفهوم »البرجوازية« أو البرجوازي لا ينطوي في بلادنا عموما على ذات المعنى الذي ينطوي عليه ضمن سياق أوروبي، إذ يستخدم هذا المصطلح في سياق الكتابات العربية حول الأوضاع والعلاقات الطبقية، ليعني طبقة تتطلع الى القيام بالدور نفسه الذي قامت به نظيرتها الأوروبية ولكن من دون أن يكون لديها نفس القدر من السلطات الاقتصادية والنظرة الاجتماعية.
[4] مهدي عامل –النظرية في الممارسة السياسية-دار الفارابي-الطبعة الثالثة-بيروت-1990-ص356.
[5] د. حليم بركات –المجتمع العربي في القرن العشرين –مركز دراسات الوحدة العربية –بيروت-تموز 2000-ص19.
[6] د.حليم بركات –المصدر السابق- ص24.
[7] د. هشام شرابي-البنية البطريركية-سلسلة السياسة والمجتمع-دار الطليعة-بيروت-1987-ص30.
[8] د.محمود عبد الفضيل –مصدر سبق ذكره- ص137/138.
[9] المصدر السابق – ص140.
[10] د. حليم بركات – مصدر سبق ذكره- ص327.
[11] د.حليم بركات-المصدر السابق-ص.
[12] د. فؤاد مرسي –البورجوازية الصغيرة.. الوضع الطبقي.. والموقف الفكري- الطليعة-القاهرة-يوليو 1969 –ص10.
[13] د. رمزي زكي –وداعاً للطبقة الوسطى-دار المستقبل العربي-القاهرة-1997 –ص84/85.
* الهاء في ووضعه: تعود على »مفهوم« في السطر السابق.
[14] المفارقة أن معظم هذه المنظمات في فلسطين والوطن العربي، لم تقم بعقد أية مؤتمرات داخلية لانتخاب هيئاتها ومجالس إداراتها بصورة ديمقراطية منذ تأسيسها الى اليوم، على الرغم من تداولها الكمي الواسع لموضوع الديمقراطية والتعددية السياسية في كافة المحافل ووسائل الإعلام؟!
[15] د.طاهر لبيب-جرامشي وقضايا المجتمع المدني-مركز البحوث العربية-القاهرة-1991-ص164
[16] د.عزمي بشارة- مصدر سبق ذكره- ص169/170.



#غازي_الصوراني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول سؤال ما الماركسية ودور قوى اليسار العربي في الانتفاضات ا ...
- مرة ثانية : محاولة للإجابة على سؤال - هل انتهت الفلسفة؟-
- مراحل تطور الرأسمالية ودور القوى الماركسية في الخروج من الاز ...
- ضد الهبوط السياسي .. ومن أجل المستقبل .. على الرغم من ظلام ا ...
- وجهة نظر حول : -استحقاق أيلول أو مشروع الاعتراف بالدولة الفل ...
- رداً على تقرير -جيفري بالمر- الحقوق الثابتة لشعبنا الفلسطيني ...
- أبو علي مصطفى في ذكراه العاشرة
- وثائق المؤتمرات الوطنية للجبهة الشعبية : بوصلة رفاقنا للمرحل ...
- المؤتمر الوطني السادس – تموز 2000 (7/7)
- الوثيقتين، النظرية و التنظيمية ، الصادرتين عن المؤتمر الوطني ...
- المؤتمر الوطني الخامس للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (5 / 7 )
- المؤتمر الوطني الرابع للجبهة لتحرير فلسطين ( 4 / 7 )
- المؤتمر الوطني الثالث للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ( 3 / 7 )
- المؤتمر الوطني الثاني للجبهة الشعبية - شباط 1969 - ( 2 / 7 )
- ولادة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين* 1 / 7
- صفحات من تاريخ حركة القوميين العرب
- حول تغيير اسم وكالة الغوث والصراع من أجل حق العودة
- في راهنية الانتفاضات العربية ومستقبلها
- تطور مفهوم المجتمع المدني
- حول أزمة أحزاب وفصائل اليسار العربي .. النهوض أو إسدال الستا ...


المزيد.....




- نيويورك.. الناجون من حصار لينينغراد يدينون توجه واشنطن لإحيا ...
- محتجون في كينيا يدعون لاتخاذ إجراءات بشأن تغير المناخ
- التنظيمات الليبراليةَّ على ضوء موقفها من تعديل مدونة الأسرة ...
- غايات الدولة في تعديل مدونة الاسرة بالمغرب
- الرفيق حنا غريب الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني في حوار ...
- يونس سراج ضيف برنامج “شباب في الواجهة” – حلقة 16 أبريل 2024 ...
- مسيرة وطنية للمتصرفين، صباح السبت 20 أبريل 2024 انطلاقا من ب ...
- فاتح ماي 2024 تحت شعار: “تحصين المكتسبات والحقوق والتصدي للم ...
- بلاغ الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع إثر اجتماع ...
- صدور أسبوعية المناضل-ة عدد 18 أبريل 2024


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - غازي الصوراني - المجتمعات العربية وأكذوبة المجتمع المدني