أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد بودواهي - دولة المخزن والسيرورة التي لا تريد أن تنتهي















المزيد.....

دولة المخزن والسيرورة التي لا تريد أن تنتهي


محمد بودواهي

الحوار المتمدن-العدد: 3533 - 2011 / 11 / 1 - 18:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في المغرب تسجل مؤسسة المخزن حضورا قويا في جميع تضاريس المجتمع وتفيد كثيرا في تفسير معطيات المشهد السياسي والثقافي والمجتمعي . تحيل المؤسسة المخزنية مفهوميا على الكثير من الوظائف ، لكنها تظل أكثر اتصالا بحقل السلطة بكل ما تعنيه من قوة إلزامية قهرية تفرض الطاعة والإدعان والامتثال للأوامر . فهي تعني نظاما للحكم يتميز عن أي نظام سياسي آخر بمخزنيته ، كما تشير إلى الوظيفة السلطوية للدولة والحكومة . فأيا كانت الظاهرة المخزنية التي تبصم المجتمع المغربي فإن لها علاقات وصلات مباشرة وغير مباشرة مع ظواهر أخرى ، ومع الفائت منها تحديدا ، ولهدا يبدو مهما وضروريا أن ننطلق من الماضي نحو الحاضر لفحص المخزن كسلطة وكوظيفة ولعلاقاته المفترضة للإقتراب أكثر من حقيقته .
إن حضورية المخزن في مغرب ما قبل الاستعمار الكولونيالي وأثنائه أيضا تحرض على البحث عن ظروف الانطلاق والنشأة وكدا اختراقه لجميع تفاصيل المشهد المجتمعي المغربي . فبداية المؤسسة المخزنية انطلقت ماليا وانتهت سلطويا وسياسيا موجهة لسلوك الأفراد فارضة عليهم الطاعة والإدعان . وظهور كلمة مخزن ارتبطت فعلا بسلطة المال ، وهي بالإضافة إلى إشارتها إلى المكان الدي تحفظ فيه الأموال ، فهي تشير إلى كل العاملين المكلفين بالخزن والحفظ ، وإلى عماله الدين يعملون في دائرته . وبحكم السلطة التي يوفرها المال ، وبالنظر إلى الظروف القهرية والقمعية التي يجمع عن طريقها هدا المال ، فقد صارت لمؤسسة المخزن سلطة خاصة تجدرت وتقوت في الجسم المجتمعي ، وبدلك انتقلت المهام المخزنية من جانبها المالي الاقتصادي البحت إلى مجال السلطة والحكم بامتياز .
والمخزن في حقيقته لم يكن فقط دولة أو حكومة كما هو معروف في القاموس السياسي وإنما نظاما خاصا للحكم والتحكم والسيطرة ، فهو عبارة عن سلطة خاصة تقوم على دعم السلطة المركزية اعتمادا على القوة العسكرية لتثبيت امتداداتها الطبيعية والقسرية في النسيج المجتمعي القبلي الدي لم يكن خاضعا لتلك السلطة عبر تاريخه الطويل . فقد كان يستخلص الضرائب ويقوم بوظيفة التحكيم في المجال العقاري ، فضلا عن فرض مبدأ الرقابة ، وعلى طول هده العمليات التي تغلفها سلطة قهرية متسلطة واصل المخزن امتداداته وسجل حضوره على كافة الأصعدة وبكافة الأشكال .
ولقد كان العنف خيارا استراتيجيا في المشروع المخزني في مواجهة بلاد القبائل وهو ما يفسر تلك السلطة المطلقة التي كانت في يد مسؤولي إداراته المختلفة . غير أن بالإضافة إلى هدا الخيار القمعي العسكري الدي كان يستعمل عند الضرورة ، كان المخزن يعمل على توظيف آليات أخرى يحبل بها الواقع المجتمعي تفيد كثيرا في تكريس الوضع القائم والقبول بسياسة الخضوع والإدعان أهمها العنصر الديني لما يتضمنه من دلالات رمزية . وفي هدا الإطار قام المخزن بتوطيد علاقاته مع الزوايا خدوة لأهدافه ومصالحه التي تنحصر بالضبط في إحكام القبضة على جميع القبائل التي كانت تمثل ما يسمى بنظام ( السيبة ) .
ومصطلح المخزن غالبا ما يحمل دلالة فيها غضاضة لأنه يرتبط بأسلوب الإدارة العتيقة المحكم الدي يقاوم الحريات الواسعة . وملامح المخزن تبقى غامضة حيث أن الحكومة نفسها لا تعد جزءا منه . يختار المخزن أعضاءه أساسا على طريقة المحسوبية من خلال استخدام شبكاته الخاصة . فهو عتيق ورجعي ومتطور جدا في توزيع كل من السلطة والثروة باستخدام الزبونية والمحسوبية قصد ربط المجتمع المغربي بالعرش واستمالة الكثير من معارضيه ومنتقديه ، ويعتبر المسؤول عن تفشي الفساد والرشوة والتخلف وعلى القمع والاضطهاد وغياب الديموقراطية ، وعلى ما يسمى بسنوات الرصاص ، وتتمثل طريقته في الحكم على توزيع الأموال والأراضي والسيارات الفاخرة والتراخيص والامتيازات في مجالات اقتصادية محكمة مثل حفر واستخراج الرمال أو تصاريح النقل والصيد أو غظ الطرف عن أداء الضرائب ، من أجل شراء الولاء والتبعية من أعضائه أو لاكتساب أعضاء جدد ....
لقد انتبهت السوسيولوجيا الاستعمارية مبكرا لهده الوظائف التدجينية التي يضطلع بها المخزن في المجتمع المغربي ، ولهدا أوصت الإقامة الفرنسية بعدم هدم هده المؤسسات المخزنية بل بتدعيم حضورها وتقويتها فعمدت إلى إعادة الدفء لها واهتمت بها كموضوعة متميزة حتى لا تراهن دوما على البعد العسكري بل تلجأ إليها أحيانا كوسيلة في خدمة الشرعية والمشروعية ولو بمعناها الشكلي .
يحتل مصطلح المخزن حيزا كبيرا في الخطاب السياسي المغربي ، والكثير من كتابات الفاعلين السياسيين تشير إلى أن جوهر إشكالية الانتقال الديموقراطي بالمغرب هو طبيعة البنية المخزنية للسلطة سواء كانت سياسية اقتصادية أو ثقافية ، ثم كتافة استعمال هدا المصطلح لدى فئة واسعة من المواطنين وبمضامين غالبا ما ترتبط بالعنف والتسلط والفساد والرشوة والحكم خارج القانون ... ومن هنا يصبح المخزن في الموروث الشعبي غير جدير بالثقة ، بل ومن المفروض على كل مغربي أن يأخد منه الحدر ...
فسلطة المخزن ، وبفضل ما تتوفر عليه من آليات مؤسساتية ، وبفضل ما تستثمره من علاقات مع الهياكل المجتمعية الأخرى ، وما توظفه من دعائم إيديولوجية ، تصير في النهاية سلطة فوق السلط ، توجه وتنمط وتدجن وفق معطيات القائم من الأوضاع وخدمة لما يرتضيه الدين يستفيدون فعلا من هده السلط . وهي بدلك تتبوأ مرتبة أولى في نظام السلطة والحكم في المغرب . هدا النظام الدي يتكون إجمالا من ثلاث أنظمة متداخلة هي :
السلطة المخزنية التي هي سلطة السلط ، والإدارة والحكومة ويعتبر البرلمان أحد توابعها ، والسلطة الاقتصادية والمالية التي ارتبطت بالسوق السوداء والاحتكارات والرشوة والمخدرات والتي تتحرك في غالب الأحيان تحت حماية السلطة . والسلطة المخزنية تبقى فوق كل السلط الأخرى نظريا وعمليا وهي المالكة للقوة والتوجيه ، ولهدا ينعدم مبدأ الاختصاص ويصير اجتياح كل المجالات المجتمعية أمرا مفروضا ، حيث يغدو الفصل بين السلطات الدي يؤكد الخيار الديموقراطي غير دي اهمية في المشروع المخزني . فالمخزن القوي هو مخزن لا مكان فيه لفصل السلطات ، وبدلك يكون هو الفاعل الوحيد الدي يراكم تجربة السلطة ويستطيع بلورة أهداف شمولية والتحكم في آليات التدبير والتنفيد . فهو المؤسسة الوحيدة التي استطاعت أن تحافظ على وجودها الرمزي والفعلي داخل المجتمع المغربي وتمكنت من الاستفادة من التحولات التكنولوجية التي عرفها العالم ابتداء من احتكاكها بالستعمار الفرنسي .
فحتى إن كان هدا المخزن العتيد يسعى إلى مأسسة عمله وإلى إضفاء الشرعية والمشروعية على جل ما يقوم به بهدف الامتداد والتجدر في أعماق المجتمع إلا أنه لم يقطع مع ممارساته التقليدية . فالتغيير الدي يلوح به لا يعدو أن يكون تغييرا ظاهريا ومناسباتيا ، دلك ان التوجه المخزني التقليدي الهادف دوما إلى الاحتواء والضبظ والقهر هو ما يتم الاتكاء عليه . فهو مصر بآلياته ومؤسساته على اختراق كل الهيئات والوظائف والفعاليات المجتمعية والسياسية واستثمار كل كافة الإمكانيات والسلط الرمزية سعيا وراء المخزنة الشاملة . مخزنة لها تصورها الخاص ومشروعها المجتمعي ، نخبها ، مريدوها ، ديموقراطيتها الفريدة ، إجماعها الدي هو فريضة وواجب ديني .....
غير أن التطورات الحالية التي تعرفها المنطقة في ظل الدينامية الثورية ، وحركة الشعب المغربي في إطار حركة 20 فبراير من أجل الحرية والكرامة والديموقراطية والعدالة الاجتماعية ، بعد أن تفاقم الوضع وتراكمت المحن واشتد الظلم ودوست الكرامات وقهرت الأنفس ، وبعد أن باح صوت الشعب دون أن يجد له آدانا صاغية من أجل أن تنتقل الدولة المغربية من المخزنية إلى الديموقراطية وبشكل سلمي وسلس .... ألا يبحث هدا المخزن على أن تنعرج هده السيرورة إلى اتخاد العنف الثوري سبيلا ، أو على الأقل أن تنتقل الحركة بأجندتها النضالية إلى أساليب الاعتصام والعصيان المدني المنظم ؟؟؟



#محمد_بودواهي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا خلاص لشعوب المنطقة إلا في الاشتراكية ... وفي وجود قيادات ...
- ما هي الطبيعية الوجودية ؟
- الثورات العربية والشمال إفريقية : حجمها وأفقها....
- الرأسمالية المأزومة والنهوض الشعبي المتوقع
- الأحزاب الشيوعية ومهام الحاضر
- المفهوم الضيق والمتناقض للهويات والإثنيات والقوميات عند السي ...
- مقال السيد سعيد الكحل وعصا الابتزاز
- حركة 20 فبراير: الإنجازات والتحديات ....
- الملكية التنفيدية ودولة المخزن ( الحرايمية )
- من دولة المخزن إلى دولة القانون
- مطالب الإصلاح والأفق المفتوح للسيرورة النضالية في المغرب
- محطة 20 مارس والتحديات المطروحة على الدولة المغربية
- الثورة الليبية والمؤامرة الغربية المدبرة
- تطورات الوضع في المغرب في ظل الدينامية النضالية الإقليمية
- المغرب والجزائر : بين الاتفاقيات الرسمية المشبوهة وضرورة الت ...
- الأسباب الكامنة وراء تأخر المغرب في مواكبة الانتفاضات الشمال ...
- القدافي - الثائر - والقدافي المتسلط
- ملخص للأجواء التي تمت فيها تظاهرة 20 فبراير في مدينة خنيفرة
- القيادة العسكرية وتخوفات الشعب المشروعة من إجهاض أهداف الثور ...
- الثورة المصرية وبوادر الجمهورية الثانية


المزيد.....




- قناة أمريكية: إسرائيل لن توجه ضربتها الانتقامية لإيران قبل ع ...
- وفاة السوري مُطعم زوار المسجد النبوي بالمجان لـ40 عاما
- نزلها على جهازك.. استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 20 ...
- سلي أولادك وعلمهم دينهم.. تردد قناة طيور الجنة على نايل سات ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- نزلها الآن بنقرة واحدة من الريموت “تردد قناة طيور الجنة 2024 ...
- قصة السوري إسماعيل الزعيم -أبو السباع-.. مطعم زوار المسجد ال ...
- كاتب يهودي: المجتمع اليهودي بأمريكا منقسم بسبب حرب الإبادة ا ...
- بايدن: ايران تريد تدمير إسرائيل ولن نسمح بمحو الدولة اليهودي ...
- أستراليا: الشرطة تعتبر عملية طعن أسقف الكنيسة الأشورية -عملا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد بودواهي - دولة المخزن والسيرورة التي لا تريد أن تنتهي